الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماهية اللغة

صاحب الربيعي

2010 / 9 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اللغة ليست سلسلة كلمات ومرادفات منطوقة، ولا هي رموز واشارات يستخدمها الفرد للتواصل مع المحيط، كما أنها ليست عبارات جامدة لمسميات ملموسة أو غير ملموسة في الواقع. إنها كائنات حية فلكل مفردة لغوية محمول معرفي متوارث عبر الأجيال يعبر عن ماهية المادة بوصفها الجامد وبجوهرها الحي الذي يعكس صورتها في ذهن المتلقي الذي يعي ماهيتها ومحمولها المعرفي التاريخي الذي اكتسبه بإنتمائه للأمة، فاللغة لم تخلقها الطبيعة وإنما صنعها بشر ينتمون إلى أمة حية توارثوا محمولاتها المعرفية الحسية عبر الزمن وأضافوا إليها محمولات معرفية جديدة أفرزها الواقع الراهن لتكون صالحة للتعبير عن متطلبات المستقبل.
إن اللغات الحية للأمم عبر التاريخ تعدّ خزين معرفي برسم الاستعارة للأمم التي تعاني ضعفاً في لغاتها ومحمولاتها المعرفية الحسية وتفتقد قدرة التعبير عن متطلباتها، فحين لا يجد المرء في لغته الأم الآليات الملائمة للتواصل مع الآخرين يستعير لغتهم للتعبير عن متطلباته.
كما أن اللغة ليست أداة تواصل وحسب، بل تعبيراً عن ثقافة أمة تحفظها سلسلة الكلمات والمعاني كمحمول للتعبير عن ماهيتها، وبذلك تضيف للمتحدثين بها من غير أبنائها الكثير من الثقافة الموروثة والحاضرة.
يقول (( هيردر )) : " إن اللغة ليست مجرد وسيلة اتصال للتعبير عن الذات، وإنما هي عنوان ثقافة الأمة وأداتها ".
تعدّ اللغة حامل للخزين المعرفي للأمة عبر الأجيال فكلما كان غنياً عظم شأنها وشأن أبناءها وكلما كان فقيراً قل شأنها وشأن أبنائها. وفي المحصلة فإنها لغة معرفية حية حاملة لإرث الأمة للأجيال الحاضرة، واللغة الميتة تعدّ اللغة الفقيرة بخزينها المعرفي لإرث الأمة الضئيل لأجيالها الحاضرة التي لا تستخدمها إلا في الحدود الضيقة لعدم قدرتها التعبير عن متطلباتها في المحيط الاجتماعي فتضطر لاستعارة لغة الآخرين للتواصل معهم.
إن اللغة بعدّها وسيلة اتصال لابد أن تتوافق آلياتها مع الحاضر لتكون قادرة التعبير عنه بالاستعانة بمخزونها المعرفي أو مزاوجته مع آليات الحاضر لانتاج معرفة جديدة تصلح للاستخدام والتداول الاجتماعي لتلبية متطلبات الفرد، فكلما تطورت ثقافة أمة ما تطور محمول لغتها المعرفي لتصبح قابلة للتوارث عبر الأجيال بعدّها دالة معرفية حية تتواؤم مع آليات الحاضر والمستقبل.
يعتقد (( نبيل علي )) " أن اللغة بأدواتها هي وسيلتنا لاصلاح عقولنا ولتنمية تفكيرنا وزيادة إسهامنا في انتاج المعرفة في الحضارة الانسانية ".
وعند عدم توافق اللغة مع آليات الحاضر، يقل محمولها المعرفي فتموت مع الزمن لعدم صلاحيتها للاستخدام والتداول للتعبير عن متطلبات الواقع، فموت اللغة يعدّ دالة على تضاءل شأن الأمة في النسق الحضاري للإنسانية فتفقد القدرة على العطاء والمساهمة في الحضارة الانسانية فينحدر شأنها بين الأمم الأخرى.
إن اللغات الحية لا تقاس بعدد المتحدثين بها من أبناء الأمة ذاتها وحسب، بل قدرتها على استقطاب أبناء الأمم الأخرى للتحدث بها لما تحمله من خزين معرفي يلبي متطلبات الحاضر. وبما أنها وسيلة معرفية للتواصل مع الآخرين لا يمكن تعين حدود تطورها لارتباطه بالحاضر فتنمو معرفياً خلال اللحظات الزمنية من عمرها باكتسابها لمعارف جديدة، فكلما أفرز الواقع ظاهرة جديدة عبرت اللغة عنها بعدّها نتاجاً لمعرفة جديدة. وفي المحصلة فإنها نتاج مزاوجة بين الأرث المعرفي لمخزون اللغة والمعرفة الجديدة للحاضر. كما أنها ليست أداة منفصلة عن الواقع وإنما متواصلة مع أحداثه ليصار إلى فهمه وإدراكه بعدّه واقعاً لحراك أفراده داخل النظام الاجتماعي.
يعتقد (( نعوم تشومسكي )) " أن اللغة هي الاستخدام اللامحدود لموارد محدودة ".
إن ماهية اللغة يمكن عدّها أرث معرفي متواصل من عمق الحضارة الأولى للأمة ويقاس حاضرها بمدى مساهمته في الحضارة الانسانية، فاللغة الحية شأنها من شأن الأمة في النسق الحضاري للإنسانية فكلما كانت مساهماتها المعرفية كبيرة علا شأنها بين الأمم، وكلما كانت مساهماتها المعرفية عبر التاريخ قليلة تدنى شأنها بين الأمم فتضطر لاستعارة لغة الآخرين للتعبير عن متطلباتها في الحاضر والمستقبل.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل الفلج.. مغامرة مثيرة لمصعب الكيومي - نقطة


.. رائحة غريبة تسبب مرضًا شديدًا على متن رحلة جوية




.. روسيا تتوقع «اتفاقية تعاون شامل» جديدة مع إيران «قريباً جداً


.. -الشباب والهجرة والبطالة- تهيمن على انتخابات موريتانيا | #مر




.. فرنسا.. إنها الحرب الأهلية!