الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصادر الاختلاف في الفكر العربي الاسلامي

احسان حمدي العطار

2010 / 9 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يتحدث البعض من مسلمين هذا الزمن عن لا مشروعية او قد يبالغ البعض بالقول عن لاوجودية الخلاف المذهبي والعقائدي في الاسلام، أو يرجع هذا الخلاف إلى الخارج (= البعبع). بينما يتصايح ويتضارب نفسهم على مواقع الانترنت وصفحات الجرائد بل وحتى ساحات المعارك حاملين أقلام الجهوية وكلاشينكوفات المذهبية! . ثم هل من الممكن نفي حقائق الخلاف الواضحة والعبور عليها ثم أن هذا العبور والتجاهل : له اهدافه وأغراضه على رأسها تغطية عمليات مأسسة الواقع الاختلافي ؛ فلا خروجا من مأزق الخلاف إلا بالشفافية ، وهنا –الشفافية- تعني كشف أصول المشكلة والغوص في جذورها وليس إهمالها حتى تستفحل فلا نعد قادرين بعد على حلها .
البعض من المفكرين يتحدث عن خلاف مصالح أي خلاف سياسي –إقتصادي بحت ؛ وهذا الكلام وان فيه من الوجاهة الشئ غير القليل ولكنه يبقى بعيدا عن حقيقة الاختلاف في جوهر الاسلام او عوامل نمو الاسلام كقوة سياسية ودولة ذات ثقل على الصعيد العالمي .
إن اولى بذور الاختلاف زرعت بعد وفاة النبي والصراع على الخلافة و وقف المسامون في بادئ الامر على قسمين ، الاول : ذهب ليقيم مراسم الدفن للرسول والثاني : اجتمع في سقيفة بني ساعدة لاقرار مسألة الخلافة . وفي السقيفة انقسم فريقان ، الاول : فريق المهاجرين بقيادة الصحابيان ابو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وهو الفريق الاكثر عددا. وفريق الانصار بقيادة سعد بن عبادة فكانت الخلافة لابي بكر نتيجة لهذا الفارق العددي ، الاختلاف هنا كان ذو شقين ، انهدام العلاقة التكاملية بين المركز (( المدينة )) والاطراف (( القبائل العربية المقيمة في الصحراء )) لان القرار قد اتخذ في المركز ولم يعط للاطراف اي الحق في ادارة شؤون الدولة ما بعد النبوية واولها اختيار الحاكم . وقد نشأت عن هذا الانهدام حروب الردة التي كانت اولى الحروب بين المسلمين وان اصطبغت فيما بعد بغير ذلك . وامتد هذا الخلاف بين المركز والاطراف طوال قرون الحكم الاسلامي وحظرت السقيفةفي المخيال الجمعي لشعوب الاطراف في كل عملية تغير سياسي حصلت في الاسلام .
الشق الثاني الذي خلقته السقيفة هو بداية تكون الفرق المذهبية . حيث انتشر افراد الفرق المغبونة في تحصيل الخلافة الى الامصار وخاصة تلك المفتوحة . واقول المفتوحة لان هذه الامصار تتكون بشكل رئيسي من اهلها الذين امتلكوا عقائدهم الخاصة ( كالمسيحية السنطورية او المانوية) ، اما الجيوش الفاتحة من العرب فقد كانت تشكل القلة من السكان، ولكن امتزجت العقائد المفتوحة مع العقيدة الاسلامية الفاتحة فتكونت عقائد مزاوجة اشترك في انشائها ورعايتها اتباع الفرق المغبونة والسكان الاصليون . اذن اعطى المهزومون في السقيفة الوعاء المناسب في الدين الاسلامي لاستقبال العقائد المهمشة في الامصار المفتوحة . وأستمرت هذه الحالة في كل عملية تأسيس سياسي : المنتصرون يعلون من شأن المركز ، المهزومون يحتضنون عقائد شعوب الطرف فتتأسس الفرق والنحل وتقام الثورات والفتن .
بعد السقيفة تبرز الفتنة الكبرى ((مقتل عثمان)) كمولد جديد للإختلاف الاسلامي ، فسياسة عثمان ثم مقتله ولد عملية إستقطاب جديد (( قريش )) ضد ((الامصار)) فاحتكار السلطة سياسيا واقتصاديا ولد هذه المعادلة وبدورها أعطت المعادلة شرعية التقسيم طبقيا-عرقيا : العرب أعلى شأنا من العجم ، وقريش أعلى شأنا من بقية العرب ، ثم منح هذا التقسيم شرعية أكبر لعملية الاختلاف المذهبي – الاثني ، وأستمرت عملية الاحتضان العقائدي وبدأت العقائد تكتسب طابعا متكاملا لشؤون الحياة المختلفة بعد ان كانت بمرحلتها البسيطة ( بعد السقيفة ) مجسدة لراي سياسي فقط . وبالمقابل إنقسمت العقائد الجديدة إلى تيارين فيما بعد : تيار الاعتدال وتيار التشدد ، واول تيار طرفي متشدد كان فريق الخوارج المنقسم عن الشيعة . وهذه التيارات المتشددة لم تخلق من فراغ بل جاءت كأنعكاسات لحالة الاختلاف الاسلامي ولكن جاءت هذه الانعكاسات بصورة مضخمة وذلك لعوامل نشوء كل فرقة وطبيعة الروابط سواء كانت قبلية أو مصلحية . وامتد التاريخ الاسلامي ومعه تاريخ الاختلاف فتواصلت عمليات التقسيم دائما بين شعب وعقيدة وفرقة حاكمة متسيدة وشعب وعقيدة وفرقة معارضة مهمشة . وبصورة بديهية يمكن القول ان هذا الاختلاف السياسي ولد اختلاف اخر فكري .
يمكن رصد اولى هذا الاختلاف ( كما تبين الباحثة نادية الوريمي بو عجيلة) بين علمي التفسير والسيرة ، فالعلم الاول حاول بناء نظام سياسي واعادة كتابة التاريخ القرأني على هوى المتسيد والحاكم ومثل بهذا تيار السيادة في الفكر الاسلامي . اما علم السيرة فبالعكس من التفسير حاول اعادة الاسلام الى واقعيته وقراءته بالصورة التاريخية التي يمكن من خلالها التأسيس لجديد معرفي فرعيا من السائد او بالخروج عليه ، دعنا نعود الى حروب الردة ، في الفهم السائد : هي عبارة عن ارتداد عن الدين الاسلامي بعد وفاة الرسول مستغلين حالة الخلخلة في المدينة ولكن الخليفة حاربهم واستطاع بذلك اعادة النظام وارجاع هذه القبائل الى الدين الاسلامي . اما في كتب السيرة وكتب الاختلاف : فتاتي حروب الردة كأنعكاس لسيطرة فئة معينة على الحكم دون الفئات الاخرى وسيطرة المركز على الاطراف بذلك كانت حروب الردة خروجا عن الاستبداد السياسي . اعتبرت حروب الردة في الفهم السائد خروجا عن الدين حتى تصبح كل عملية خروج على الحاكم خروج على الدين ، اما في الفهم المهمش تصبح اي عمليةخروج على الحاكم خروج على الاستبداد او القهر.
بعد الاختلاف بين علمي التفسير والسيرة هناك اختلاف بين مذهبي الاشاعرة والاعتزال . جاء الشافعي الذي قام بعملية استرجاعية للتاريخ الاسلامي اساسها ان حكم الرسول هو حكم الله وثم حكم خلفاء الرسول هو حكم الله ايضا . وقام بعملية التفاف تاريخي كبرى بجعل كلام الرسول يرتفع ليكتسب قدسية القرأن .وهذه العملية تضمن التلاعب بالدين الاسلامي فالقرأن غير قابل للتزوير ولكن السنة النبوية قابلة لذلك(( قيل ان الاف الاحاديث قد وضعت لاغراض سياسية مختلفة)) . وبعملية التزوير هذه يعطى للحكم المتسيد الشرعية الكاملة التي تصل الى شريعة السماء .
ثم جاء الاعتزال الذي قال بأن القرأن حادث ليس مخلوق اي انه جاء مستجيبا للتاريخ اي انه انزل بالتالي التجربة الاسلامية من منزل التعالي الى منزل المحايثة وانزل ظاهرة الحكم من عليائها الذي حاولت تيارات التسيد وضعها به. توصلنا الان ان الاختلاف في الاسلام ليس حادث او عرضي بل هو جوهر تطور الحكم في الاسلام فله جذوره السياسية المصلحية التي خلقت جذوره الفكرية التي تجمعت فكونت العوامل النفسية التي بقيت حاضرة لحد الان في العقل العربي . ولكن يجب علينا ان لا نغط هذا الاختلاف بذرائع لا تمت له بصلة بل ان نبرزه ثم ان نعيد للمهمش والطرفي حقه في الحياة فأن اعدنا الفكري والتاريخي الطرفي اصبح بأمكاننا اعادة المهمش السياسي الراهن حتى تمارس المعارضة والاختلاف علنا بعيدا عن العنف المسلح وسياسة الاقبية السرية .

احسان حمدي العطار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما هكذا ورب الكعبة
علي نور ( 2010 / 9 / 30 - 19:02 )
فالمهاجرون كانوا مجموعة لم يتعدى عددها المائة رجل ببعض الزيادة منا .. لله إحسانا .. والأنصار هم أهل المدينة وساكينيها فكيف أحصيت الأصوات بينهم وقلبت نتائج الأرقام .. فياعمو لا ينبغي لأنسان أن يعتمد تخميناته الشخصية مصدرا لطرح وشرح الرؤى في قضايا عامة .. نريد حقائق مدعومة بالبحث العلمي الرصين .. لنا أو علينا ، .......................................................

اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تبدع في تجهيز أكلة مقلقل اللحم السعودي


.. حفل زفاف لمؤثرة عراقية في القصر العباسي يثير الجدل بين العرا




.. نتنياهو و-الفخ الأميركي- في صفقة الهدنة..


.. نووي إيران إلى الواجهة.. فهل اقتربت من امتلاك القنبلة النووي




.. أسامة حمدان: الكرة الآن في ملعب نتنياهو أركان حكومته المتطرف