الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى 11 سبتمبر:الإرهاب الإسلاموي حين يكون بديلا للسياسة!

مرزوق الحلبي

2010 / 9 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



العنف في السياسة واللجوء إليه لتغيير واقع المجتمعات والأنظمة والعالم ليس من صنع الإسلام الجهادي. فقد سبقته موجات من العنف المنظم مصدرها عقائد علمانية غربية وأيديولوجيات مختلفة على الأرض الأوروبية وسواها منذ شرعت بعض المجتمعات بتطبيق نظريات العقد الاجتماعي. بل إن الدولة القطرية انطوت في طبيعتها على احتكار الدولة للعنف وإعلان حالة الطوارئ التي أنتجت عنفا استثنائيا من الدولة تجاه مواطنيها أو مجموعات فيها أو ضد كل من يناصبها العداء ويرفض الانضواء تحت سيادتها. بمعنى أن العنف في السياسة ليس ظاهرة جديدة ولا هي من إنتاج الإسلام السياسي. ولا تزال مقولة كارل فون كلاوزفيتش تدوي في فضاء السياسة وغير السياسة عندما جزم إن الحرب هي استمرار للدبلوماسية ولكن بوسائل أخرى. وما دام الأمر كذلك فإن السؤال المطروح هو متى يكون العنف شرعيا ومتى لا يكون كذلك. وهو السؤال الذي طرحته المجتمعات قبل دولة العقد الاجتماعي. فأي موديل للعنف يشكّل نموذج روبين ـ هود الذي سعى، وفق الأسطورة، إلى توزيع ما يغنمه من الأغنياء على الفقراء؟ وأي عنف يُمكن أن يُنسب إلى عروة بن الورد ورفاقه في شبه الجزيرة العربية عندما سطوا على القوافل ضد نظام القبيلة الاجتماعي؟
من عادة المنظرين أن يشرعنوا عنف الدولة سيما أن نظرية العقد الاجتماعي تُختزل في أنها تنازل الفرد عن حريته للدولة مقابل تعهدها له بضمان سلامته، وأن يختلفوا في أمر عنف الأفراد والمجموعات التي تسعى إلى تقويض الوضع السياسي في الدولة واستبداله. ومنهم من اعتبر كل عنف يسعى إلى تغيير الواقع السياسي "إرهابا". فسارع غيرهم إلى اعتبار كل عنف غير مضبوط أو محدود من الدولة إرهابا من الدولة ضد المواطنين أو جماعات منهم. بمعنى ما، كان قيام دولة العقد الاجتماعي مفصليا في توصيف العنف السياسي وإقامة الفارق بين العنف الشرعي مثل المقاومة وبين الإرهاب ـ وهو عنف غير شرعي. إلا إن مرحلة التحرر القومي والنضالات العنيفة ضد الاستعمار شهدت نموا مضطردا لذاك التيار النظري الذي يمنح الشرعية للعنف ضد المستعمر والاحتلال والاستغلال. وتغذت هذه المرحلة من منابع فلسفة التحرر وعلى رأسها الماركسية ومدارسها الثورية. وقد رأينا في هذه المرحلة مدا لا ينتهي من العنف السياسي ومن عمليات إرهابية بررها أصحابها بشرعية المقاومة أو النضال ضد الاستغلال والقهر. وقد استقدم هذا العنف عنفا مضادا من الدولة أو الجهة صاحبة السيادة على نحو مدمّر في إطار اعتقادها بشرعية العنف الذي تعتمده في مواجهة الإرهاب المفترض.
بينما كانت دالة الإرهاب السياسي على المذهب الغربي تسير نحو الهبوط بسب من متغيرات أهمها الدخول في مرحلة ما بعد الكولونيالية وانتهاء الحرب الباردة وهزيمة النموذج السوفييتي للاشتراكية، كان الإرهاب على الطريقة الإسلامية يسجل خطا بيانيا تصاعديا من عام إلى عام على نحو ظلل على كل ما سبقه. ليس لأنه أفظع من عنف وإرهاب سبقاه بل لأنه الإرهاب المناوب ولأن الثقافة الغربية في تيارها المركزي نازعة على الدوام إلى التستر على عوراتها وإخفاقاتها لا سيما العنف السياسي بصيغته الشرعية وتلك غير الشرعية المتجسدة إرهابا مزدوجا، ضد الدولة ومعها. ولا أفضل من الفرص الذهبية التي وفرها لها الإسلام السياسي بشقيه الإرهابي أو الأصولي. وما كان للأول أن ينمو إلا في بيئة الثاني وعلى أرضيته.
إن الخلاف حول شرعية العنف السياسي وحول تعريف الإرهاب مستمرّ منذ سأل الإسكندر المقدوني ذاك القرصان الماثل أمامه عما يفعله فأجابه الثاني برباطة جأش أنه يفعل ما يفعله الإسكندر تماما بفارق بسيط أنه يفعل ذلك بسفينة بينما يفعله الإسكندر بأسطول! وقد عجز إعلان روما 2002، عن المحكمة الجنائية الدولية عن تعريف ما هو الإرهاب الأمر الذي أبقى هذه الظاهرة ومُحدثيها خارج مجال المحكمة وصلاحياتها. وأفضى الخلاف ذاته على تعريف الإرهاب إلى وضع لوائح مختلفة للمنظمات الإرهابية أبرزها اللائحة الأمريكية وتلك الأوروبية ولائحة الأمم المتحدة. توازيها لوائح الدول الداعمة أو الراعية للإرهاب والمنظمات الإرهابية. ثمة اختلاف بين هذه اللوائح في عدد المنظمات أو الدول المشمولة وهويتها. بل إن اللوائح تشهد تغيرات جدية من فترة إلى أخرى استجابة لمتغيرات في ميدان الأحداث أو نتيجة لاعتبارات سياسية ومفاعيل العلاقات الدولية والعقائدية. فعندما أعلن الجيش الجمهوري الإيرلندي التجرّد من السلاح والعمل العسكري تم إخراجه من قائمة المنظمات الإرهابية. وعلى المستوى ذاته يتم شطب أسماء دول من القائم أو إضافتها تبعا لتجاوبها مع سياسات إقليمية أو دولية.
البارز في هذه اللوائح ذاك العدد الهائل نسبيا للمنظمات التي تقرن نفسها بالإسلام أو الموروث الإسلامي كدين أو ثقافة. أمكننا اتهام واضعي اللوائح بالإسلاموفوبيا ومعاداة العرب والمسلمين، أو الإشارة إلى الاختلاف في تسمية المنظمات بين لائحة وأخرى واعتباره دليلا على نوايا واضعيها ومقاصدهم، وهم غير مجردين منها بطبيعة الحال. لكن أمكننا أن ننظر في أفعال هذه المنظمات وأدائها لنقرّر بأنفسنا إرهابية هذه المنظمات أو شرعية عنفها. وسنجد، دون كبير عناء، أنه مثلما تجاوزت الدول وفي رأسها الولايات المتحدة عنف الدولة المشروع نحو تدمير دول ومجتمعات بحجة الحرب على الإرهاب، سنجد أن الكثير من المنظمات الإسلامية تجاوزت من سنين مفهوم المقاومة والنضال الشرعي وانخرطت في صناعة الموت حتى أبدعت ما يُمكن أن نسجله براءة اختراع باسمها، "ثقافة الموت" التي تحصد مُحدثيها كما تحصد ضحاياها، "ثقافة" يتساوى فيه الموت مع الحياة ويفوقها أهمية وقدسية (أنظر خطاب الشهادة)! فقد تجاوزت هذه المنظمات أهدافها التي سنفترض أن بعضها يدخل في عداد المقاومة أو النضال أو أن أداءها تجاوز شرعيتها بشكل كارثي. هذا فيما دانت منظمات ـ كالقاعدة مثلا ـ بمشاريع عبثية شمولية هي النقيض لمشاريع هيمنة أخرى أو بأهداف غيبية عنصرية في أحسن الأحوال وعقائدية مطلقة في أسوأ حال! منظمات انحكمت للعنف كطريقة "مقدسة" و"مطلقة" و"إلهية" لا يرقى إليها شك وطبعت ميسمها هذا على العقود الثلاثة الأخيرة على نحو أعاد االفلسفة إلى مربعاتها الأولى تبحث عن مفهوم الدولة والسياسة في زمن العنف، وعن مفهوم العلمانية والحداثة في زمن الإرهاب الديني المتمدد تحت سيادة الدولة وفوقها. واللافت أن الإرهاب فيما سبق كان يقترح نفسه بديلا للنظام للسياسي أو الأيديولوجيا السائدة أو للثقافة المهيمنة بينما يقترح الإرهاب الإسلامي الراهن نفسه بديلا للدولة وبديلا للسياسة (أنظر عقيدة حزب الله وولاية الفقيه أو الداعين إلى إقامة الخلافة على وجه البسيطة). وهذا بالذات ما يجعله في صدام مع ثقافته وتاريخه هو بالذات ومع العالم بأسره وليس مع العالم الغربي والمركزية الغربية فحسب، كما يزعم منظرون إسلاميون أو قوميون مناصرون للمدّ الإسلامي.
كأن محدثي الإرهاب المقرون بالإسلام استحسنوا الصورة التي رُسمت لهم وللإسلام بعد 11 سبتمبر. أو ربما أنهم ذهبوا في مسار التستر على جرائمهم البشعة إلى حدود السماء بتحويلها إلى فضيلة، وإلى نظرية مقدسة تشكل صكوك غفران تزكّي مؤيدها ومُحدثيها والهاتفين لها بالجنة على إغراءاتها. كأن الجنة لا تفتح أبوابها إلا للضحايا على هذه الطريقة "المقدسة"! وهي طريقة يتسع مريدوها ودعاتها والضالعين في دهاليزها ونارها وكبريتها (أنظر العراق والصومال) بشكل يقربنا من الهلاك الحقيقي كشعوب عربية ومجتمعات إسلامية وبشر كم هلكت أوروبا العصور الوسطى المحكومة لمشاريع غيبية "إلهية" مطلقة.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ارهاب الدولة ام ارهاب الافراد واسئلة مهمة
عماد هاشم كامل ( 2010 / 9 / 23 - 19:53 )
في تقرير طريف نشر بمناسبة لطمية الحادي عشر من سبتمبر لم يتذكر خمسة واربعون بالمائة من الامريكان في اي سنة وقعت الحادثة المأساوية ؟ ومثقفونا حاملين جرن الحادثة ودايرين بيه يا استاذ هل عنف الافراد وارهابهم يتوازى مع ارهاب الدولة وعنفها ؟! لا اريد ان ابرر للعنف ولكني اقول ان العنف في امريكا يحصد سنويا ارواح ستة الاف امريكي وقد لاحظنا انه لما ارتكب احد ابناء امريكا من المسيحيين البيض عنفا ضد الدولة واعني به حادثة اكلوهوما سيتي وضرب مبنى الفيدرالية وملحق به حضانة اطفال للعاملات فيه جرى الاقتصاص من مرتكب الجريمة ولم ترسل امريكا طائرات لقصف الولاية التي قدم منها الارهابي ولا ارسلت صاروخ توما هوك على بيت عائلته وعندما كان العنف والارهاب يضرب غرب اوروبا في قلبها على يد الالوية الحمراء وبايدر ماينهوف والجيش الاحمر الايرلندي كان القصاص يتم من الفعلة ولم يتعدى الى الابرياء ان فاتورة سبتمبر هي اكثر من مليوني بريء في العراق وافغانستان مع القراصنة كما قيل قدموا من الرياض والقاهرة ولبنان والامارات فلم لم تهاجم امريكا تلك العواصم ونفست عن غضبها في ابرياء في العراق وافغانستان لا علاقة لهم بالواقعة ؟!

اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا