الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطاهر وطار: الوجه الآخر

عبد القادر أنيس

2010 / 9 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما دفعني لكتابة هذه المقالة هو ما لمسته عند الكثير ممن كتب عنه في الحوار المتمدن، بمناسبة رحيله، من تغييب لوجه آخر للطاهر وطار كمثقف وكروائي خلال العشرين سنة الأخيرة من حياته على الأقل.
للطاهر وطار، إذن، وجه آخر يختلف كثيرا، حد التناقض، عن الوجه الأول الذي عرفناه له من خلال مواقفه ورواياته ومجموعاته القصصية الأولى (اللاز، الزلزال، العشق والموت في الزمن الحراشي (اللاز الثانية)، عرس بغل، الشهداء يعودون هذا الأسبوع، الحوات والقصر، ...).
في أعماله الأخيرة: تجربة في العشق، الشمعة والدهاليز، الولي الصالح يعود إلى مقامه، ... وفي تدخلاته عبر وسائل الإعلام راح وطار، شيئا فشيئا، يتخلص من تركته اليسارية، حتى بلغ به الأمر حد التعبير عن الندم، خاصة مما كان ذا ميل شيوعي ومعاد للإسلاميين مثلما جاء في آخر روايته اليسارية "العشق والموت في الزمن الحراشي" (1978)، التي انتصر فيها للتوجه الاشتراكي لبومدين ولثوراته الثلاث كما استعاد فيها اللاز وعيه ووقف وطار إلى جانب الطلبة المتطوعين (الشيوعيين) ضد الطلبة الإسلاميين ومؤيديهم من القوى المعادية للاشتراكية و للثورة الزراعية.
حينذاك كان الطاهر وطار على قناعة راسخة وثقة عمياء بمسار التاريخ، وهو القائل في روايته (العشق والموت في الزمن الحراشي ص 120):
"لن يكون في الجزائر سادات. يستحيل ذلك. هذا الشعب، هو صانع الثوريين، وكل من سيأتي بعد الهواري، لن يستطيع إلا أن يكون على يساره، لكي يضمن الالتحام مع الشعب. ثم إن ظروفنا، تختلف، كل الاختلاف عن ظروف مصر. فلا الإقطاع هنا، هو الإقطاع هناك، ولا الأرستقراطية هي الأرستقراطية، ولا البرجوازية هي البرجوازية، ولا الجيش هو الجيش بالإضافة إلى الخبرة لدى لطبقة العاملة والمناضلين العماليين، المكتسبة من المعايشة المباشرة للرأسمال في أعلى أشكاله".
ولكن عندما حصلت الجزائر على "ساداتها" بعد موت بومدين تبخرت كل قناعات الطاهر وطار، وذابت كل المستحيلات، بما فيها مستحيلات وطار اليسارية. لم يكتف وطار بالتنكر لهذه القناعات بل راح يتبنى ويدافع عن أضدادها بل ويؤيد من أخرجهم سادات الجزائر من القمقم كما فعل سادات مصر مع إخوانها، حسب تعبير هيكل، فحل عباسي مدني محل بومدين وحل علي بلحاج محل لينين، وحل حزب الجبهة الإسلامية محل الحزب العمالي البروليتاري. نلمس هذا جليا في رواية الشمعة والدهاليز التي سوف أقدم للقارئ مقتطفات كثيرة منها توضيحا لما أزعم أنه سقوط محزن دراميّ ليساري ماركسي.
فماذا حدث حتى يُحدِث وطار كل هذا الانقلاب في توجهاته وقناعاته وتحالفاته؟
هنا لا بد أن أشير إلى أن وطار ظل دائما إلى غاية وفاته يزعم أنه باق على عهده في نصرة الكادحين والعمال والمظلومين ومعاداة الإمبريالية والبرجوازية مع إدراج المثقفين، خاصة المفرنسين، في الجزائر ضمن أعداء الكادحين والعمال والمظلومين.
فهل أصبحت توجهات وبرامج ومواقف الإسلاميين تلبي قناعات وطار اليسارية؟
الإسلاميون في الجزائر لم يزعموا لأنفسهم هذا الدور أبدا، ولا يمكن أن يفعلوا. هم كانوا خليطا غير متجانس اجتماعيا وسياسيا وفكريا. خطابهم ديني قروسطي في صبغة شعبوية سطت على التراث القومي والاشتراكي بعد أسلمته وتقديمه للناس في ثوب إسلام ثوري معاد للطاغوت كما يقولون وبرامج مائعة لا تجوّع الذئب ولا تغضب الراعي كما يقول المثل الجزائري. هم يتباكون على الفقراء المساكين في الظاهر ولكن أكبر مموليهم من أثرياء السوق السوداء والتجار وحكومات البترودولار. معاداتهم للماركسية والاشتراكية والاشتراكية غير خافية، معاداتهم للمرأة وتحررها غير خافية. معاداتهم للتنظيم السياسي والنقابي العصري غير خاف أيضا. معاداتهم للديمقراطية والحرية والعلمانية والمواطنة والمساواة واضحة، ولم يحاولوا أبدا إخفاءها. كان علي بلحاج يقول دائما تجاه النساء: "لن نعطي للمرأة إلا ما أعطاها الإسلام". ولا أخال الطاهر وطار يجهل ما أعطاها الإسلام.
كان علي بلحاج، لينين الطاهر وطار في "الشمعة والدهاليز"، يقول في جريدة حزبه: "اعلموا إخوة الإسلام أننا نحن معشر المسلمين نرفض عقيدة الديمقراطية الكافرة رفضا جازما لا تردد فيه ولا تلعثم... لأنها تسوي بين الإيمان والكفر ولأن الديمقراطية تعني الحريات المطلقة والحرية من شعارات الماسونية لإفساد العالم... ولأن السيادة في الإسلام للشرع وفي الديمقراطية للشعب وللغوغاء وكل ناعق... ولأن الديمقراطية معناها حاكمية الجماهير ... ولأن الأغلبية خرافة ... بينما الديمقراطية هي حكم الأقلية لا الأغلبية كما يشاع ولأن مخالفة اليهود والنصارى من أصول ديننا كون الديمقراطية بدعة يهودية نصرانية- (مقتطفات من مقال مطول صدر في كتيب بالمملكة العربية السعودية، نشر أول مرة بجريدة المنقذ للجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر بتاريخ 23/24/25/ 1990).
لماذا تغير وطار إلى هذا الحد وهو يسمع هذا الكلام ويشاهده في تصرفات الإخوان اليومية ومواقفهم وفي كل حركاتهم وسكناتهم؟
