الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافه العربيه من العقم الى الاحياء

محمد نضال دروزه

2010 / 10 / 2
المجتمع المدني


كتب المفكر الإسلامي التنويري الشيخ عبد الرحمن الكواكبي، في مطلع القرن الماضي كتاب ( طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) قال فيه:" الاستبداد أصل كل فساد، فهو أصل الجهل والاتكالية والخوف والنفاق، وهو أصل الاستغلال والقمع والاضطهاد".
فثقافة الاستبداد المنتشرة بين أفراد المجتمعات العربية تضطرهم للكذب والاحتيال والخداع، وتلغي التفكير السليم، وتجمعهم في قطعان، وكل قطيع أو طائفة أو عشيرة منهم تكون قابعة تحت سلطة حاكمها المستبد بأحوالها، وأضاف قائلا، إن أصحاب ثقافة الاستبداد تحول الميل الطبيعي للأمة من طلب الترقي إلى طلب التسفل. ووصل الكواكبي في ثورته ضد ذلك الداء الوبيل إلى الاعتقاد بأن التوالد في أزمنة الاستبداد نوع من أعمال الحمقى، لأنه يحول البنين والبنات إلى أوتاد تربط الأهل إلى عجلة الذل والهوان" كما يفقدهم القدرة على الخروج من مستنقع التخلف، وقد دافع الكواكبي عن الحريات السياسية وأحلام الناس في الرقي والتقدم. ولكن المجتمعات العربية على ما يبدو لسان حالها كقول الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
وفي مطلع القرن الحالي صدر في تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية إن العالم العربي تندر في مجتمعاته المعرفة العلمية والتفكير العلمي بالإضافة إلى عدم وجود حرية الاعتقاد وضعف حرية التعبير فيها.وما زالت هذه المجتمعات تمارس الوأد الاجتماعي على المرأة .
وهذه المحاور السلبية الواردة في التقرير تؤكد ما قاله الكواكبي منذ أكثر من 100 عام بعقم الثقافة العربية السائدة.فما هو مفهوم الثقافة ؟ما هي اسباب ومحددات عقمها؟ وما العمل لإحيائها.؟ أسئلة مطروحة على علمائنا ومثقفينا العلمانيين الديمقراطيين، لمضاعفة وتعميق دراسة ظواهر ثقافتنا بالتحليل والنقد الجاد والإجابة الجماعية عليها: بوضع المناهج والبرامج المناسبة لإحيائها على مستوى الأفراد والجماعات وصناعة ثقافة المواطنة المدنية الديمقراطية في مجتمعات العالم العربي.
فالثقافة هي كل ذلك الجزء من الكون الذي هو من صنع الإنسان ، وان أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية فان ثقافتة تحكم مسيرتة التاريخية وهي الثقافة المتكونة من الذهنيان الفردية والجمعية لهذا المجتمع، ومن منظومات المعارف والمعلومات ومنظومات المعتقدات والمفاهيم الدينية والأعراف الاجتماعية ومنظومات القيم والعادات والتقاليد،ومنظومات طرق الفهم والاستيعاب والتفكير، ومنظومات أنماط السلوكيات لدى افرادة.
وتكون الثقافة حسب فاعليتها في المجتمع، فتكون إما نشطة أو خاملة، جدلية أو سكونية، تنموية أو استهلاكية، تقدمية أو رجعية.
الثقافة بمعناها الانثروبولوجي الذي تبناه قيرقز: "هي آليات الهيمنة من خطط وقوانين وتعليمات، كالطبخة الجاهزة التي تشبه ما يسمى بالبرامج في علم الحاسوب، ومهمتها التحكم في السلوك والتفكير.
والإنسان هو الكائن الوحيد الأكثر اعتمادا على هذه البرامج التحكمية غير الطبيعية من اجل تنظيم سلوكه وانشطتة الحياتية."
ويقول لسكز: " إن تصميم ثقافة ما يماثل تصميم تجربة." فما هي تصاميم الثقافة العربية السائدة؟
إن العوامل المكونة لتصاميم الثقافة في المجتمع هي العلاقات الجدلية بين المجتمع والظواهر الطبيعة الجغرافية والمناخية، ومدى قدرته الحصول على المعرفة بها للسيطرة عليها وتسخيرها لخدمته. والعلاقات الجدلية في المجتمع لوسائل الإنتاج والعلاقات الإنتاجية، والعلاقة الجدلية بين المفاهيم والمعتقدات والأعراف الموجودة في المجتمع والوافدة اليه من المجتمعات الأخرى. فمن من تصميمات ومحددات الثقافة العربية المتحكمة بمنظومة الفهم والاستيعاب والتفكير، في ذهنية الافراد والجماعات في العالم العربي هي ثقافة العجز والخوف أمام قوى القمع والقهر الموجودة في الطبيعة والمجتمع.
وثقافة الاتكالية والمعتقدات الطوباوية، وثقافة التعصب والاستبداد المذهبي والطائفي والعشائري، وثقافة المحافظة على السائد وإعادة انتاجة ولو بصورة رديئة، والخوف من التفكير العقلاني الواقعي. وقد أثبتت إحصائيات وتقارير المنظمات الدولية صحة هذا الواقع الذي تعاني منة الثقافة العربية: حيث تصل نسبة التخلف في العالم العربي إلى ما لا يقل عن 90%، عن التطور والتحديث المعاصر. وتبلغ أمية القراءة والكتابة حوالي 80 مليون عربي ممن يستطيعون التعلم.
وتصل الأمية الثقافية بين المتعلمين إلى ما يزيد عن 110 مليون عربي، وما تبقى تحت سن التعلم.
لكن عسكرة العولمة الثقافية والسياسية والاقتصادية الأحادية القطب، بقيادة الإدارة الرأس مالية الأمريكية المتصهينة ، أصبح لزاما على العالم العربي ضرورة القيام بما يمكن تسميته بالتكيف الايجابي. فالتمترس خلف الخصوصية الثقافية السائدة قد تجاوزته الأحداث. فالعزلة والجمود وإعاقة الاجتهاد العقلي والعلمي الرامي إلى التكيف، ما زالت مدمرة. فالمدارس والجامعات والمؤسسات التربوية والتعليمية والتثقيفية من بداية عصر النهضة حتى الآن ما زالت تنتج أجيالا عاجزة عن تمثل واستيعاب الثقافة العلمية المعاصرة. وهذا دليل على العقم الثقافي العربي الذي أخرجهم من التاريخ، بعد أن فقدوا القدرة على المشاركة في صناعته .كما فقدوا القدرة على النمو والتطور والتحديث، وأصبحوا مجتمعات اتكالية متلقية عاجزة حتى عن الدفاع عن الوطن والهوية والاستقلال. فان عجز مفهوم المواطنة في البنية الثقافية العربية، وعدم فاعليتة لدى المجتمعات على المستويين القطري والقومي العربي هو السبب الأساس في استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967م ، بل منذ ضياع ارض فلسطين وقيام دولة إسرائيل منذ عام 1948م. وقد اخذ مفهوم المواطنة لدى الشعوب العربية والسلطات الحاكمة فيها، في التراجع والمزيد من الوهم حتى عادت إلى الظهور في نفوسهم وعقولهم مفاهيم الطائفية والعشائرية والتعصب المذهبي والقطري. مما أيقظ فيها ابنيتها الثقافية السكونية المقفلة، وعززها بذهنية ثقافة الخرافة والجهل والعجز والخوف، وذهنية الاتكالية والتهرب من المسؤولية. وذهنية ثقافة الاستبداد التي أنتجت كسالى العقل الذين يقنعون بالمتيسر المألوف والمستورد الجاهز، والدخيل السهل من الأفكار.يربكهم الجديد ويفزعون من المختلف يفضلون التدثر بعباءة السائد.
فان أرادت الشعوب العربية الخروج من مستنقعات وأقبية الاستبداد والتخلف، لا بد لها من العمل الجماعي: على مكافحة الجهل والفقر والخرافة والخوف، ومكافحة الوأد الاجتماعي للمرأة العربية، بعزيمة رواد ثقافة المعرفة العلمية والتفكير العلمي والنقدي، وحرية الاعتقاد وحرية التفكير والإبداع وحرية التعبير حتى يولد الإحياء الثقافي وينمو ويتطور، لتصبح المجتمعات العربية قادرة عن صناعة حاضرها والمشاركة في صناعة التاريخ الحديث والدفاع المشرف عن أوطانها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خلصوا منها لتتحر نفوسكم
محمد البدري ( 2010 / 10 / 3 - 11:31 )
تحية وشكر علي النقد الجاد في فهم تخلفنا عبر الثقافة العربية. فما اكثر الكتابات عن عورة الثقافة العربية وبالتالي الثقافة الاسلامية فكلاهما وكما قلت منتج من منتجات العملية الجدلية التي من صنع الإنسان وبيئته ، ومنظومات طرق الفهم والاستيعاب والتفكير، ومنظومات أنماط السلوكيات لدى الافراد. فلماذا إذن نتمسك بما انجزته الجاهلية العربية ونشرته باسم الاسلام علي بلاد واسعة فاصبح الجميع جاهليين بينما نحن في عصر لم يعد الجهل او الجاهلية والدين من موقع في حياتنا.


