الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد أفراغه من يهوده العراق بلا مسيحيين

محمد خضير عباس

2010 / 10 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



أسهم المسيحيون العراقيون قديما في صناعة التاريخ الثقافي والحضاري العراقي وليس من السهولة ان يقارن المسيحيون في العراق بأقليات أخرى لم تترك أثرا في الحياة العامة في المجتمع العراقي فالأقلية من حيث العدد تختلف عن الأقلية من حيث الإسهام والانجاز والإبداع الثقافي وقد برزت أهميتهم في مجالات ما كانت الأكثرية تجيدها ( المسلمين ) وكان ذلك في بداية الدولة الإسلامية عندما جاء العرب المسلمين الى ما يسمى اليوم بالعراق أيام الخلافة الراشدية والذي كان نصف سكانه مسيحيين تقريبا وكانوا يتكلمون باللغة السريانية ثم انتشرت اللغة العربية ( لغة القران الكريم ) بسرعة في البلدان التي فتحها ( احتلها ) المسلمون وكتحصيل حاصل ونتيجة لهذا التغير الذي حصل اضطر المسيحيين الى استخدام اللغة العربية في جميع معاملاتهم في حين بقية اللغة السريانية لغة الأدب والطقوس الدينية .وفي عهد الخلافة العباسية وبناء عاصمتها مدينة بغداد عام 762 م أسهم المسيحيون إسهاما واسعا في الرصيد الحضاري للدولة الإسلامية وتقلد الكثير منهم مناصب كبيرة في دواوين الخلافة وشكلوا حالة متميزة في تاريخ التفاعل الثقافي في العالم المعروف آنذاك ولم يكن المسيحيون مجرد قلة تعيش بين المسلمين بل كانوا عنصر إبداع حقيقي نتيجة لاجادتهم الكثير من أللغات الأجنبية فقد برعوا بفن الترجمة وأضافوا الى ما نقلوه من معارف وخبرات ورفدوا العرب والمسلمين بكل نافع من العلوم المختلفة حيث برع المسيحيون في علم اللاهوت والفلسفة والمنطق والطبيعة والرياضيات وعلم الفلك والطب والفيزياء والكيمياء والهندسة والبناء والموسيقى والآداب والزراعة والتجارة . وأفاد العرب من معطيات هذا الإرث الحضاري في تقدم الحضارة الإسلامية آنذاك .وللمسيحيين في النهضة العربية الحديثة اثر فعال وإسهامات مهمة لا سيما في العراق قادها أدباء وسياسيين من أمثال الأب الانستاس الكرملي وروفائيل بطي وتوفيق السمعاني وال جبران ويوسف غنيمة وحنة خياط وغيرهم الكثير . وفي الوقت الحاضر يبلغ عدد المسيحيين العراقيين قبل الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 حوالي مليون نسمة في بلد يبلغ تعداده 30 مليون نسمة اغلبهم من المسلمين وفق إحصائية غير رسمية ووجد المسيحيين العراقيين أنفسهم داخل نار الفتنة الطائفية التي خلقها المحتل الأمريكي هذه الفتنة التي دقت ناقوس خطر انقراض هذا المكون الأساسي في العراق بعد ان تم تصفية المكون اليهودي منه في مؤامرة دولية معروفة قادتها الصهيونية العالمية بالتعاون مع الحكام المحليين الخونة بعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 . لقد فقد المسيحيين العراقيين الأمل في العيش بسلام في بلدهم ولم يكن لهم خيار سوا الهجرة في حالة الإبقاء على حياتهم ووصف بابا لفاتيكان الحالي حالة مئات الألوف من المسيحيين في العراق بأنهم الأقلية الدينية الأكثر
ضعفا فيه وذلك في مناشدة من اجل تحسين الحالة الأمنية فيه وأدت إعمال العنف وحالة انعدام الأمن الطويلة الأمد التي سادت بعد الحرب الى إخافة المسيحيين الذين يشعر الكثير منهم بأنهم لا مستقبل لهم بالعراق وقد قدرت منظمة كاريتاس عدد المواطنين المسيحيين الذين غادروا العراق منذ غزو القوات الأمريكية له حتى ألان 600000 فرد ويغادر البلاد في الوقت الحالي المزيد من المسيحيين على الرغم من تراجع حدة العنف بشكل عام في الأعوام الثلاثة الأخيرة وانحسار أراقة الدماء بين الأغلبية الشيعية والأقلية السنية التي كانت تحكم البلاد فيما سبق .