الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خراب

سعد تركي

2010 / 9 / 26
المجتمع المدني


يخيل إليّ إن شخصية بعض أبناء الوطن، تشبه إلى حد بعيد بيوت فقرائه المتكئة إلى بعضها، تشبهها بفقرها وخوائها وتهالك جدرانها وحيطانها، تشبهها بضعف أسسها وركائزها.. فما أن يسقط جدار أو حائط لبيت منها حتى تتهاوى بتسلسل سريع بقية حيطان وجدران حي بأكمله، لكأنها تتضامن مع بعضها بعضاً، فإما أن تقف مجتمعة أو تسقط معاً!
الخراب والفساد والإفساد الذي أصاب أبناءً من الوطن، لا يبدو للناظر أنه فوت شيئاً أو وفر قطاعاً وشريحة من مجتمع كان يوصف دوماً بالمتماسك، لأنه ضرب جذوره عميقاً في التاريخ، ولأن إنسانه سلسل حضارة أخرجت البشرية من عماء الجهل إلى نور العلم، وهدتهم إلى الله الواحد الأحد، وسنت الشرائع والقوانين التي حفظت للإنسان كرامته، وأقرّت حقوقه.. فصرنا نتباهى على الآخرين إننا وإن فقدنا مكانتنا علمياً وحضارياً، فإننا متفوقون أخلاقياً وإنسانيناً.. إجمالاً فإن بعضاً من مواطنينا ما كان يعصمهم عن الوقوع في دائرة الزلل والخطأ سوى لوح زجاج تكفلت حصاة صغيرة بتحطيمه..
هناك مهن توصف بأنها مهن إنسانية، يفترض بمن يمارسها أن يكون على درجة عالية من سمو الأخلاق والضمير اليقظ، فليس (الفيترجي) كالطبيب، كما لا يشبه العتال المعلم.. فحين يخطئ ويهمل ويغش (الفيترجي) في عمله فالنتيجة تكون سيارة معطلة ومال مسلوب من دون إزالة عطب أو تشخيص دقيق لعلة.. أما حين يخطئ أو يهمل ويغش طبيب في عمله، وحين لا يحترم مهنته وقسمه، ولا يرى في المريض والمعلول أكثر من إمكانية للربح والإثراء، فإن النتيجة تكون هدر حياة المريض أو مفاقمة أمراضه وعلله..
كثيرون منا اضطروا لمراجعة أطباء، سواء أكانوا هم المرضى أم ذهبوا بصحبتهم، ورأوا كيف أن طبيب هذه الأيام يستقبل، خلال ساعات، المئات من المراجعين يدخلون غرفة الفحص على مجموعات تصل، أحياناً، إلى عشرة أفراد دفعة واحدة، وكيف ينتقل هذا الطبيب الشهير بين مريض وآخر، مشخصاً علة هذا، واصفاً علاج ذاك بسرعة عجيبة يحسد عليها، ينتقل بعدها إلى مستشفاه الخاص لإجراء العمليات الجراحية.. وبين غرفة الفحص وقاعة العمليات لا وقت استراحة إطلاقاً، ولو حاجة كل إنسان إلى النوم والطعام، لقلنا أنهم لا ينامون ولا يأكلون!
أذكر أن أحد أقاربي كان يراجع طبيباً شهيراً في أعوام السبعينات، لم يكن يستقبل في عيادته، تحت أي ظرف، أكثر من ثمانية مرضى يقسمهم إلى وجبتين، وحين ينتهي من أول الأربعة، يخرج من عيادته ليتناول فنجان قهوة ويأخذ ساعة للاستراحة، يعاود بعدها فحص الأربعة الآخرين، وحين سئل عن السبب أوضح، كي يعطي المريض حقه من الوقت والعناية والاهتمام، ويعطي عقله وجسمه راحة تهديه تشخيص العلة ووصف العلاج الناجع.
الغريب والمؤلم والمرير أن كثيراً من هؤلاء الأطباء لم يكونوا على هذه الصورة قبل مصيبة التغيير، إنما كانوا مثالاً في الدقة والإنسانية والرحمة، لكنهم أصيبوا بداء التغيير وانقلبوا انقلاباً كبيراً، ولولا بقاء أسمائهم لأنكرت أنهم هم بأنفسهم، فلقد صار التنافس بينهم ليس في القدرة على العلاج والتفاني في خدمة مهنة نبيلة، إنما في حجم دخل يومي أشك كثيراً أنهم يجدون وقتاً وفسحة للاستمتاع به..
حين تهاوى البيت الأول في حينا الفقير، ظننا أن البيوت الأخرى ستسنده وتمنع وقوعه وتعزز أسسه وركائزه، لم نكن نتخيل أن بيوت حينا ستسقط تباعاً، ونكون جميعاً في العراء والبرد والظلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يعلن عن فرض قيود على المهاجرين غير الشرعيين على الحدود


.. متى تلقى استغاثات الأمم المتحدة عن الوضع في غزة آذان مُصْغِي




.. ما هي التحديات الأساسية التي تواجه جهود الإغاثة في الفاشر؟


.. إحصاء حكومي يظهر أن ثلث الأسرى الإسرائيليين بغزة لقوا حتفهم




.. موجز أخبار السابعة مساءً - الأمم المتحدة: يجب التحرك العاجل