الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهمية الإرث التاريخي للمجتمع

صاحب الربيعي

2010 / 9 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يعدّ الإرث التاريخي للمجتمع بمثابة قاعدته الأساس لبناء الحاضر والمستقبل فكلما كان ممتداً في عمق التاريخ زادت ثقة المجتمع بنفسه، وإن كان سطحياً قلت ثقة المجتمع بنفسه وبغض النظر عن حراكه الراهن فإنه لا يحتاج استنهاض مقوماته سوى تأجيج عواطفه الكامنة وتذكيره بماضيه المجيد لحث همم أبناؤه على العمل والمثابرة. على خلافه حين تكون قاعدة البناء الأساس لمجتمع ما هشة لضعف إرثه التاريخي تصبح عواطفه الكامنة غير مستجيبة بعدّها سلسلة من الخيبات والنكسات المتتالية لعدم قدرته تأسيس حضارة خاصة به ما يجعل تذكيره بماضيه يؤجج عواطفه الكامنة على نحو سلبي فتضعف عزيمته على العمل والمثابرة.
على الرغم من أن الإرث التاريخي لمجتمع ما يعدّ سنداً لحاضره ومستقبله، فقد يولد حالة معاكسة يجعله يفخر بأمجاده الماضية لعجزه النهوض بواقعه المتخلف، فيسعى في اللاوعي لتقليل شعوره بالعجز والانكسار استرجاع ذاكرة ماضيه المجيد.
يقول (( إريك فورم )) : " إن خطر الماضي على الإنسان يجعله عبداً وخطر المستقبل يجعله رجلاً آلياً ".
إن استعادة أمجاد الماضي لتقليل حالة الشعور بالعجز والوهن في الحاضر لا يؤدي إلى استعادة الإرث التاريخي برمته لجعله حاضراً ولا يخلق عظمة للحاضر مهما بلغ شأن المجتمع لأن التاريخ لا يصنع المجتمعات وإنما المجتمعات هي التي تصنع التاريخ، فالفضل الأكبر يعود إلى الأجيال السابقة في خلق حضارة الماضي التي رفدت الحضارة الإنسانية بالشيء الكثير وللأجيال اللاحقة حق الفخر والتباهي لكن لا يمنحهم حق التعالي على غيرهم طالما حاضرهم أقل شأن من الآخرين.
كما لا يمكن إطلاقاً نسخ الماضي لجعله حاضراً لمجتمع ما لاختلاف صانعيه، فتوارث التاريخ عبر الأجيال على الرغم من أهميته في وجدان الأجيال اللاحقة ليس ملكاً صرفاً لهم، إنه ملكاً للبشرية جمعاء فلكل مرحلة تاريخية نخبها وآلياتها لصنع الحضارة فلا يمكن استعارتها أو نسخها لخلق حالة حضارية جديدة، لأن الماضي سلسلة في حلقات التاريخ لا يمكن قطعها ومن ثم وصلها في سلسلة الحاضر لاستشراف المستقبل.
يعتقد (( ماركس )) " أن التاريخ لا يكرر نفسه وإذا فعل فهو في المرة الأولى صانع ( دراما ) كبيرة وفي المرة الثانية صانع ( مهزلة ) ".
تعدّ أهمية الإرث التاريخي لمجتمع ما مساهمة في رفد الحضارة الإنسانية وسنداً لاستنهاض مقومات أبناء الحاضر بتحريض عواطفهم الكامنة لحثهم على التطور والتقدم. استندت مجتمعات كثيرة على إرثها التاريخي لاستنهاض مقومات مجتمعاتها في الحاضر وحققت خلاله هدفها المنشود، وفي المقابل المجتمعات التي لا تمتلك إرثاً تاريخياً تعاني سلباً في عواطفها الكامنة يدفعها في اللاوعي إلى تقزيم الإرث التاريخي للمجتمعات الأخرى فتقلل قيمة حدث ما يثير العواطف إيجاباً أو تعظم حدث ما يثير العواطف سلباً لتثبيط الفعل الايجابي في استنهاض مقومات المجتمعات ذاتها ما يقلل شعورها بالدونية سعياً لتحقيق أهداف سياسية بعيدة المدى.
يعتقد (( توماس كوهين )) " أن بعض التوجهات الأيديولوجية تسعى تعمداً تحريف تفاصيل وقائع تاريخية لمجتمع ما لتقليل قيمتها التاريخية الايجابية أو منحها قيمة سلبية أكبر لتحقيق أهداف سياسية محضة ".
بعدّ الإرث التاريخي للمجتمعات سنداً لاستنهاض مقومات حاضرها يمثل حالة ايجابية وحالة سلبية عند عجزه استنهاض مقومات الحاضر، وتقليل شأن الإرث التاريخي لمجتمع ما يعدّ شعوراً بالدونية تجاهه، ويعدّ حالة سلبية أيضاً عند تعظيم شأن أرث تاريخي ما للمباهاة والفخر بأمجاد الماضي لإخفاء حالة العجز في الحاضر.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل قانون الجنسية الجديد في ألمانيا| الأخبار


.. صحيفة العرب: -المغرب، المسعف الصامت الذي يتحرك لمساعدة غزة ب




.. المغرب.. هل يمكن التنزه دون إشعال النار لطهو الطعام؟ • فرانس


.. ما طبيعة الأجسام الطائرة المجهولة التي تم رصدها في أجواء الي




.. فرنسا: مزدوجو جنسية يشغلون مناصب عليا في الدولة يردون على با