الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوامش على -قميص قلقميش-

سامي فريدي

2010 / 10 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


سامي فريدي
هوامش على "قميص قلقميش"
(1)
اشترى أحد السائحين العرب في البرتغال قميصا ورغب أن يكويه قبل ارتدائه، فذهب إلى مكوى قريب من نزله، وحاول أن يخبر العامل بطلبه من خلال الاشارة والكلمات البسيطة، حيث لا يتعامل أهل البلاد باللغة الانجليزية، فبذل من جهده حتى أعيى، عندها وقف وعيناه تجول خلال المحل، فوجد على جدار المحل قائمة كلمات بلغات مختلفة وبينها كلمة فهم منها – كاميسا- وصاح بغتة..
- كاميسا.. كاميسا.. قميص
فابتسم العامل وافتهم المطلوب.
هل القميص مفردة عربية من أصول شرقية أم هي لاتينية من أصول غربية؟..
العرب ينسبون كل شيء لأنفسهم ولغتهم. ولغتهم هي حمالة تراث اللغات السامية والغرب أسيوية القديمة. فاللغة العربية لهجة آرامية متأخرة بدأت بالانتشار مع تراجع اللغة الآرامية من التداول في غرب آسيا والتي هي الأخرى انتشرت عقب انحسار اللغة الآشورية التي كانت سائدة قبلها ما يقارب من الألف عام. وينسب المؤرخون انتشار اللغات الآشورية والآرامية في بلاد غرب آسيا إلى نشاط التجار وانتقالهم بين شرق دجلة وغرب الفرات، وربما كان انتشار اللغة العربية لنفس السبب قبل تعززه بقيام دولة امبراطورية عربية في القرن الثامن الميلادي عقب ضمور وتراجع حدود الامبراطوريتين الرومانية والفارسية.
اختلفت الامبراطورية العربية عن كل من السابقتين عليها الرومانية والفارسية بفرض ثقافتها الخاصة الممثلة باللغة والدين والتقاليد في أرجاء البلاد، وهو أمر يشخصه ارنولد توينبي بالمقارنة بين الحكم الآشوري العسكري والحكم الفارسي الذي يكتفي بالسيادة على الأرض دون التدخل في حياة الناس القاطنين عليها، وهي صفة كانت تميز حكم الرومان والأغريق اللذين لم يعملا على فرض لغتهما وثقافتهما على أنحاء بلاد الشام وتركت لهم حرية ممارسة طقوسهم الاجتماعية والدينية وتداول لغاتهم الخاصة. ومن التاريخ القريب لم يعمل العثمانيون على فرض لغتهم في أصقاع الأمبراطورية المشمولة بنفوذهم، ما خلا المعاملات الرسمية وبعض مدارس الحكومة في عهدها الأخير. وتقتضي الموضوعية القول أن بعض المؤرخين القومويين العرب بالغ في مضمون مصطلح التتريك (من التركية) وذلك في أعقاب تأثيرات حركة الاتحاد والترقي وما يسمى الانقلاب العثماني عام 1908 والذي كان بداية الانقضاض الرسمي على الامبراطورية المريضة في الحرب العالمية الأولى. ناهيك أن بعض القومجية العرب كانوا من أعضاء الحركة التي قلبت لهم ظهر المجن فكان ذلك عاملا في دفعهم للمناداة بانتماءاتهم الأم، وتشكيل أحزاب وعصب عروبية ورثت أنفاس التعصب والمغالاة القومية من زملائهم السابقين في الحركة. بل أن جذور التعريب تعود إلى بدايات الدولة العربية قبل عهد سحيق من الوجود العثماني وحركة الاتحاد وظهور القومويين الجدد في مطلع القرن العشرين. وخلال الحكم العربي في جزيرة ايبريا انتقل كثير من ملامح اللغة والثقافة العربية بين أهل البلاد ومن تبقى منهم بعد انحسار الحكم العربي عنها.
(2)