يواجه مسيحيو العراق اليوم وضعا صعبا للغاية مع استمرار الحكومة في بغداد عدم قدرتها على حمايتهم وعدم بذل المساعي للكشف عن ملابسات جرائم القتل التي يتعرضون لها ولم يتضح لحد الان ما اذا كانت الهجمات التي تستهدفهم بسبب دينهم او بسبب انتمائهم السياسي او لأسباب أخرى وقد كثرت السيناريوهات التي نشرتها وسائل الإعلام الغربية والمحلية حول أسباب استهدافهم فمنهم من قال ان المسيحيين العراقيين يريدون إنشاء دولة دينية او حكم ذاتي خاص بهم وبمساعدة القوات الأمريكية خاصتا وان العراق يتمتع حاليا بدستور يتيح للأقليات التمتع بالكثر من الحقوق والحريات مما اثار حفيظة التنظيمات الإسلامية المتشددة التي أدت الى مهاجمتهم وتهجيرهم والسيناريو الأخر المطروح يدعو الى تهجير المسيحيين من سهل الموصل الذي يتواجدون فيه بكثرة والذي هو يحاذي أراضي إقليم كردستان بغية ضمه الى حدود الإقليم مستقبلا والسيناريو الأكثر غرابة يدعو الى إفراغ منطقة بلاد الشام كلها وليس العراق وحده من المكون المسيحي حيث يتعرض المسيحيين في كل من فلسطين وسوريا والأردن ولبنان ومصر إلى ضغوط ومضايقات ومعاملة تعسفية من قبل حكومات هذه الدول او من قبل المؤسسات الإسلامية والتيارات المتشددة والمتنفذة بغية إفراغ المنطقة منهم وتهيئة الساحة لحرب صليبية جديدة بشر بها الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن والتي ستدور رحاها في منطقة الشرق الأوسط . ان المسيحيين في العراق لهم جذور عميقة في التاريخ وهم متساوين مع اقرأنهم العراقيين في الديانات الأخرى وكما جاء في الدستور العراقي النافذ في الباب الأول المادة ثانيا التي تنص على ( يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي كما يضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الإفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والايزيديين والصابئة المندائيين ) . ان المكون المسيحي يمثل شريحة مهمة جدا من شرائح المجتمع العراقي وكانت هذه الشريحة تعيش في امن وسلام تامين مع بقية شرائح المجتمع العراقي قبل الاحتلال الأمريكي وان استهدافه بالطريقة التي تمت أرسل رسالة سلبية واضحة للجهات الخارجية عن أوضاع المجتمع العراقي الذي يشير واقعه الى انه يعتز كثيرا بهذه الشريحة المهمة والتي برز منها رموز وشخصيات كبيرة في مجالات الأدب والفن والسياسة والثقافة والرياضة كما أسلفنا سابقا . ان هناك حملة مبرمجة لتفريغ العراق من المسيحيين خاصتا في المناطق الشمالية ان عملية التهجير لم تأتي فقط نتيجة الفراغ والتردي الأمني بل جاءت خطة مدروسة من بعض الجهات المرتبطة بأجندات أجنبية بدأت بشكل منظم منذ عام 2004 وما زالت مستمرة لحد الان شملت بدايتا محافظة البصرة مرورا بالعاصمة بغداد ووصولا الى معقلهم الأخير في محافظة الموصل وسهولها وأخيرا اذا كتب لمخطط تهجير المسيحيين خارج بلدهم النجاح لا سامح الله فأننا سوف نخسر المكون الثاني من مكونات المجتمع العراقي بعد ان فقدنا المكون اليهودي في منتصف القرن الماضي وبذلك سوف نخسر من يمثل بناة حضارتنا العريقة التي نباهي بها الأمم والتي يناهز عمرها 4000 سنة قبل الميلاد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اضافة
سمير عبد الاحد ( 2010 / 10 / 18 - 17:15 )
تحية كريمة . اود ان اضيف الى ما ورد في مقالك القيم (من ان العراقيون كانوا يتكلمون السريانية). في الحقيقة يا سيدي ان اللغة العربية كانت محكية في العراق بصوة واسعة , بل انها كانت تكتب بالحرف الآرامي وتسمى الكرشونية . فقط اذكرك ياعزيزي ان دولتي المناذرة والحضر كانتا عربيتان , كما ان القبائل العربية كانت متواجدة على ارض العراق قبل ذلك بكثير . ارجو ان تتقبل مني هذه الاضافة . مع التقدير


