الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤسسات العمل الاهلي في الوطن العربي

الفيتوري بن يونس

2010 / 10 / 16
المجتمع المدني


رغم إيماني الشديد بدور العمل الأهلي أو ما درج على تسميته مؤخرا العمل المدني ومؤسساته في بناء المجتمع ، إلا أنني نأيت بنفسي عن الانخراط فيما سمى بمؤسساته اتساقا مع إيماني الشديد أيضا وللأسف الشديد بعدم قدرة هذه المؤسسات في عالمنا العربي على أن تؤدي دورها في ظل فكر يقوم على هيمنة الدولة على كل شأن من شئون الناس وهي معذورة في ذلك إذ أنها سليلة تراث لا يعترف أصلا بالإنسان كمواطن بل مجرد رعية من رعايا الراعي الذي هو أمير المؤمنين الذي يستمد سلطته من الله مباشرة (( ما كنت لأخلع ثوبا ألبسني الله إياه )) وليس لهؤلاء الرعية إلا أن يسمعوا ويطيعوا و إلا فالعصا لمن عصا ويرضوا بما يمن به عليهم فحقوقهم مجرد منن منه ،
وطبيعي أن تصدم نظرية العقد الاجتماعي التي تنقل الإنسان من خانة الرعية الناطقة إلى خانة الراعي المتمثل في المواطن الذي يتعاقد وبقية المواطنين بملء إراداتهم على إنشاء كيان يسير ما لا يستطيعون كمواطنين أن يسيروه من أمورهم هو الدولة مقابل النزول عن بعض الحقوق لهذا الكيان وبالقدر الكافي لقيامه ولكن العرب الذين هزمهم الإسلام ونجحوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في توظيفه لتكريس سلطتهم المطلقة تماشيا مع مثلهم الذي مؤداه قبل اليد التي لا تستطيع عضها لم يعجزوا عن فعل الشيء ذاته مع العقد الاجتماعي فشطبوا كلمة رعية لتحل محلها أينما ما وردت كلمة مواطن دون أن يعني ذلك أكثر من إحلال كلمة مكان أخرى .
ولان العمل الأهلي عمل يقوم على روح المبادرة والعطاء تطوعا إلى جانب مؤسسات الدولة الرسمية في البيئة التي ولد فيها كإفراز طبيعي للعقد الاجتماعي كان من الطبيعي أن يكون المتصدي له أولا مواطنا – راع – لا مجرد رعية وثانيا أن هذا المواطن يؤمن بأنه يمارس حقا لا تملك الدولة أن تتدخل في ممارسته له باعتباره ليس من الحقوق التي تنازل عنها عقديا وثالثا وفي غير ما تناقض يرقى هذا الحق في وجدان هذا المواطن إلى مرتبة الواجب الملزم .
من هنا كان العمل الأهلي في عالمنا العربي لا اكتفي بالقول انه نبتة زرعت في غير تربتها بل زرعت في غير ما تربة على الإطلاق ، فالمتصدي - المواطن الراعي - لا يوجد إلا على ورق الدساتير ، أما واقعا فليس إلا مجرد رعية بلا حقوق أصلا ، فكيف يمارس ما لا يملك ، أما الحق فليس إلا تكرمة من مولاه أمير المؤمنين ، هذه الرعية السائمة واجباته كلها اتجاه هذا الأمير وبالتالي هو أطال الله بقاءه من يحدد كيف وأين ومتى تؤدى وعلى سبيل السخرة أحيانا .
من جانب آخر وفي ثقافة كهذه لا تعرف معني الحرية والمبادرة تختلط لديها المفاهيم ، فتتحول الحرية التي يتطلبها العمل الأهلي إلى نوع من الفوضى ، بل وتمثل نوعا من التحدي لسلطة الدولة ، التي تجد نفسها مضطرة بتراثها السلطوي لكبح جماح هذه المؤسسات المهددة لكيانها السالبة لسلطتها ، وهو تصرف استطيع تفهم دواعيه في ظل الخلط والتداخل بين واجبات الدولة وواجبات المواطن
أضف إلى ذلك إن القائمين على هذه المؤسسات باعتبارهم سليلي ثقافة النفي والتسلط كثيرا ما ينزعون إلى تقمص التسلط ويكون حراكهم إشباعا لشهوتهم للسلطة .
الأمر الذي يجعلني اخلص إلى القول بأنني في ظل ثقافة أو وضع كهذه رأيت – وقد أكون مخطئا – أن أيا من مؤسسات المجتمع المدني في عالمنا العربي لا تعدو أن تكون جزء من ديكورا مسرحية عبثية أو عظمة يلقي بها الحاكم مستمتعا بتقاتل رعاياه عليها داخل حلبة لا يسمح بالخروج منها متلذذا بصراعهم من جهة
ومع هذا كنت من جهة أخرى اشد على أيدي من يحاولون عمل شيء لإضفاء الجدوى على هذا المسرح أو فتح كوة في جدران هذه الحلبة وبالتالي لا يمكن أن امسح بجرة قلم ما حققته هذه المؤسسات من انجازات في الحيز التي سمح لها بالحركة فيه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في


.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال




.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال


.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار




.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم