الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليبرالية المتآسلمين - الحلقة الاولى

هشام حتاته

2010 / 9 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مرت البشرية عبر رحلتها التطورية الطويلة باكتشافات أو حوادث مفصلية كان لها اثرها العميق فى القفز بها نحو الحضارة والرقى ، فقد كان لاكتشاف النار الفضل فى التحول من التوحش الى البشرية ، وكان لاكتشاف الزراعة الفضل فى تكون اول التجمعات القروية مما ادى بالتالى الى اكتشاف اللغة لينتقل المخلوق الارضى من المرحلة البشرية الى اوائل المراحل الانسانية ، وكذا فى تاريخ الشعوب وايضا فى تاريخ كل انسان .
كانت الاديان الابراهيمية الثلاث ( اليهودية والمسيحية والاسلام ) احدى تلك المراحل المفصلية فى التاريخ الانسانى ، ولكن رجال الدين – وتلك صناعتهم ومصدر رزقهم منذ انبثاق الظاهرة الدينية - ثبتوها عند اللحظة التى انبثق فيها النص الدينى وادعوا لها الصلاحية الابدية ، فهى كلمة الله ولاتبديل لها .
ومع بدايات الثورة الصناعية والاكتشافات العلمية وفك رموز اللغة الهيروغليفية فى مصر والمسمارية فى بلاد الرافدين - منابت الحضارة الانسانية الاولى فى الشرق الاوسط – اهتزت كثير من الثوابت الدينية ، فلا طوفان نوح كان عام 2450 ق.م ولاعمر آدم على الارض لايزيد عن ستة آلاف عام ، وظهرت الفلسفة الاوروبية الحديثة لتعلى من قيمة الانسان على اساس انه صانع تاريخه وصانع حضارته ، وبدأت قيم حقوق الانسان وتبلورت بمجموعة القيم الليبرالية وترسخت بالفكر العلمانى فى رحلة تطورية بشرية بدأت بدوى اصوات الثائرين امام اسوار سجن الباستيل فى باريس وهم يرددون شعار الثورة الفرنسية ( العدل – الاخاء – المساواة) وبعدها بقرن من الزمان نسمع صوت داعية حقوق الانسان الامريكى " توماس جيفرسون " يجلجل :
ــ نحن لايهمنا لونك ، ولايهمنا دينك ، يهمنا ان تعطى هذا البلد افضل ماعندك وسيعطيك هذا البلد افضـــل ماعنــدك ، لانه ماذا يهمنى ان كنت تعبد الها او تعبــد حمـــــارا ..
وبعد حربين عالميتين راح ضحاياها حوالى ثلاثين مليونا من البشر تطهر الفكرالغربى بالماء والدم ، ونشأت منظمة الامم المتحدة لتعلن فى المادة 18 من ميثاقها لحقوق الانسان عام 1948 مبدأ حرية العقيدة ضمن مجموعة مبادى حقوق الانسان( لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة.) وتحفظت على هذه المادة كل من مصر ولبنان وبعض الدول الاسلامية الاخرى . ويلاحظ انه فى هذا التاريخ كانت مصر تعيش مرحلة ليبرالية معقولة وقبل ان يخترقها الفكر الوهابى المتشدد بعدها باكثر من ثلاثين عاما ...!!. ويتبلور الفكر العلمانى على ارض الواقع لنرى رئيسا امريكيا اسودا من اصول افريقية ومسلمة يحكم من البيت الابيض .
حقوق الانسان والليبرالية والعلمانية هى محصلة تجارب انسانية تفاعلت وتجادلت مع الواقع عبر التاريخ لتصل بالغرب الى تقدم صناعى واقتصادى وانسانى لم يسبق له مثيل .
ولكن سادتنا رجال الدين ومع الثبات على المبدأ والصلاحية لكل زمان ومكان وقفوا ينظرون كيف يبنى الغرب قواعد المجد وحدة ..... !! فنراهم مرة يقولون ان الله سخرهم ( الغرب الكافر ) لخدمتنا فهم ينتجون ويخترعون ونح نشترى باموالنا مانحتاجه منهم ( رحم الله امامنا الشعرواى صاحب هذا القول السديد ) ومرة يقولون ان الله اعطاهم الدنيا واعطى المسلمين الآخرة ، ومرة يردد الوهابيين السلفيين انه عقاب الهى لأننا اهملنا امور الدين ...... !! احترنا معكم ياسادة ..!
ومع ثروة النفط فى نهاية سبعينات القرن الماضى يستعمل الوهابى كل منتج الغـــرب ( الكافر...!!) من اعلام مرئى ومسموع وتبدأ حملة شحن وتعبئة لتعويض النقص والدونية والقزمية وذلك بتكفير الغرب ، تصل قمتها الى احداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 على الولايبات المتحدة الامريكية ثم تفجيرات مدريد ولندن ، ليصحو الغرب على حقيقة ان من آواهم – لايمانه بقيم التسامح الدينى ومنظومة حقوق الانسان - وفتح لهم المساجد والمراكز الاسلامية واعطاهم اماحق اللجوء للاسلاميين الهاربين من احكام بالسجن فى بلادهم يرى الغرب انها صادرة من محاكم عسكرية ضمن قوانين استثنائية ، او حق المواطنه الكاملة للمهاجرين الهاربين من بلاد اسلامية لم توفر لهم الحد الادنى للمعيشه ، يهاجمونه ايضا فى عقر دارة ويحاولوا ان يفرضو عليه ثقافتهم الاسلامية .... !! وكانت مفارقة عجيبة .

اهتزت الرياض والدمام فى مملكة آل سعود وهى المعروفة بقسوة وعنف نظامها الحاكم والتى لم تشهد حتى عراك الشوارع اوحتى مظاهرات التأييد ، وخرج الجن من القمقم واحرق صانعية ، وبالاضافة الى الضغوط الغربية بدأ مايعرف فى معظم الدول العربية بتطوير الخطاب الدينى اعتمدت بشكل اساسى على آيات التسامح الدينى للفترة المكية عندما كان الاسلام ضعيفا بى بدايته المكية قبل الهجرة وانتصار بدر وفتح مكة التى اعطت الامر بقتال غير المؤمنين بالدعو الاسلامية ، ولكن كان لدى الوهابيين الاصوليين السلفيين آيات فترة الانتصار فى المدينة متسلحين بعلمن الناسخ والمنسوخ الذى اخترعه الفقهاء للتوفيق بين التضـــــــــــاد
( الظاهرى ) بين آيات الفترتين والذى يقول ان ايات الانتصار فى المدينة نسخت احكام ايات الضعف فى مكة . وبدلا من تغيير الاليات التى اعتمد عليها قدامى الفقهاء فى استخراج الاحكام
فيما عرف بعلوم القرآن ( الناسخ والمنسوخ – العبرة بعموم اللفظ وليس خصوص السبب – كل من انكر معلوما من الدين بالضرورة فهو كافر - درء المفسدة مقدم على جلب المنفعه... ....!!) تركت آيات مكه للاصلاحييين وآيات المدينة للسلفيين ، وسواء هنا او هناك وقف النص عند لحظة انبثاقة ثابتا ابديا رغم مرور اكثر من الف وربعمائة عام تغيرت فيها مفاهيم وتبدلت رؤى . وارتقى فيها الغرب حضاريا حتى وصل الى ماقلناه من قبل من حقوق الانسان ومجموعة القيم الليبرالية وهم الابناء الشرعيين للعلمانية .
وبدلا من تطوير الخطاب الدينى بوضع آليات جديدة لاستخراج الاحكام ( سنتعرض لهذا فى دراسة اخرى ) رأينا القفز على الليبرالية بادعاءات - ممن يطلق عليهم رجال الدين المستنيرين - ان الشورى هى الديمقراطية وان الاسلام كفل كامل حقوق المرأة والاقليات وحرية العقيدة وان الجهاد هو الدفاع عن الاوطان ( سعاد صالح – جمال البنا – خالد الجندى – عمرو خالد – معز مسعود ..... !!) وان بقى السلفيين على حالهم وان تبنوا الرأى القائل بأن الجهاد هو للدفاع الاسلام ( لاحظ :الاسلام وليس الاوطان .. !!) ومع موجة الاسلام الليبرالى راينا كتابا وصحفيين من رؤساء تحرير الصحف الشباب يرددون نفس الكلام وان بطرق مختلفة ( الكاتب الصحفى نبيل شرف الدين المحسوب على العلمانية - رئيس تحرير جريدة " الازمة اون لاين الالكترونية والتى يمولها رجل الاعمال القبطى العلمانى " نجيب ساويرس " حيث تترأس مجلس ادارتها " نيفين ساويرس .... !!! - يجرى مقابلة على فضائية الفراعين 30/8/2010 يقول نصا : ان الاسلام اكثر الديانات ليبرالية ... ، ونلاحظ انه قبلها بشهرين وفى برنامج اضاءات للسيد/ الدخيل على قناة العربية يعلن استتابته مرتين مرددا الشهادتين ...!!) . ورأيناعلى الساحة السياسية تحالف كل من حزب الوفد " الليبرالى " وجبهة البرادعى " المفترض فيها الليبرالية " مع جماعة الاخوان المسلمين ..... !!
استطيع ان افهم ليبرالية الاسلام عندما تجتمع منظمة العالم الاسلامى ( وعلى رأسها السعودية المصدر الرئيسى للتطرف والارهاب ) لتعلن على العالم :
