الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لسان المأمون المقطوع!

متعب عالي القرني

2010 / 10 / 16
التربية والتعليم والبحث العلمي


"Anda tidak tahu" أو "Иоу дон т кнов" أو "Hindi mo alam" أو "Du kender ikke" أو Ти не знаеш”" أو "คุณไม่ทราบ" أو "Þú veist ekki" أو "Neviete" أو "Nem tudom" أو "لا تعرف"، أستخدمتُ الملايوية، فلم تفهم، ثم الصربية، فلم تفهم، ثم الفلبينية، ثم الهولندية، ثم المقدونية، ثم التايلدنية، ثم الآيسلندية، ثم السلوفاكية، ومع ذلك لم تفهم ما قلت حتى بلغتَ جملة "لا تعرف!"، نعم، فأنت لا تعرف، فلو عرفت لما احتجت لتهجئة وقراءة وتأمل العبارات السالفة ذات الرطانة والغموض، فكنتَ جاهلاً لخمسِ ثوانٍ، لا تتحرك لك خلايا دماغ ولا فصوصِ نخاع إلى أن قرأت عبارة "لا تعرف!" أليس ذلك حريٌ بالتساؤل والتحقيق والتأمل؟؟؟؟ فكم يا ترى من اللغات تمجها الفضائيات والصحف ووسائل الأعلام علينا ليل نهار ولا نفهم ما ترمي إليه؟ وكم من الكتب والمجلات العلمية والمصنفات والمجلدات التي كُتبت باللغات الأخرى فلم نقرأها بل لم نقرُّ لها بوجود. قد يتعجبُ البعض إن ساررته بأنني لا أعلم كذلك ما إذا كانت الجمل السابقة صحيحة أم خاطئة فهي مخاص ترجمة قوقل المتطورة، والمترجمون يدركون مرامي حديثي فهم محيطونُ بما عودتهم عليه برامج الترجمة الالكترونية. على كل حال، لم أعترف بذلك لتتربصوا بأخطاء الجمل وتصويبها، إنما فعلتُ ذلك لأنصبها إشارة ودلالة على أننا جميعاً وقعنا في ذات الخطأ بسبب عدم المقدرة على ترجمة لغات متفرقة. فلماذا لا نهتم بالترجمة إلى يومنا الحالي؟

بدأ الإهتمامُ بالترجمة والنقل النصوصي مع إختلاف وتباين الثقافات والحضارات منذ القدم؛ ففيما يكتسب الإنسان البسيط معرفته ومعلوماته من مصدرٍ وحيد تمثّل في مجتمعه، كانت التضاريس الوعرة الجرداء تحول بينه وبين استقاء بياناتِ أناسٍ آخرين لهم ثقافات مختلفة تماماً عن ثقافته. وبإنفجار الثورة الإعلامية التي نشهدها اليوم بشكل إسفافي مفرط، بدأت الفضائيات والمكتبات والمواقع الالكترونية تسكبُ علينا فوائدَ وآراء وقراءات جديدة لم نبلغها بعد، ولربما تتضمن تلك القراءات بلسم أمراضنا وأفكارنا، فكم في هذا العالم من عقلية تحليلية ومكينة تفصيلية لا تعمل إلا في إطار لغتها ولهجتها، ومتى ما خرجت عن ذلك الإطار وجدت نفسها كسيحة ليس بمقدورها استقبال وإيصال رسالة. ففي السابق وفي العصر العباسي بالتحديد، فطن الخليفة المأمون لتوفير بيئة ومناخ متكاملين لتلك العقلية رجاءَ أن تعمل وتتنج، فكان مما أدرك تباين الألسنة وجدوى الفلسفات الغربية والشرقية التي تضمرها تلك الألسن، فقام بإدخالها وليّها في نطاق مجتمعه الذي شرع في تأصيل إطروحاتٍ قد تأسست ونمت في ثقافةِ غيره وهو لايعلم. فبدأت جامعة "بيت الحكمة" باستقطاب وترجمة النصوص الإغريقية والفارسية التي تخص الرياضيات وعلوم الفلك، بَلْهَ عن بعض العلوم الأخرى كالكيمياء والفيزياء والطب وغيرها. فكان مما كان من المترجمين حنين بن أسحاق العبادي، وثابتُ بن قرّة الحرّاني، ممن كان يحتضنهم المأمون ويحتفي بعطائهم الثقافي الذي يقدماه للمجتمع. فكانت هذة الحفاوة والتكريم موقد حماسة ونشاط، جعل الجميع يتجه ويتقد لنيل ما ناله هذان المترجمان. فبدأت الترجمات تتلو بعضها بعضا وزاد عدد المترجمين، فانبثقت بهذة الثورة العلوم والدراسات والابتكارات والاكتشافات الإسلامية لأول مرة في التاريخ الإسلامي، وبلغت أوجها وقمتها، إلى أن أصبحت بغداد موئلاً للنقاش العلمي، ومنارة للتطارح الفلسفي.

ورغم أن كثيرُ من المهتمين بعلو كعب الأمة ونهضتها قد بذل جهده ووقته في تحسين مقاييس الأمة، إلا أن هذا البذل والعطاء قد اقتصر على إعادة الأمة فكرياً وثيولوجياً، بعيداً عن النهضة الصناعية والعلمية التي نمت بالمجتمعات الغربية. فكان على سبيل التمثيل من خيرات هؤلاء المهتمين ما سُكب على مشاريعٍ معتادة غير متجددة، كبناء المساجد وإعداد حلقات التحفيظ، وتمويل المخيمات الإسلامية، وفتح دور للإفتاء والتوجيه الديني، وإنشاء مقرات ومؤتمرات للأمة الإسلامية، رغم أن ما سبق قد غصت به البلاد الإسلامية جمعاء وصار سمتها وميزتها. فلم يراع في ذلك التوزيع الثقافي العلمي، فكان نتيجة ذلك أن قطعنا لسان المأمون وداره الحكيمة، وبقينا على مدى خطوته اليتيمة من التطور، فلم نتقدم رجمة حجر ولم نزرع للحضارة المتكاملة بذوراً للمستقبل بشكل مرضٍ للجميع. ولو وجه ذات المهتمين نظرتهم على ما ابتدرنا به الله عز وجل من "إقرأ" و"‘ن، والقلم وما يسطرون" وتأملوا حال الجزيرة العربية قبل وبعد عبارة "إقرأ" لعلموا أن الأمة تنهض وتسود بنشر العلم بين الناس وترويجه، باختلاف اشكاله، وماليزيا شاهدةٌ على هكذا مآل! ولستُ بهذا النداء العلمي الترجمي أقصدُ الدينيَّ منه فحسب، إنما يتضمن ما ينتسب إليه من علومٍ صرفةٍ جديدة. ولو أن موسراً بلغت أمواله عنان السماء منح أمته ملياراً فقط، ثم أشار ببناء دار الحكمة الجديدة، واستقطاب وتوظيف آلالاف من المترجمين ودعمهم، لخلُصنا إلى نتاجِ ثقافي مترجم لأمهات الكتب الأجنبية ومصنفاتها والتي تترع بها الحضارات الأخرى، ولفتحنا معارض وندوات باسم الكتاب المترجم يسد حاجات القراء ويعود ريُّ ما يباع منه ويستهلك لتوفير ما يقيم الدارِ ويؤدمها على الدوام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جامعة كولومبيا تلغي حفل التخرج الرئيسي جراء الاحتجاجات المؤي


.. بالمسيرات وصواريخ الكاتيوشا.. حزب الله يعلن تنفيذ هجمات على




.. أسقط جيش الاحتلال الإسرائيلي عدداً كبيراً من مسيّراته خلال ح


.. أردوغان: سعداء لأن حركة حماس وافقت على وقف إطلاق النار وعلى




.. مشاهد من زاوية أخرى تظهر اقتحام دبابات للجيش الإسرائيلي معبر