الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسالك السليمة لعلاج داء النميمة

رشا زكى

2010 / 10 / 1
المجتمع المدني


حدثنا ساع بنميمة فقال أن جاره التاجريغش فى البضاعة ، وأن الرجل التقىّ الذى يسكن فى نهاية الشارع يقضى ليله ( وعلى عكس ما تتوقعون ) فى البارات وأماكن المجون ، وأن الشيخ الذى يأم فى المسجد القريب متزوج بأربع زوجات ، ويعتقد هو شخصياً أن فى المسألة ( مِلك يمين ) .. وفى النهاية قال : " الله أعلم .. مش عايزأحط حاجة فى ذمتى ، ياما تحت السواهى دواهى .. ثم قال : أستغفر الله ، ربنا ما يكتب لهم علينا غيبة " .. ولما أدرك تفهمى لعبارته الأخيرة ، إستدرك قائلاً : ولكنى أعتقد أن هذا قد حدث بالفعل.
وبعيداً عن صاحبنا صاحب هذه العبارات ، فإن هذه الظاهرة تنتشر بين أبناء الجالية العربية بل فى مجتمعنا العربى بصفة عامة . الغريب أن كل واحد منا ينشغل بعيوب الآخرين بل ويستمتع بجلسات النميمة متناسياً سلبياته وعيوبه التى هى بالتأكيد حديث آخرين فى جلسة نميمة مجاورة .
لماذا يشعر الفرد منا بلذة خاصة عندما ترد إليه أنباء عن خطيئة فى حياة أحد معارفه أو مصيبة حلت بدارقريباً له.. بل ويسعى إلى إزاحة الستارعن أسرارالآخرين وكشف عيوبهم فى الوقت الذى يبذل كل جهوده لإبقاء أسراره وخاصة الأخطاء والزلات منها فى منطقة الكتمان ؟!
أرجع مرة أخرى لجلسة النميمة التى يستمتع الحاضرون فيها بتعرية معارفهم بالنبش فى ماضيهم والتنبؤ بما سيصير إليه حالهم ، فهؤلاء لا يكتفون بهذا الحد بل ما إن تنتهى الجلسة حتى يسرع كل منهم بإبلاغ أكبر عدد من معارفه بما سمع ، وكأنه يقوم بواجب شرعى يؤجرعليه . وينتقل الحديث من فرد لآخر ومن جلسة لأخرى حتى تلتصق بالشخص التهم التى القاها عليه النمامون ، فيكتسب السمعة السيئة بين الناس . وبغض النظرعن صدق ما نسب إلى الضحية من نبأ ، وسواء كانت هناك أفعال مشينة قد إرتكبها هذا الشخص بالفعل أم لا ، فهذا لن يغير من الأمر شيئا ، فمن منا لم يرتكب أخطاء فى حياته ؟! وهل هناك إنسان ملاك ؟ بمعنى أوضح..هل هناك إنسان يمتلك صفات ملائكية ؟! بالطبع لا يوجد هذا الإنسان على الأرض .
نحن بحق أناس تتملكنا شهوة البحث عن الفضائح . ولماذا لا ننشغل بإصلاح عيوبنا بدلا من الإنشغال بالحديث عن عيوب الآخرين ؟!
إن البعد عن النميمة من الآداب الإجتماعية فى ديننا الحنيف ، وفى ذلك قال الله تعالى فى كتابه العزيز: ( ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ) سورة الحجرات / جزء من الآية 12 .
إذن يجب علينا البعد عن جلسات النميمة ومقاطعة النمامين ، وعليك أن تتأكد أن من أبلغك عن فلان أنه قد فعل كذا وكذا وإرتكب من الأخطاء كذا وكذا أنه بالتأكيد سوف يغتابك فى جلسة أخرى وفى أقرب فرصة تتاح له فيها النميمة .
كما يجب أن نتعلم الستر على أخطاء وعيوب الآخرين . فمن منا لا يعمل على ستر عيوبه بين الناس ؟! وقد تباهى الله تعالى فى نص القرآن بأنه يستر على عباده ، لا بل وسمى نفسه الستار.
وقد بلغ الأمرأن صديقا قد حدثنى أنه فى جلسته الأسبوعية مع بعض أصدقائه والتى يتباحثون فيها شؤون السياسة والمجتمع ، فإنه كان يجمع فى الصلاة بين المغرب والعشاء ، لا لأنه مريض أوعلى سفر، بل خشية أن يغيب عن الجلسة للحظات فيخوض أصدقائه فى سيرته بما يشين . ولما سألته عن السبب فى ظنه أن أصدقائه قد يستغلون غيبته فيأكلون لحمه ، تنهد قائلا : ( لقد رأيت بنفسى ما فعل بصديقنا عندما ذهب إلى دورة المياه ) .
