الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جلسة مع كاتبات فى القاهرة

نوال السعداوى

2010 / 9 / 28
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


منذ أيام جمعتنى جلسة مع بعض الكاتبات فى مدينة القاهرة، كان السؤال يدور بيننا: هل تختلف عين الكاتبة المرأة فى رؤيتها للكون والناس عن عين الكاتب الرجل؟ وهل تختلف اللغة أيضا باختلاف الرؤية؟

قالت كاتبة متوسطة العمر لا ترتدى الحجاب كانت تجلس بجوارى:

عين الإنسان غير منفصلة عن عقله واللغة التى يعبر بها، رجلا كان أو امرأة، كلما تطور العقل، الوعى واللاوعى معا، تطورت الرؤية بالعين وتطورت اللغة، قد يرى الكاتب المبدع أو الكاتبة المبدعة ما لا يراه الآخرون، ليس لأن الابداع يهبط من السماء، أو منحة من الآلهة لما نسميهم عباقرة، بل إن العبقرية صبر طويل، وعمل وجهد، وتربية جيدة منذ الولادة حتى النهاية، تفتح العقل والعين على آفاق ولغة جديدة، يصبح الإنسان قادراً على إثارة الجدل، وكشف المكبوت والمسكوت، تصبح الكتابة المبدعة محرضة على التفكير والتغيير، وتحطيم الأصنام، المسلمات القديمة والجديدة والموروثات منذ العبودية، الكتابة المبدعة هى السهل الممتنع، هى الكتابة كما نعيش، من الحياة ذاتها تنبع الكتابة المبدعة وليست من الكتب، لهذا قد يبدع إنسان لم يتعلم فى المدارس، قد تقتل المدارس الإبداع الطبيعى فى الطفل أو الطفلة، وقالت كاتبة متقدمة فى السن غير محجبة أيضا:

الكتابة من تجارب الحياة قد تبدو سهلة، وهى سهلة لمن يعيش الحياة ويتأمل تجاربه وتجارب الناس، الكتابة ليست مجرد حكايات أو أحداث، بل هى صور مبدعة للحياة ذاتها، هى تفاصيل الحياة الصغيرة جدا، حين تتحول فى عين الكاتبة أو الكاتب إلى لغة وأفكار جديدة كبيرة، هذه العين السحرية القادرة على ربط الأشياء غير المترابطة، ونقل الماضى إلى الحاضر إلى المستقبل بكلمة أو صورة، إنها القدرة الإبداعية النقدية التى تكشف وتنزع عن عيوننا الحجاب المفروض علينا منذ آلاف السنين، هى عين طفولية طبيعية قادرة على كشف التناقضات فى سلوك الكبار وإن كانوا ملوكا يجلسون على عروش الأرض والسماء، مثل قصة الطفلة أو الطفل الذى رأى الملك عاريا رغم أن كل من حوله من النخبة كانوا يتغزلون فى ملابسه الملوكية الفاخرة، وقالت كاتبة شابة ترتدى بنطلوناً وقميصاً فضفاضاً:

الأطفال قادرون على كشف النفاق السياسى والاجتماعى أكثر من الكبار، عيون الأطفال لم تصبها الغشاوة الناتجة عن التربية والتعليم والكذب الدائم، يقول الأطفال الصدق إلى حد صدمة الآخرين، الصدق يصدم فى عالم تعود الكذب، يزداد النفاق بصعود الإنسان إلى صفوف النخبة المختارة من السلطة الحاكمة، تربطهما المصالح المشتركة، تختار السلطة هذه النخبة وتعينهم فى أعلى المناصب الأدبية والثقافية والإعلامية والدينية والسياسية والاقتصادية، تصبح النخبة أداة فى خدمة السلطة، تتصدى لمن ينقدها أو يعارضها، تلعب هذه النخبة أدوارا مزدوجة لإخفاء علاقتها بالسلطة الحاكمة، منها دور المعارضة ذاتها، يعرفون قواعد اللعبة، ينتقلون من دور إلى دور مثل الكراسى الموسيقية، منهم الرجال والنساء، قد تلجأ المرأة إلى الكذب والنفاق أكثر من الرجل، لأن خوفها من العقاب أكثر، لأنها امرأة تحكمها الأخلاقيات الدينية السائدة (منها أن وجهها عورة وطاعتها للرجل واجبة ومكانها الطبيعى هو البيت ودورها حسب أمر الله هو خدمة الأسرة)، قد تكون المرأة وزيرة أو رئيسة وزراء أو رئيسة تحرير أكبر جريدة، أو طبيبة جراحة أو عالمة ذرة أو أديبة عالمية مبدعة، إلا أن كل هذه الأعمال ثانوية فى حياتها بالنسبة لدورها الرئيسى التقليدى: الزواج والأمومة وخدمة الأسرة، تصبح المرأة الكاتبة شاذة إن أحبت الكتابة أكثر من الرجل وخدمة الأسرة، يصبح الرجل الكاتب عظيما إن تفرغ لفنه وكتاباته أكثر من تفرغه للمرأة وخدمة الأسرة، المرأة والخدمة متلازمتان، واجب المرأة خدمة غيرها، أما الرجل فهو يتزوج لتخدمه زوجته، يظل مفهوم الأمومة متحكما فى عقل المرأة وقلبها، تضحى الأم بحياتها من أجل الأمومة، دور الأبوة فى حياة الرجل ليس رئيسيا، يمكن للرجل أن يعيش دون زواج دون أن ينجب، المرأة التى لا تنجب تشعر بالنقص أو العار، يتباهى الكاتب الرجل بأنه يحتقر الزواج، ينشر أفكارا تحقر المرأة خاصة الزوجة، يتباهى بغزواته الجنسية المتعددة، أما المرأة الكاتبة فهى تخاف نظرة المجتمع إليها، تتردد فى الكشف عما يدور فى أعماقها، تتبنى أفكار الرجل فى السياسة والدين والأخلاق، تتباهى حين تتزوج وحين تصبح أما وجدة، تتباهى النساء بعدد الحفيدات والأحفاد.

