الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمع المعرفة والعقل

صاحب الربيعي

2010 / 10 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا يمكن خلق فكرة جديدة من دون وجود مكونات مكتسبة من الماضي عنها، لأن خلقها لا يأتي من فراغ وإنما مستوحى من أفكار سابقة اكتسبها الفرد وجرى خزنها في ذاكرة عقله الواعي أو اللاواعي فيعمل على مزاوجتها لانتاج فكرة جديدة، وبذلك تكون مكوناتها الأساس مُعرفة عقلياً فيجري إدراكها بسهولة تبعاً لمستويات وعي الفرد.
إن الأفكار والمعلومات المجهولة في العلم لا يدركها العقل لكنه يسعى إلى إدراك مكوناتها الأولية ويجري خزنها في ذاكرة العقل الواعي أو ذاكرة العقل اللاواعي للبحث عن جذر مكوناتها ليدركها العقل فتصبح مُعرفة لديه. وعلى خلافه فإنها غير مُعرفة عقلياً أو لم تكتسب درجة المعرفة الكلية لأن مكوناتها مازالت قيد البحث والتدقيق لتحديد صلاتها مع أقرانها من الأفكار المكتسبة أو خلق صلات مع أقرانها لتحديد هوية مكوناتها وتعريفها بعدّها معرفة جديدة اكتسبها العقل.
يعتقد (( جوزايا رويس )) " أن الأفكار تعني المعلومات القابلة للمعرفة ولا يوجد شيء غير قابل للمعرفة عقلاً وإلا فإنه بمثابة الرمز عديم المعنى لا يمكن قبوله والاعتراف بوجوده والإقرار به لتناقضه مع آليات العقل ".
إن العقل أداة جسدية فطرية، خزان فارغ من المعلومات، أداة غير فعالة من دون شحنها بالمعلومات والأفكار. ومع مزيد من الاكتساب المعرفي تُفعل آليات العقل لتكون أكثر قدرة على الاكتساب والإدراك ولربما يصبح بإمكانه إنتاج معرفة جديدة.
هناك علاقة طردية بين المعرفة وتفعيل العقل، فكلما زاد اكتساب المعرفة فُعل العقل وكلما قلت خاصية الاكتساب المعرفي قلت فعالية العقل. وفي المقابل كلما توافرت المعرفة في المجتمع زادت خاصية اكتساب العقول الواعية، وعلى خلافه كلما قلت المعرفة في المجتمع قلت قابلية الاكتساب.
إن العقل الواعي بمثابة مصنع يستورد ، يكتسب، كل مكونات المعرفة فيعمل على إنتاج معرفة جديدة من مواد أولية لا تصلح وحدها من دون مزاوجة لخلق معرفة جديدة شريطة توافر ملكات خاصة للعقل قادرة على انتاج المعرفة، فليس كل عقول البشر المكتسبة للمعرفة قادرة على إنتاج معرفة جديدة.
وبذلك يمكن القول إن توافر المعرفة يزيد خاصية الاكتساب ليرتقي العقل أكثر بزيادة مكتسباته المعرفية وبتوافر ملكات فردية متميزة يمكنه انتاج المعرفة لتصبح العلاقة النمطية للمعرفة : إنها تصنع العقل، والعقل يصنع المعرفة.
يقول (( نبيل علي )) : " إن علم النفس المعرفي أثبت أن هناك علاقة عضوية بين الكيفية التي يصنع بها العقل المعرفة والكيفية التي تصنع بها المعرفة العقل، ولإدراك مغزاها لابد من فهم منهج التربية في مجتمع المعرفة وتساؤلاته التي لا تقتصر على : كيف تصنع المعرفة العقل بتنمية قدراته لاكتساب المعرفة وحسب، بل كيف يصنع العقل المعرفة بتنمية قدراته لإنتاج معرفة جديدة ؟ ".
إن المجتمع المتخلف لا يمكنه توفير قاعدة معلوماتية خلالها يكتسب الفرد مهارة إنتاج معرفة جديدة، لذلك تقل إمكانية توافر عقول منتجة للمعرفة، على خلافه في المجتمع المتطور يوفر قاعدة معلوماتية هائلة يكتسب خلالها الفرد معلومات حديثة تشجع على توافر عقول منتجة للمعرفة الجديدة.
هناك سباق مارثوني بين المجتمعات المتطورة للتحول من مجتمع متطور إلى مجتمع معرفي ليس فقط بتوفير قاعدة معلوماتية هائلة توفر المستلزمات الأولية للعلوم والمعارف للعقول الواعية لانتاج معارف جديدة وحسب، بل خلق مناخات ملائمة ومشجعة على البحث والاكتشاف، وتوافر آليات الاكتساب المتعددة، وتوافر تقنيات حديثة لتحليل المعلومات والبيانات المتدفقة عبر الوسائل المختلفة عن الواقع للبحث في صدقية معرفة ما أو إنتاج معرفة جديدة.
يتطلب توافر مستلزمات مجتمع المعرفة خلق عقل نوعي قادر على استثمار كل آليات مجتمع المعرفة لانتاج معرفة جديدة، وفي المقابل لا يمكن خلق مجتمع معرفي من دون توافر عقول معرفية قادرة على تهيئة كل مستلزمات وآليات خلق مجتمع المعرفة.
على الرغم من توافر كل مستلزمات إنتاج المعرفة في مجتمع المعرفة لا يمكن عدّ كل أفراده ذي عقول معرفية، فقط نخبة خاصة منه تتوافر على امكانات معرفية كبيرة قادرة على إنتاج معارف جديدة تساهم بالإرتقاء بمجتمعاتها على نحو خاص وبالمجتمعات البشرية على نحو عام لتهيئة الفرصة لانتقالها إلى مجتمع المعرفة.
يعتقد (( نبيل علي )) " أن مجتمع المعرفة يمكن عدّه شكلاً هندسياً مثلثاً قاعدته تمثل آليات بثلاثة عقول: عقل إنساني، وعقل آلي، وعقل جمعي. وأحد أضلاعه يمثل الآليات بثنائية التفكير: تفكير نقدي، وتفكير خلاق. وضلعه الثالث يمثل المنتجات برباعية المعرفة : علوم صورية، وعلوم طبيعية، وعلوم إنسانية، ومعرفة الفنون ".
لم تعدّ الامكانات الذاتية للعقول الواعية لانتاج معارف جديدة للارتقاء بالبشرية مجدية مع توافر تقنيات حديثة توفر معلومات هائلة وبفترة زمنية قصيرة، فالجهود الذاتية السابقة في الكشف والبحث والتنقيب عن معلومة ما لاستخدامها في إنتاج معرفة جديدة استهلكت القسم الأعظم من الجهود الفردية للعلماء والمفكرين والفلاسفة سعياً للارتقاء بمجتمعاتهم من دون أن توفر الأخيرة أدنى مستلزمات العلوم والمعارف أو العيش الكريم لهم. وعلى العكس دفع الكثير من العلماء والمفكرين والفلاسفة حياتهم ثمناً لخدمة العلم بسبب جهل مجتمعاتهم، فمجتمع المعرفة مدين بإرتقائه ومعارفه للرواد من العلماء والمفكرين والفلاسفة بتطور أساليب وتقنيات الحاضر التي زادت فرص توافر العقول الواعية لانتاج معارف جديدة.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل قانون الجنسية الجديد في ألمانيا| الأخبار


.. صحيفة العرب: -المغرب، المسعف الصامت الذي يتحرك لمساعدة غزة ب




.. المغرب.. هل يمكن التنزه دون إشعال النار لطهو الطعام؟ • فرانس


.. ما طبيعة الأجسام الطائرة المجهولة التي تم رصدها في أجواء الي




.. فرنسا: مزدوجو جنسية يشغلون مناصب عليا في الدولة يردون على با