الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن بيتي الأجنبي وأشجاري المكتومة!

هوشنك بروكا

2010 / 10 / 6
المجتمع المدني


يصادف اليوم(الخامس من أوكتوبر)، يوم تشريدي، أنا الأجنبي السوري المكتوم، عن إسمي الممنوع من الهوية ونحوها، فضلاً عن تشريد مكاني عن أسمائه(والعبارة للكبير سليم بركات).

اليوم، هو يوم "اجنبيتي" المحروسة، في مسقط إسمي، أي مكان ولادتي(ولادتي في هويتي، وهويتي في ولادتي) المستثناة من كل الإقامة في المواطنة، بل من كلّ المواطنة في كل الإقامة.

الخامس من أكتوبر من كل عامٍ(سوريٍّ بالطبع)، هو يوم الإعلان الإستثنائي، لإستثناء حوالي ثلاثمئة ألف مواطنٍ كردي، مثلي، عن المواطنة السورية، وعن كل الحقوق المدنية والسياسية، فضلاً عن الحقوق الثقافية والإقتصادية.

الخامس من أكتوبر، بحسب المفكّرة السورية، المصنّعة خصيصاً لأكراد الشمال، هو مناسبةٌ ٌأجنبية جدّ خاصة، ل"أكرادٍ أجانب" سوريين، شاء الإحصاء الإستثنائي(الذي جرى في الخامس من أكتوبر 1962)، أن أكون واحداً من بين ثلاثمئة ألف وجودٍ كرديٍّ، ممنوعٍ من النحو والصرف، والقيد والدرس، في كل دوائر النفوس الرسمية، لسوريا الرسمية.

اليوم، يصادف الذكرى الثامنة والأربعين لدخولي "الإستثنائي"، ك"كرديٍّ ممنوعٍ"، أو "كرديٍّ مكتومِ القيد"، في التاريخ الإستثاني "الأجنبي"، على سنّة "الجمهورية العربية السورية"، الطائرة منذ أكثر من ستة عقودٍ ونيف، إلى "الأمة العربية الواحدة، ذات الرسالة الخالدة"، فضلاً عن زحفها البعثي، إلى "الوحدة والحرية والإشتراكية".

سوريتئذٍ، دخلتُ على سنّة "الإحصاء الإستثنائيّ"، "الإستثنائيةَ الأجنبية"، من أوسع أبوابها، حتى صار وجودي أجنبياً، وإسمي أجنبياً، وبيتي أجنبياً، وأشجار حديقتي أجنبيةً، وحقول قمحي أجنبيةً، وحروفي أجنبيةً، وكتابي أجنبياً، وقيامي وقعودي أجنبياً، وعاداتي أجنبيةً، وأعيادي أجنبيةً، ولباسي أجنبيةً، محجوبةً عن كل ما يمكن أن يمتّ إلى وطنٍ بصلةٍ.

هكذا بجرّة "قلمٍ إستثنائيّ"، في "إحصاءٍ إستثنائي"، سقطت دفاتر وعناوين إسمي، عن تاريخ السجل المدني السوري وأحواله، فانتهيت مع الآخرين الكثيرين، من أبناء "أجنبيتي الكردية الحمراء"، إلى مجرد "رقمٍ مكتومٍ" "، أو "خانةٍ مكتومةٍ"، مدونةٍ ب"الأحمر العريض الخطر على أمن الدولة وسلامة أراضيها"، أو إلى مجرد "رقمٍ أجنبيٍّ طارئٍ"، خارجٍ على كل سوريا التاريخ والجغرافيا والإجتماع والسياسة، وسواها من "السوريات الرسميات".

أنا "الأجنبيّ" الإسم والجهة والمولد والمنشأ والزمان والمكان واللسان، متهمٌ في مسقط رأسي السوري، أباً عن جد، منذ ما يقارب النصف قرنٍ، بالتورط مع "اعداء خارجيين"، والإنتماء إلى جهاتٍ أجنبيةٍ "خطيرةٍ جداً"، لم أعرفها بعدُ، ولم أتشرّف بمعرفتها حتى اللحظة.

أنا هناك، حيث الجمهورية "عربيةٌ أكيدةٌ" لا غبار على ضاد(ها)، أجنبيُّ "برّانيّ"، لأن إسمي أعجميٌ، ولسان أمي أعجميّ، وكلامها أعجميّ، ونيران نوروزها أعجمية، وكوفيتها أعجمية.

أنا السوري الأعجمي "الأجنبي"، إسمي الذي يساوي الآن ما يقارب الثلاثمائة ألف "رقمٍ كرديٍّ أجنبيٍّ"، أو "مكتومٍ"، هو إسمٌ "ممنوعٌ" من البَوح، ك"مواطنٍ" في سجلات القيد المدني، ومقفّلٌ عليه المواطنة كلها، من أولها إلى آخرها، بالشمع الأحمر الأكيد، منذ حوالي خمسة عقودٍ من الزمان.

اليوم، ستمشي أشجار حديقتي "المكتومة"، الواقفة أمام بيتنا منذ عقودٍ طويلةٍ مضت، في الذكرى الثامنة والأربعين لعبورها "أجنبيتها" المختومة، ب"الأحمر الإستثنائي"، والتي استثناها الديكتاتور بختمه، من كل المكان السوري، بإعتبارها أشجاراً "مشكوكٌ بها أبداً"، "عميلةً"، "مدسوسةً"، "خارج ـ وطنيةً"، "متآمرةً" مع الخارج، و"خطرةً" على الوحدة والأمن الوطنيين!

اليوم، سيمشي بيتي، الواقف في "أجنبيته الإستثنائية"، السورية بإمتياز، منذ حوالي نصف قرنٍ من التشريد في اللامكان؛ المكان اللامنتمي الخارج على المكان؛ المكان المكتوم، في مسيرةٍ صامتةٍ معلومةٍ، مع البيوت الأجنبية الأخرى الجارة القريبة والبعيدة، إلى هويتها العاجلة أو الآجلة!

اليوم، سأشعل إسمي المكتوم في الأول من هذا المساء، كشمعةٍ معلومةٍ، مع ثلاثمئة إسمٍ كرديٍّ، سيشتعل في ثلاثمئة شمعةٍ، حداداً على مواطَنتي السورية المقتولة، والتي اغتالها الديكتاتور، منذ ما يقارب النصف قرنٍ!

اليوم، سأمشي مع بيتي "الأجنبي"، وأشجاري "المكتومة"، من الشمال إلى الشمال، بيتاً بيتاً، شجراً شجراً، وحجراً حجراً، حداداً على سوريا الميتة، منذ حوالي نصف قرنٍ، وعاصمتها الميتة، وأطرافها الميتة، من دمشق إلى القامشلي!

اليوم، سأمشي، في هويتي الحية الجديدة، التي هربتُ إليها منذ عقدٍ ونيف، لهويتي المقتولة العتيقة، وبيتي الأجنبي المقتول العتيق، وأشجاري المقتولة العتيقة، من برلين إلى القامشلي!

اليوم، سأمشي ثلاثمائة ألف مرةٍ، إلى ثلاثمئة ألف بيتٍ أجنبيٍّ، أو ما يقاربها من أشجارٍ مكتومةٍ، أو أسماء ممنوعةٍ!
اليوم، سأمشي ثلاثمائة ألف خطوةٍ، في هويتي لهويتي، ومن هويتي إلى هويتي!
اليوم، سأرسم بيتي الأجنبي العتيق، وأشجاري المكتومة العتيقة، التي لا تزال واقفة هناك، في العراء السوري، من دون هوية ولا هم يحزنون، مع أولادي، ثلاثمائة ألف مرة!
اليوم، سأمزق صورة الديكتاتور، مع أولاد الحارة، ثلاثمائة ألف مرة!
اليوم، سأصرخ لهوية أشجاري، ثلاثمائة ألف صرخة!
اليوم، سأشعل ل"سوريا بيتي"، ثلاثمائة ألف شمعة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عراقيون كلدان لاجئون في لبنان.. ما مصيرهم في ظل الظروف المعي


.. لدعم أوكرانيا وإعادة ذويهم.. عائلات الأسرى تتظاهر في كييف




.. كأس أمم أوروبا: لاجئون أوكرانيون يشجعون منتخب بلادهم في مبار


.. أزمة اللاجئين في مصر: مطالب بدعم دولي يتناسب مع أعباء اللاجئ




.. هغاري: الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل من أجل خلق الظروف لاستع