أغلب المؤرخين يقطعون الصلة ما بين السومريين والأقوام الوارثة لملكهم بين النهرين، ولكن هذا القطع لا يلغي تناقل أثرهم أو استمرارهم مع تبدل صفة الجماعة، فالمعروف أن قصة الخليقة وملحمة جلجامش وكثير من أشعارهم وطقوسهم الدينية انتقلت إلى بابل الأولى وآشور (نينوى) وبابل الثانية متقدمة نحو تراث سوريا الآرامية القديمة.
لا اعرف مدى الدقة التي بلغها دارسو اللغات القديمة في اتقان اللغة السومرية والتي لابد كانت تتضمن لهجات ومرت بمراحل من التطور عبر تاريخها شأن اللغات الأخرى. لكن الملاحظ اختلاف المهتمين في ترجمة اسم كَلكَامش- جلجامش- جلجميش- كَلكَميش- قلقميش وغير ذلك والتي تعكس لهجات أو أصوات متباينة في قراءة الأسم، مع عدم البت إذا كان هذا اسما أو صفة لبطل الملحمة، والتي يؤكد المؤرخون وجوده في قوائم ملوك سومر القديمة.
ثمة مفردات عدة متقاربة في أصواتها وبنيتها اللغوية من مفردة جلجامش أو جلجاميش.. ومنها كلمات: جاموس، قصب. وكلها من ملامح حياة الهور التي نشأت فيها وحواليها مستوطنات السومريين جنوبي النهرين. علما أن أصوات هاته الألفاظ الحقيقية تختلف عما هو مكتوب هنا بالحرف والنطق العربي. والبعض يكتب أو يلفظ المفردات بصورة : كَلكَامش، كَصب. وفي التركية (كَاميش) اي (جاموس) ويبدو أن الأخيرة معربة عن أصلها الأقرب للتركية. وبحسب المؤرخين فأن سهوب (أواسط) آسيا كانت مصدر الهجرات التي استقرت في آسيا الصغرى وعرفت لاحقا باسم تركيا، وهي مصدر الهجرة الأول للأقوام السومرية قبلهم بآلاف السنين. ولابدّ أن كَلكَاميش وكَميش أو كَاميش وثيقة الصلة من حيث الصوت والبناء مما يمكن أن يجمع بينهما بشكل أو آخر. علما أن لفظة (كَلْ) التركية بفتح الأول معناها (تعال)، ونفس الكلمة بضم الأول تعني (وردة). ويمكن الاستطراد في تفكيك وتحليل الألفاظ بحسب مساحة اللغات القريبة لاشتقاق معاني أو آفاق جديدة في فهم الرموز القديمة. وأورد هنا في خصوص اسم بطل الملحمة رأيا للسيد عبد الرحمن الصباغ في تعليق على مقال منشور في الأنترنت عن خصوصية اللهجة العراقية للسيد محمود سعيد ورد فيه ..( بالنسبة لأسم كَلكَامش أو قلقميش كما ذكرت فأنه أسم مركب مكون في مقطعه الأول من "قيل" وتعني حاكم أو ملك وفي الثاني خامش أو خميش أي الخامس أي بالجملة -الملك الخامس- وهذا ما كان عليه، والأسم كما ترى عربي صميم وهو واحد من أسماء عربية كثيرة مركبة حرفت وشوهت بمرور الوقت أو سوء الأستعمال واستحكمت خطأ في أذهاننا كأبرهيم أي أب رحيم وأسحاق أي الضحاك وأسمعيل أي أسم عيل أي أسم الله وآشوربانيبال ويعني عاشور بن بعل. فالآشوريون كانوا يعبدون عشرة آلهة أكبرها الرحمن وهانيبال وأصله حنا بعل أي حنة بعل وغيرها الكثير). وهو رأي طريف. أما الأكثر طرافة فهو نسبته القديم للجديد، وذلك نابع من عقدة موت الزمن عند العربي، فتختلط لديه التواريخ وتتقدم العصبية على ما عداها. وكلّ من مفردات ملك وخمسة وعشرة قديمة متوارثة في عائلة اللغات السامية وربما كانت لها جذور سومرية أو شامية أو مصرية وغير ذلك من لغات العالم القديم. والمعلومات الأخرى الواردة مشتقة من التوراة، ومصادر التأريخ القديم التي استكشفها البحاثة الأجانب في العصر الحديث.
(3)
الهامش الثالث مأخوذ من قصة التكوين التوراتية: "وصنع الربّ الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما."/ الاصحاح الثالث- عدد 21
والعبارة هنا إحالة على العدد السابع من نفس الاصحاح عقب تناولها الثمرة المحرمة "فانفتحت اعينهما وعلما أنهما عريانان."
فالعري يقتضي ثيابا، والثياب هنا هي أقمصة- جمع قميص، ومآزر- جمع إزار. والفرق ما بينهما بحسب التسجيل التوراتي هو أن الأقمصة من جلد، والمآزر من أوراق نبتة التين. الأولى حيوانية وصانعها هو الربّ، (صنع الرب.. أقمصة من جلد وألبسهما) العدد الحادي والعشرين / أنف الذكر. والثانية نباتية هي من صنع الانسان بحسب العدد السابع من الاصحاح الثالث نفسه "فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر."
أن فكرة أقمصة الجلد والتي هي اليوم ما زالت كذلك عند البعض ومنها بناطيل وصداري رعاة البقر ومعاطف الجلد، إحالة على الاستخدام المبكر لجلود الحيوانات في صنع الثياب. وبالتالي إلى عراقة تاريخ القتل والسلخ والعلاقة الطفيلية بين الحيوانات. زمن آثار هذه العلاقة مصدر لفظة (قميص) – (كَميش) المتطورة إلى (كَامش)- (جاموس).
إذا أمكن الأخذ بهكذا فرضية، يمكن القول أن جذور قصة الشجرة المحرمة وانفتاح الادراك البشري بما فيه اكتشاف العري حصل في ما بين النهرين وفي نقطة قريبة من التقاء نهري دجلة والفرات حيث تمتد حتى اليوم بقعة واسعة من مستنقعات قديمة عبر التاريخ، وهذا يضاف إلى قصة الطوفان التي يذهب البعض إلى وقوعها أو انطلاقها في نفس المكان السومري القديم، فالأهوار هي بعبارة أخرى بقية مياه الطوفان التي لم تنسحب تماما، وتحولت (لحكمة ما..) إلى بداية الخليقة الجديدة المنطقة من المياه نفسها. وإليها تعود الإحالة القرآنية (خلقنا من الماء كلّ شيء حيّ)، أو الحياة الجديدة بالتعبير العصري، في عقب السقوط أو عقب الطوفان. وللتنويه فقط، لا يحاول هذا الموضوع الزعم أن السومريين هم أول قوم عقب الطوفان أو الخليقة الجديدة من أبناء نوح، بقدر ما هم حملة ونقلة التراث البشري المتناقل للسابقين عليهم، بما فيهم أولئك الذين كانوا معاصرين أو أبكار ما بعد الطوفان، ولكل ذلك من الدلائل والاستكشافات التاريخية ما يغني عن التأويل والاجتهاد أو الادعاء.
*
الثاني من أكتوبر 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قبل التسرع بالحكم
هادي حسن ( 2011 / 9 / 17 - 19:57 )
أنظر للدراسات المقدمة من قبل الأستاذ الفاضل عبدالرحمن الصباغ بخصوص السومريين ، لغتهم ووطنهم ألأصلي وبحوثه في أصول وعوائل مفردات العربية قبل التسرع بالحكم على جملة وردت في رد سريع.من جهة أخرى فإن مفردة قميص قريبة جداً عند المؤثلين -علم تأصيل المفردات - من مفردة قماش فلماذا ياترى البحث عن جذورها في التوراة أو مفردة جاموس البعيدة ؟
http://www.diwanalarab.com/spip.php?article16113

اخر الافلام

.. هل يغير نتانياهو موقفه من مقترح وقف إطلاق النار في غزة؟ • فر


.. قراءة عسكرية.. اشتباكات بين المقاومة وقوات الاحتلال




.. ما آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة؟


.. أمريكا.. طلاب جامعة كولومبيا يعيدون مخيمات الحراك المناصر لغ




.. شبكات| غضب يمني لخاطر بائع البلس المتجول