2 - الإحياء و شروط الإحياء
محمد بقوح ( 2010 / 11 / 13 - 23:42 )
يبدو لي أن القدرة على الخروج من وضعية التخلف التي يتخبط فيها المجتمع العربي و الإسلامي لا يجوز تفسيرها فقط بضعف ذات الإرادة العربية و بسيادة الروح الاتكالية و الغيبية رغم أهمية هذه العوامل و كذا قوتها الإجرائية ، و إنما كذلك ترتبط بطبيعة الصراع الذي تقوده الطبقة الإجتماعية المهيمنة و الحاكمة ..و التي توظف الفكر و العقلية و بالتالي القيم المتداولة اجتماعيا كأساليب سلطة رمزية تشدد بها القيود و تكرس بها واقع التخلف و الانحطاط
شكرا أخي الكريم على جهدك الفكري .

اخر الافلام

.. أطفال يتظاهرون في أيرلندا تضامنا مع أطفال غزة وتنديدا بمجازر


.. شبكات | اعتقال وزيرة بتهمة ممارسة -السحر الأسود- ضد رئيس الم




.. الجزيرة ترصد معاناة النازحين من حي الشجاعة جراء العملية العس


.. طبيبة سودانية في مصر تقدم المساعدة الطبية والنفسية للاجئين م




.. معاناة النازحين الفلسطينيين في غزة تزداد جحيماً بسبب ارتفاع