** الاعتذار للعالم عن المجازر التى ارتكبت - ومازالت - باسم الاسلام
** ان كل انسان حر فى اختيار العقيدة التى يختارها
** احترام اديان وعقائد الاخرين
** ان النصوص الدينية التى يعتنقها الفكر السلفى المتشدد كانت نتاج جدلها مع الواقع ضمن زمان ومكان الرسالة الاسلامية وانها مرحلة من مراحل التطور البشرى ، وان الدين علاقة روحانية خاصة جدا بين الانسان والله ، وان علينا امور دنيانا .
لقد اعتذرت الكنيسة الكاثوليكية عن الحروب الصليبية ، واعتذرت امريكا عن تجارة البشر واعتذرت تركيا عن ابادة الارمن ، واخيرا دفعت ايطاليا تعويضا لليبيا عن فترة الاحتلال واعتذرت اليابان عن احتلالها للكوريتين . فهل لدينا الشجاعة لمثل هذا الاعتذار ، واصدار مثل هذا البيان
هل لدينا الجرأة أن نصدر بيانا كما أصدر من قبل مجمع الفاتيكان الثاني الذي انعقد بين عامي 62- 1965 في مقر الفاتيكان بروما واتخذ قرارات جريئة في الانفتاح على العالم ، ومعلوم أن الفاتيكان كان يعادي الحداثة بشكل عام طيلة القرنين التاسع عشر والعشرين وحتى انعقاد ذلك المجمع الكنسي ، ويمكن القول بأن القرارات اللاهوتية التي اتخذها تشكل مصالحة تاريخية بين المسيحية ومبادئ عصر التنوير. فقد أقر مثلا، بمبدأ الحرية الدينية لأول مرة في تاريخ اللاهوت المسيحي ، ففي الماضي كان المرء كافرا ولا خلاص لروحه خارج الكنيسة ، بمعنى إذا لم يكن مسيحيا فهو مضل ، ومهما كان طيبا وخلوقا ، فإن مصير روحه إلى العذاب حتما، وبالتالي فينبغي على جميع الناس أن يصبحوا مسيحيين كي ينجوا بأرواحهم وكي يحظوا بعفو الله ومرضاته. وأما بدءا من الفاتيكان الثاني فقد أصبح الإنسان حرا في أن يؤمن أو لا يؤمن، وإذا ما آمن عن إكراه وقسر فلا ينفع إيمانه، بل وإن اتباع الديانات الأخرى غير المسيحية كالهندوسية ، والبوذية واليهودية والإسلام ، يستحقون الاحترام ، وإيمانهم له قيمته ، وإن كان الإيمان المسيحي يظل هو الأمل. كما واعترف المجمع الكنسي المذكور بحق العلماء في دراسة التوراة والأناجيل طبقا للمنهج التاريخي، وكان ذلك يمثل حدثا تاريخيا بالفعل .
حتى صدور هذا البيان لانستطيع ان نتحدث عن ليبرالية الدين ، لانستطيع الجمع بين ضدين ، احدهما انسانى بشرى متغير نتاج القرن العشرين ، والثانى مقدس ثابت نتاج القرن السابع ، وسنتعرض فى المقال القادم لثلاثة من القيم العلمانية الراسخة والموقف الدينى منها بالنصوص واحداث التاريخ وهى :
** حرية العقيدة
** حقوق المرأة والاقليات
** التداول السلمى للسلطة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وهل سيعتذر المسلم نيابة عن الله
حكيم العارف ( 2010 / 9 / 9 - 07:17 )
الفكر الاسلامى استحالة التغيير .... الكلام عن اعتزار الاسلام باقامة مذابح والابادة والحروب لن يحدث ... لسبب واحد ان المسلم لم يفعل هذا من نفسه بل هو يتبع تعاليم سمائيه ...!!!!