2 - اضافة ثانية
ناصر عمار ( 2010 / 10 / 18 - 18:01 )
سبب معاناة المسيحيين العراقيين هو التدخل الامريكي في العراق عبر ماسمي بالفوضى الخلاقة او الهلاكة مما تسبب في هجرة المسيحيين واما هجرة يهود العراق فوراءها الموساد الصهيوني واعما ل الارهاب وسماسرة السياسيين العراقيين


3 - باركك الله
ELIAS ASHOR ( 2010 / 10 / 18 - 19:30 )
استاذ محمد
باركك الله. إنك إنسان بكل معنى الكلمة. إن رواد القومية العربية في القرن التاسع عشر وبداية العشرين أغلبهم مسيحيون. كما أن المسيحيين في الشرق الأوسط ساهموا كثيرا في تقدم الشرق


4 - الموزائيك العراقي إلى التلاشي
عبد الرسول الحيدر ( 2010 / 10 / 18 - 19:54 )
نعم إنهم يسعون جادين لتغيير النسيج الأجتماعي العراقي ...وبعد المسيحيين سيكون دور التركمان وربما الأيزيديين وقد يكون الصابئة أو الشبك ولربما الشيعة ليعود العراق للصف العربي..مرحباً بالجرئة العراقية في الكتابة ...الكتابة فقط وبدون فعل...العراق سوف لن يبقى عراقاً بدون مفردات موزائيكه


5 - شكرا محمد خضير عباس
وليد حنا بيداويد ( 2010 / 10 / 18 - 20:06 )
شكرا لك على ماورد فى المقال ليس ماذكرته فحسب وانما لو بحث الانسان فى ارض العراق وسوريا والاردن وتركيا وفلسطين بشطريها لوجد التاريخ العظيم للذين شيدوا اولى الحضارات التى انارت دروب البشرية فى كل الاتجاهات والتقدم.لو زرنا المتاحف ليس فى العراق وحدها وانما فى المتاحف العالمية سوف لانجد الا الاثار الشاخصة لحضارة ابائى واجدادى العظام، فالموضوع ليس الاميركان وحدهم سبب هجرتنا وانما الايات القرانية التى تحلل ذبحنا كما تذبح الدجاجة ولذلك ان الديمقراطية والقران شيئان متناقضان حيث لا يعترف الاخير بحقوق الاخرين ويحلل قتلهم واغتصاب نسائهم وتوزيع ارثهم كغنائم للمسلمين مثلما يحدث فى جميع اجزاء العراق وها ان الدور قد وصل الى كوردستان التى تحاول حفنة من الخارجين عن القانون تعكير الاجواء وسط استقرار الاوضاع السياسية فى تلك المنطقة الامنة
انا اؤمن جدا بان الديمقراطية لا تنفع مع الشعوب المسلمة الا من خلال تطبيق احكام عرفية استثنائية على الدوام الى جانب التدريج المرحلى فى بناء الديموقراطية وبحذر شديد.
على السلطات رفع سيفها عاليا بوجه الخارجين وعدم ادخاله الى غمده فبالسيف يخرسون اؤلئك اللذين يستخدمونه


6 - العراق بلا هوية
احمد ياس ( 2010 / 10 / 18 - 20:58 )
اشكرك على هذا المقال وانا اعتقد انك مسلم الديانة ولكنك تشعر بمعاناة اخوانك من العراقيين المسيحيين وهذه هي المواطتة الحقيقية التي يجب على كل عراقي ان يتحلى بها باركك الله واحي فيك هذه المشاعر النبيلة وشكرا


7 - كل هذه التضحييات لم تشفع لهم
علي سهيل ( 2010 / 10 / 18 - 21:34 )
العرب المسيحيين ضحوا وقدموا الغالي والنفيس من اجل رفعة وتقدم امتهم العربية، قدموا قوافل الشهداء في معارك الحرية ضد الغزو الصليبي والفرنسي والانجليزي، وشيدوا الوطن بايديهم ولم يبخلوا بعقولهم من اجل ازدهار وطنهم، إن انتماؤهم واخلاصهم لامتهم العربية والاسلامية لمشهود لها من خلال مقابر شهدائهم التي تمتد على طول وعرض الوطن العربي، وكل هذه التضحيات والاخلاص والانتماء لعروبتهم لم تشفع لهم عند اخوتهم في الوطن بل يهاجمون ويقتلون ويذبحون كالنعاج على ايديهم وكل ذلك يتم بأسم الدين، ويستغل الدين الاسلامي ابشع استغلال بقتلهم وتهجيرهم ففي العراق وليس بالمدة الطويلة سوف نفتقد وجود المسيحيين كا في فلسطين بلد المسيح بدون مسيحيين فعددهم يتناقص كل يوم وتعدادهم اقل من الواحد بالالف، وعموما في بلاد الشام يتناقص تعدادهم وكل ذلك يتم وكان الامر لا يعني احد بل الكثيرون يعتقدون من خلال تناقصهم بأنه امر رباني بانتصار امة الاسلام على الكفرة والملحدين، ومع اسفي الشديد الكثير من علماء الدين الاسلامي يساعدون في تمادي العامة على اخوتهم المسيحيين، وكانهم يقدمون خدمة لخالقهم،بدلا من ان يكونوا عونا لبقائهم ودعم صمودهم


8 - القليل من الحقيقة لا يعني الحقيقة
كوريا الرابن ( 2010 / 10 / 18 - 22:14 )
السبب هو الدين الحنيف مع احترامي وتقبلي لمشاعر الكاتب والاخوة المعلقين. ما هو مصير ابناء الديانات الغير الاسلامية في البلدان العربية او الاسلامية!؟


9 - التدخل الاجنبي في العراق سبب نكبة المسيحيين
ناصر عمار ( 2010 / 10 / 19 - 01:47 )
ليست الصورة وردية تماما ثبت عبرالتاريخ تواطؤ بعض المسيحيين مع الغازي الاجنبي لديار الاسلام واستغلالهم لوجوده في الاساءة الى المقدسات الاسلامية والى قتل الاخر المسلم احيانا
من يقول ان الايات القرآنية تحلل قتل غير المسلم من غير سبب نطالبه بالدليل ونطالبه بوقائع ثابتة من التاريخ او يكون كذابا


10 - أدعاء باطل ...وأخفاء الحقيقة
أشـورية أفـرام ( 2010 / 10 / 19 - 10:06 )
ناصر عمار + الجهلة والمنافقين امثالك هم بكثرة وأسالك ما دليلك على أدعائك هذا.. وثانيا الغازي والمحتل أقصد الذين قدموا من شبه الجزيرة هم كانوا السبب الرئيسي لأدخال الغريب ديار المسيحيين المشرقيين لأنهم أصلأ منخوريين ومدودين من الداخل...ولو لم يكن الأنسان المسيحي أمامهم لذبحوا بعضهم بعضا كما نعيشه حاليا في العراق بين السنة والشيعة, وسابقا بين الأحزاب الكردية فيما بينهم وأيضا المسلمين العرب وصراعهم ضد الأكراد والعكس أيضا, وما عايشناه في الجزائر والذبائح بالملايين من البشر الأبرياء وأيضا كان بسبب الأرهاب الأسلأمي, وما نجده حاليا في اليمن وأفغانستان وباكستان وكذلك في السودان والصومال...وسابقا الذي عايشناه والحرب بين العراق وأيران ولمدة طويلة وملأيين القتلى...وغزو العراق للكويت ولولأ امريكا لكانت الكويت والخليج الفارسي كله اليوم في يد صدام حسين...واليوم الذي أدخل أمريكا هم أخوتك الشيعة وبعض من السنة من أضداد صدام حسين وطبعا أخوتك الأكراد أيضا...والجالس على أعلى المناصب في الحكومة العراقية هو الذي أدخل الغريب بلأدنا .والشعب الأصيل من الأشوريين والكلدان والسريان والصابئة واليزيدين قتلوا وهجروا


11 - اين هى ديار المسلمين
وليد حنا بيداويد ( 2010 / 10 / 19 - 16:10 )
لك تحية، لماذا فلسطين هى ديار المسلمين وليس لليهود ولماذا لا يعترف العرب بحق اليهود فيها فانهم شعب اصيل عاش على هذه الارض منذ الاف من السنين، فلماذا اذا وفق هذه النظرية بان مصر ليست دولة قبطية محتلة من العرب الغازون القادمون من الجزيرة العربية) متى كانت مصر دوله عربيه مثلما قال السادات يوم كان رئيسها) ومتى كانت العراق دولة اسلامية عبر تاريخها الطويل الا حينما جاء الغزاة العرب واحتلوها واعتبروها ارض اسلامية؟ اين اوجه المقارنة بين الاثنين يا ناصر، عليك ان تنصف عندما تريد ان تحكم بالعدل فليست مصر وسوريا والعراق ولبنان ارض اسلامية ولا المغرب وليبيا فانها ارض امازيغية لا علاقة للاسلام فيها يا ناصر
من ثم انا اطلب منك ان تاتينا باسم واحد كان عميلا للاجنبى وبعكسه انا اعدد نماذج من التاريخ والحاضر عملاء للاجنبى ولك تحية
[email protected]

اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah