الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الألحاد من فكرة الى عقيدة ... أسماعيل أدهم

حسنين السراج

2010 / 10 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يقول الكاتب واثق غازي : طرح التساؤلات والبحث عن الأجابات هو الذي يميز الأنسان عن غيره من المخلوقات . وأهم الأسئلة التي يطرحها الأنسان هي أكثرها صعوبة . من أوجدني ؟ولماذا أنا موجود؟ وكيف علي أن أعيش؟هذه هي اسئلة الوجود الصعبة التي أذا جمعنا الأجابات عنها في منظومة معرفية واحدة نشأ لدينا الدين . فليس الدين ان تؤمن بعقيدة أبويك , بل أن تشك في كل قضية حتى تثبت صحتها أو خطأها .فالدين هو الأيمان والأعتقاد, ولربما لن يصل أبدا, ولكنه أذا وصل فأن أيمانه سوف يكون عميقا وراسخا ... لا يمكن لأنسان أن يحيا بدون دين , ولا يمكن له أن يحيا بسعادة دون أن يجيب عن تساؤلات الوجود , وهو أذا لم يجدها في الديانات التقليدية بحث عنها في المدارس الفلسفية والفكرية ... أن الدين هو مجموعة الاجابات التي نحملها في أذهاننا عن أسئلة الوجود وسببه وغايته , وليس من الضروري أن يكون مصدر هذه الأجابات هو دين الابوين ... الدين من الحاجات الضرورية للأنسان , فلا يخلو مجتمع قديم أو حديث من دين يؤمن به , حتى الملحدين أختاروا عقيدة الألحاد دينا لهم .(1)

في الواقع ان نفي عقيدة ما قد يتحول بمرور الزمن الى عقيدة (تفسير لعلة الوجود), فالأيمان بعدم وجود خالق لهذا الكون هو أيضا عقيدة مقابلة لعقيدة الأيمان بوجود خالق , لكن في أي حالة؟ يمكن أعتبار الألحاد عقيدة حين يملك الملحد أجابات وتعليلات تقنعه وتوصله الى درجة اليقين في حقيقة هذا الوجود ويكفي أن تقنعه هو وحده لتكون عقيدته ويسمى هذا النوع من الألحاد بالألحاد الأيجابي او الألحاد القوي , أما أذا وصل الى قناعة بعدم وجود الله لكن لن يتمكن من أيجاد أجوبة واضحة تعطيه الحقيقة البديلة لا يمكن أعتبار الحاده عقيدة وسيبقى الحاده مجرد معادلة غير مكتملة . ويسمى هذا النوع من الألحاد بالألحاد السلبي أو الضعيف .

يقول الفيلسوف الفرنسي المعاصر أندري كونت سبونفيل :( بوسعنا التمييز في هكذا عالم توحيدي كعالمنا، ما بين نوعين من الإلحاد مختلفين :عدم الإيمان بوجود الله(إلحاد سلبي) أو الإيمان بعدم وجود الله (إلحاد إيجابي إن لم نقل إنّه ثوريّ). الأوّل إذن هو انعدام الإيمان بينما الثاني إيمان بالعدم أي أننا إما مع القول بانعدام وجود الله وإما مع نفي وجوده.)(2)

بمعنى أن الانسان الذي ينفي وجود الله وليس لديه أجوبة مؤكدة وواضحة عن علة الوجود يعتبر ألحاده ضعيف(سلبي) . مثال على ذلك لو سألت أحد المؤمنين من خلق الكون ؟ سيقول (الله الأزلي الذي ليس لوجوده بداية ولا نهاية) . ولو سالت ملحد نفس السؤال وأجابك (من المؤكد أن الكون لم يخلقه الله وفكرة وجود أله مجرد خرافة أخترعها الانسان ليبرر عجزه عن تفسير الواقع) . ولو سالته سؤال اخر . من أين جاء الكون أذن ؟ وأجابك (ليس لدي فكرة واضحة مؤكدة لكني متأكد أن فكرة خلق الله للكون مجرد خرافة) . هذا النوع من الالحاد هو الألحاد الضعيف (السلبي) .

أما الألحاد القوي (الأيجابي) فيجسده بقوة المفكر المصري اسماعيل ادهم الذي يمكن أن نعتبر ألحاده (عقيدة) تقابل عقيدة الأيمان بوجود خالق للكون . وهذا ما يؤكده هو حيث يقول : (أنا ملحد ونفسي ساكنة لهذا الإلحاد ومرتاحة إليه ، فأنا لا أفترق من هذه الناحية عن المؤمن المتصوف في إيمانه. نعم لقد كان إلحادي بداءة ذي بدء مجرد فكرة تساورني ومع الزمن خضعت لها مشاعري فاستولت عليها وانتهت من كونها فكرة إلى كونها عقيدة) .(3)

ولد أسماعيل أدهم عام 1911 وفارق الحياة بأرادته عام 1940 . ولد أدهم في عائلة هجينة فكان أبوه مسلم تركي وأمه مسيحية ألمانية . توفيت أمه بعد عامين من ولادته فأشعره ذلك بالحرمان خصوصا ان والده كان متشددا وكان لتشدده دور كبير في تحوله الفكري ووضع لبنات الحاده , كان والده ضابطا في الجيش التركي وهذا ما جعله يبتعد عنه كثيرا , لكنه كان حريصا على أن يتعلم ابنه تعاليم الدين الاسلامي فأوصى زوج عمته بان يشرف على تعليمه تعاليم الاسلام واللغة العربية .
كان لأختيه دور كبير في حياته , وتاثير كبير على نفسه . فكانتا تأخذانه الى الكنيسة كل يوم أحد , وعلمتاه كذلك اللغتين التركية والالمانية , لم يكن ذهاب اختيه الى الكنيسة الا كعادة أجتماعية كما يبدو فهو يقول : ( كانتا تسخران من المعجزات ويوم القيامة والحساب، وكان لهذا كله أثر في نفسيتي) .
قضى طفولته في تركيا ومراهقته في مصر , لم يكن هناك مفر لطفل منع من مخالطة أقرانه بوجود مكتبة والده العامرة بالكتب الا أن يكون قارئا نهما في سن مبكرة مما أفقده الشعور بمتعة الطفولة . قرأ الأدب و الشعر والقصة وهو أبن الثامنة وقرأ كتب داروين أصل الانواع وأصل الانسان وخرج مؤمنا بنظرية التطور وقرأ لديكارت وهيوم و كانت و هيجل وسبينوزا وقرأ في الرياضيات والهندسة كل هذا وهو لم يتعدى سن المراهقة .
وبسبب ضغوط والده الكبيرة عليه في ممارسة شعائر الدين من صلاة وصوم أنفجر وعبر عن هويته بقوة قائلا : (أني لست بمؤمن ، أنا داروني أؤمن بالنشوء والارتقاء) و كان رد فعل والده هو الحاقه بمدرسة داخلية لأبعاده عن القراءة لكن دون جدوى , أكمل دراسته الجامعية في تركيا وتلك المرحلة كانت ربيع الحاده فهناك وجد من يشاركه أفكاره وأسس جماعة نشر الالحاد والتي تحولت مستقبلا الى فرع من جمعية نشر الالحاد الامريكية . تكللت مرحلة حياته الدراسية بحصوله على شهادتي دكتورا من جامعة موسكو الأولى بالرياضيات البحتة والثانية بالطبيعيات النظرية . يقول حول خلاصة ما وصل اليه في رحلته باحثا عن سر الوجود :
وكانت نتيجة هذه الحياة أني خرجت عن الأديان وتخليت عن كل المعتقدات وأمنت بالعلم وحده وبالمنطق العلمي، ولشد ما كنت دهشتي وعجبي أني وجدت نفسي أسعد حالا وأكثر اطمئنانا من حالتي حينما كنت أغالب نفسي للاحتفاظ بمعتقد ديني.(4)

له مجموعة من المؤلفات وبأكثر من لغة كالروسية والأنجليزية فضلا عن العربية . وفي مجالات شتى. كالرياضيات والفيزياء والفلسفة والتاريخ والفكرالديني والنقد الادبي . قام بمجموعة من الدراسات عن مفكرين وأدباء وشعراء نشرت في عدد من المجلات مثل : (مجلة المقتطف – مجلة الرسالة – المجلة الجديدة – مجلة البصير – مجلة الحديث – مجلة أدبي – مجلة الأمام – مجلة مملكة النحل ) . عام 1992 قام أستاذ النقد الادبي الدكتور أحمد الهراوي بجهد كبير تبلور بنشر مؤلفات أدهم بثلاث مجلدات هي : (أدباء معاصرون – شعراء معاصرون – قضايا أدبية ) .
من أبرز مؤلفات أسماعيل أدهم :
- الرياضيات والفيزيقا *1– مجلدين باللغة الروسية
- تاريخ الأسلام – ثلاث مجلدات باللغة التركية
- أضاءة الدرب – باللغتين العربية والأنكليزية – دراسة عن الشاعر أحمد زكي أبو شادي .
- توفيق الحكيم الفنان الحائر – دراسة عن توفيق الحكيم -
- خليل مطران شاعر العربية الأبداعي – دراسة عن خليل مطران
- دراسة عن الاديب ميخائيل نعيمة
- دراسة عن الأديب والمفكر طه حسين
- دراسة عن المفكر المصري أسماعيل مظهر
- دراسة عن الشاعر التركي عبد الحق حامد
- بحث في النظرية النسبية – مجلة الرسالة
- بحث عن حرية الفكر – مجلة أدبي
- لماذا أنا ملحد – مجلة الامام
وغيرها .
وتعتبر رسالة لماذا أنا ملحد من أشهر مؤلفاته وأكثرها أثارة للجدل . وعلى الرغم من قصرها ألا أنها تحوي مضامين ذات تأثير عميق سلبا أو أيجابا . كتب هذه الرسالة بعد أن قرأ رسالة عقيدة الألوهية لصديقه الشاعر أحمد زكي أبو شادي وتوالت بعدها ردود الفعل فأجابه الشاعر أحمد زكي أبو شادي بمقال أسمه (لماذا أنا مسلم) و رد عليه محمد فريد وجدي بمقال عنونه( لماذا أنا مؤمن) . ومن الطبيعي أن يكون رد فعل الأسلاميين أكثر حدة فقام الشيخ الأزهري يوسف الدجوي بالرد عليه في سلسلة مقالات تحت عنوان (حدث جلل لا يمكن الصبر عليه) .

تقول الدكتورة رجاء بن سلامة :
عمد الشّيخ يوسف الدّجويّ إلى استعداء السّلطة السّياسيّة بقوله إنّ صاحب الرّسالة يطعن في دين الدولة ومليكها حامي الدين والعلم ، وأن ما جاء فيها يتناقض مع الفطرة الإسلامية التي جبل عليها سائر البشر . وهو ما يدلّ على تعاضد المؤسّستين الدّينيّة والسّياسيّة في محاصرة الفكر ... وقد لبت وزارة النحاس نداء الشيخ يوسف الدجوي واستجابت للدعوة التي قدمها شيوخ الأزهر ضد إسماعيل أدهم ، وقامت النيابة بالتحقيق معه ومصادرة رسالته وتفتيش منزله فوجدت فيه رسالة (لماذا أنا ملحد؟ ) ، وملفات أخرى تحوي بعض نسخ من بحوث متعددة عن فلسفة النشوء والارتقاء، وكتاب (لماذا أنا ملحد؟) لراسل ، ومظروفا يحوي أكثر من ثلاثين صفحة من كتاب بخطه يشرع في تأليفه ينكر فيه وجود الله ويؤكد إلحاده . وقد حالت جنسيته التركية وحالته الصحية بينه وبين السجن واكتفت النيابة بتحذيره وتعطيل مجلة الإمام التي نشرت الرسالة لأول مرة ... يقول إسماعيل أدهم في بعض مقالاته إنّ شيخ الأزهر قرّر بمرسوم مسجديّ حرماني الجنّة جزاء لكفري ... ولأنّ الرّقابة تنتقل بالعدوى ، وتتّسع دائرتها تلقائيّا ، فإنّ العزل الذي تقوم عليه طال محقّق أعماله الكاملة . فقد ذكر لي أحد المفكّرين المصريّين المطّلعين (لا أذكر اسمه خوفا عليه من العدوى نفسها) أنّ أحمد الهراوي طرد من جامعة صنعاء لأنّه درّس أحد مؤلّفات إسماعيل أدهم في النّقد الأدبيّ وصادف أن كان هذا المؤلّف منشورا في المجلّد الذي يتضمّن رسالته (لماذا أنا ملحد) . (5)

في رسالة( لماذا أنا ملحد) يستعرض أسماعيل أدهم موجز تحولاته الفكرية وسيرته الذاتية ويبين كذلك أسباب ألحاده . يرفض أسماعيل أدهم التعريف السلبي للالحاد الذي يكتفي بتعريف الألحاد على أنه نكران وجود الله ويستخدم عوضا عنه تعريف أيجابي جدا ينزله منزلة العقيدة قائلا:
لي أن أتساءل ما معنى الإلحاد ؟ يجيبك لودفيج بخنر زعيم ملاحدة القرن التاسع عشر : (هو الجحود بالله ، وعدم الإيمان بالخلود والإرادة الحرة) . والواقع أن هذا التعريف سلبي محض ، ومن هنا لا أجد بدا من رفضه . والتعريف الذي أستصوبه وأراه يعبر عن عقيدتي كملحد هو : (الإيمان بأن سبب الكون يتضمنه الكون في ذاته وأن ثمة لا شيء وراء هذا العالم ) . ومن مزايا هذا التعريف أن شقه الأول إيجابي محض ، بينما لو أخذت وجهته السلبية لقام دليلا على عدم وجود الله ، وشقه الثاني سلبي يتضمن كل ما في تعريف بخنر من معاني .(6)

أما عن اسباب ألحاده فيقول :
إن الأسباب التي دعتني للتخلي عن الإيمان بالله كثيرة منها ما هو علمي بحت ومنها ما هو فلسفي صرف ومنها ما هو بين بين، ومنها ما يرجع لبيئتي وظروفي، ومنها ما يرجع لأسباب سيكولوجية ... الواقع الذي ألمسه أن فكرة الله فكرة أولية، وقد أصبحت من مستلزمات الجماعات منذ ألفي سنة. ومن هنا يمكننا بكل اطمئنان أن نقول أن مقام فكرة الله الفلسفية أو مكانها في عالم الفكر الإنساني لا يرجع لما فيها عناصر القوة الإقناعية الفلسفية وإنما يعود لحالة يسميها علماء النفس التبرير. ومن هنا فإنك لا تجد لكل الأدلة التي تقام لأجل إثبات وجود السبب الأول قيمة علمية أو عقلية.(7)

لديه عقيدة خاصة في فهم حقيقة الكون مرتبطة بنظريات علمية بحتة تتعلق بنظرية النشوء والأرتقاء والصدفة والأحتمالات , وهي ما جعل أيمانه بعدم وجود الله يرتقي الى مستوى عقيدة بديلة للأيمان بوجود الله , فهو لا ينفي وجود الله ويتوقف بل يعلل وجود الكون والحياة بحقائق أخرى يؤمن بها .
كان لكتابات أسماعيل أدهم تأثير كبير حوله الى ظاهرة . ألا أنه لم يسلم من الاتهامات فقيل أن هناك من يكتب له . وتم التشكيك في حصوله على شهادة الدكتورا من روسيا . وقيل أن بعض مصادره الموجودة في دراساته منسوبة لمجلات فرنسية ليس لها وجود أصلا . بل ان احد الأدباء أراد أن يفند سمعة العبقرية التي أصابت أدهم من خلال الأشارة الى صمته وسكوته المثير للاهتمام في منتديات الادباء حيث يقول : (كنت أراه يجلس صامتا لا يبين , فأين هي العبقرية المنسوبة أليه ما دام لا يعبر عنها وهو جالس بين الادباء ؟)(8)

الواقع أن العبقرية أحيانا تعني اللامنطق وأحيانا تعني جعل اللامنطق منطق وأحيانا تعني الجنون وأحيانا تعني السكوت وأحيانا تعني الكلام . صاغ الباحث الفيزيائي لويس دو بروجلي نظرية فيزيائية تتناقض مع بديهيات الفيزياء لكنها في النهاية أعتبرت أنجاز كبير في عالم الفيزياء , قال عنها باحث فيزيائي اخر هو بول اهرنفست :(لو أن ما يقوله صحيح , معنى هذا أني لا أفهم شيء في الفيزياء ) أجابه أينشتاين :( لا الفيزياء أنت تفهمها جيدا , العبقرية هي التي لا تفهمها ) (9). من تطلق عليه تسمية عبقري يجب أن ينتظر تسمية (مجنون أو مخبول) .

عام 2007 كتبت أحدى الصحفيات مقالا عن أسماعيل ادهم وصفته بالمخبول . وهذا تحديدا ما وصف به النبي محمد (ساحرا أو مجنون) حين كان يمثل أقلية فكرية ولنفس السبب (الجرأة على المقدس) . ولا أقصد هنا المقارنة بين النبي محمد وأسماعيل أدهم . بل أقصد المقارنة بين الناس في عصرنا والناس قبل أكثر من 1400 عام ويبدو أن الامر لا يختلف في جميع الازمان . كل من يتجرأ في الحديث عن المقدس ليس ألا مجنون . الواقع أني بدأت أشك في كل من يقال عنه مجنون بأنه عبقري . حتى أني بدأت أشك في حقيقة مستشفى المجانين فقد تكون مستشفى (المختلفين عنا ) وقد نكون نحن من نعاني الجنون وهم اصحاء ألا ان كثرتنا غلبت شجاعتهم ! .

حين يعاد نشر مقالة لأنسان بعد سبعين عام على وفاته وتحقق نفس رد الفعل المثير للجدل ونفس قوة التأثير سواء كان سلبي أو أيجابي . فهذا وجه من وجوه العبقرية . كان أسماعيل أدهم يراسل مجموعة من المستشرقين لتبادل الاراء والأفكار وكان متأثرا بهم الى حد بعيد وهو نفسه كان يعده البعض مستعربا بسبب أصوله التركية . قام الكاتب نقولا يوسف بنشر سيرة أسماعيل أدهم الذاتية ضمن كتابه ( أعلام الاسكندرية) .عانى أسماعيل أدهم من أمراض الصدر ولفترة زمنية طويلة . أغرق نفسه بشكل مفاجيء في الأسكندرية عام 1940 تاركا رسالة أنتحار يقول فيها أنه أنتحر زهدا في الحياة وكراهية لها وأوصى بأحراق جثته وعدم دفنه في مقابر المسلمين , لكن وصيته لم تنفذ وتم دفنه وسط أجواء من الصمت . لم يمشي في جنازته الا خمسة أشخاص . لم يكن ملحدا تقليديا كان من ذلك الطراز التبشيري الذي يؤمن بالالحاد كعقيدة يبشر بها .

قال عنه المفكر سلامة موسى :
لو أننا كنا ندرك مغزى النهضة الحديثة والتقدم البشري في القرن العشرين لكافأنا الدكتور أدهم باحسن ما يكافأ به كاتب , لكي لا ينقطع عن تلقيح أدبنا بالأساليب العلمية , وتعيين الطرائق للرقي بأنفسنا وأدبنا . (10)

وقال عنه الشاعر أحمد زكي أبو شادي :
العبرة في دراسات الدكتور أدهم بالمنهج الدراسي نفسه وبكيفية تناوله لموضوعاته بما ليس معهودا من قبل في الادب العربي . (11)

وقال عنه المستشرق جورج كمب غامير :
لا تجد بين كتب المستشرقين ودراساتهم عن الادب المعاصر ما يقف الى جانب دراسات أدهم من جهة تذوقها للروح العربية وتذوقها لجو الاداب العربية .(12)

وقال عنه الكاتب نقولا يوسف :
أن حياة الكاتب أسماعيل أدهم قد شابهت الشهاب الساطع والسريع الأنطفاء وما دمنا نجد في المقالات والتعليقات التي نشرها عنه النقاد قبل وفاته وبعدها من التناقضات والروايات المعتمدة على السماع ما ضاع خلاله الكثير من الحقائق , فقد كان علينا أن نبحث عن المراجع التي يكشف فيها الكاتب عن مكنونات نفسه , أعني المذكرات الشخصية والاعترافات . (13)

وقالت عنه الدكتورة رجاء بن سلامة :
كان جسده ومصيره معنيّين بمعتقده ، أو لنقل إنّه جسّد مصير (الملحد) المختلف في حياته ومماته . ولهذا السّبب نجد أحد مقالات الإسلاميّين عنه يحمل عنوان (انتحار ملحد) .
إنّه الصّورة المضادّة للشّهيد . الشّهيد يعزل بالتّضحية التي تنقله إلى دائرة القداسة ، والمنتحر يعزل بتضحية فرديّة تعدّها المجموعة (هدرا) وهباء ، أي مدنّسا ضديدا للمقدّس الإضحويّ . أمّا أن يكون المنتحر ملحدا ، فتلك مسرحة لأقصى صور الغيريّة المرفوضة. الغيريّة التي تأتي من (الدّاخل) في عالم ما زال فيه الدّم وثاقا يشدّ الدّنيويّ إلى المقدّس لإنتاج العنف العتيق. الدّم بكلّ صوره : دم الشّهيد ودم المرتدّ المهدر، ودم البكارة، ودم جرائم الشّرف، ودم الحيض المانع من المساواة ، ودم الختان، ودم القصاص والأيدي المقطوعة . غيّبته أمواج البحر ثمّ أمواج الرّقابة. ثمّ طفت رسالته على بحر الكلام والفكر، كما طفت جثّته .(14)

وقال عنه الكاتب وائل السواح :
إسماعيل أدهم ، الذي مرت قبل أسابيع الذكرى السبعون لوفاته دون أدنى إشارة لذلك سواء أفي وسائل الإعلام أم في المؤسسات الأكاديمية ، واحد من أشد الباحثين الذين كتبوا بالعربية وضوحا وبعدا عن المساومة والتوفيقية. وهو واحد من ألمع المفكرين الذين برزوا في المنطقة في مرحلة ما بين الحربين في القرن الفائت ، التي يسميها الباحث السوري المختص في عصر النهضة العربية محمد كامل الخطيب (الفترة الذهبية في تاريخ الثقافة العربية الحديثة) . وهو بذلك ينتمي إلى مجموعة من المفكرين الليبراليين الذين حملوا الفكر المتحرر العقلاني ورفعوه عاليا ، من أمثال سلامة موسى وشبلي شميل وفرح أنطون ، وربما لحق بهم طه حسين وغيره فيما بعد ... محزن أن تكون الساحة العربية في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي أكثر تسامحا وتحملا وليبرالية واستيعابا للآخر منها في مطلع القرن الواحد والعشرين. ومحزن أن تغدو لغة الحوار اليوم تخوينا وتكفيرا وتهديدا وإرهابا، بعد أن كانت تسامحا وتفهما واحتراما متبادلا. ومخيف أن المرء لا يجرؤ اليوم، ليس على كتابة، ولكن حتى على إعادة نشر مقالة نشرها باطمئنان قبل ثلاث وسبعين سنة (شاب في حدود الثلاثين، مغولي الوجه والسحنة، أقرب إلى القصر منه إلى الطول، وإلى الهزال منه إلى البدانة، تقرأ في وجهه سيماء العلماء الذين أنهكهم الدرس وأضناهم التفكير) وفق وصف ناشره ومعاصره سامي الكيالي . (15)

حين أفكر في الأيام الاخيرة من حياة أسماعيل أدهم أحاول أن أضع نفسي محله لأفهم ما الذي دعاه لترك الحياة . أشعر أن من الصعوبة فهم تلك المعاناة التي يجد المرء فيها نفسه لا يريد الأستمرار بالحياة , ليس لاني لا أعرف معنى المعاناة . بل لأني لم أفكر ألبتة بهذه الفكرة . لذلك لا أستطيع تخيلها . أرادة الموت . تلك اللحظة . تستجمع كل ما في الأنسان من قوة وضعف وحياة وموت . هي لحظة يتوقف فيها الزمن طويلا . ليرسم الأنسان لوحة تعبر عن شجاعته وأرادته ممتلئة بخوفه .

المصادر :
- ينظر : (أسماعيل أدهم الناقد العبقري الذي كتب كتاب لماذا أنا ملحد) – بقلم الأديب وديع فلسطين – مجلة الضاد العدد 78 – كانون الثاني سنة 2008 – الموقع الألكتروني الرسمي للمجلة
- ينظر :( أسماعيل أدهم ورسالته لماذا أنا ملحد )–– بقلم موقع الاوان - موقع الأوان الالكتروني - كانون الاول سنة 2009
- ينظر : (أسماعيل أدهم وأختلافه غير المحتمل مثالا عن اليات الحجز الرقابي) – بقلم الدكتورة رجاء بن سلامة – موقع الحوار المتمدن – العدد 2455 – 4/11/2008
- ينظر : (لماذا أنا ملحد؟ من يجرؤ، اليوم، على هذا السؤال؟) – بقلم الكاتب وائل السواح – موقع الحوار المتمدن – العدد 3115 – 4/9/2010