هل هو سيف الإرهاب المسلط على الرقاب؟
هل هو الإحباط الذي أمسك بخناقه وقتل فيه حتى القدرة على الإبداع بعد موت الهواري وبداية التراجع عن خياراته اليسارية؟
هل إن قناعاته كانت مجرد قشرة سطحية سرعان ما انقشعت مع هبوب أولى الرياح المضادة؟
هل هي الغيرة والنفاق كما وصفه الروائي رشيد بوجدرة بعد أن جف عود الإبداع فيه؟
أم هل ما جرى لوطار هو شبيه بما جرى لكثير من اليساريين العرب الذين صرعتهم حركة الجماهير التي تمكن الإسلاميون من جرها وراءهم بالملايين وهي التي ظل اليساريون يؤلهون ثوريتها ونقاءها حد العبادة ....
الطاهر وطار صرح بعد هزيمة الإرهاب واستتباب الأمن وأفول نجم الإسلاميين أن الصراع في الجزائر هو صراع بداوة وحضارة، وهو في رأيي محق، ولكن هل إن بداوة وطار ذي الأصول والتربية البدوية الريفية التي كان يستهجنها تارة ويمجدها تارة أخرى حسب الظروف قد تغلبت في النهاية عليه في أوج أزمته النفسية والعقائدية؟
الطاهر وطار صب جام غضبه على المثقفين المفرنسين الذين حمّلهم، تقريبا، كل مآسي الجزائر، فأصبحوا عملاء وخونة ومنتحرين يصح فيهم الاغتيال والتشريد والإرهاب. فهل في هذا شيء من الصدق؟ هل هم المسؤولون عما وصفه وطار وهو يلاحظ التحولات العالمية، بـ "خيبة في كل ما تلقيناه من مبادئ ومثل وقيم فلا وحدة ولا تحرير ولا اشتراكية ولا تضامن.. (جريدة الخبر 8 جويلية 1993).
أنا أرى أن "الذنب الوحيد" الذي ارتكبه الكتاب المفرنسون وكان إلى جانبهم الكثير من الكتاب المعربون أيضا، الذين هاجمهم وطار يتمثل في وقوفهم وتحذيرهم من الخطر الأصولي ثم مطالبتهم بوقف المسار الانتخابي غير مبالين بما بلغت شعبيته ولقد جاءت الأحداث المحلية والعالمية فيما بعد لتعطيهم الحق.
الطاهر وطار قال فيما بعد "إذا كان الكاتب ذا وجدان عربي إسلامي فلا يهم ان يكتب بالعبرية أو بالإنجليزية أو بالفرنسية، لأننا بمجرد ترجمة هذا الأدب يعود إلى أصله مثلما كان الأمر بالنسبة للكاتب المغربي الطاهر بن جلون في أوائل أعماله".
إذن المسألة لم تكن مسألة لغة بل مضمون. رغم أن وطار سبق أن قال بأن اغتيال الكاتب والصحفي الطاهر جاووت "خسارة لفرنسا" لمجرد أنه كان يكتب باللغة الفرنسية.
هذا ما نلمسه من خلال قراءتنا لروايته "الشمعة والدهاليز" المعبرة حقا عن الوجه الآخر لوطار والتي هي خطاب سياسي تبريري تمجيدي في صالح الحركة الإسلامية. ولقد لمست في معظم ما كتب حول الطاهر وطار في الحوار المتمدن تغييبا متعمدا أو عن حسن نية لهذا الوجه، هذه بعض الحقائق:
لقد ظل الطاهر وطار منذ الاستقلال إطارا ساميا (مراقبا) في حزب جبهة التحرير الوطني الذي قاد البلاد إلى الاستقلال قبل أن يقودها إلى الإفلاس. وهو الحزب الذي مهد الطريق للسلفية بعد أن تغاضى عمدا عن سيطرة القوى الرجعية المتمترسة بالدين على مؤسسات تكوين الإنسان الجزائري من المدرسة إلى المسجد وإلى غاية الجامعة باسم التعريب وإحلال اللغة العربية محل الفرنسية وساهم في القضاء على القوى التقدمية في الجامعة وفي النقابة بحجة أن هذا كفيل باسترجاع مقومات الأمة التي نال منها الاستعمار ... والطاهر وطار نفسه يتعرض لدور الحزب في معارضته وعرقلته المتواصلة لتوجهات الرئيس بومدين، في حياته وبعد مماته، في روايته اليسارية الأخيرة "العشق والموت في الزمن الحراشي". ويومئذ كان التناقض عند وطار طبقيا وليس لغويا.
الغريب أن بطل روايته "الشمعة والدهاليز" التي تعتبر نموذجا لهذا التحول لدى وطار كان مثقفا مفرنسا درس في المدارس الفرنسية الجزائرية لفترة ما قبل الاستقلال وكتب بالفرنسية. فيوسف سبتي الذي يقول الطاهر وطار إنه استلهم حياته لكتابة روايته السالفة الذكر، والذي اغتالته جماعة إرهابية، هو كاتب وشاعر بالفرنسية وهو أصلا لا يحسن العربية بالقدر الكافي حتى تكون أداة تعبير له.
الطاهر وطار لا يجهل كذلك أن المتعلمين بالفرنسية في الجزائر كانوا السباقين لتبني أفكار الحداثة والتقدم والاشتراكية والشيوعية واللبرالية وتبني التنظيم العصري للنضال السياسي والنقابي وتبني أساليب التعبير العصرية في الشعر والرواية والمقالة. بدأ ذلك باكرا بعد أن توقفت المقاومة الشعبية ضد المستعمر مع نهاية القرن التاسع عشر وتصالح رجال الزوايا الدينية الطرقية وشيوخ القبائل مع الاستعمار بعد أن كانوا مصدر هذه المقاومة والمحرضين عليها طوال هذا القرن.
الحركة السياسية والنقابية والجمعوية اليسارية مع بداية القرن العشرين بدأت على أيدي المثقفين بالفرنسية وفي فرنسا بالذات قبل أن تنتقل إلى الجزائر المستعمرة.
اللبراليون كانوا وطنيين يدافعون عن حق الجزائري في الكرامة والمساواة ومن أجل ذلك طالب بعضهم بالاندماج التام مع فرنسا لتحقيق هذا المطلب، شأن الزعيم فرحات عباس الذي تراجع فيما بعد عن هذه الفكرة ليلتحق بصفوف الثورة فترأس خلالها أول حكومة جزائرية ثم ترأس أول برلمان غداة الاستقلال.
كذلك كان جل مناضلي الحزب الشيوعي مفرنسين تعلموا النضال في صفوف الحركة النقابية والحزب الشيوعي الفرنسي قبل أن يستقلوا بحزب شيوعي جزائري كان الوحيد الذي ضم في صفوفه مناضلين من شتى الأصول العرقية واللغوية والدينية من أجل جزائر عصرية تعددية.