أعلنت كاتبة ترتدى الحجاب أنها أصبحت جدة لحفيد أطلقت عليه اسم النبى، ثم دارت بين الكاتبات مباراة حول عدد الأحفاد الذكور، لم يكن للحفيدات الإناث تلك البهجة والفخر.

سألتنى واحدة منهن عن عدد أحفادى، مصمصت شفتيها حين قلت لها اسألينى عن كتابى الأخير، ثم قلت لها: ما الفرق بين امرأة دورها الكتابة وامرأة دورها الولادة؟ أكثرهن يرتدين الحجاب رغم أنهن كاتبات، قالت كاتبة صحفية كبيرة معروفة: الحجاب أمر الله، الكاتبة لا تعصى أمر الله ولاّ إيه، وقالت كاتبة أخرى: نحن نمشى حسب المجتمع، الكتابة لا تعنى مخالفة المجتمع، أو التمرد، التمرد من الشيطان.

لم تتفق معى فى الرأى إلا واحدة من خمس كاتبات، وكلهن معروفات، بعضهن مشهورات، يشغلن مناصب كبيرة فى الإعلام والثقافة.

هل نحن فى عالم يتهاوى أمامنا؟ لقد جسدت هؤلاء الكاتبات كيف ارتد المجتمع إلى الماضى السحيق، ها هى بعض النخبة من النساء الكاتبات، دورهن إنارة العقول وإبداع الأفكار الجديدة، دورهن تغيير المجتمع إلى الأفضل فإذا بهن يخضعن للمجتمع ويسرن وراءه وليس أمامه.

قالت واحدة منهن: كنت أحلم بتغيير العالم فى طفولتى، لكنى اليوم أحلم بالحصول على غرفة خاصة بى لا يشاركنى فيها زوج، نحن فى عالم يقوم على التجارة والمال، لم أكسب من الكتابة إلا المتاعب والفقر، عالم تم فيه تسليع كل شىء، أرخص السلع الإنسان، خاصة المرأة، خاصة الكاتبة، الزوجة أرخص السلع يا سيدتى، المشاعر الجميلة الصادقة فى العلاقات الحميمة استولى عليها سعار البيع والشراء، لم يعد باستطاعتى أن أعرف حقيقتى، أرى نفسى دمية، ألعوبة فى يد الآخرين، لا أعرف من يمسك بخيوط تحريكى أعلى المسرح، كل صباح أرى وجه زوجى يائسا مكفهرا يردد ما تكتبه الصحف من فساد، كل شىء فى فمى له طعم الفساد، أشعر بغثيان روحى وقلبى قبل غثيان معدتى، يبدو زوجى رجلا غريبا عنى، لم أعش معه فى سرير واحد أربعة وعشرين عاما، أسأله كل يوم من هو وهل تقابلنا اليوم فقط، أم منذ ربع قرن؟

تمصمص الكاتبات شفاههن، تهمس واحدة: نحن نعيش فى عالم عبثى مخيف، ارحمنا يا رب، وأقول لها: الرب لا يرحم إلا من يرحم نفسه، الرب لا يساعد إلا من يساعد نفسه، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، علينا أن نغير أنفسنا، على المرأة أن تغير نفسها وتفكيرها وإلا فلن يغيرها أحد، ابدئى بنفسك يا سيدتى الكاتبة قبل أى شىء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
المختار بن دغة ( 2010 / 9 / 28 - 17:54 )
رؤية العالم ومقصدية الكتابة تكشف هذه النصوص عن خاصية دلالية بارزة وهي أن ... المشترك بينها هو نزوع الكاتبة نحو فضح تلك الظواهر والنظر إليها بعين ... النمطية التي تكرس علاقة غير متكافئة بين الرجل والمرأة...


