الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علم و مواطنة : تأملات حول العدالة و القانون

محمد حمزة

2010 / 10 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


السؤال هو إلى أي حد نكون مجبرين على الخضوع لنظام غير عادل؟
القانون هو مجموعة من القواعد التي تحدد العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع.داخل عالم الحيوان هذه العلاقات هي بالضرورة علاقات قوة؛ قوة بدنية أو قوة التخويف و الإرهاب.إن ترسيخ مجتمع إنساني يقول المفكر " البيرحاكار" يتطلب أن نحل محل علائق القوة البدنية و قوة الإرهاب.باكراهات يناقشها و يقبلها الجميع، و يخضع لها الجميع بمحض الإرادة. لأن الكل فهم أن هذه الإكراهات هي مشدد corset الحرية.
اللجوء إلى العنف هو إتباث حال أن قواعد القانون هي عديمة التأثير، هذا الإتباث هو المأساة الأكبر التي يمكن أن يعرفها مجتمع. يقول البيرجاكار إن الإستسلام ولو بشكل مؤقت للعنف هو قبول لمجتمع تخلي عن ماهيته: تنظيم الروابط بين الذين يشكلونه. فليس هناك مجتمع بدون قانون و بدون قانون فلا وجود إلا تكديس للأشخاص بدون تفاعلات إلا التي تتار من الخاصيات البيولوجية للأشخاص. و في هذه الحالة فمجموعهم ليس إلا حشد foule. لكن مع القانون، هذه التفاعلات تترسخ بين الناس وقتئد يظهر الشعب.
و هكذا يجب على كل مجتمع أن يختار بوضوح الطابع الذي يمكن من فض النزاعات. و فأحيانا يكون "قانون الغاب" "le droit du plus fort" كأن تكون هذه القوة، قوة العضلات أو الذكاء أو الثروة.
يمكن أن يكون أيضا القوانين الأساسية التي يتأسس منها المجتمع : الدستور.
فاستعمال هذا الأخير لتبرير الأعمال المنافية للدستور هي أشنع الخيانات يقول "البيرجاكار" و يضيف الكاتب أن هذا يقع في بعض الديمقراطيات رسما تحكم من طرف ممثلي الشعب، لما يمارس الحكم لصالح بعض القوى.
القوانين الجوهرية كانت في البداية التي تضمن الحياة البيولوجية كالطعام و الطاقة... و كلما تمكن المجتمع بواسطة العمل و المعرفة من الحصول على موارد إضافية، فإنه ينتقل من حقوقه الأشخاص droit des individus إلى حقوقه الأفراد droits des personne الحق في التعليم، في الصحة، في العدالة، في السكن اللائق ...إلخ
فاللائحة غير محصورة و ليست نهائية، كلما كان بإمكاننا أن ننتج ثروات جديدة، نتصور احتياجات جديدة. لكن لا يجب أن نخلط بين عدم المساواة inégalité و الظلم l’injustice. عدم المساواة الناتجة عن الطبيعة كعدم المساواة الجينية فهي ليست لا عادلة و لا ظالمة، بل هي جزء من التنوع الإنساني. فلا يجب أن ننسى أن ضد "تساوي" "égale" ليست "أعلى" أو "أدنى" بل "مختلف" فليس هناك ظلم لما يكون الواحد منا قصير أو طويل. الظلم يظهر لما تعطي المجتمعات جزافيا وضعا أحسن لهذا أو ذاك.
القانون يجب أن يصنعه الجميع و بالجميع، بترسيخ قواعد قانونية ( انتخابات، تفويض للحكم،...إلخ) لإعطاء الكلمة لكل فرد في المجتمع. فعلينا أن نقرر معا ما يجب فعله و ما لا يجب فعله.
في الواقع، إن نفي حقوق المرأة ليس نتاج لتمثل ما للمرأة من الطبيعة، بل بالعكس إنها الرغبة لتبرير المصير الذي فرض عليها هو الذي أدى إلى منحها هذه "الطبيعة" يقول المفكر البيرجاكار على المجتمع أن يعمل على فرض احترام القانون، لكن لا يمكنه أن يفرض فعل يعتبره البعض و يصفه شخصية منافي لأخلاقه.
بصفة عامة لا شيء يمكنه شرعا إكراهنا على ارتكاب ما نعتقده كظالم. أما القانون الذي يكرهنا على هذا، يجب مواجهته لتغييره.
فالعدل هو بناء غير مكتمل و بدون نهاية، ففي كل لحظة يجب تطويره ، لكن يجب العمل على أن نقترب من هذا الكمال، فهي إذن "إيتوبيا".
هذه الإيتوبيا كصرح إنساني لن ننتقل إلا عبر التربية و التعليم. بالضبط فهذه الحاجة للعدل هي التي يجب تعليمها للجميع و باكرا الوسائل اللازمة لتعليم العدل نبقى شأن أهل الحرفة، و تعليمها يتوجه إلى حرفيو القانون.
و بما أن القانون يفترض بعض السلوكات التي تنسجم ضروريا مع العقوبات الموجهة لكل الذين يتجاوزون هاته هذه العقوبات يجب أن تكون أولا بيداغوجية. بمعنى العمل على فهم الضرورة الجماعية لفهم المسطرة .