القوميون الجزائريون الذين كانوا المبادرين إلى طرح مطلب الاستقلال عن فرنسا منذ البداية كانوا مفرنسين وبعضهم، مثل الزعيم مصالي الحاج، تعلم النضال في النقابة الشيوعية الفرنسية قبل أن ينفصل عنها ويؤسس حزبا قوميا، كانت الغالبية الساحقة من إطاراته مفرنسين.
كذلك يرجع الفضل، بعد الاستقلال، للمتعلمين باللغة الفرنسية في إدارة شؤون البلاد بعد الفراغ الذي تركه الفرنسيون.
الطاهر وطار يعرف أيضا أن التوجهات الأيديولوجية الرجعية حملها الفكر المعرب تحت شعارات رجعية مثل الدفاع عن مقومات الأمة من إسلام وعروبة ولغة والتي تحولت إلى ثوابت لهوية قاتلة، وقفت بالمرصاد لكل توجه حداثي في عهد التوجه الاشتراكي وفي عهد التوجه الرأسمالي وفي عهد التوجه الديمقراطي. وقد تناولها في روايته اليسارية الأخيرة "العشق والموت في الزمن الحراشي".
لهذا فإن اختصار وطار للصراع في الجزائر بين معربين وطنيين وإسلاميين شعبيين عانوا من عنف المفرنسين ولجئوا اضطرارا إلى العنف المضاد وبين مفرنسين خونة وعملاء يسيطرون على مقدرات الأمة غير صحيح تماما بل العكس هو الصحيح.
يقول الروائي الجزائري أمين الزاوي وهو كاتب باللغة العربية، بهذا الصدد : "أعتقد أن مقولة العنف والعنف المضاد هي مقولة خاطئة لأن الإسلامويين كانوا دائما ضد الثقافة الديمقراطية وثقافة الحرية والاختلاف وهم يستعملون الديمقراطية حينما يكونون في موقع الضعف، ولكنهم يعتبرون الديمقراطية كفرا وضد الإسلام حينما يصلون إلى مواقع السلطة."
هذه الأوهام أوصلت وطار إلى تبني مواقف فاشية ضد المثقفين التقدميين وشن ضدهم حربا شرسة بلغت حد التخوين التحريض على الاغتيال وهو ما دفع إلى هجرة مكثفة لآلاف الإطارات في شتى التخصصات.
قال وطار لـ«الشرق الأوسط»: خالفت جميع المثقفين الجزائريين عندما وقفوا ضد إلغاء الانتخابات البرلمانية في 1992"
http://membres.multimania.fr/wattar/lire/tesrihat/charq_el_aousat.htm
فهل كان بهذا القول يجهل نوايا الإسلاميين، كما رأينا عينة منها في حديث علي بلحاج؟ وهل يجهل وطار أن الديمقراطية ليست الانتخابات فقط؟
طبعا لم يكل يجهل ذلك وهو القائل فيما بعد: ":" الحركة الإسلامية بما بدر عنها من بشاعة في القتل والتنكيل بالناس وعدم فهم روح العصر صارت حركة ضد الإسلام قبل أن تكون ضد الغرب أو ضد إسرائيل أو أميركا، المتضرر الأول والأخير هو الداعية المسلم الذي وجد نفسه فاقدا لكل مقومات خطابه."
هو إذن خطاب تبريري للمصالحة مع الحركة الأصولية ثم الاستسلام لها، والترويج لخطابها الظلامي من قبيل تصنيف الصراع في العالم على أنه: "اعتداء شعوب تنتسب إلى المسيحية ومتعددة الجنسيات على شعوب أخرى تنتمي إلى العالم المتخلف.." (جريدة الخبر 8 جويلية 1993).
وحول معارضته لتوقيف المسار الانتخابي الذي فاز فيه الإسلاميون يقول: "كان الخلل والخطأ من طرف وسائل الإعلام والتيارات الإسلامية التي اعتبرت هذه الانتخابات هي نهاية المطاف.. ولقد سمعت مرة بالإذاعة الوطنية في القناة الأولى من يقول إن الخلافة قامت، هذا خطأ وتغليط وجزء من السيناريو أيضا".
بعد هذا مباشرة يقول: "أنا كان رأيي أن يستمر المسار الانتخابي وتستمر اليقظة... أنا ديمقراطي حقيقي ولا أستنجد بالدبابة لأحمي النظام".
هل يمكن أن تستمر اليقظة في دولة كان يرأسها رئيس (الشاذلي) وصفه وطار في هذا الحوار بأنه "شخص يشبه السادات في تخلفه الذهني"؟ هل نسي وطار ما جناه الحزب الشيوعي الإيراني توده نتيجة تحالفه مع الإسلاميين ضد الشاه ولكن أيضا ضد القوى الديمقراطية واللبرالية؟
لا بد أن وطار هنا قد فقد البوصلة. فلا الانتخابات كانت انتخابات ولا الديمقراطية كانت ديمقراطية بعد أن استولى الإسلاميون على الساحة ومارسوا الضغط والإرهاب على الناس، ولم يكن بمقدور هذا الرئيس المتخلف ذهنيا حسب تعبير وطار ولا حكومته الإشراف على انتخابات حرة ونزيهة كما زعموا أما لو شكل الإسلاميون حكومة فسوف يسارع الجميع للدخول في دين الله أفواجا. الانقلاب الحقيقي قام به الإسلاميون وأعوانهم في السلطة للانقلاب على الديمقراطية وليس العكس.
عن سؤال: "كيف تحول وطار الثوري اليساري إلى إنسان محافظ؟" أجاب: "أنا رجل يحلل الوضع، رجل ارتبطت بالجماهير، رجل أمتلك وسائل التحليل وأنا من حسن حظي من وسط فلاحي، يعرف العربية ومن أصل أمازيغي ويساري وبالتالي فأنا أمتلك ما لا يمتلكون... أعرف أن هناك انفصالا بين المثقف ومجتمعه وبين الخطاب الحضاري للمثقف وسائر الناس... ما معنى أن يترشح أمين محمود العالم ولا ينال 50 صوتا... أعلم أن هناك انقطاعا بين النخبة المثقفة .. وبين باقي الناس... بعضهم بقي أعمي لا يتملك النظرية، ظل ماركسيا ولا يعرف الماركسية ويجهل أن استعادة اللغة العربية (يقصد الماركسيين الجزائريين) هو جزء من معركة حركة التحرر الوطني.."
فهل كان أمين العامل يجهل العربية والماركسية عندما عجز عن الحصول عن 50 صوتا في الانتخابات أما كان عليه أن يتبنى خطابا شعبويا إسلاميا حتى ينال رضا العامة؟ أم أن هناك أسبابا أخرى لها علاقة بفشل المشروع الحداثي لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية في بلداننا وبمستوى وعي الجماهير وبالتحولات العالمية وغيرها.
