الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشخصية العراقية بين أغنية البرتقالة وذبح الرهائن

سلمان الشمس

2004 / 9 / 10
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


من يذهب الى الباب الشرقي ، يستوقفه منظر محير ، فثمة (جنابر) تبيع أقراص أغاني البرتقالة والرمانة............ أجساد ملونة ملتهبة تتلوى بفرح غامر وأثواب زاهية وموسيقى راقصة , والى الجوار (جنابر) أخرى تبيع أقراص تصور ذبح الرهائن ، تصوير كامل لعملية النحر وقص الرأس وقطرات الدم ورجفات الحياة الأخيرة وصرخة الأم المفجوعة تدوي من بعيد وذهول طفلة ظلت تنتظر عودة أبيها وقت الغروب ..... مالذي يتملكك في تلك اللحظة ؟ هل ترقص مع البرتقالة أم تشيح بوجهك بعيدا , خافيا رغبة عارمة بالبكاء ؟ ........... ذاته الشخص الذي أشترى قرصا للأغاني قد يشتري قرصا يصور عملية الذبح .......... يعود الى بيته المصون حاملا دما ولحنا ...... أي تركيبة مزدوجة هذه ؟ وبعد هذا ما معنى أن نكون ( خوش ولد ) وولد عشائر , واصحاب حضارة عمرها خمسة الأف سنة , ما معنى التبجح بالطيبة والنخوة والشهامة ، الى متى هذا الأصرار على لغة التوافق والتراضي ؟ أليس مكاشفة المريض بعلله أجدى نفعا من السكوت والتغاضي ؟ من يقوم بهذه المكاشفة اذا كان المثقف والاكاديمي وذوي الاختصاص لاهين بسارتر والحداثة ، يغذون نرجسيتهم على ( تخوتة ) مقهى الشابندر ........ ؟ وبعد هذا كله ما قيمة رحيل صدام اذا كان كل واحد يحمل صداما بداخله ؟؟ ............... ألم يتسبب نظام صدام في تعميم أنماط معينة من السلوك ,ظلت سائدة حتى بعد أختفائه؟.............. كيف لنا أن نفسر كل عمليات السلب والنهب والخطف والقتل وتفشي الرشوة والمحسوبية على أعلى المستويات؟..... هل أستطاعت الأطراف المعارضة سابقا ،والتي بدأت تتولى المناصب الأن ,هل أستطاعت التخلص من أسر السلوك الصدامي أم أنها تكرره الأن بالتحيز للطائفة وتقريب الأهل والأحبة؟ ..... لماذا ظل أخيار صدام هم أخيار العهد الجديد.... ومقاولو صدام هم مقاولو أعادة الأعمار...... ومدراء صدام هم أصحاب القول والفصل ؟ ..... بعدما نجحوا بركوب الموجة والأنتماء الى أحد أحزاب السوبر ستار....... وظل من همش في زمن صدام مهمشا يبحث عن لقمة العيش ؟
أية قيمة للحكم على صدام وأنت تواجهه كل يوم عشرات المرات مع الشرطي مع القاضي مع الطبيب أو سائق الأجرة ................. أليس من الأفضل مكاشفة الشعب العراقي بعلله وعيوبه بدلا من اللهجة التوافقية السائدة في وسائل اعلامنا بأننا شعب طيب وأن من يسرق ويقتل هو نفر ظال وأننا شعب عمره خمسة الأف سنة وأن أمهاتنا خير من يعد التشريب والباميا ؟ .............. مالذي حدث حقا ؟ كيف يستمتع انسان بلحن أغنية ومناظر الذبح سوية؟ مالذي حدث للنفس المطمئنة التي تمارس الطقوس الدينية اليوم حتى تسرق غدا ؟ كيف لك أن تكون مناضلا حين تكون بخيلا على مدينتك بحملة تنظيف ؟ مالذي جرى ؟ لسنا مؤهلين للاجابة على كل هذه الأسئلة , ولكنها محاولة للمكاشفة والمصارحة , محاولة لتجاوز الخوف والمجاملة................................................................................
يتعرض الانسان في ظل الأنظمة التسلطية الى نوع من المسخ والتشويه ..........هذا المسخ والتشويه يأتي من عدة روافد من الضغوط النفسية الهائلة التي يتعرض لها المواطن في ظل الأنظمة الدكتاتورية ............. الخوف من المرض من البطالة من الشرطي .... كل هذه وغيرها ضغوط نفسية يتعرض لها المواطن بشكل يومي متواصل, هذه الضغوط تأخذ شكلا تراتيبيا,من فوق الى أسفل ،رأس الهرم يضغط ويضطهد الوزير, الوزير يضغط على المدير العام , المدير على الموظف ...... سلسلة من الأضطهاد والأستعباد تلف نسيج المجتمع بشكل درامي حتى نصل الى أضعف حلقة في هذه السلسلة المواطن البسيط الذي لا يجد,ربما, أحدا يضطهدة ويفرغ علية الامه المكبوته غير أفراد اسرته...............
كيف سيتعامل الناس مع هذه الضغوط , في ظل الدكتاتورية ,وبعد زوالها......... هذا ما أبدع د. مصطفى حجازي في وصفه.
في ظل الكتاتورية
طالما الدكتاتور في سدة الحكم يعمد قسم من الناس الى الأنكفاء نحو الذات والأبتعاد عن السلطة ورموزها .... اللهم أبعدنا عن الحاكم والحكيم.... بهذا الدعاء يبدأ يومهم وينتهي...........
بينما يميل أغلب الناس الى التماهي وتقليد الحاكم في أسلوب معيشته وكلامه والفاظه وحتى طريقة مشيته..... مظاهر التماهي متعدده ومجالاته متنوعة نجدها لدى كل من سنحت لديه الفرصة كي يمارس سلطة على أناس دونه أو أضعف منه وهي في أبسط مظاهرها تبدأ بذلك التعالي الذي يمارسه الفقير تجاه الأفقر منه والبائس تجاه من هو أشد بؤسا. على مستوى الأدارة نجد الموظف يتعالى على من هم دونه وعلى الناس, الخدمات التي يقدمها الى المواطن تعتبر منة وليس واجبا تمليه عليه وظيفته , على مستوى ممارسة السلطة ( الشرطة والأمن ) يتخذ تقليد الحاكم أفصح صوره............ الشرطي يتعالى ويشتط على المواطن البائس بينما يرضخ لصاحب الجاه............. يتحول الشرطي الذي كان مستضعفا ومقهورا قبل دخوله سلك الشرطة من انسان مهدد الى انسان مستبد يصب كل حقده المتراكم على الناس المستضعفين في حالة تامة من التنكر لأنتمائه الأصلي أنه يفرض القهر ويمارس المهانة بنفس القدر الذي عانى منه سابقا.............التماهي مع الدكتاتور يمتد الى الملبس وطريقة المشي حتى لهجة الدكتاتور تعمم هكذا لأن صدام يقول (عجل) أضاف الكثيرون لفظة عجل الى مفرداتهم ..... ولأن خطاب الدكتاتور كذب ونفاق ووعود معسولة بالتقدم والرفاه والعزة والكرامة .... الدكتاتور يكذب والجماهير تكذب وتخادع حين تدعي الولاء والاخلاص.... الكذب المتبادل بين الحاكم والمواطن يعمم على كل العلاقات ,كذب في الحب والزواج ، كذب في الصداقة .... في ادعاء الرجولة ....في المعرفة .... كذب في الايمان .
مثل ما يكذب المسوؤل على المواطن ,يكذب رجل الشرطي حين يدعي حرصه على تطبيق النظام ومثلهم يكذب التاجر على الزبون فتتحول التجارة الى براعة وشطارة في الاستغلال................ هكذا يتحول عالم الديكتاتورية الى عالم زيف وتضليل ويصبح لزاما على كل واحد أن يلعب اللعبة وويل لذي النية الطيبة.
يتحول كل مواطن , حسب الفرصة المتاحة ,الى ديكتاتور صغير ..... في بيته في عمله في علاقاته ........... لم يعد هناك صدام واحد ، كل شخص يحمل في داخله صداما .