يجب قبول القانون بالانخراط فيه بدل القبول بالخوف، فالخوف يحضر للانتهاكات المستقبلية. إن القمع الأعمى نشر الميل إلى الإجرام.
إن مجتمع العدالة و القانون هو المجتمع الديمقراطي، فقاعدة الحقوق و الواجبات التي ينتجها المجتمع الديمقراطي، فقاعدة الحقوق و الواجبات التي ينتجها المجتمع الديمقراطي هي قاعدة الفاعلية المجتمعية التي تنتج التناغم و التطور، فلا يمكن تصور فاعلية مجتمعية حقيقية مع غياب الحقوق و مصادرتها تحت وطأة الاستبداد، فالمنظومة القانونية التي تنتجها الديمقراطية على قواعد النظام و القانون و المساواة و الحرية و المشاركة هي ذاتها مقومات المواطنة الفعالة و الواعدة بالتجدد و الاندماج.
إن الإندماج الصميمي بالدولة لا ينبثق عن تعاقد سياسي ترتضيه الجماعة السياسية المكونة للدولة فحسب، بل هو أيضا رهن الالتزامات الدستورية و القانونية التي تلتزم الدولة بكافة مقوماتها الطبيعية، و في مقدمة الالتزامات حماية الحقوق الانسانية و تجدر المؤسسات الراعية لكل المواطنين فإذا ما تخلفت الدولة عن الالتزام بمنظومة الحقوق تجاه مواطنيها فلا تلبث تتحول إلى قيد و أسر.
لتفقد الدولة بعدها المبرر الموضوعي لوجودها أصلا.
فكلما كان رابط المواطنة فعالا و حقيقيا و متمرسا كلما أنتج الجوهر المتطور و الفعال و المتجدر الذي نسميه الدولة. فلن يتم إنتاج هذا الجوهر إلا من خلال الديمقراطية التي تقر و تفرز حاكمية القانون و سيادة المؤسسات الدستورية على أرضية الحرية و المساواة و التكافؤ. و من هنا كانت الدولة الديمقراطية منتجة للمواطنة لأنها تقوم على قوة و سيادة قوانينها و مؤسساتها، و قوة مجتمعها و فاعليته و حركيته، و ينفي مطلة الاستبداد عنه، و بإضعاف قبضة الحكومة عليه لضمان خلق حركية الإبداع و التطور المجتمعي الذاتي.
فالأصل في القانون هو الحرية، فإذا سلمنا أن القانون هو معنى الدولة أو ماهيتها فضمور سيادة القانون هو ضمور المعنى. إن غياب سيادة القانون هو المدخل للاحتكار الفعال للثروة و السلطة و القوة و أساس الفساد السياسي و الإداري و الاقتصادي و الأخلاقي، و فساد التربية و التعليم و القضاء. و أساس تردي المستوى المعاشي لأكثرية الشعب و أساس إهدار الحقوق و الحريات.
إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، قد أعطى لمبدأ سيادة القانون صفة قانونية دولية.
و لضمان تحقيق سيادة القانون يجب أن يقيد الدستور سلطة الدولة، و يضع الضمانات اللازمة لخضوعها للدستور و للقانون و توفير الشروط الأساسية لمجتمع يقوم على سيادة القانون.
إن ترسيخ رابطة القانون هي تحرير المؤسسات من خدمة الفكر السلطوي الجامد بالضرورة و المدعوم بقوة المحافظة التقليدية و التي ترى في التطور انهيار لمصالحها و لمقومات وجودها.
بناءا على ما سبق نصل إلى استنتاج معقول و هو أن سيادة القانون لا تتم إلا في النظام الديمقراطي و الذي بدوره لا يمكنه أن يسود إلا إذا توفرت سيادة القانون كواحدة من أركانه الأساسية، أي أن هنالك إعادة تغذية متبادلة بين الاثنين. فما هي الشروط و الميزات التي يجب أن تتوفر في النظام السياسي حتى يكون ديمقراطيا و حتى يباح الحديث عن ريادة القانون بمفهومه الجوهري؟
الفصل بين السلطات - استقلال القضاء - احترام حقوق الإنسان - حكم الشعب –ا لمساواة بين الجميع - الحرية الفكرية - الشفافية و النزاهة في الحكم - السيطرة الشعبية - حرية الرأي و الصحافة - عدم عسكرة المجتمع - التنظيم الديمقراطي للإدارة - إعمال مبدأ حيادة الإدارة-إعمال مبدأ الشرعية و المشروعية - إعمال مبدأ تدرج الأعمال القانونية - إعمال مبدأ العدالة الاجتماعية.
فهناك ارتباط وثيق بين استقلال القضاء و سيادة القانون لأن عدم خضوع القضاة فيما يصدرونه من أحكام لأي سلطة أخرى، و حصانتهم في مواجهة أي نوع من الضغوط،، و تقيدهم بما تمليه عليهم ضمائرهم في تطبيق المقتضيات القانونية، هو الضمانة الساسية لترجمة مبدأ سيادة القانون على أرض الواقع. فإذا كان العدل أساس الحكم، فإن استقلال القضاء هو أساس العدل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران