الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صديق أدّى العمرة فعاد بدماغ مغسولة...؟!

باهي صالح

2010 / 9 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بحكم عملي في مؤسّسة حكوميّة و بحكم ما يتطلّبه هذا العمل من تنقّلات و زيارات ميدانية خارج حتى الولاية التي أقيم بها، و من خلال دورات تدريبية و تأهيلية دورية موازية على مستوى السّنة، فقد تمكنّت من بناء علاقات زمالة و صداقة بين عدد من الإخوان من هنا و هناك، و كنّا نستغلّ و نقضي لقاءاتنا و اجتماعاتنا التي كانت تمتدّ في بعض المناسبات إلى أيام أو حتّى بضعة شهور في التّواصل و كسر الملل و رتابة حياتنا اليومية، فنسهر إلى أوقات متأخّرة من الليل نصخب بالنّقاش و الجدال و نمضي أوقات ممتعة...

إلى غاية السّنة الماضية كانت قد سنحت لنا ثلاث فرص للّقاء و كنّا قد بقينا على نفس السّيرة باستثناء أنّ أحد الأصدقاء أطلعنا بابتهاج و حماسة بالغة على قصّة رحلته إلى البقاع المقدّسة معتمرا لمرتين متتاليتين،كان من السّهل منذ الوهلة الأولى أن نلاحظ ما طرأ على هيئته و تصرّفاته و على طريقة حديثه من تعديلات و تغيرات محتشمة لا زالت في طور التشكّل و التّبلور وكأنّه دخل مرحلة جديدة تختلف في الشكل و المضمون عمّا عرفه في سابق حياته استلزمت و استوجبت منه درجة محسوبة من الانضباط و الالتزام تستدعيها و تتطلّبها على ما يبدو بنود شهادة حصل عليها في الحرم المكّي تسمّى العمرة و تناسب مرتبة أو منصبا ناله بموجبها...!

طبيعة الأحاديث و المواضيع التي أصبح يخوض فيها و يتطرق إليها اصطبغت كلّها بالقرآن و الأحاديث النّبويّة، أمّا الصّلاة المفروضة فلم يعد يصلّيها إلا في المسجد القريب، ذهنه و تركيزه صادرهما مجهود ترقّب الأذان و الحرص على عدم تفويت فرصة سماعه و الانصياع لندائه، بين السّاعة و الأخرى كان ينظر إلى ساعته أو يسأل عن وقته أو موعده...لا شيء يعلو على صوت المنادي إذا نادى حيّ على الصّلاة حيّ على الفلاح، لا الدّرس و لا الجلسات و لا الصّداقة و لا أيّ شيء آخر...!

كلّما أذّن المؤذّن صاح فينا بلهجة الحضّ و الاستنكار: هيّا يا جماعة ألم تسمعوا الأذان...؟!

و يهبّ هبّا يتوضّأ لينطلق ملبّيا النّداء، و يضطرّبعض الأصدقاء لمرافقته إلى الجامع لأداء الصّلاة الجماعيّة إمّا مجاراة له أو حتّى من تأثير شخصيته و دعوته لهم...!
قلت له في أحدى المرّات أنّ الصّلاة الجماعيّة يمكن أن نؤدّيها مع بعضنا البعض داخل المراقد دون الحاجة إلى مسجد أو مكان خاصّ للصّلاة، فقصفني الأخ الحاجّ بالحديث الشّريف "لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد" رغم أنّه حديث ضعيف...!

و فيما كنّا جميعا نمزح و نضحك و نتناقش و نتبادل التّعليقات بعفوية و تلقائية، كان هو يسجن نفسه و يحيطها بسياج الجدّية و الوقار، و في كل موضع و حديث كان لا يتحدّث و لا يتدخّل دون أن يُسقط أو يُركّب حديثا نبويا أو آية من القرآن، و كان كذلك يفعل في كل استدلال و استشهاد و في كلّ جدل و محاججة، و لا يعدم أبدا دليلا و لا حجّة يستقيها أو يستنبطها أو يبتدعها من الكتاب و السّنة، و لا يطرح فكرته أو رأيه إلا على صيغة قال الله قال الرسول، مجهدا نفسه طول الوقت في الإبقاء على قناع الجدّية و الوقار و الترفّع عمّا يدخل حسب فهمه في قائمة اللّغو أو الخروج عن الدّين...!
ورغم أنّي دأبت منذ البداية على تجنّب مجادلته و الحرص على انتقاء مفرداتي و عباراتي إلاّ أنّ ذلك لم يمنعني من التّصادم معه أكثر من مرّة عندما يغضب أو يستثيره بعض ما أقوله أو أطلقه من تعليقات بريئة اقتضاها سياق الحديث أو النّقاش، فكان ردّ فعله و الحمد لله، إمّا أنّه كان ينسلّ من بيننا إلى غرفته دون أن ندري أو نشعر بتسلّله أو كان ينتفض ضدّي أو ضدّنا جميعا و يثور حانقا غاضبا مستنكرا عليّ أو علينا تمسخرنا أو سخريتنا أو خروجنا عن حدود الأدب و اللّياقة إزاء قضيّة دينيّة أو شيخ أو شخص متديّن أو مفهوم له صلة ما بالله أو الرّسول أو بمكان مقدّس...الخ