من رحم هذا النسيج المخلخل يلد المعارض ، ولطول الصراع مع الديكتاتورفأن المعارض (وبدون وعي) لا يجد أمامه نموذجا سلوكيا غير نموذج الدكتاتور وتجاوزاته العديدة لذلك نجده يكرر نفس علاقات التبعية والتزلف والتعالي والوساطة والتحيز للطائفة والعشيرة وذوي القربى.... أنه لا يكاد يقتنع في دخيلة نفسه بشعارات العدالة والمساواة والديمقراطية التي ينادي بها , نرى دليلا على ذلك في رغبة المعارض في أن يحيى حياة الديكتاتور من حيث الترف ومظاهر الوجاهة ووسائل الرفاه كلما سنحت الفرصة لذلك. حتى مكاتب الأحزاب هي نسخ معدلة لمكاتب حزب البعث ، ومثلما كان المواطن يمر بمكاتب حزب البعث خائفا , يمر الأن بمكاتب الأحزاب وكأنها سفارات أجنبية لا تعنيه من قريب أو بعيد..... ولو كانت هذه الأحزاب قريبة من المواطن بعيدة عن الشعارت وقامت مثلا بحملات تنظيف أو حملات لتنظيم المرور أو غير ذلك لوجدت نفسها في حال أفضل ولتقلصت الهوة التي تفصلها عن الناس.
أن شيوع التماهي (التقليد) بالمتسلط سلوكيا ونفسيا يحمل أشد الأخطار على عملية التغير الأجتماعي , أنه ايديولوجية مضادة تماما ، فبدلا من تقويض العلاقات السابقة ( السيد ـ التابع) واحلال الأخاء نلاحظ بروز سادة جدد ومتسلطين جدد.....................
في غياب الدكتاتورية
لحظة سقوط الدكتاتورية ، ستشهد تفجرا مذهلا للعدوانية المتراكمة التي سبق الحديث عنها ويأخذ الأمر شكل الأستباحة الكاملة للممتلكات العامة وممتلكات الأخرين...........كل شيء ملك صدام , حين يهاجم ويخرب المواطن الممتلكات العامة فأنه يهاجم رموز المتسلط , المواطن في ظل التسلط يشعر بالغربة في بلده, فهو لا يملك شيئا , كل شيء هو ملك السلطة , حتى الخدمات اذا قدمت له تقدم كمنة أو فضل أو مكرمة ................ هل أحس المواطن في عهد صدام أن عمود الكهرباء أو الرصيف ملكه؟ في غياب السلطة يحس المواطن المقهور أن له الحق في التعويض عما أصابه من حيف مزمن..... أنه السلوك ذاته الذي كان يمارسه الدكتاتور وأعوانه من قبل .... أن بنية المجتمع في ظل الدكتاتورية تقوم أساسا على السلب والنهب .
لقد كشف سقوط الدكتاتورية عن عورات المجتمع والفرد والأحزاب والسياسات ....... دونما استثناء بل كشف عن عمق التشوه الذي أصاب المجتمع العراقي.... كنا نمتلك أخلاقيات محددة , سائق الأجرة, التاجر , الموظف .... لكل من هؤلاء وغيرهم كانت هناك أخلاقية وطريقة معينة للتعامل مع المواطن ............ هذه الأخلاقيات لم يعد لها وجود...... الأخلاق الصدامية هي الشائعة كل حسب موقعه .
نحن هنا لا نريد أن نطلق أحكاما نهائية ، ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر أننا ازاء شخصية عراقية انتهازية , وصولية ، قاسية , عنيفة , أنانية , مرعوبة وقصيرة النظر........... هذه حقيقة تتطلب الرجوع الى علي الوردي , تتطلب من الكتاب والباحثين ترك أبراجهم العاجية........... تتطلب من وسائل الاعلام والفضائيات التي تتحدث بنكهة عراقية خصوصا مكاشفة ومصارحة المواطن بحقيقة ما يعانيه وأن تبتعد عن المجاملة
سوف لن يمثل هذا أية اساءة للكبرياء الوطنية بقدر ما يمثل محاولة لوضع اليد على الجرح لعلنا نشفى.......................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التجسس.. هل يقوض العلاقات الألمانية الصينية؟ | المسائية


.. دارمانان يؤكد من الرباط تعزيز تعاون فرنسا والمغرب في مكافحة




.. الجيش الأمريكي يُجري أول قتال جوي مباشر بين ذكاء اصطناعي وطي


.. تايلاند -تغرق- بالنفايات البلاستيكية الأجنبية.. هل ستبقى -سل




.. -أزمة الجوع- مستمرة في غزة.. مساعدات شحيحة ولا أمل في الأفق