الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الفكر و قيم الإنحطاط

محمد بقوح

2010 / 9 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ثمة علاقة صراع بين قيم الفكر التي تهدف إلى البناء و مقاومة الفساد بكل مظاهره ، و قيم الانحطاط السائدة في واقع كل المجتمعات ، و التي تحظى أكثر بقبول الفكر الانهزامي الجامد ، و العاجز عن إحداث الطفرات النوعية ذات الفعالية في مستوى الفعل العقلاني الخالص .
هكذا ، يحصل اختلاف جوهري إن لم نقل تناقض صارخ بين نمطي التفكيرين معا ، التنويري و العقلاني بطابعه التقدمي و التغييري الطامح إلى التأسيس و البناء ، و التقليدي النصي الراكض بطابعه السلفي و المحافظ على المعايير السائدة و القيم الشائعة بين عامة الناس ، و كذا المهيمنة بتوجيه مقصود و مفروض ، من قبل القوى الاجتماعية و السياسية الحاكمة ، ذات السلطان القوي سواء المادي أو الرمزي .

لكن ، حين نعود إلى التاريخ ، سنجد أن جل المراحل التي شهدها هذا التاريخ كانت تعرف هذا النوع من الصراع القديم و الجديد بين ، الفكر الإيجابي و المفكر النزيه و الخالص الذي يبغي الصالح العام ، و يقاوم و يناضل من أجل أن تسود و تحيى قيم الفكر الحقيقية بين الناس ، و الفكر السلبي و المفكر الانتهازي طوعا و اختيارا أو جهلا ، و الذي يمارس عملية التفكير المحدود الفعالية داخل دائرة النص الضيقة ، التي هي أصلا مقيدة و محاصرة أو موظفة من قبل جهات قوية عليا سلبية و متسلطة و متحكم فيها ، ارتباطا بمصالحها و أهدافها .
ففي المجال الفلسفي مثلا ، لا أحد يشك في أن قضية محنة أبو الفلاسفة سقراط تعتبر من القضايا الأساسية و الخطيرة ، التي ستبقى وصمة عار على جبين التاريخ الفكري البشري ، ليس فقط لأن الفيلسوف اليوناني سقراط كان ضحية الفكر التقليدي المحافظ ، بوجهه السياسي و الاجتماعي الذي كان مسيطرا في عصره ( أثينا ) ، بل كانت الفلسفة التنويرية ذات النزعة النقدية لقيم الانحطاط و الثبات ، هي المعنية بهذه المحنة بالذات .. أي تم إعدام الفيلسوف سقراط ، لا لأنه ناقش مع الشباب قضايا فلسفية حساسة ، تتعلق بمبحث المعرفة و علاقتها بمصير ذات الإنسان ، و بكيفية فيها الكثير من الجرأة و القوة العقلانية المعتمدة على الجدل و الإقناع ، رغم أن هذا العامل لا يقل أهمية في موضوعنا ، و لكن السلطة ببعدها السياسي الحاكم المستبد ، و الاجتماعي التمييزي و الطبقي و كذا الفلسفي المتواطئ ، كانت تعتبر فيلسوفنا سقراط حاملا لمشروع فلسفي و فكري مختلف جديد و خطير ، كان يهدد مصالح الطبقة الحاكمة و المسيطرة ، سواء سياسيا أو اجتماعيا أو فكريا أو فلسفيا ( نستحضر هنا بالخصوص فلسفة السوفسطائيين ) ، لهذا يجب وضع - حسب اعتقادهم - الحد لهذا الفكر النقدي الثائر الجديد ، قبل أن يتقوى و تكون له شعبية أوسع و أكبر من شعبية الفكر السلطوي السائد . و هنا تكمن خطورة التفكير الفلسفي السقراطي ، في زمنه ، و بالتالي سيبقى التاريخ يذكره بهذا الاختيار الأخلاقي بالدرجة الأولى ، لأنه قاومهم فكريا ، و لما ثبت فشلهم في التصدي لأفكاره الفلسفية و النقدية الرافضة للوضع العام كما هو ، ارتأوا و قرروا التخلص منه جسديا ، ليتم إعدام الجسد .. جسد سقراط الحكيم ، و يبقى الفكر النقدي .. العقل المعرفي حيا و فاعلا في التاريخ ..الأبدي .

و إذا تركنا المجال الفلسفي و انتقلنا إلى المجال الديني ، و الذي يمكن اعتباره من أهم المجالات الحيوية ، التي يراهن عليها فكر السلطة التقليدي المحافظ لبسط سيطرته و تعميق هيمنته ، بحكم الاقتراب الكبير الموجود بين ما هو ديني و العقلية الشعبية العادية ، سنلاحظ نفس المعطيات المرتبطة بكون معظم المفكرين الإسلاميين مثلا الذين تجرؤوا و تناولوا بعض القضايا الأساسية ، في المجتمع من وجهة نظر نقدية مختلفة ، ووجهوا بكل أشكال العنف المادي و الرمزي ، و نستحضر هنا محنة المفكر و الفقيه القدير ابن تيمية ، و كذا حديثا محنة المفكر المصري المجتهد نصر حامد أبو زيد ..

هناك دوما إذن ، صراع - و الصراع جزء من الحياة و سبب التطور - و جدل بين فكر سائد محمي و موجه و مستفيد ، و فكر معارض و ثوري رافض للقيم السائدة و طبيعة التعاملات العامة و الخاصة ، التي تجري تحت مظلة الفكر السائد المهيمن ، بدعوى أنها تعاملات و أخلاقيات و عقلية عاجزة أو أرادت أن تكون كذلك ، تفتقر إلى اللمسة الإنسانية التي يطمح إليها كل مواطن ، يرغب أن يعيش سعيدا و كريما في بلده الأم ، و مجتمعه الأكبر الذي هو الحياة ، كالعدالة و المساواة و الديمقراطية الحقيقية ، التي تعني جميع مواطني المجتمع ، بما فيهم الفقراء و المعوزين و الأطفال و النساء ... و هلم جرا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أتفق معك حتي في التفاصيل
محمد حسين يونس ( 2010 / 9 / 10 - 08:21 )
الفلسفة هي طوق النجاة لامتنا و في تبسيطها وتقديمها للقارىء الغير متخصص مهمة قام بها من قبل معظم رواد التنوير الذين تعلمنا منهم ..وعندما توارت استطاع فقهاء الزوايا الاستيلاء علي الشارع..الست معي أن الامر يحتاج لمحاولة شكرا علي جهدك الذى عادة ما احرص علي قرائتة


2 - تعليق
سيمون خوري ( 2010 / 9 / 10 - 08:52 )
الأخ الكاتب المحترم شكراً لك على هذه المادة الرصينة والجميلة . مع التحية والتقدير .

اخر الافلام

.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقل 300 طن من المساعدات إلى قطاع غزة




.. حزب الله اللبناني.. أسلحة جديدة على خط التصعيد | #الظهيرة


.. هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم




.. حزب الله يعلن استهداف تجمع لجنود إسرائيليين في محيط ثكنة برا