2 - كاتبات يلدن ألأثنين ...!؟
سرسبيندار السندي ( 2010 / 9 / 28 - 18:58 )
بداية تحياتي لك سيدتي والحقيقة المرة في أوطاننا أنه هنالك كاتبات لايزلن يلدن ألأثنين الكتب والأولاد ... ولكن تبقى العلة في نوعية الإنتاج المطلوب والمراد ... لذا ليس بالشئ الجديد أن نرى من يتباهى بما هو ملقى على أرصفة الشوارع من كتب وأولاد كالجراد ...من دون أن يتساءل مخلص أومثقف هل حقا ما نره يستحق أن نفتخر به رغم إدراكنا أن هذا هو سبب تخلف أوطاننا وإنساننا والإيمان بمسلمات ألأديان والأجداد ....!؟


3 - الف تحية للدكتورة
swra omar ( 2010 / 9 / 28 - 21:44 )
من كردستان العراق
تحياتي للكاتبة الشجاعة دكتورة نوال السعداوي نغير انفسنا فما هو دوراللٌه تريد تغير المجتمع لازم نغير انفسنا المجتمع الاسلامي واعظين للغيرهم لا لِنفسهم


4 - حمدا لله رب العالمين
عبد الله بوفيم ( 2010 / 9 / 29 - 22:30 )
الدكتورة نوال السعداوي وجدت في محيطها وهي من هي, وجدت نساء كاتبات مشهورات ربات البيوت وجدات لأحفاد وحفيدات, ينقلن إليهم تجاربهن في الحياة, ويشعرن أنهن ضربن بالجدور في التاريخ علميا وفكريا وانسانيا
ما لم تقله الدكتورة حال مصمصة شفاهها عند سؤالها عن عدد احفادها, هو أنه ندمت ندما شديدا يوم كانت تقاتل من أجل تغيير مجتمع بأسره, وجدت بعد عمر طويل أنها كان تصارع الأمواج العاتية, وخلصت إلى أنها لم تغير ولن تغير شيئا, وأن النساء الخاضعات الاتي كانت تراهن ضعيفات اصبحن في نظرها اليوم قويات, وأنها للضعف تسير, وللنسيان تخطو يوما بعد يوم تغير المجتمع من حولها وأصبح الصبية قبل الكبار ينكرون عليها حالها وما هي عليه
الطبع يا دكتورة يغلب التطبع, ولن يصدق عدم ندمك على عدم الولادة إلا مريض أو مريضة, لأن الفطرة الكونية تسير وستبقى محبة للولد والنسل
يا دكتورة نوال, ما يزال أمامك متسع من الوقت, ويمكنك أن تجدين السعادة الحقيقية التي ربما لم تعرفيها من قبل

المجتمعات العربية تسير وبسرعة نحو التدين, كتاباتك رغم فوائدها سينظر إليها الجيل القادم نظرة ازدراء


5 - الاخ عبدالله بوفهيم
ALMA ELWAN ( 2010 / 10 / 1 - 05:20 )
على الاقل الدكتوره حاولت ان تقدم شي للبشريه ماذا قدمت انت وغيرك
شكرا للدكتوره نوال السعداوي على مجهودها


6 - الف تحية الى الكاتبة الكبيرة
انتصار الخفاجي ( 2010 / 10 / 9 - 21:09 )
تحية واكبار الى كاتبتنا العظيمة نتمنى لها العمر المديد لتنير لنا ولاجيالنا العقول التي لفها الظلام والجهل

اخر الافلام

.. أحلام القروي، مديرة برامج بالمركز التونسي المتوسطي


.. آمال بن خوذ مديرة جمعية شباب بلا حدود




.. من لاجئات إلى نازحات في الشوارع النساء السوريات تحت وطأة


.. أمل حبيب توثق يوميات الإبادة عبر مقاطع مرئية




.. ناشطة مغربية هناك أصوات لا تؤيد تغيير القوانين