الأقتباس المباشر حسب الترقيم :
1- الدين وأحتكار الحقيقة – واثق غازي – الصفحات (20-21-22)
2- الألحاد – أندري كونت سبونفيل – ترجمة حسن أوزال – موقع الاوان الالكتروني – 26/4/2009
3- أسماعيل أدهم ورسالته لماذا أنا ملحد - موقع الأوان الالكتروني - كانون الاول سنة 2009
4- المصدر السابق
5- أسماعيل أدهم وأختلافه غير المحتمل مثالا عن اليات الحجز الرقابي – رجاء بن سلامة – موقع الحوار المتمدن – العدد 2455 – 4/11/2008
6- أسماعيل أدهم ورسالته لماذا أنا ملحد - موقع الأوان الالكتروني - كانون الاول سنة 2009
7- المصدر السابق
8- أسماعيل أدهم الناقد العبقري الذي كتب كتاب لماذا أنا ملحد – وديع فلسطين – مجلة الضاد العدد 78 – كانون الثاني سنة 2008
9- اينشتاين ضد الصدفة – فرانسوا دو كلوسيه – صفحة 363
10- أسماعيل أدهم الناقد العبقري الذي كتب كتاب لماذا أنا ملحد – وديع فلسطين – مجلة الضاد العدد 78 – كانون الثاني سنة 2008
11- المصدر السابق
12- المصدر السابق
13- المصدر السابق
14- أسماعيل أدهم وأختلافه غير المحتمل مثالا عن اليات الحجز الرقابي – رجاء بن سلامة – موقع الحوار المتمدن – العدد 2455 – 4/11/2008
15- لماذا أنا ملحد؟ من يجرؤ، اليوم، على هذا السؤال؟ – وائل السواح – موقع الحوار المتمدن – العدد 3115 – 4/9/2010

الهوامش :
1- يبدو أن كلمة فيزيقيا تعريب لكلمة physics وتعطي الكلمة الأنكليزية أكثر من معنى هي : الطبيعيات وعلم الطبيعة والفيزياء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كل هذا الانتاج في 29 سنة؟
Hassan Tahir ( 2010 / 10 / 3 - 08:36 )
عفوا ومن باب التاكيد هل توفي وعمره 29 سنة؟
كما هو مذكور في المقال ؟
اي ان كل هذه المولفات تمت وهم لم يتجاوز 30 سنة؟
مع التقدير


2 - الى الأخ حسن طاهر
حسنين السراج ( 2010 / 10 / 3 - 10:30 )
شكرا جزيلا أخي العزيز بخصوص مؤلفاته فأكثرها عبارة عن مقالات مطولة نشرت في المجلات وحين نشرت مجتمعة عام 1992 كانت عبارة عن ثلاث كتب أضافة الى مؤلفاته العلمية في مجال أختصاصه وكل المصادر تشير الى وفاته وهو في ال29 من عمر مع خالص التقدير


3 - شكر
ziyad tarik ( 2010 / 10 / 3 - 11:46 )
شكرا للكاتب حسن السراج على هذا المقال الذي عرفنا باحد الادباء العرب


4 - تحياتي أستاذ حسنيين السراج
شيرزاد همزاني ( 2010 / 10 / 3 - 11:58 )
شكرا لهذه المقالة الرائعة وهذه الجولة الهادئة في ربوع الفكر مارا بزوايا وثناياحياة أنسان مفكر . حياة قصيرة ولكن لا تزال حية الى يومنا هذا ... تقبل فائق تقديري


5 - الى الأخوين زياد طارق وشيرزاد همزاني
حسنين السراج ( 2010 / 10 / 3 - 13:09 )
الأخ زياد : لك خالص تقديري وأمتناني على مشاركتك مع جزيل الشكر
الأخ شيرزاد : كل التقدير والأمتنان على كلماتك الرقيقة والعذبة مع خالص التمنيات بالتوفيق


6 - الطروحات الأفتراضية للوجود
قاسم السيد ( 2010 / 10 / 3 - 16:47 )
مع احترامنا لذكرى رحيل اسماعيل ادهم لكن مايهمنا هي ما اثاره اسماعيل ادهم في موضوعة الالحاد ومشكلة الكثير من يشارك اسماعيل موقفه هو هذه الثقة المطلقة بالأنجاز العلمي وما وصلت اليه العلوم من نتائج مبهرة سلبت لب الكثير لكن المشكلة ان العلم لم يستطع ان يقدم نظرية حاسمة في نشوء الكون والحياة ولاتزال كل طروحاته افتراضية لم تتحول الى بديهيات مسلم بها بل ان كثير من النتائج والبحوث والتي اعتبرت في حينها فتحا جرى التراجع عن تبنيها لإحتوائها على كثير من الثغرات التي يصعب الدفاع عنها وبالتالي يصبح توصيف الالحاد السلبي والالحاد الأيجابي توصيفا تعسفيا فالالحاد مهما كان توصيفه هو رفض للفرضية الدينية التي عزت نشوء الكون والحياة الى الخالق الواحد وهي في الواقع اكثر بساطة من النظرية الالحادية التي اعتمدت الانجاز العلمي في صياغة فكرتها والتي تجعل من الكون والحياة خالقين لنفسهما بطريقة افتراضية يصعب في كثير من الأحيان البرهنة عليها ومع هذا كله يعتبر التراث الذي خلفه اسماعيل ادهم اضافة خلاقة للفكر الانساني الذي يبحث عن السؤال الابدي الذي بقيت الاجابة عليه عصية لحد الان ... تحياتي للجهد المبذول على الموضوع


7 - الى الأخ قاسم السيد
حسنين السراج ( 2010 / 10 / 3 - 18:41 )
شكرا جزيلا أخي الكريم لمشاركتك الرائعة
أتفق معك في أن الألحاد هو انكار الدين سواء كان سلبي أو أيجابي
وأتفق معك في ان العلم نسبي و النظريات العلمية في تغير مستمر . ويوميا تأتي نظرية جديدة لتحل محل الاخرى . لكن هذا لا يمنع من تصنيف الالحاد الى سلبي وأيجابي . فهذا التصنيف لا يعتمد على مدى صحة هذه النظريات . فلا يوجد نظرية محل أجماع . التصنيف يعتمد على وجود نظرية تجيب عن التساؤلات التي يجيب عنها الدين من عدم وجودها . المقياس هو وجودها من عدمه وليس صحتها من عدمها . مع خالص التقدير وكل الأمتنان للمشاركة الكريمة .


8 - شكرا
ابو علاء العراقي ( 2010 / 10 / 4 - 07:05 )
شكرا على هذا المقال الرائع الذي عرفنا بالعبقري الكبير اسماعيل ادهم حتى احسست بالآمه وحزنه وشعوره بالغربه من خلال عزلته وصمته لاعجب ان من يحمل فكرا علميا حرا يعيش الغربه في مجتمع منوم اجتماعيا بفعل التدين تلك الديانات التي يثبت بطلانها بسهوله لكل من يحمل عقلا علميا حرا وموضوعيا ديانات الدم والسبايا والعبيد وملك اليمين والسماح بقتل الاخر الذي يختلف و و و و و و كل ما اوصلنا الى هذا الحال البائس المتخلف ربما لو خرج هذا العبقري الى بلد فيه حريه لابدع ولعاش حياة سعيده ربما مع الشكر


9 - اسماعيل ادهم
جمال الدين ( 2011 / 1 / 11 - 14:20 )
كرجل من العوام وعلى قدر ماقرأت فى هذا الموضوع عن هذه الشخصية الهلامية اتخيل أن هذا الشخص كان مجرد دمية صنعت خصيصآ يلعب بها شخصيات من الخلف (؟؟) وجعلوا منه واجهة ونسجوا حوله شخصية عبقرية وهمية لا اصل لها علميآ وثقافيآ ودينيآ..وادباء عصره قالوا إنه يجلس معهم ولا يتكلم ولا يفصح عن شئ ولا يجادل ولا يناظر ولا يعرض بضاعتة..بمعنى إنه خاوي اجوف يخاف اخراج صوته لئلا ينكشف امره..والمكتوبات التى قدمها اتخيل إنها أعدت له من الآخرين ووضعوا عليها أسمه زورآ وبهتانا..خوفآ من ظهور اسمائهم وإذا اعملنا العقل قليلا سنجد أن سنوات عمرة الشبابية بلغة الأرقام والحساب لن تفى بالشهادات التى يتقول بها البعض فى حصوله عليها وعلى المختصين بأمور البحث أن يبحثوا ومن المؤكد سيجدون ما يبغون وما سيفاجئون به
هذا والله اعلى واعلم
سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا إله الا انت استغفرك واتوب إليك

اخر الافلام

.. حملات لترميم المواقع الدينية والأثرية التي دمرها داعش في الم


.. هنا شارع المعز لدين الله الفاطمى .. أكبر متحف آثار إسلامية




.. «ماريسا» على جبل عرفات.. قصة مسيحية سابقة من أمريكا إلى مكة


.. الحرارة تحصد أرواح حجاج بمكة وسياح باليونان.. والصيف المنصرم




.. تنظيم الإخوان المسلمين يحارب أعضاءه السابقين بوسائل وأساليب