وهل سيعتذر المسلم نيابة عن الله (لانه هوالمحرض الفعلى عن طريق القران)
اوهل يعتذر الله عن ارهابه للعالم بواسطة المسلمين !!!

الاسلام قالب واحد وليس للتجزئه ( قران واحاديث وسنه).... والا ... فانت كافر ويجب قتلك ...هاها.

فى المسيحيه ديننا غالى جدا علينا لذلك لانفرضه على الناس ونرهبهم ونقتلهم من اجله ... لانه غالى واللى محتاج قيمته يجئ هو بنفسه اليه ويتحمل العذاب من اجل الاحتفاظ به..


2 - الاسلام شجرة تين عقيمة
رغد سليمان ( 2010 / 9 / 9 - 09:08 )
لقد استهلك الاسلام والبلاد الواقعة في نيره من البحث والدراسات والجهود والانشغالات ما أفاد نصفه في انقاذ المجتمعات وتطوير صورة الحياة واستحقاق الألفية الثانية والثالثة، أما الحركات الاصلاحية والثورية في الاسلام فكانت تتعرض للحرب والوأد في مكانها وما نجح منها قليلا أو مؤقتا الصقت به التهم ووصم بالكفر والزندقة. وكان رد فعل كل من تلك الحركات ردود أفعال سلفية أكثر من سابقاتها وليس آخرها ما دعي الاسلام السياسي ومجازره التاريخية الراهنة والدامغة في كل بلاد العالم ، والتي أكدت أنها ليست سلفية الفكر فحسب وانما سلفية الأدوات عند اعتماد السيف والخنجر في القرن الواحد والعشرين وقطع الأيدي والأسنة والرقاب وفرض الحجاب العقلي والجسمي وما إلى ذلك. ان مشكلة الاسلام هي البداوة. ومشكلة البداوة في الجينات العقلية، وهذا هو أساس رفض التغيير والمفاخرة بالموجود والسلف
أليس عربيا القائل
ان الفتى من قال أنذا.. ليس الفتى من قال كان أبي
ولكن البذرة الاساسية ما زالت ترفض التغيير والتخلف أقوى من الحضارة حين تغيب مكانة العقل، مع الشكر للكاتب على عنائه ومساهمته


3 - الاسلام دين الرحمة
مسلم تارك دينه ( 2010 / 9 / 9 - 10:50 )
الاديان جميعا يعوزها المنطق ولكنها على الاقل تتضمن حدا من المبادئ والمثل والقيم والاخلاق الفاضلة لاتجدها في الدين الاسلامي ولا في سلوك محمد .تعال واقرا هذه الاية التالية:يا إيها النبي حرض المؤمنين على القتال...فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب صدق الله العظيم
معقولة هذا الرب الذين يدعونه هلكد دموي وسادي ويتلذذ بقتل الناس الذي هو خلقهم؟

اخر الافلام

.. 163-An-Nisa


.. السياسي اليميني جوردان بارديلا: سأحظر الإخوان في فرنسا إذا و




.. إبراهيم عبد المجيد: لهذا السبب شكر بن غوريون تنظيم الإخوان ف


.. #جوردان_بارديلا يعلن عزمه حظر الإخوان المسلمين في حال وصوله




.. رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء تستطلع هلال المحرم لعام 1446