النميمة طبع ذميم يمتزج بقلة المروءة وصغر القدر، وقد أثبت علماء النفس أن الشخص الذى يتحدث فى الناس بما ينتقص من شأنهم مما هو فيهم أو ليس فيهم من الخُلق والنقيص من الفعل ، فإنما هو يترجم عن حركة دفاعية لخُلق هو فيه ، وكأنه يتبرىء من هذه الصفة عن طريق إلباسها بالآخرين ، وغالباً ما يكون الضحايا من أصحاب الشأن العالى والإحترام والتقدير بين الناس .
وإذا لم تكفى الأبحاث العلمية كدلالة على سقم مرتكبى فعل النميمة الذميمة ، فاستمع معى إلى قوله تعالى : ( ولا تطع كل حلاف مهين . هماز مشاء بنميم ) . سورة القلم / 10 ، 11 .
وعادة النميمة أيضا ترتبط بالفشل وقلة التحصيل العلمى ، وكلها أمورتوفر للشخص المصاب بها مناخاً نفسياً صعباً يدفعه إلى الدفاع عن نفسه عن طريق إشهار نواقصه وإبرازها إلى أذن السامع على أنها طبع عام يتصف به كثيرمن الناس مما يبرر- كما يظن - تحققها فى ذاته .
خلق النميمة إرتبط منذ القدم بقلة الأعمال وفراغ الوقت مما هو مفيد ، ولذلك ( وأعتذرهنا للسيدات ) فقد إقترن هذا الخلق بالنساء أكثر من الرجال لكثرة الفراغ وجلوسهن الطويل بين نسائهن ، وحسبك قول الشاعر الذى ضجر من زوجته لكثرة نفاقها وملاقها وسعيها بالنميمة بين الأزواج والأقران وإباحتها للسرفقال فيها :
( تنحى واجلسى منى بعيدا ... أراح الله منك العالمين
ولم أظهر لك البغضاء منى ... ولكن لا أخالك تعقلين
أغربالاً إذا إستودعت سرا ... وكانوناً على المتحدثين ) .
ولا يختلف إثنان من ذوى الأفهام السوية أن الساعى بالنميمة مكروه مجلسه ، ولا يدنيه إلا شبيه له ، وحسبك من هؤلاء سوءاً أنك لو أتيتهم بالحجة الداحضة على بطلان إدعاءاتهم ما أقنعتهم ولا دافعوا عن رأيهم فى الضحية بإختلاق مزيد من الصفات السيئة التى ينسبونها إليها .. فإذا أتاك ساع بنميمة فإن عليك واجب التدين لقوله تعالى : (يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) . سورة الحجرات / 6 .
ولم ينجو أحد شريفاً كان أم ضعيفاً ، ولياً أم نبياً من ساع بنميمة ، أغرض فيها وأغلظ حتى أم المؤمنين عائشة بنت أبى بكر، إتهمها غاو بالفاحشة ومشى بالنميمة فريق من مرضاء النفوس ، فلولا أن أنزل الله تعالى تبرأتها فى صحيح القرآن لما ارتدع عن ذكرها بسوء مرضى النفوس والذين يحبون أن تشيع الفاحشة بين الناس ، ثم إن فريقا من شدة مرض نفوسهم كبرعليهم تبرأة أم المؤمنين ، فكذبوا صحيح القرآن وتحدثوا بالفتنة فى كل مكان .
وحسبى فى النهاية أن أقول أن خلق النميمة هو مرض نفسى يمكن علاجه بأن يضع الشخص المصاب بهذا الداء القبيح نفسه تحت رقابة وجدانية صارمة لفترة طويلة من الزمن حتى يشفيه الله من هذا الداء .
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د


.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج




.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان تنديدا بالحرب الإسرائيلية


.. الأمم المتحدة تحذر من التصعيد في مدينة الفاشر في شمال دارفور




.. تكدس خيام النازحين غرب دير البلح وسط قطاع غزة