الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع المغلق والمجتمع المفتوح

محمود جابر

2010 / 10 / 1
المجتمع المدني


المجتمع المفتوح والمجتمع المغلق عنوان كتاب للفيلسوف النمساوي " كارل بوبر"، وليس عنوانا للانفتاح الساداتي فى مقابل الانغلاق الناصري والذي أبدع الشاعر أحمد فؤاد نجم فى وصف هذه الحالة من الانفتاح بقصيدته " البتاع"، والذي قال فيها: ياللى فتحت البتاع / فتحك على مقفول / لان اصل البتاع / واصل على موصول/فأي شيء فى البتاع/ الناس تشوف على طول / والناس تموت فى البتاع/فيبقى مين مسئول؟/ وإزاى حتفتح بتاع فى وسط ناس بتقول/ بأن هذا البتاع / جاب الخراب مشمول......
وعودة على بدء.... إن المجتمع المفتوح هو المجتمع القائم وفق المنطق العقلي والمنهج العلمي، وهذا المجتمع – المنفتح – هو المجتمع الذي يمكن أن نطلق عليه وفق للتوصيف الإسلامي الحنيف " المجتمع الفطري"، الذي اكتسب فيه ابن ادم معارفه من خلال التجربة والملاحظة والنتائج، ثم اختبار هذه النتائج وفقا للظروف المختلفة؛ هذا المجتمع دائما يحافظ على قيم الحرية والتحرر الإنساني من أي قيود، وهو مجتمع الذي يمكن أن نسميه بهدوء شديد " مجتمع اللا عصمة" فنحن بشر خطاءون دائما، وحتى تستمر الحياة فى وفق لظروف الإنسان اللامعصوم علينا دائما وأبدا أن نتحلى بأكبر قدر من التسامح مع ذواتنا ومع الآخرين، حتى نتعلم من هذه الأخطاء بحرية مطلقة ودون قهر على فعل شيء أو تركه، فالقضية الأخطر لدى البشرية هي قضية الاعتقاد وعدم الاعتقاد، مع خطورة هذه القضية نجد أن الله تعالى أعطى الإنسان الحرية الكاملة فى الفعل والاكتساب والاعتقاد وقال في سورة الكهف ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ).
إن العلم – فى ظنى- قضية حدس خيالي، يضبطه العقل المصمم على الكشف عن الزيف. فالنظرية "توضع على المحك" بصمودها أمام جهودنا الملحة لدحضها. إذ إن "القابلية للتزييف" هي التي تميز العلم من سواه، بما في ذلك الميتافيزيقا( قضايا ما وراء الطبيعة والقضايا الاعتقادية الغيبية ). من هنا فإن "غير العلم" ، في نظرى، ليس دومًا هراء؛ إذ إن بمقدور غير العلم أن يُلمِع إلى فرضيات قابلة للتزييف، وبالتالي علمية.
وبالتالي فإن المرء لا يصل إلى الحقيقة العلمية إلا من خلال النقض الوجيه، المدعَّم بالأدلة والقدرة الذاتية، على أن تستعيض النظريةُ عن نفسها بنظرية أخرى جديدة ثبتتْ صحتُها من خلال خطأ سابقتها.
وعليه يمكن أن نصف الحياة الإنسانية إجمالا بأنها " أزمة" وهى الوضع الطبيعي للحياة التي يظهر فيها أثر العلم العقلي المتطور باطراد بحثا عن خروج من هذه الأزمات .
ولهذا فعلينا جميعا أن نحذر جيد " المبشرون الكاذبون " الذين يدعوننا إلى الثبات فى محلنا والارتكان إلى ما فى عقولنا ويحاربون كل جديد أو تطور أو انسانى أو عقلاني ، ويدفعون الناس إلى الرسملة المستمرة وما يصحبها من حروب وعنف مستمر ، ولعلنا نجد ضالتنا فى النموذج " الفرعوني" الجاهل والحاقد ، والذي لا يريد أن يرى الشعب إلا ما يرى ، والذي يرى أنه يستطيع ، أو يبعث برسائل إلى الناس بأنه يمكن له أن يحارب الإله لأنه هو إله أيضا، فالوعي العقلاني يتجسد، قبل كلِّ شيء، في نقد الأوضاع القائمة، وليس في الانبهار أمام الجبارين. إن أسوأ ما يعتقده الإنسان أن يعتقد انه خاضع لأحداث التاريخ وتقلبات القدر، وبالتالي فليس من الإيمان أن نعتقد بأننا قدريا محكومين بفرعون أو خاضعين لمقولات " المبشرون الكاذبون"، وهؤلاء جميعا يؤثرون " المنفعة السلبية" التي هي عبارة عن المكسب المادي كهدف اسمي للإنسان ، على حساب " المنفعة الموجبة" والتي تعنى تخفيف حدة البؤس والقهر عن الإنسان .
ويمكن فى هذا الخصوص أن نلحظ مئات الأحاديث عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مثل: "تبسمك فى وجه أخيك صدقه" . ومن شعب الإيمان "أماطت الأذى عن الطريق" . " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله". " المسلمون أخوة"،" المسلم يألف ويؤلف"، " من لا يرحم لا يرحم"......... وقول الإمام على عليه السلام :" الناس صنفان إما أخ لك فى الدين وإما نظير لك فى الخلق" وهذا يمثل قمة التسامح الانسانى .
فالمجتمع المغلق يعامل الناس وفق العرق والدين والفئة الاجتماعية، والناس فيه سلعة ولكل سلعة سعر، ولا وجود فيه لقيم عليا أو أخلاق، فهو مجتمع سوق يخضع للعرض والطلب والمكسب والخسارة المادية المترسملة، أما المجتمع المفتوح "الفطري" فهو مجتمع كل الناس فيه سواسية كأسنان المشط، حيث أن كل الناس لآدم ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بما يقدم للمجتمع من خير وفائدة ويزيل عن الناس البؤس والمعاناة، وفى النموذج النبوي للمجتمع نجد فيه سلمان الفارسي من آل البيت.
إن خشيتنا المبالغ فيها، من أننا معشر المؤمنين بالتسامح قد نصبح نحن أنفسنا لا متسامحين، هي التي أدت بنا إلى الموقف الخطأ والخطير الذي بات يوجب علينا أن نتسامح مع كل شيء، وربما مع أعمال العنف ؛ مفيداً بأن هذا الموقف مفهوم بل مثير للإعجاب بطريقة من الطرق، ذلك أنه ينبع من تلك النظرة التي تقف في أساس التسامح كله: النظرة التي تقول إننا كلنا قابلون لأن نخطئ وأن نتسامح مع مرتكبي الخطأ وفقا للقاعدة التي تقول إنني قد أكون على خطأ وقد تكون أنت على صواب، وأنه ينبغي عليّ أن أعلّم نفسي كيف لا أنخدع بذلك الشعور الغريزي الخطير، أو تلك القناعة التي تملي عليّ الشعور بـ "أنني على صواب دائما". فإن عليّ أن أحذر هذا الشعور مهما كانت قوته. ذلك أنه كلما كان أكثر قوة، كان الخطر الكامن في إمكان أن أخيّب ظن نفسي بنفسي أكبر... ومعه خطر أن أصبح أنا نفسي متعصباً غير متسامح.
وأن الطرق للحفاظ على بقاء هذا المجتمع المفتوح حي وقوى أن نتعلم النقد والنقد المتبادل، الذي يساعدنا على العثور على الأخطاء وتصحيحها قبل أن تتسبب فى مزيد من الأضرار، ومن هنا تكون الخطيئة الكبرى التي لا تغتفر هي التستر على الأخطاء وهذا يتماس مع تعاليم النبي الأكرم " لا شفاعة فى حد"، والحد هو القانون الاجتماعي الذي ترضاه الجماعة من اجل تنظيم شؤونها وأي خرق لهذا القانون هو خرق لصيرورة المجتمع ذاته ،بيد أن التسامح هو الاعتقاد بأننا جميعا لا نمتلك حقائق مطلقة، وأن الحوار والتفاهم هو الطريق للعيش المشترك والذي يزيل الألم والأسى، وأن الحوار والتفاهم يجعل الناس تدنوا من بعضها البعض، وصولا لمجتمع إنساني " فطرى" يتسع لكل إنسان بعيد عن الاستغلال سواء برسملة السماء بالجنة أو رسملة الأرض بالثراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزء الثاني - أخبار الصباح | الأمم المتحدة تعلق مساعداتها إ


.. أطفال فلسطينيون يطلقون صرخات جوع في ظل اشتداد المجاعة شمال ق




.. الأمم المتحدة: نحو نصف مليون من أهالي قطاع غزة يواجهون جوعا


.. شبح المجاعة.. نصف مليون شخص يعانون الجوع الكارثي | #غرفة_الأ




.. الجنائية الدولية.. مذكرتا اعتقال بحق مسؤولَين روسيين | #غرفة