يواصل وطار حملته المقدسة ضد المثقفين الذين عارضوا تسليم السلطة للإسلاميين، فوصف الروائي رشيد ميموني الذي عارض هذه المهزلة وصدرت في حقه فتوى لاغتياله، بأنه: "كاتب فرنكوفوني يشبه بين ما يجري هنا بالنازية أو يشبه الإسلاميين بالنازيين، إنه يتكلم وكأنه يهودي فرنسي من الأرض المحتلة... وعندما أقول هذا لا يعني المساس بالمؤسسة العسكرية، حاشا، لكنها قضية مبدئية".
هنا أيضا يضيع وطار بوصلته. ففرنسا اليسارية، يومئذ، في عهد ميتران، كانت تؤيد وصول الإسلاميين للحكم وليس العكس، بينما القوى اللبرالية فيها كانت ضد. أما بالنسبة لموقفه من ميموني ثم موقفه من العسكر، فما أصدق الشاعر العربي عندما قال:
أسد علي وفر الحروب نعامة...
يواصل وطار: "أنا ضد العنف، بالنسبة إلي العنف واحد، والقتيل واحد، والجزائري واحد، المثقف الذي يموت يساوي الشرطي، وهذا الأخير أو الأول يساوي الإرهابي الذي يموت، فبائع الزيتون يموت في القضية على أنه إرهابي هو جزائري. إني أتألم عندما يموت كل هؤلاء... بل أتألم عندما يموت واحد في نقوسيا أو في سراييفو أو في أي مكان آخر".
هكذا يتساوى الإرهابي القاتل مع المثقف الذي يعبر عن أفكاره بقلمه. ويتساوي الشرطي الذي يدافع عن حفظ النظام مع الإرهابي الذي يسعى لإقامة الدولة الإسلامية الفاشية بالقتل والدمار.
بعد هذا يقول متنكرا بسرعة لهذا الكلام: "بالنسبة للمثقفين الجزائريين، نتهمهم بالعدوانية، نتهمهم بالجور، نتهمهم بعدم احترام شعبهم، لقد قلت هذا الكلام في باريس، وفي بلجيكا، قلت لهم إما أن تفهموا شعبكم وتنسجموا معه، وإما أن ترحلوا".
صحيح، فأغلب المثقفين الجزائر باختلاف لغاتهم وقفوا ضد تسليم السلطة للإسلاميين، وضحايا الإسلاميين من المثقفين كانوا من جميع الفئات. بالنسبة للإسلاميين، فمن ليس معهم فهو ضدهم. والطاهر وطار يتبنى هذه الرؤية الفاشية كما رأينا وكما هو واضح من قوله:
"أنا مستاء لموت الطاهر جاووت، ويوخبزة ولجميع من ماتوا، لكن يجب ألا نخلط الأمور وألا يستعمل باطل بحق. ألا تقول لي إن المثقف المفرنس هو كل المثقفين الجزائريين، لا .. بيني وبينهم خط أحمر. فموته غير موتي أصلا. موقفي وتضامني معه مشروط، أنا متضامن معه على شرط أن يعيد النظر في آرائه، في ثقافته، في انتمائه وفي أسلوبه... أنا لا أتمنى الموت لأحد لكن العيب جاء من عندهم، فكل مثقف معرب عند هؤلاء هو نازي فاشي، أصولي، بعثي، أي صدامي، إن جزائريتي وثقافتي في خانة، أما جزائريتهم وثقافتهم ففي خانة أخرى".
ويقول: "الخلاصة أن هؤلاء الفرنكفونيين ينتحرون وأننا سنبقى على خلاف مع الفرنكفونيين أحياء أم أمواتا".
وحول سؤال: "كيف يحلل الطاهر وطار ما سمته بعض وسائل الإعلام بالخلاف والاختلاف بين رئيس الحكومة عبد السلام ورئيس المجلس الأعلى للدولة علي كافي؟"
وهو خلاف حقيقي أدى فيما بعد إلى إقالة رئيس الحكومة، لكن بالنسبة لوطار، هي فرصة لتصفية الحسابات ولمزيد من التحريض ضد هؤلاء المثقفين المهددين أصلا بالإرهاب الإسلامي. يقول: "هؤلاء الناس تابعون لفرنسا حتى لا أقول عملاء للاستعمار. وعبد السلام بلعيد رجل وطني مثل كافي ورضا مالك... وهؤلاء الناس ضد ما هو جزائري، ضد كل ما هو معاد للغرب، ولسوء حظهم أن بلعيد عبد السلام مفرنس، ولو كان معربا لنعتوه بالإسلاموية".
ما أتذكره أنا الآن هو أن عبد السلام بلعيد، مباشرة بعد إقالته من طرف كافي انتقل إلى باريس للإقامة بها رغم أنه كان يهاجم خصومه واصفا إياهم بحزب فرنسا، وباللائكيين الشيوعيين.
وأخيرا يقول وطار في خاتمة هذا الحوار: "إنني التقيت مع عبد السلام بلعيد في السنة الماضية، 16 مارس، على ما أظن.. وراح يحدثني عن موقفي من الفرنكفونيين، فقال لي: إن حزب فرنسا موجود واحذره، إنهم لا يتورعون في اغتيالك، هؤلاء الخونة".
هذا الهذيان كله كذب. الأحداث بينت أن الإرهاب الحقيقي مارسه الإسلاميون وحدهم، وواجهتهم قوات الأمن المختلفة. ولم يحدث أن لجأت القوى الديمقراطية والعلمانية لتهديد خصومها أو اغتاليهم. أما مهاترات الطاهر وطار فكانت تخدم الإسلاميين وتعمل على تمكينهم من السلطة ولهذا ختم قائلا: "أكتفي بكلمة واحدة، وهي أن للإسلاميين مكانة في الجزائر وفي تسيير شوؤن البلاد".
فأين الباطل وأين الحق هنا؟ هل الوقوف ضد مشروع الدولة الإسلامية المعادية للحريات باطل وتأييدهم حق؟ هل يستحق توقيف مسار انتخابي كل هذه المذبحة طوال عشر سنوات ومازال؟
أليس من الفاشية أن يطالب كاتب في حجم الطاهر وطار مثقفين مختلفين فكريا معه بالرحيل من البلاد أو الانتحار أي الاغتيال.
ما هي المبررات لكل هذا السقوط الدرامي ممن كان يساريا؟
سوف نتعرف عليها من خلال قراءتنا في روايته: "الشمعة والدهاليز".
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اهلا بالأستاذ
شامل عبد العزيز ( 2010 / 9 / 14 - 08:55 )
صباح الخير - تمنياتي لك بالموفقية .. صار زمان يا سيدي .. أحببتُ ان أسلم واهنئك بالعودة للكتابة .
خالص تحياتي
ولنا عودة


2 - مرحبا بطلّتك المشرقة
سناء نعيم ( 2010 / 9 / 14 - 10:00 )
مرحبا بعودتك للحوار المتمدّن .لقد إفتقدت كثيرا كتاباتك النّقديّة المتميّزة الّتي تعبّر عن فكر حر يقرأ بعين الناقد الّذي لا يقبل كل شيء على انّه مقدّس لا يجوز الإقتراب منه.دمت لنا شمعة مضيئة تنير دروبنا الّتي إسودّت مع إنتشار المد الإسلامي


3 - الزّاوي كاتب باللّغتين
سناء نعيم ( 2010 / 9 / 14 - 12:47 )
أمين الزّاوي يكتب بالعربيّة والفرنسيّة بالإظافة إلى إلمامه باللّغة الإسبانيّة الّتي لم يكتب بها.أمّا عن إنتشار التّيّار الأصولي في الجزائر فسببه تواطؤ السّلطة مع التّيّارت الدّينيّة وبعض المثقّفين المعرّبين الّذين لا يعرفون خطورة الأصوليّة على المجتمع .


4 - شكر ا
عبد القادر أنيس ( 2010 / 9 / 14 - 15:11 )
شكرا أخي شامل على المرور والترحيب.
شكرا سناء، إضافتك صحيحة وفي محلها لأن امتلاك أكثر من لغة، خاصة اللغات الحية ضرورة حيوية للتفتح. أما الانغلاق في لغة واحدة، خاصة العربية وما تعانيه من تخلف وارتباط مرضي بالماضي فهو كارثة على مجتمعاتنا. لا يعني هذا أن من كتب بالفرنسية تقدمي بالضرورة، والعكس رجعي. لكن عدديا، المفرنسون عندنا أقرب إلى الحداثة والتقدم والتفتح.
تحياتي الحارة


5 - اهلا لعودة المتألق الاستاذ عبدالقادر انيس
تي خوري ( 2010 / 9 / 14 - 15:23 )
اهلا لعودة المتألق الاستاذ عبدالقادر انيس

مقالكم هذا افضل ما كتب عن الطاهر وطار من حيث الحيادية والموضوعية , لاني قرأت عنه لكتاب مؤدلجين فلم يكونوا بهذا العمق والحياد وكل منهم شد البساط الى طرفه؟؟

تحياتي


6 - تحية لقلمك الراقي
عهد صوفان ( 2010 / 9 / 14 - 16:59 )
أحييك وأرحب بهذا الصوت الذي نفتقد غيابه واسلوبه المتميز
نعم ايها العزيز عندما ينزلق المثقف في دهاليز السياسة المتبدلة والمتمصلحة سينتكس ويضعف ومهما كان التبرير فلن ينجح
المثقف الحقيقي يرتقي فوق العواطف ويتمسك بالحقيقة المجردة وهنا مكمن البطولة ان نصل لمرحلة التجرد عن العاطفة والالتصاق بالحقيقة
مشروع المثقف المتجرد في بلادنا مشروع صعب ان نصل اليه لكنه يصبح حقيقة بالجرأة والتماهي مع الصدق. ففي بلادنا الحاكم مقدس والدين مقدس والتقاليد مقدسة والكبير كلامه مقدس ومع القداسة يسقط الحوار ويوقف العقل. وهنا تكون اختيارات المثقف قاسية وصعبة جدا
مجددا ارحب بك واشكرك على تحليلك الجميل
عهد صوفان


7 - لا بد للجذر أن يتبرعم ولو أحياناً
الحكيم البابلي ( 2010 / 9 / 14 - 22:24 )
الصديق العزيز عبد القادر أنيس
جميلٌ جداً أن تكون بيننا مرة أخرى بعد إنقطاع طويل ، وليس من باب المجاملة بل الحقيقة لو قلتُ بأننا إفتقدناكَ كثيراً أيها الرائع
ربما الكثير مِنا لا يعرف غير القليل والسطحي عن الطاهر وطار ، وطبعاً هو ليس ذنب الرجل بقدر ما هو ذنبنا ، ولكن ما قرأته عنه اليوم في مقالك لا يُشجعني على الإعجاب به أو معرفة المزيد عنه
وأعجب ما قرأته هو انه يُساوي بطريقة ما - غير مفهومة - بين الشرطي والإرهابي والمثقف !!! ، وكلنا يعرف بأننا جميعاً من جنس واحد ، ولكن شتان ما بين الإرهابي الذي يزرع الموت ، والمثقف الذي يزرع الحياة
وطبعاً من باب السخرية أقول : لا عتب .. بعد أن عرفتُ بأن الطاهر وطار من أصول بدوية و
ومهما قويت الجذور الثقافية لإنسانٍ ما ، فلا بد أن تظهر بعض جذوره الأصلية هنا وهناك وفي مناسبات معينة وتحت ضغوط خاصة
تحياتي


8 - في الصميم
اوشهيوض هلشوت ( 2010 / 9 / 14 - 23:01 )
((..... هل إن قناعاته كانت مجرد قشرة سطحية سرعان ما انقشعت مع هبوب أولى الرياح المضادة؟.....) عين العقل سيد عبد القادر انيس ... وهدا حال العديد من ((الرموز)) التي انقشع عنها الغبار فتسابقت للحاق بالقطار
تحياتي اليك


9 - تحية
الشهيد كسيلة ( 2010 / 9 / 15 - 03:36 )
حقيقة افتقدناك لانني صراحة اشعر بعودة الامل من خلال كتاباتاك فلم اقرا الى حد الساعة لجزائري يكتب بالعربية فكرا حداثيا متحررا من الظلامية مثلك
ولا اخفي على حضرتك انني لا ازال يائسا الى حد الساعة واعتبر المعرب في الجزائر عبارة عن مجند في ميليشيا اغرب وابشع ظلامية
انك تعيد الينا الامل
بخصوص وطار مثله مثل التروتسكية لويزة حانون التي نصبت نفسها محامية للاسلامجيين من الشرذمة الانقاذية وهو شيء غريب قل ان يحدث اذ كيف ياتي الدفاع على اعتى ظلامية ثيوفراطية من زعيمة تروتسكية
لعل عذر حانون انها سياسية وفي السياسة يكون السبق للمناورة لكن وطار ليس زعيما سياسيا فهل كان -جبنه- سببا في تغيير مساره الفكري
الا يعلم ان ميليشيا الفيس نشأت على كرهه والحقد عليه واهدار دمه وقد وقفت بنفسي على حلقات كان ينشطها في الثمانينات روادالحركة الظلامية لاطفال لا يتجاوز سنهم 15 سنة موضوعها التحذير من روايات وطار و بوجدرة والترويج بانهما كفرة ملاعين
لقد كانت مشاعر الكراهية ازاء النخبة الفرانكوفونية التكوين لدى وطار اقوى من يساريته الى حد انه يمكن له ان يتعايش مع اسلامجي لكن لا يمكن ان يتعايش مع ذوي التكوين الفرنسي


10 - العمل عبد الثقافة العربية
محمد البدري ( 2010 / 9 / 15 - 06:54 )
شكر وتقدير للاستاذ انيس علي كشفه لوجه لم نكتشفه للفقيد الاديب الجزائري. للاسف فنحن في مصر لا نملك رصيدا ثقافيا او مثقفا مخلصا لفكرة التقدم يمكنه كشف مدي فعل السادات الرجعي في مصر بل وكشف فوضوية ورعونه وهمجية الثوري السابق عليه الذي كان عونا للثورة في الجزائر. أما بالنسبة للطاهر وطار وغيره كثيرين فانا اعتقد ان هناك مشكلة عامة في اطار الثقافة العربية تجعل اي مثقف يحيد عن ثوريته في مرحلة ما ويفقد اتجاهه طالما كانت الثقافة العربية هي الارضية التي يثور منها ويلعب دوره علي من خلالها. فهي لم تكن ثورية باي شكل من الاشكال منذ نشاتها ولجوئها الي الغيبيات لتنشر ما بها من تخلف مزمن ورجعية مريضة وجهل مستدام.


11 - francophobia. AXEL ANZAR
عبد القادر أنيس ( 2010 / 9 / 15 - 10:49 )
تحت هذا العنوان بعث السيد اكسل أنزار تعقيبا بالفرنسية وطلب مني نقله إلى العربية وهذا نصه: -اللغة المستخدمة تعكس ثقافة هذه الأخيرة، (ثقافة الدروشة)، معظم الناطقين بالعربية يتبنون الأفكار الأصولية، ومن السهل تحويل معرب إلى أصولي مقارنة بمفرنس. نحن نعيش ثمار ثقافة عربية عفى عليها الزمان، أساسها أيديولوجيا كانت المغذي الرئيسي لهذه اللغة. في الجزائر، تبنت القوى الظلامية تعريب المنظومة التربوية، وهي لغة غريبة عن تكوين الفرد الشمالي أفريقي، لغة خُلقت للأشعار والفتاوى، وهي أفضل أداة لترجمة الآيات الشيطانية، بدل تطوير لغتهم الأمازيغية. وبالتوازي مع ذلك، استثمار الفرنسية والانجليزية كأداة عصرية للتواصل والعلوم. النتيجة التي وصلنا إليها هي أن الجزائريين لا يعرفون شكسبير وفيكتور هوغو ودارون، لأنهم لا يعرفون إلا ابن باديس والطاهر وطار وابن تيمية. الإسلاموية هي ثمرة اللغة العربية بوصفها الناطق باسم الأيديولوجيا الإسلامية-. انتهى
شخصيا أتبنى بعض الأفكار ولي تحفظ وتعليق على بعضها فيما بعد
تحياتي لأكسل


12 - إلى تي خوري
عبد القادر أنيس ( 2010 / 9 / 15 - 11:03 )
شكرا على التواصل أخي تي خوري. الذين كتبوا عن وطار في الحوار المتمدن أغلبهم كتبوا من منطلقات يسارية توقفت عند وطار التقدمي الذي كانه قبل عشرين سنة. شخصيا أرى أننا يجب أن نتناول تراثنا القريب والبعيد بكل موضوعية وحيادية، كما قلت، ولو آلمنا ذلك، خدمة للأجيال، وبحثا عن أسباب الخلل والتراوح في المكان الذي تعانيه مجتمعاتنا بسبب سكوتنا عن الانحرافات. إذا كان هذا ديدن رجال الدين، فمن العيب أن يكون ديدن العلمانيين واليساريين خاصة.
تحياتي


13 - إلة عهد صوفان
عبد القادر أنيس ( 2010 / 9 / 15 - 11:12 )
شكرا على الترحيب أخي صوفان. قولك - ففي بلادنا الحاكم مقدس والدين مقدس والتقاليد مقدسة والكبير كلامه مقدس ومع القداسة يسقط الحوار ويوقف العقل- فيه كل الصدق. كتبت ما كتبت بعد أن لمست أن الكثير ممن كتبوا عن وطار تعاملوا معه على أنه كبير يتعالى على النقد أو في أحسن الأحوال يستحق التغاضي عن أخطائه. رأيي أن كل الأخطاء تستحق التسامح إلا تلك التي أيدت الإرهاب والعنف أو بررته. وهذا ما فعله وطار للأسف. فليس العيب أن يتحول وطار من يساري إلى إسلامي. هذا اختياره الحر. المحزن أن يحاول التنصل من يساريته المعادية للإسلامويين ويمسح الموسى في مثقفين آخرين لهم مواقف مختلفة. تحياتي


14 - إلى الحكيم البابلي
عبد القادر أنيس ( 2010 / 9 / 15 - 11:26 )
شكرا صديقي البابلي على الترحيب. إبداعات الطاهر وطار الأولى تستحق القراءة وهي باقية و-ما يبقى في الواد غير احجاره- أي ما يبقى إلا الصح، كما يقول المثل الجزائري، وهو مثل تكرر عشرات المرات في رواية اللاز للطاهر وطار. طبعا أختلف معك فيما يتعلق بالجذور البدوية. فالكثير من المثقفين ذوي جذور بدوية ولكنهم بذلوا جهودا للتخلص من سلبيات البداوة عبر التفتح على العالم وتراثه الكبير رغم صعوبة المسعى، أتفق معك. الواقع أننا في عالمنا العربي الإسلامي لا نملك المدينة بالمعنى العصري ولهذا نجح الإسلاميون. كانت لنا بذور مدينة قبل أن تتعرض لهجوم البداوة الإسلامية. لقد تريفت مدننا وضعفت علامات التمدن من موسيقى ومسرح وحدائق وتظاهرات ثقافية...
تحياتي


15 - إلى اوشهيوض هلشوت
عبد القادر أنيس ( 2010 / 9 / 15 - 11:31 )
شكرا على التواصل. هذا حال الكثير عندنا. ولكن للحق أقول لك، هناك أيضا صحفيون وأدباء ومفكرون عندنا استماتوا في الدفاع عن قناعاتهم ولم يستسلموا. بعضهم دفع الثمن بحياته وبعضهم فضل الهجرة والمنافي وبعضهم فضل السكوت حتى تهدأ العاصفة ولا لوم عليه. للأسف لم يكن الطاهر وطار أحد هؤلاء. تحياتي


16 - الحال واحده
حامد حمودي عباس ( 2010 / 9 / 15 - 11:36 )
أحسب ان هذا التذبذب الفكري القلق لدى الروائي الجزائري الطاهر وطار ، وكما ابرزه لنا وبشكل رائع الاستاذ عبد القادر أنيس ، كان قد اصاب وبنفس الدرجة من الوضوح ، مسيرة العديد من المثقفين اليساريين في العراق ، وعلى امتداد حقبة الصراع مع قوى التحالف القومي الديني ، والتي انتهى بها المطاف اخيرا لاستنساخ كامل هيئتها الفكرية والسياسية ضمن الاحزاب الاسلامية المسيطرة حاليا على الاوضاع في البلاد . ومن يتتبع مسيرة الشاعر بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي ومحمد صالح بحر العلوم وصفحات من مسيرة الجواهري وغيرهم من الروائيين والفنانين العراقيين ، سيرى وبشكل يدعو لذات الحيرة المنطلقة من بحث الاستاذ انيس ، في محاولته ايجاد الاسباب الحقيقية وراء تحول افكار الراحل وطار من اليسار الى جبهات فكرية مضاده .. باختصار شديد ، فانني ازعم بان مواقف الاحزاب الشيوعية في البلدان العربية ، وكذلك ما آلت اليه مجمل الحركات اليسارية في العالم من جمود عقائدي، سببه تعنت قياداتها في عدم التحرك صوب التغيير ، ومواكبة ما يحدث من مستجدات فكرية فرضها واقع الحال، هو الذي اوحى لوطار ولسواه من المثقفين اليساريين بمشاعر الاحباط


17 - إلى الشهيد كسيلة
عبد القادر أنيس ( 2010 / 9 / 15 - 11:40 )
يسعدني أن أتواصل مع مثقف يعرف خلفيات الصراع في الجزائر مثلك. أتفق مع الحقائق التي ذكرتها. وأزيد أن هناك أحزابا وشخصيات أخرى أعماها حقدها على النظام السياسي الاستبدادي فراحت تؤيد من كانت ترى أنه قادر على إسقاطه أي الإسلاميين وطز في الجزائر. فعل هذا آيت أحمد وعبد الحميد مهري وغيرهم كثير. المثل الجزائري يقول: -هرب من سلال القلوب طاح في يد قباض الارواح-
تحياتي


18 - إلى محمد البدري
عبد القادر أنيس ( 2010 / 9 / 15 - 11:48 )
شكرا أخي محمد. هناك شبه كبير بين ما جرى في بلديْنا. المحزن، مثلا، أن أرى مناضلا وشاعرا كبيرا مثل أحمد فؤاد نجم يسقط مثلما سقط الطاهر وطار فيتحول إلى عراب للأنظمة العربية الاستبدادية مثل سوريا وعراق صدام بحجة محاربة الأمبريالية والصهيونية، وينبهر بـ-الإنجازات- الوهمية للحركات الإسلامية مثل حزب الله وحماس.
هذا مآل الوقوف الأعمى إلى جانب التحركات الجماهيرية مهما انحرفت بدل توجيهها ومواجهتها بالحقائق. تحياتي


19 - إلى أكسل أنزار
عبد القادر أنيس ( 2010 / 9 / 15 - 12:03 )
أتفق مع معظم ما جاء في تعقيبك. مع ذلك فقولك: -وهي لغة غريبة عن تكوين الفرد الشمالي أفريقي، لغة خُلقت للأشعار والفتاوى، وهي أفضل أداة لترجمة الآيات الشيطانية، بدل تطوير لغتهم الأمازيغية-. هذا القول يحتاج إلى وقفة. أنت تعرف مثلا أن السكان الأمازيغ بعد الإسلام قد شكلوا دولا مستقلة عن المشرق. ومع ذلك استخدموا اللغة العربية ولم يطوروا لغتهم. هذه خاصية أسلافنا. هم براغماتيون دائما. استخدموا الموجود سواء في العهد الروماني أم في العهود الإسلامية. أنا من منطقة معربة، ومع ذلك كنا في السابق نتجه صوب بلاد القبائل للتعلم في زواياه الإسلامية الكثيرة.
من جهة أخرى، هنا لغة عربية أخرى عصرية وتقدمية عندنا وفي المشرق. يكفي تقرأ لجورج طرابيشي وعلي حرب وغيرهم كثير لتعرف أن اللغة طيعة إذا وقعت بين أيد ماهرة. أنا أشهد أن جيلي كان في الستينات والسبعينات يقرأ روائع الأدب والفكر العالمي باللغة العربية. يبدو لي أن خير من يستطيع إحداث النقلة النوعية والقطيعة الحقيقية مع التخلف هم المثقفون الذي يتقنون العربية والأمازيغية بالإضافة طبعا للغات الأجنبية كشرط ضروري لأي تفتح وتقدم.
تحياتي


20 - إلى عبد القادر أنيس
AXEL ANZAR ( 2010 / 9 / 15 - 15:41 )
نعم سيدي أنيس كان الأجداد براغماتيون و لازالو لحد الان نسبيا أو لنقل يتبنون ثقافة عدو العدو..وهدا لا يعدو كونه-كسلا و لا وعيا في رأيي بصفة عامة-....لكن هدا لا يجب أن يِأخد كمسلمة أو كقانون... العربية تقرأ بها الأدب صحيح لكن العلوم فأنا لا أعتقد و هدا بيت القصيد ادا أردنا تطويرها فلدينا لغتنا الأصلية لتطويرها فلمادا الاستمرار على سنة الأجداد....و ادا أردنا أن نصبح براغماتيين فالأولى أن نتبنى الأنجليزية .وشكرا علا الترجمة و الرد...اسف ان خرجت عن الموضوع.


21 - إلى حامد حمودي عباس
عبد القادر أنيس ( 2010 / 9 / 15 - 15:56 )
شكرا على التواصل. تقول سيد حامد: -أزعم بأن مواقف الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية، وكذلك ما آلت إليه مجمل الحركات اليسارية في العالم من جمود عقائدي، سببه تعنت قياداتها في عدم التحرك صوب التغيير، ومواكبة ما يحدث من مستجدات فكرية فرضها واقع الحال-.
هنا يبقى سؤال ملح يقض مضاجعنا دائما سيد حامد: لماذا؟ لماذا لم يبادروا إلى إجراء التغيير المناسب في الوقت المناسب؟ أليس الخلل موجودا في الفكرة بقدر ما هو في الممارسة؟ الفكرة عندما تترسخ في أذهان الناس على أنها فكرة علمية صحيحة مائة بالمائة شأنها شأن الفكرة الدينية لا بد أن معتنقيها والمؤمنين بها (!) سوف يركنون إليها بكسل كحقيقة مطلقة ويوجهون كل اللوم للتطبيق. هكذا فعل رجال الدين مع أديانهم وظلوا يحقنون الناس به بلا جدوى مثل الدواء الذي فات أوانه. تقديري أن أفضل وسيلة للخروج من هذا المأزق هي العمل على تشجيع ممارسة النقاد الحر بلا حدود، النقد يجب أن يوجه للممارسة بقدر ما يوجه للتطبيق ومحاربة كل المطلقات سواء زعمت لنفسها مصدرا مقدسا أو علمية. تحياتي


