الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يذكي النزعات الطائفية في أوطاننا ؟!

نضال شاكر البيابي

2010 / 9 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ثمة ظاهرة مؤرقة تفاقمت بشكل مخيف ومفزع في العقدين الأخيرين ، وتكاد تشكل تهديدا داخليا حقيقيا قوميا على أمن النسيج الاجتماعي للشعوب العربية ، وهي في الحقيقة عصية على الفهم ، ومحفزة لمزيد من القلق والهواجس، وقمينة بأن نتوقف عندها طويلا محاولين إعادة قراءاتها بروية واستشراف أسبابها ومحركاتها.
هذه النزعات الطائفية التي تكاد تتسيد المشهد الثقافي في جل بلداننا العربية، أو بالأحرى الدويلات السلطانية ، المتقهقرة ، والمتشظية – سلفا- ، وليست في حاجة هذه الخرائب إلى مزيد من معاول هدم تسقط ما تبقى من أعمدة خاوية متداعية ، ينخرها سوس الرجعية والاتكالية والانقسامات المذهبية والعرقية.
والملاحظ أننا أصبحنا أمة تأكلها الأحقاد ، وتسوسها الرجعية ، وترتع فيها الفتن ، ومتحفزة دوما لنداءات الانتقام وصيحاته البغيضة . أمة يغوض أبناؤها فيما بينهم معارك الذات مع الذات . فتارة تشعل معارك الوهم من أجل أشباح الماضي وأطلاله الخربة، وتارة أخرى من أجل حدث رياضي جمع بين فريقين متنافسين إلخ هذه الترهات .
فكل تلك الصراعات التافهة والانقسامات المجانية تأتي على حساب التنمية بمختلف مستوياتها وتنوع مجالاتها التي تبدو في أكثر دويلاتنا في تراجع سريع الوثبات نحو الخلف.
المؤكد ..إن الاحتقان كامن في النفوس على مختلف المستويات ، ومتوثب لكل محفز خارجي ، قد يكون سياسيا ،أو دينيا ،أو عرقيا ، أو مناطقيا ، أو رياضيا ..!
فنحن نلاحظ أن التعدد والتنوع والتباين لا يخلو بطبيعة الحال من مشتركات يمكن من خلالها أن توحد الأضداد وتصبها في قالب واحد يحتضن بتحنان ألوان الطيف كـالأم الرؤوم التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تأكل أبناءها . طالما توافر نظام حقيقي ديمقراطي ،كما يحدث الآن في الاتحاد الأوربي الذي جمع تحت جناحيه قوميات متنوعة تتباين عقائدها وثقافاتها ولغاتها في مشهد آسر . بيد أن الاختلاف في مجتمعاتنا العربية ،هو آية التنابذ وأداة التنافر وأس التمزق. حتى بدا للمراقب الرصين لواقعنا العربي المعاصر ، أننا نتهاوى نحو غيبوبة ثقافية حرفتنا خارج مسار الأشياء والتاريخ ، فضلا عن التأثير الحضاري الذي تتمايز به الأمم وتسمو نحو ذرى المجد الذي لم نعد نعرف عنه " أي المجد " سوى وقائع وأحداث حبلى بها ذاكرة التاريخ العتيق نقرؤها بحنين جارف ونرتشف أفيونها عند كل نكبة حتى غدونا أمة متخمة بعقد النقص إزاء كل من تقدم علينا أشوطا في سبيل التقدم والتحضر.
فالأمم الحية تتجاوز صراعاتها وخلافاتها العتيقة ، وكل ما يعوق تعايشها السلمي المشترك للحفاظ على ديمومة الجنس البشري وسيادة مناخات التسامح والألفة ، وتجتمع في حاضنة المصالح المشتركة أكثر الحواضن أمانا وأكثرها دواما .، كما يحدث الآن بين فرنسا وبريطانيا.
ونحن نعتق خلافاتنا ، ونستحلب كل المحفزات والمحرضات الموغلة في القدم ،لخلق صدامات وصراعات تجر علينا الويلات ، وتمزقنا إلى شظايا ، وكأننا ننتشي بإذكاء بؤر الاشتعال ،ونطرب بحالات التشظي والتفتت. وأحسبُ أن ثمة قابلية ذاتية فينا للانقسام والتناحر والاحتقان ، وكل ما نحتاجه محفز خارجي ليس إلا . وذلك ليس مدعاة للدهشة مادامت حواضننا الفكرية والسياسية والدينية قائمة غالبا على أعمدة العصبيات والانحيازات العمياء والأحادية ، وعلى سلطان شيخ العشيرة..! الذي يحدد الصواب والخطأ في كل شيء وعلى الإتباع القصر الإذعان المطلق طمعا في الثواب والأجر . وهذه المناخات الملوثة بطبيعة الحال تفرز تلقائيا حالات الاحتقان وتغذي النفوس بالضغائن .
ولست أدري إلى متى سنظل ، عند كل نكسة ، وعند كل زوبعة ، نبكي ، ونستبكي على أطلال التاريخ، وإلى متى ستظل عقده وصفحاته الحمراء والبيضاء مستحكمة فينا ، نلوكها ليلا ونهارا كواجب قومي ، مذعورين وشاحبين ، وخائفين من أهوال يوم شداد إن نحن صرحنا ولو بهمس خجول بدهشتنا إزاء التناقضات الطافح بها تاريخنا ، فضلا عن الأسئلة المؤرقة المذبوحة من الوريد إلى الوريد بين السماء والأرض ، حتى غدت أي مقاربة تاريخية جادة تثير الفزع وتشعل الحرائق الطائفية بين الإخوة وأحيانا بين أبناء المذهب والبلد الواحد. فحرية التعبير ليس من ضمن أجندتها العربية السياسة والتاريخ..!
بيد أن التاريخ بوقائعه وأحداثه ، في حاجة ماسة إلى غربلة فعلية جادة وقراءات منهجية حصيفة مغايرة عن القراءات التقليدية ذات النزعات السلفية التي تساوي بين القاتل والقتيل وتغض الطرف عن التناقضات الصارخة الحبلى بها سردياتنا التاريخية التي تدهش حتى الرضع..! التي نغذي بها البراعم الغضة من أطفالنا في مراحل مبكرة من التعليم ومن ثم نلجم ألسنتهم إذا تساءلوا ذات يوم مذهولين !!
كنحو القاتل والقتيل كلاهما في الجنة ،والصحابي الجليل الذي مات في ظروف غامضة "قتلته الجن" وأمير المؤمنين الذي يغزو سنة ويحج سنة لا يتسرب الوسن إلى عينيه إلا بين أحضان القيان وعشرات الجواري ...إلخ رحمة بعقول أطفالنا ..
وعندما أسمع عن عقد ندوة حوار بين مشايخ مذهبين إسلاميين مختلفين ، أتمنى من سويداء قلبي أن تساهم هذه الندوات في تقويض محفزات التوجس والريبة بين الطرفين رحمة بأجيالنا.
لكني غالبا لا أرى سوى ابتسامات صفراء وقبل متكلفة وشعارات مستهلكة ووعود زائفة تذروها الرياح بعد مغادرة درجات الندوة ، وعند صعود أول سلالم المنابر الدينية بين الأحبة والمريدين .
فيصبح التقارب خرافة ووهم وكل يدعي أنه وجماعته ومن سار على هديه مصيره جنات عدن تجري من تحت الأنهار والبقية سيكبون على وجوههم في النار عليهم لعنة الله أنى يؤفكون..!
فكل جماعة تحاول عبثا اثبات انتماءاتها السماوية ، واستئصال الجماعة المغايرة من حياض الجنة ، بينما الانتماءات الأرضية لكلتا الجماعتين المتناحرتين غير واضحة المعالم. وأعني بــ"الانتماءات الأرضية"الإعمار ،البناء، الإبداع،الخلق، بعبارة ..التأثير الحضاري. ونلاحظ في هذا السياق أن متزعمي الحقائق الداحضة والمنافحين عن الانتماءات السماوية هم أكثرنا تخلفا في هذه الجوانب...
رغم أن هؤلاء صدعوا رؤوسنا بتكرار المشهد المسرحي الهزيل ، الذي يبدأ عادة بذكر الحديث الشهير المنسوب للرسول الكريم "ص" الذي يتكرر – آليا - في كل ندوة مشابهة : " اختلاف أمتي رحمة" وصولا ، إلى أن اختلاف وتمايز الإنسانية إلى أمم وشعوب وحضارات سنة من سنن الكون، وقانون من قوانين الوجود، ويخبرنا الله عز وجل بذلك القانون الأبدي في كتابه الكريم : "من آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين "الروم -22.وهذا التنوع الإثني والتباين الثقافي والاجتماعي واللغوي والديني بين الشعوب والأمم مستمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها..
كلام جميل أتفق معه تماما ، لكن أيها السادة المؤمنون بالله ورسوله ، لِم أكثركم يجد غضاضة في تقبل مغايرة واختلاف الآخرين رغم حكمة الله في خلقه ؟!
ولو كان الأمر رهن قبضاتكم ، لقسرتم عباد الله على تقمص ألوانكم ودينكم و حتى لغتكم لغة أهل الجنة..!
ألستم أشد الناس كفرا وجحودا بهذا المبدأ الكوني والقانون الإلهي ياسادة ،وواقعكم يخبر عن ذلك ؟!
ومتى بربكم ستتقبلون حقا أمر الله في خلقه دون تنطع أو تزوير ؟!
وماذا حصدنا في واقعنا العربي المعاصر من الجماعات "السماوية "السلفية؟!
أأحصدنا صرحا علميا حاضنا للنوابغ ومخرجا لصناع الحضارة ؟!
لم نحصد سوى أنوف مجدوعة وأيد مقطوعة ، وجلد في الطرقات ، وتشويه للوجوه ، وإذكاء للنزعات الطائفية ،ومدارس لتحفيظ القرآن الكريم ، تكرر النسخ القرآنية ببغائيا فحسب، وفتاوى مثيرة للدهشة جعلتنا أضحوكة للعالم ، فضلا عن حمى الفتاوى التكفيرية بين أبناء الدين والوطن الواحد تحت ذرائع واهية مخجلة، مزقت الأوطان وفرقت الإخوة وأشعلت حرائق البغضاء والثأر في النفوس الشابة اليانعة ، ناهيك عن شرعنة الظلم والفساد .
وبعد كل ذلك مازال بعض المسترزقين بالدين من ممزقي الأوطان يتشدقون بالقول بأن اختلافنا رحمة..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مسا الخير لجميع الطيبين
حازم الحر ( 2010 / 9 / 29 - 18:55 )
جميع الاديان من صنع البشر مع احترامي لمعتقدات الجميع


2 - من يذكي النزعات الطائفية في أوطاننا ؟!
Amir Baky ( 2010 / 9 / 29 - 21:15 )
الغرب يذكى النزعات الطائفية بيننا لكى لا نتقدم. ولكن كيف يكون الغرب و نحن نؤمن بنظرية المؤامرة بل و نحمل سلبياتنا عليه حتى لو لم يكن هو الفاعل. فمن شدة الغباء أن ينجح رغم أن كل عيوننا عليه. أعتقد الذى يذكى النزاعات الطائفية فى العراق هو نفسه الذى يذكيها فى مصر هو نفسه فى أفغانستان و باكستان و الصومال. فالعامل المشترك للجميع هو الوهابية. والأسباب هى: شعور الوهابى السعودى أنه الأفضل و أنه مطالب بنشر دين الله فى بقاع المعمورة و أيد نجاح هذه الطموحات وجود البترول و الدولار. كما أن إنتشارة تحت ستار الدين لن يجعل أحد يشك بل يمكن أن تباركه بعض شعوب المنطقة وتتعاون معه نظير مبالغ مالية. فعندما يطأ الفكر الوهابى أى بلد تجد إفراز البشر و تصنيفهم حسب معتقداتهم و تجد تلفيق التهم للمخالفين. ثم تطور الأمور لفتن طائفية بداخل نسيج أبناء الوطن الواحد. ثم تظهر جماعات دينية و أفكار متنوعه وظهور فكرة الفرقة الناجية و محارب أى فرقة اخرى كافرة أو غير ناجية فى نظر البعض. فيمكن لمجتمع واحد أن تتصارع عشر فرق جميعها ضد بعض بسبب الفكر الوهابى الإقصائى.

اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب