الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماهية التاريخ

صاحب الربيعي

2010 / 9 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


التاريخ ليس سلسلة أحداث ووقائع تؤرخ مسيرة مجتمع ما وحسب، بل أهميتها تكمن بمدى مساهمتها في النسق الحضاري للبشرية، فقيمة الحدث لا يقاس بالبُعد الزمني في إطار التاريخ لكن بعدّه سجلاً لواقع التاريخ لأنه يؤرخ الحدث الأبرز المحرك لعجلة التاريخ ومساهمة معرفية للمجتمع في الحضارة الإنسانية.
لا توجد مادة أو كائن حي من دون تاريخ، أنه هوية التعريف بالمادة والكينونة ووجودها، ومكانها، وصلاتها مع المحيط، وتأثيرها في الحاضر والمستقبل.... فالحاضر هو جزءاً من الماضي وكذلك من المستقبل فالشيء لا يخلق من فراغ، خلقه الأساس من مكونات متباينة لكل مكون، مادة، تاريخ، صلات، تغيير طبيعتها وصلاتها مع المحيط لا يلغي وجودها، تاريخها. إنها نتاج خلق بدائي لذرات أصغر، عمرها من عمر التاريخ، صلاتها قد لا تقتصر على المحيط الأرضي فقط وإنما تمتد إلى المحيط الكوني الأكثر تنوعاً في صلاته ليس بأحكام زمنية مؤرخة في سجل أرضي وإنما نشؤوها الأساس يمتد إلى أعماق الكون الذي لا تحكمه أزمنة أرضية لكنه يحمل ذاكرة تاريخية تحفظ الأزمنة في خزان ذاكرتها فكل تغيير يطرأ على تاريخها أو يطال صلاتها يضاف إلى خزين ذاكرتها وصلاتها الجديدة ولا يرتبط بمحطاتها التاريخية وإنما ما تفرضه حركة الحاضر والمستقبل.
هذا الكون بمكوناته المختلفة تحكمه أزمنة، تؤرخ نشأته وصلاته وفي المحصلة تاريخه. مرة أخرى الأزمنة ليست سلسلة من القرون الزمنية لرصد عمليات الخلق وولادة المكونات والأحداث والوقائع والكائنات، إنها أعمق بكثير فقيمتها التاريخية لا تقاس بعمرها الزمني وإنما بأبرز الأحداث المحركة لعجلة التاريخ خلال الزمن إلى الحاضر ومن ثم إلى المستقبل البعيد.
يعتقد (( إريك هوبسباوم )) " أن القرون لا يصنعها عدد السنيين، مائة سنة، وإنما تصنعها حجم الأحداث وعمر التجارب الحية وعمقها ومساهمتها في حركة تاريخ المجتمعات الإنسانية ".
يعدّ الحكم على أحداث التاريخ بآليات الحاضر بمثابة حكم جائر لتباين الصلات مع المحيط، لتغير الوحدات الزمنية المرتبطة بالمكان والمجتمع، وآليات الحاضر ما كان لها أن تصبح متطورة من دون وجود آليات التاريخ ذاته الذي جرى التعريض به لإصدار الأحكام غير الواقعية.
وليس إنصافاً انتزاع مرحلة زمنية من عمر التاريخ وتجريدها من صلاتها لاصدار الأحكام عليها، ولا يجوز إجراء عملية بتر لأحداث التاريخ وصلاته ومن ثم إصدار الأحكام عليه، فتاريخ الأمة بمثابة هوية تعريف لشغلها وحراكها وصلاتها مع الزمن والمكان كأقرانها من الأمم الأخرى الحاملة لهويات تعريف خاصة بها.
تعدّ عملية بتر تاريخ الأمم بمثابة عملية سلخها من هويتها الأساس وإعادة كتابة تاريخها بالإستناد إلى الجزء المبتور منها، فالمؤرخون الذي تعاني أممهم عوزاً في حراكها وشغلها في نسق التاريخ يسعون إلى التقليل من عظمة شأن الأمم الأخرى للتخفيف من وطئة شعورهم بالدونية في الزمن الحاضر.
يقول (( خروشوف )) : " إن المؤرخون خطرون وقادرون على قلب كل شيء رأساً على عقب لذلك يجب مراقبة كتاباتهم بدقة ".
إن وحدة الحدث أو الحراك التاريخي لأمة ما، لا يكرر نفسه في سجلها لاختلاف صلات المحيط الزمني مع ما يماثلها من أحداث ووقائع وأمم ساهمت في النسق التاريخي لوجودها في المكان، وبما أن المجتمعات والأحداث والأمكنة والأزمنة متغيرة في سياق الحاضر عما كانت عليه وعن المستقبل القادم فإنها ليست قوالباً جاهزة لأحداث ووقائع زمنية قابلة للنقل لإسقاطها على الحاضر. كما أنه ليس كل الأحداث والوقائع المؤرخة لحراك الأمة وشغلها يمكن التسليم به على نحو كامل لأنها غالباً ما يشوبها المبالغة وعدم الإنصاف.
عليه فإن محاكاة أحداث التاريخ بآليات الحاضر للوقوف على صدقها ليس عملية بتر ولا هو شطب لسجلها التاريخي وإنما هي عملية تمحيص للأحداث والوقائع التاريخية لتحقق من صدقها، فلا يجوز التسليم الكلي بسجل التاريخ كاملاً من دون تفحص دقيق لتصحيح مسار الحاضر الذي يسير على نفس سكة التاريخ للوصول إلى المستقبل.
يعتقد (( بيخو باريخ )) " أن التاريخ ليس كياناً متعالياً، ولا شخصانياً يعمل من خلف ظهورنا، فبمقدورنا تنظيمه وعلى خلافه فإننا نتحمل نتائجه في الحاضر وسيزيح التاريخ المسؤولية الملقاة على عاتقه ليلقيها على عاتقنا ".
تعدّ أحداث التاريخ ووقائعه وصلاته مع المحيط المرتبط بعامل الزمن بمثابة سجل يؤرخ لشغل المجتمعات عبر الزمن، إنه هويتها في النسق الحضاري للأمم في الزمن الحاضر وعنوان مستقبلها القادم. لذلك يجب دراسة تاريخ الأمم برمته لا بجزئيته المبتورة من الزمن ومحاكاته بآليات الحاضر وإصدار الأحكام المنصفة عليه استناداً إلى دقة أحداثه ووقائعه لتصحيح مسار الحاضر إلى المستقبل.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل قانون الجنسية الجديد في ألمانيا| الأخبار


.. صحيفة العرب: -المغرب، المسعف الصامت الذي يتحرك لمساعدة غزة ب




.. المغرب.. هل يمكن التنزه دون إشعال النار لطهو الطعام؟ • فرانس


.. ما طبيعة الأجسام الطائرة المجهولة التي تم رصدها في أجواء الي




.. فرنسا: مزدوجو جنسية يشغلون مناصب عليا في الدولة يردون على با