أما في الفصل فقد لاحظنا أنه بدأ يفقد اهتمامه بحصص التّدريب الّتي أرسلتنا المؤسّسة من أجلها و الّتي تنفق عليها الأموال الطّائلة بفرض تحسين أدائنا و رفع كفاءتنا مهنيّا و ثقافيّا...قلت لم يعد يوليها أدنى اهتمام و كان يقضي وقت الفصل متجاهلا الدّروس و متحدّيا في نفس الوقت المدرّس من خلال شغل نفسه بالكمبيوتر يستذكر أجواء العمرة و يعيد تدوير مشاهد الفيديو التي التقطها لنفسه أثناء زيارته للكعبة و الأمكنة المقدسة إلى الدّرجة الّتي يشوّش فيها على تركيز الجميع أثناء الحصص المبرمجة...كان يتعمّد رفع صوت الكمبيوتر و هو يستمع إلى ترتيل القرآن سابحا بعيدا عنّا و عن الفصل في بحار الانتشاء و الغبطة...!

إنّ حصص التّدريب بالنّسبة لصاحبنا أصبحت مضيعة للوقت و غدت ملهاة عن ذكر اللّه و عن العِلم الحقيقي النّافع المتمثّل في القرآن و نفحات الحجّ و العمرة، و لولا حاجته و اعتماده على الرّاتب التي تصرفه له المؤسّسة كلّ شهرلََتَركها و ترك درسها و تدريبها إلى ما هو خير و أبقى...!

في المرّة الثّانية بدأ ينطوي على نفسه وينأى بها عنّا، و بدأ يتجنّبنا و لا يجلس و لا يسهر معنا إلاّ قليلا وإن فعل أثقل أجواءنا بجدّيته المفرطة و بقناع التجهّم الّذي أصبح يلبسه و يلازمه على الدّوام، و من هوسه بالبقاع المقدّسة و نفحاتها الإيمانيّة الّتي يُنعم اللّه بها على بعض عباده كان لا يملّ و لا يتعب من تكرار تفاصيل رحلته إلى العمرة في المرة الأولى و الثّانية فيسرد علينا كل ما فعله و ما رآه و ما سمعه و ما أكله و ما شربه هناك في بيت الله و مقام الرّسول، يحكي لنا عن مشاعر الإيمان و الرّهبة الّتي استشعرها هناك، يحكي لنا عن تجواله و تنقّله و عمّا لاحظه و استغربه من عادات الجزائريين و المصريين و الإيرانيين و الباكستانيين و غيرهم من المسلمين و هم يؤدّون مناسك العمرة ، يحكي لنا عن صديقه السعوديّ الذي أعطاه رقم هاتفه النقّال، وعن فلان الّذي توفّاه الله إلى رحمته (يا لسعده و هناه...!) و هو يؤدّي مناسك العمرة، و عن مظاهر الرّحمة و الخير الوفيرالّتي شهدها في الطّرقات و الأمكنة كالأطعمة الّتي تأتي به التبرّعات و الصّدقات...كان في كلّ مرّة يطير بنا رغما عنّا إلى مكّة المكرمة و كلّ مرّة كان لا يدّخر جهدا في محاولة جعلنا نشاركه بهجته و حقيقة أحاسيسه و مشاعره الإيمانيّة السّامية و هو في رحاب البقاع المقدّسة...!

رأيته شيئا فشيئا يتحوّل إلى شخص غير الّذي كنت أعرف... فقد عرفته قبل العمرة سمحا بسيطا، كثير المزاح و الضّحك، عرفته قبل رحلة غسل الدّماغ مسترسلا في الكلام دون عُقد، عرفته تلقائيّا و صاحب أنس و لطف و حسّ فكاهة، أمّا في هذا اللّقاء فقد استحال عندي و عند بقيّة الزّملاء و الأصدقاء شخصا آخر، شخصا معقّدا متعصّبا ثقيلا منطويا عدوانيّا متجهّما كثير الابتذال في القول و العمل، اندهشت لأنّي رأيته ينسلخ من بساطته و بسطته و هو يجالسنا و يتحدّث معنا و يضيّع عفويته و يقتل حسّه الفكاهي إلى غير رجعة...!

في المرّة الثالثة من لقائنا جاءنا يلبس طاقية المسلم الملتزم و عمل أغلب الوقت الّذي قضيناه مع بعضنا البعض على هجرنا و هجر مجالسنا و كلّما اجتمعنا به راح يدعونا بعزم و إصرارإلى التّوبة و الالتزام و الابتعاد عن هدر أوقاتنا في الّلغو و الحديث الفارغ رغم أنّنا جميعا كنّا نصلّي و ذوو أخلاق و اتّزان دون أن يتوقّف عن تكرار تفاصيل عمرته الأولى و الثانية و محاولة جعلنا نتقمّص روحه و شخصه هناك لنستشعر مثله نفحات الإيمان و الرّهبة الإلهيّة ....!

وكنت أتساءل مندهشا بيني و بين نفسي عمّا فعلته العمرة في صديقنا و عمّا جرّته على مزاجه و أخلاقه و طباعه الّتي عهدناها منه قبلها...؟!

السّر في ذلك يعود إلى النّفحات الإيمانيّة الّتي بها من أرض الحرمين الشّريفين و إلى حالة الورع و التبتّل الّتي تلبّسته من جرّاء ما سمع و ما قرأ و ما وقر في ذهنه و عقله...و أنا أتساءل عن مآل حالته عندما نلاقيه مرّة أخرى بعد سنة أو أكثر...ما الّذي سيجرّه التديّن على شخصيته و تصرّفاته إن هو بقي سائرا في دربه...إن كنّا أصلا سنلتقيه مرّة أخرى...؟!
و أحمد اللّه أنّ غالبيّة زوّار الحرمين الشّريفين سواء أكانوا هدفهم الحجّ أو أداء العمرة يعودون إلى ديارهم على الحالة الّتي خرجوا منها...أي يعودون دون أن يكون قد حصل لهم غسل مشابه (كما حصل لصاحبنا) لأدمغتهم بفعل الآثار السّحريّة لمشاعر التّقوى و النّفحات الإيمانيّة التي تشعّها الأماكن المقدّسة على أرواحهم و أنفسهم أو يأتي بها إلتزامهم الظّرفي أو توبتهم الطّارئة علينا وعلى حياتهم...!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تناقض
الشهيد كسيلة ( 2010 / 9 / 26 - 21:37 )
الكاتب هو المتناقض مع نفسه اما المعتمر فهو واضح وقد اختار هذا المسلك انما الغريب ان من يكتب -الاسلام سبب التخلف- لا يزال يقوم بكل طقوس الاسلام مع انه يقر بانه سبب التخلف

كل المستعربين في شمال افريقيا ارتبطوا نهائيا بحبل الاستعراب والاسلمة ومهما ادعوا من حداثة وتفتح يظلون في طقوسهم ويظلون معادين لاصولهم الامازيغية ومتخذين من العروبة اداة مناكفة ضد الثقافة الامازيغية التي هي ثقافتهم الحقيقية
ولو سالت الكاتب وقلت له ان باهي ليس من البهاء ولكن هو تصغير ابراهيم في الامازيغية لاستغرب منك رافضا اي شيء يربطه بتامازيغت


2 - معذره ... هل مغسوله بماء نظيف ام ماء قذر
حكيم العارف ( 2010 / 9 / 27 - 03:11 )
هناك فرق ياصديقى بين انواع الغسيل ... هناك غسيل بماء نظيف واخر بماء المجارى ....

وكمايوجد مسيحيين يتصوفون ويذهبون للرهبنه ليعبدواالله الواحد فى الخلاء بعيدا عن الضجيج فهناك مسلمون ايضا يتصوفون -والمأخوذ من حياة الرهبان والحياة المسيحيه السليمه- ويبتهجون بعبادتهم لله دون الرجوع للسلفيه ....

وصديقك الذى تحكى عنه لم يصل الى السلفيه بل هو اخذ الشق المكى المتاثر بالرهبه ومخافة الله الخاصةبالعبادة والطاعه ... ولكنه لم يصل الى مرحلة الجهاد المفترى بقوة السلاح ... وهذا هو الغسيل بماء المجارى ..

فنحمد الله انه الى الان -مسلم نص نص- ..على راى واحد صاحبنا كان يكتب بالحوار ....


3 - الحمد لله
أبا بكر ( 2010 / 9 / 27 - 10:32 )
الحمد لله الذي هداه ولولاه ما كان صاحبك ليهتدي

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا وإياك كما هدى صاحبك


4 - انه قرر الذهاب للعمرة
محمود الفرج ( 2010 / 9 / 28 - 01:20 )
ولكن ماذا قراء غير الذي كان يعرفه فهو كلام مكرر ان كان في الهند او في مكة المكرمة-- واقول مكة المكرمة احتراما لمشاعر البعض -- فالاخ المعتمر صرف اموال للعمرة وعليه ان ياخذ حقه منها بالعراقي لازم يطلع فلوسه وعندها سيعود الى رشده


5 - الى الاخ كسيلة
الشهيد عقبة ( 2010 / 9 / 28 - 11:09 )
السيد كسيلة المحترم مع اني لست من المتعصبين لاعراقهم فنحن البشر كلنا اخوة ولكن الاحظ فيك تعصبا غير مقبول تجاه عرب المغرب العربي ان لم يكن ضد عرقهم فضد ثقافتهم على الاقل فالمحايد يعرف ان هنالك ثقافة عربية اصيلة في مغربنا ومناطق عربية خالصة كما ان هنالك ثقافة ومناطق امازيغية خالصة فمرحبا بتعدد الثقافات

اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah