الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيم الدينية والثقافية في المجتمع

صاحب الربيعي

2010 / 9 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يعدّ الدين العنصر الأساس في منظومة القيم الاجتماعية، يؤدي دوراً تربوياً كبيراً لأفراد المجتمع لاحتكامه إلى ضوبط روحية تحاكي العاطفة لا العقل وتبشر بالقصاص في العالم الآخر على عكس آليات التحكم والضبط الدنيوية التي تحاكي العقل لا العاطفة كونها تبشر بقصاص العالم الدنيوي. إن المجتمعات المستسلمة لأقدارها غالباً ما تؤول مظاهر الجوع، والفقر، والجهل، والأمراض، والكوارث وتنسبها إلى قوى غيبية تفرض أحكامها على البشر ويكون وجدانها مثقل بالأفكار الغيبية فتميل إلى عالم الروحانيات أكثر من عالم العقلانية لاعتقادها ليس في مقدوره إنقاذها من بؤسها.
لذلك تعدّ تأثير القيم الدينية على البشر أكثر من القيم الأخرى فهي تشغل حيزاً كبيراً من الثقافة الكامنة ليس في وسع الفرد إنكارها بعدّها غرساً تربوياً في لاوعيه، مع عدم إغفال إمكان تأويل القيم الاجتماعية وفصل مكوناتها الثقافية لاستبعاد جذرها الديني.
يعتقد (( جوزايا رويس )) " أن للوعي الديني مكانة خاصة في وجدان الفرد كونه يبحث عن قوة خارقة ترشد روحه البائسة والحائرة إلى مسارات الحياة الصحيحة وتنقذها من ضعفها البشري واحساسها بالفشل والاحباط ".
ليس سهلاً فك مكونات الثقافة العامة للمجتمع لتحديد جذرها الأساس لإعادة صياغة المناهج التربوية التي تتطلب غرساً لمبادئ جديدة في وجدان أجيال فتية أو اجتثاثها، بعدّ الثقافة العامة للمجتمع جملة الأعراف والتقاليد والقيم الضاربة جذورها في عمق التاريخ، توارثها الفرد في اللاوعي وأصبحت جزءاً من سلوكه وممارسته اليومية.
فعلى الرغم من أنها لا تشكل لغير المؤمن بها أهمية بالغة في عقله الواعي، فلا يمكن إنكار تأثر عقله اللاواعي وانعكاسها على سلوكه وممارساته اليومية وبغض النظر عن التأويل الفكري لردها إلى جذر فكري آخر. وطالما تعدّ القيم الدينية ركناً أساسياً من مبادئ النهج التربوي في اللاوعي الاجتماعي فإن قابلية اكتسابه تمثل حجم منظومة قيمه الخاصة الظاهرة على سلوكه وممارسته اليومية في المجتمع. وحين تتغير منظومة القيم المكتسبة على نحو مفاجئ كأن يغير الفرد دينه أو طائفته يتأثر سلوكه وممارسته اليومية في اللاوعي لحدوث شرخ في ركن أساس من منظومة قيمه الخاصة والمشكلة تاريخياً لأن قيم الدين الجديد ستأخذ مكانها ما ينعكس سلباً أو ايجاباً على سلوكه وممارسته اليومية. وبكل تأكيد يحدث خللاً ما لارتهانه المباشر لقيم أخرى في اللاوعي تقسر الذات على تبني قيم جديدة وعدّها خطأً أفكاراً من خاصة العقل الواعي يمكن استبدالها بمجرد الاقتناع بها.
يقول (( بيخو باريخ )) : " إن الدين منظومة المعتقدات الثقافية وممارساتها تفرض طرق تفكير لحياة الجماعات والأفراد، وبتغيرها تتأثر ثقافتهم العامة وطرق تفكيرهم وممارستهم للطقوس والشعائر الدينية ومن ثم سلوكهم وممارساتهم اليومية في المجتمع ".
لابد من التسليم أن القيم الدينية والاجتماعية ليست قيماً ثابتة عبر المراحل التاريخية من حياة المجتمعات البشرية وإنما قيماً متغيرة ومستجيبة إلى حد ما إلى متطلبات الحاضر بدليل ما هو محرماً أو محذوراً في الماضي على الفرد لم يعدّ كذلك في الحاضر. وهكذا فإن القيم الاجتماعية تشذب نفسها بنفسها مع الزمن، والقيم الدينية تؤول نصوصها على نحو دائم لتصمد أمام تحديات الحاضر، ويستغرق ذلك زمناً طويلاً لغرس مبادئ تربوية جديدة في ذهن الأجيال الفتية.
هذا التشذيب للقيم الاجتماعية والدينية لا يجري اعتباطاً وإنما يعدّ حاجة ملحة تفرضها متغيرات الحاضر حيث تفك ارتباط المكونات الثقافية للمجتمع إلى مكونات الاجتماعية مثل الأعراف والتقاليد الموروثة وعزلها لعدم توافقها مع الحاضر والإبقاء على المكونات الأخرى، كذلك الأمر مع المكونات الدينية مثل المحرمات يؤول قسماً منها ليكون أكثر استجابة للحاضر.
يعتقد (( بيخو باريخ )) " أنه يمكن الفصل بين الدين والثقافة فكرياً وعملياً على الرغم من ارتباطهما الوثيق ومثلما نستطيع تجريد المعاني والأسس الثقافية لأحد الممارسات وننسبها إلى قيم اجتماعية بحتة، يمكن تجريد أسسها الدينية وإرجاعها إلى جذر ثقافي أو اجتماعي ليصبح تغيرها أكثر سهولة ".
تعدّ القيم الاجتماعية والدينية تراكماً ثقافياً للمجتمع عبر أجيال متتالية لذلك ليس سهلاً إحداث تغييرات جوهرية سريعة بها لارتباطها بالسلوكيات والممارسات العامة للمجتمع، ومن الخطورة القصوى استخدام القوة لإجبار المجتمع على تغيير أحد قيمه وأعرافه أو طقوسه الدينية الخاصة لأنه سيتمسك أكثر بها بعدّها جزءاً من موروثه في اللاوعي يخل بمنظومة معتقداته الخاصة وتشكل تهديداً لوجوده في الحياة. إن النهج التربوي الطويل الآجل في غرس مبادئ جديدة في وجدان الأجيال الفتية كفيل بإنتزاع سلوكيات وممارسات غير مستجية للحاضر.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل قانون الجنسية الجديد في ألمانيا| الأخبار


.. صحيفة العرب: -المغرب، المسعف الصامت الذي يتحرك لمساعدة غزة ب




.. المغرب.. هل يمكن التنزه دون إشعال النار لطهو الطعام؟ • فرانس


.. ما طبيعة الأجسام الطائرة المجهولة التي تم رصدها في أجواء الي




.. فرنسا: مزدوجو جنسية يشغلون مناصب عليا في الدولة يردون على با