22 - الاسلاميون ولفرنكفونيون لا يمكن التعويل عليهم
محمد المغاربي ( 2010 / 9 / 15 - 18:20 )
التحية لعبد القادر انيس
لقد اشرت عرضا لفرنكوفوني مغاربي آخر الطاهر بنجلون وهو معروف بوقوفه ضد تيار الاسلامويين،لكن،كيفما التمسنا له الاعذار،لا يمكن ان نحشره في صف الديموقراطيين،فقوميته العربية اعمته لدرجة انه اضطر لكتابات قيمية لا تليق بالامازيغ.كما ان انتهازيته جرته الى الاساءة لكثير من الادباء امثاله ومعتقلين سابقين،وقد سكت دوما عن العسف الذي لحق بابناء وطنه خلال سنوات الرصاص...فالفرنكفونيون لم يكونوا هم ايضا دائما ذاك المنقذ الذي تصوره في مقالك الا حيث يرون مصالحم مهددة ،وكانوا ومازالوا يستقوون بمستعمر البارحة فرنسا.


23 - N.gagnorons laguerre dedeux mille ans K.Yacin
YAL AMAZIGH ( 2010 / 9 / 16 - 01:00 )

merci


24 - الادباء والمثقفين وتبديل الاتجاه
فارس اردوان ميشو ( 2010 / 9 / 16 - 01:28 )
الصديق العزيز عبد القادر انيس
مرحباً بعودتك للكتابة ثانية ، مرحباً بصاحب القلم الحر والرأي الصادق
كثير من الادباء يغيرون مواقفهم حسب الموضع القائم ، والتغيير ظاهرة ايجابية لو كان نحو الاحسن ، اما ان يعود الى الوراءوالى التخلف ، فهذا موضوع يستحق الدراسة ، الطاهر وطار اديب كبير ، ولكن التذبذب السياسي ، يدل على ازدواجية لديه ، محمد عمارة سبق الطاهر بالانتقال من الماركسية الى الاسلام ، واصبح من شيوخ السلفية المتطرفين ، الغريب ان الماركسي اذا تغير ، لا ينطلق الى الامام ، بل يعود الى الدين والجمود ويبدأ بالتنظير الديني محاولة لكسب جماهير مخدرة ومجمدة بعقائد غيبية مربوطة بالسماء ، وهناك مثل اخر الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد وهو شاعر عراقي كبير ، كان ىشيوعياً واعتقل سنة 1963 من قبل البعثين وعذب ، ولكنه انقلب واصبح بعثياً واخذ يمدح الطاغية صدام ولا زال ،
اعتقد ان سبب انقلاب الادباء على انفسهم ، هو ضعف في الشخصية ، وطمع بمنصب ، او النضوب الفكري وجفاف الموهبة ، او المكسب الشخصي ، ستبقى هذه الحالة وسيستمر البعض من الادباء والمثقفين بالتقلب حسب سير الريح
تحياتي


25 - الأخ القدير عبد القادر أنيس
محمد أبو هزاع هواش ( 2010 / 9 / 16 - 04:19 )
شكراً على هذه المعلومات القيمة والقادمة من شخص يعرف المكشوف والمخبأ في فكر الراحل الطاهر وطار. علمتنا الكثير اليوم ومعلوماتك قيمة وكما هو واضح تحول الكثيرين من اليسارين إلى دينين، وبرأي المتواضع أن الكثير من اليسارين تحول للدين لقلة فهمهم باليسار أو لهزالة الترجمات من اللغات الأجنبية لفكر اليسار والتي خدعتهم وجعلتهم يتبعون أوهاماً بنوها هم شخصياً. اليسار في الوطن العربي أعتمد على ترجمات تعيسة لنصوص عادية المستوي من قبل أشخاص لايعرفو اللغة العربية أولاً ولايعرفوا اللغة المترجم منها ثانياً.

من الواضح أيضاً وصول الكثير من المفكرين اليسارين لما يسمى في الغرب بعقدة منتصف العمر حيث يبدو الدين مخرجاً سهلاً لمشاكل الحياة. الدين كما نلاحظ هو ملجأ الجبناء. عذاب القبر يخوف الكثير ويجعلهم ينقلبون على أفكارهم

مع تحيتي ومودتي ياأخي الكريم.


26 - إلى محمد المغاربي
عبد القادر أنيس ( 2010 / 9 / 16 - 16:04 )
مهما قلنا عن الطاهر بن جلون، فإن مواقفه تبقى بعيدة جدا عن مواقف الطاهر وطار تجاه المختلفين معه من المثقفين والكتاب. ومع ذلك فأنا أتحدث عن مثقفين جزائريين يكتبون بالفرنسية لا يمكن أن ينطبق عليهم وصف العمالة والخيانة اتفقنا معهم أم لم نتفق بما فيها الطاهر بن جلول وبالتالي لا يصح أن نتشفى باغتيالهم ونبرره كما فعل الطاهر وطار.
شكرا على التواصل


27 - إلى فارس اردوان ميشو
عبد القادر أنيس ( 2010 / 9 / 16 - 16:05 )
أتبنى أخي ميشو إضافتك الصائبة. طبعا من حق أي إنسان، أديبا كان أو سياسيا أو شخصا عاديا أن يغير رأيه إلى اليمين أو إلى اليسار، إلى فوق أو إلى تحت، أن يتكلم أو يسكت. لكن من غير المقبول أن يبرر العنف والإرهاب ضد منتقديه أو المختلفين معه. تحياتي


28 - إلى محمد أبو هزاع هواش
عبد القادر أنيس ( 2010 / 9 / 16 - 16:11 )
الأسباب التي أضفتها مهمة وصحيحة. الواقع أن المثقف عندنا يتوجب عليه قطع أشواط كثيرة للتخلص من ثقل الموروث الديني والأخلاقي والنفسي. تربيتنا تزودنا بعقد كثيرة ليس من السهل التخلص منها بدون جهد كبير متواصل والتحلي بالتواضع. تحياتي الخالصة.

اخر الافلام

.. القوى الوطنية والإسلامية بفلسطين: ندين أى محاولة للنيل من مص


.. طريقة اختيار المرشد الأعلى في إيران.. وصلاحياته




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. بن غفير يقتحم المسجد الأقصى


.. وزير الخارجية الأردني تعليقا على اقتحام المسجد الأقصى: يدفع




.. وسط حراسة مشدد.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي يقتحم المسجد ا