الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة والأمة

صاحب الربيعي

2010 / 9 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الأمة كيان حي يؤسس تاريخاً وحضارة على أرض الوطن وتعدّ أحد مكونات بناء الدولة، لها لغة وديانة واحدة وقد تتعدد مكوناتها ومن ثم لغاتها ودياناتها المتباينة لكنها تشترك بحضارة واحدة صنعتها أجيالها المتعاقبة عبر التاريخ لذلك تسعى خلال وحدتها وتماسكها الحفاظ على شبكة صلاتها الأخلاقية والثقافية.
إن صلات المشاعر والعواطف بين أبناء الأمة، الأمم ، ليست وليدة الحاضر وإنما تمتد عبر التاريخ بعدّها شبكة المصالح المتبادلة المعززة لوجود الدولة الصانعة لحضارة الأمة المعزز بالقوة للحفاظ على ديمومتها وكيانها من الانهيار، فالقوة وحدها لا تصنع دولة وإنما الوحدة والتلاحم بين أبناء الأمة تعدّ الإرادة الخفية لتعزيز وجود الدولة لتنجز رغبات الأمة وأهدافها المنشودة عبر الزمن.
يعتقد (( هيردر )) " أن الأمة تسبق تشكل الدولة وترسخها بالوحدة والتلاحم الأخلاقي والثقافي وبغيابها تصبح الدولة آلة اصطناعية هشة تعتمد القوة المادية الفجة للحفاظ على كيانها وديمومتها ".
إن الخلاف الذي يدب بين مكونات الأمة من قوميات وأثنيات مختلفة يضعف الدولة على نحو كبير مهما حازت وسائل عنف وقوة لفرض وجودها وترقيع صلات المشاعر والعواطف بين مواطنيها، لن يكون في مقدورها الحفاظ على تماسكها وقوتها لأمد طويل.
إن نزوع أحد مكونات الأمة الأكبر عدداً أو الأكثر سطوةً على فرض نهجها بالعنف على بقية مكوناتها المختلفة بالقومية والأثنية قد يحقق أهدافها على المدى القريب لكنها على نحو مؤكد ستفشل الحفاظ على ديمومة نهجها العنفي على المدى الطويل لأنها ستواجه حتماً بالعنف المضاد من بقية المكونات الأخرى الساعية لاثبات وجودها ورفضها الانصياع القسري بوسائل الدولة العنفية على نحو تعسفي وغير شرعي بحجة التمسك بالوحدة الوطنية وحفاظاً على الوطن من التجزئة.
إن قيمة الوطن ليس بوحدة أراضيه وإنما بوحدة شعبه ولا تقاس مشاعر الانتماء للوطن بالشعارات الفارغة والأناشيد الوطنية العاطفية وإنما ما يحمله كل فرد من مشاعر وأحاسيس كامنة تجاه الآخر من أبناء وطنه المختلف معه بالقومية والأثنية والأحساس العميق أن أرض الوطن حاضنة لأبنائه جميعاً من دون استثناء وليس سجناً يحرسه سجانين من قومية واحدة أو ديانة واحدة يفرضون نهجهم قسراً على الآخرين.
يعتقد (( سلمان رشدي )) " أن القومية هي ذلك التمرد ضد التاريخ الذي ينشد إقفال ما لم يعد ممكناً إقفاله بعد اليوم وذلك ببناء سياج حول ما يجب أن يكون بلا حدود ".
كما أن لغة الأمة ليست مجرد أداة تواصل بين أبناء الأمة باختلاف مكوناتها الاجتماعية وإنما طريقة تفكير فلكل مفردة لغوية ذاكرة تخزن ليس صورة المفردة لتظهرها في ذهن المتلقي بل أسلوب فك شيفرتها في ذهن المتلقي، فلا يمكن فهم الآخر وإدراك كلامه من دون فهم آلية تفكيره وإدراكه لأن الفهم المجرد الخالي من حالة التشخيص لطريقة تفكير الآخر يؤدي إلى فهم غير صحيح وإدراك مشوب بالخطأ.
لأن المفردة اللغوية ذاتها محمولها الحسي لا يقود إلى معنى واحد وإنما إلى معاني كثيرة ما يؤدي إلى اضطراب ذهني لدى الآخر لتحديد أي المعنى المقصود بالمفردة اللغوية، فالسياق اللغوي في إطار الجملة الواحدة غالباً ما يُغيب المعنى المقصود حين تكون الجملة اللغوية عائمة بقصد ترك تفسيرها للآخر ليدرك معناها من دون أن يتحمل الطرف الأول تبعات تحديد المعنى العلني المقصود للجملة اللغوية، تحديداً عند هذه اللحظة الزمنية من فك شيفرة المفردة أو الجملة اللغوية في ذهن المتلقي يتطلب قراءة طريقة تفكير المتكلم ليصار إلى ادراك معناها.
ولا يرتبط ذلك إطلاقاً بالقدرة على إجادة قواعد اللغة وأساليبها وإنما فهم محمول اللغة وإدراكه المختزن للمشاعر والأحاسيس والروابط اللامرئية لجس نبض إحساس الآخر وعاطفته عند نطقه بالكلام، فالمفردة اللغوية قد تكون ذا طابع عاطفي لكنها تلفظ بطريقة تنم عن معنى معاكس تماماً لا يمكن إدراكه من دون معرفة طريقة تفكير الآخر وما تحمله الذات من مشاعر وأحاسيس كامنة قادرة التمييز بين المفردة اللغوية الخالية من العاطفة الصادقة والمفردة الغوية ذي العاطفة الصادقة.
يقول (( هيردر )) : " إن كل أمة تتحدث كما تفكر، وتفكر كما تتحدث ولغتها مخزن أفكارها ومشاعرها وذكرياتها وآمالها ومخاوفها. والأداة التي تشكل عقول متحدثيها وقلوبهم بطريقة خاصة وواجهة محددة ، ترتبط مع المتحدثين بها بروابط راسخة وغير ملموسة قوامها الذكريات والعواطف والتقاليد والاحساس المشترك بالعزة والفخر ".
تعدّ اللغة الأصرة الحسية غير المرئية بين أبناء الأمة تختزن ذاكرتها محمولاً من المشاعر والعواطف والذكريات على أرض الوطن بعدّه قدراً مجهولاً لكائنات بشرية مختلفة تعايشت مدى قرون من الزمن وأسهمت في صناعة حضارة مشتركة يسعى أشرار الحاضر إلى هدمها خلال بث الفتنة والعداوة بينها ليسهل عليهم إحكام السيطرة عليها ومحو أرثها الحضاري المشترك ومن ثم رسم معالم طارئة لوجودها بعدّها شريكة في الوطن مع الآخرين.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل الفلج.. مغامرة مثيرة لمصعب الكيومي - نقطة


.. رائحة غريبة تسبب مرضًا شديدًا على متن رحلة جوية




.. روسيا تتوقع «اتفاقية تعاون شامل» جديدة مع إيران «قريباً جداً


.. -الشباب والهجرة والبطالة- تهيمن على انتخابات موريتانيا | #مر




.. فرنسا.. إنها الحرب الأهلية!