الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في تنزيل الوحي القرآني

نضال الصالح

2010 / 10 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد زرع في وعي المسلمين منذ فجر الدعوة الاسلامية أن النص القرآني الذي تلقوه باللسان العربي هو كلام الله وأن الله أنزله من السماء وحيا على النبي محمد بواسطة ملاك اسمه جبريل. وهذا يعني أن الله هو الناطق الأول للنص القرآني وأن جبريل وسيط في نقل كلام لله هذا إلى الرسول محمد الذي كان عليه بدورة نقل هذه الرسالة للبشر. ولتأكيد ألوهية النص القرآني الموجود بين يدي المسلمين بحرفيته، نسب للنبي محمد بأنه قال أن اللغة العربية هي لغة أهل السماء، وأنه لم ينزل وحي على نبي إلا بالعربية ثم ترجم كل نبي لقومه.
وبغض النظر عن الجدال الذي حدث بين المسلمين في قدم النص القرآني وحداثته وإن كان قديما بصفته كلام الله القديم ، منقور في اللوح المحفوظ في السماء العليا كما قال أهل السنة والجماعة أم مستحدثا مخلوقا من الله كما قال المعتزلة،فإنه لا خلاف بين المؤمنين من أن النص القرآني هو كلام الله وأن الله هو المصدر الأول للنص سواء بشكله المعنوي أو اللغوي. وكان لا بد من زرع عاملين مهمين في الوعي الاسلامي :
أولهما: أن النص القرآني معجزة في حد ذاته لا يمكن لبشر تأليف مثله وكان ذلك ضروريا لاقناع المتشككين بنبوة محمد وبألوهية النص القرآني، خاصة لغياب المعجزة المرئية في نبوة محمد، كتلك التي سمع عنها المتلقون الأولون من سيرة النبي موسى وعيسى. مع أن رواة الحديث النبوي والسيرة المحمدية حاولوا جاهدين اختلاق بعض المعجزات العملية للرسول محمد كإخراج الماء من بين أصابعه في وقت جفاف أسقى آلاف العطشى( راجع الحديث رقم 5639 و الحديث رقم 3576 في صحيح البخاري) وغيره نجده في كتب السيرة والأحاديث . ولقد ساعد على تقبل فكرة إعجاز النص القرآني عدم وجود نصوص عربية نثرية مكتوبة من فترة الوحي أو قبلها لمقارنتها به.
ثانيا : كان لا بد من برمجة الوعي الاسلامي على أن النص الذي بين يدي كافة المسلمين والمنقور على صفحات الكتاب المدعو مصحف عثمان والذي جمعه ونقحه مجموعة من المسلمين اختارهم الخليفة الثالث عثمان بن عفان لهذه المهمة ،هو نص مغلق لا نقاش في أن كل حرف فيه هو كلام الله كما نزل على النبي محمد، وأنه المرجع و النص الرسمي الوحيد الذي بين يدي جميع مسلمي العالم . ولذلك ترى المؤمنين عند قراءة النص القرآني في مصحف عثمان يقولون: " قال الله تعالى في سورة كذا أو قال الله في كتابه الكريم "
لقد ساهم النص القرآني، منذ ظهوره وامتلاكه صفة القدسية في تشكيل الوعي و الحقيقة النفسية لدى المسلمين ودعاهم إلى تقبل منطوق و مضمون النص كحقيقة عقلية وتاريخية ثابتة وفوق كل نقد . كما زرع في الوعي الاسلامي أن النص القرآني، مقروءا أو مكتوبا يمتلك ، بصفته نصا إلهيا، قدسية الهية غير محدودة كما أن له طاقة وتأثير على سير الأحداث .
بصفته القدسية، اعتبروا أنه كتاب لا يمسه إلا المطهرون وقراءته توجب الخشوع والسكون والتسبيح ولذلك كان المؤمنون قبل إمساكهم الكتاب أو لمسه أو نسخ نصه يتوضئون ويقرئون البسملة ويستعيذون بالله من الشيطان. أما طاقته الخارقة وتأثيره الوقائي فقد استعملت كتابة وقراءة في الدرء عن المخاطر والأمراض، فوضعت آياته في الاحجبة لدرء الشر وطرد المرض وحماية النفس من العيون الحاسدة، وترى المؤمن عند تعرضه للخطر يتمتم ببعض الآيات القرآنية حماية ووقاية من الأخطار.
أتفق الفقهاء وعلماء الدين على أن النص القرآني قد نزل منجما على النبي محمد، واختلفوا في قدم أو حداثة النص كما اختلفوا في مدة النزول وفي معنى و كيفية الانزال. ففي مدة النزول هناك ثلاثة أقوال فمنهم من قال نزل في عشرين سنة ومنهم من قال في ثلاثة وعشرين سنة ومنهم من قال في خمسة وعشرين سنة على حسب الخلاف في مدة إقامة النبي محمد بمكة بعد البعثة. ( السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن: الاتقان في علوم القرآن،الجزء الأول ص: 39 ، المكتبة الثقافية، بيروت، عام 1973 ، وفي هامشه إعجاز القرآن لأبي بكر البقلاني.)
أما في قدم أو حداثة النص فلقد انقسم المسلمون إلى فريقين الأول وهم المعتزلة قالوا بخلق القرآن وأنه محدث والفريق الثاني وهم أهل السنة والجماعة قالوا بقدم القرآن وبأنه كان محفوظا في السماء العليا في اللوح المحفوظ ، ولقد اختلف هؤلاء في الطريقة التي نزل فيها النص القرآني من اللوح المحفوظ حتى وصل إلى النبي محمد .
لقد وقع المفسرون في مأزق التعارض بين قول الآيات القرآنية : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) و ( انا أنزلناه في ليلة القدر) مع كون القرآن نزل على النبي محمد منجما في مدة بين العشرين والخمسة وعشرين سنة. لذلك حاولوا الخروج من هذا المأزق بعدة أقوال:
القول الأول: أن النص القرآني نزل من اللوح المحفوظ في السماء العليا إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ثم نزل بعد ذلك منجما على الرسول.
القول الثاني: أنه نزل إلى السماء الدنيا في عشرين ليلة قدر، وثلاث وعشرين أو خمس وعشرين ليلة قدر، وكان ينزل بعد ذلك طوال السنة منجما على رسول الله.
القول الثالث: أنه ابتدئ إنزاله في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجما في أوقات مختلفة.
القول الرابع: أنه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة وأن الحفظة نجمته على جبريل في عشرين ليلة وأن جبريل نجمه على النبي محمد في عشرين سنة. ( السيوطي: الاتقان، سبق،ص: 40 ).
ولقد اختلفوا كذلك في الشكل اللغوي الذي حفظ فيه القرآن في اللوح المحفوظ واللغة التي نزل بها وكيفية الانزال، فقيل أنه حفظ باللفظ والمعنى في اللوح المحفوظ وذكر بعضهم أن أحرف القرآن في اللوح المحفوظ، كل حرف منها بقدر جبل قاف وأن تحت كل حرف منها معاني لا يحيط بها إلا الله. وقال البعض أن الله ألهم كلامه جبريل وهو في السماء وعلمه قراءته ثم جبريل أداه في الأرض وهو يهبط في المكان. وقال البعض الآخر أن جبريل تلقفه تلقفا روحيا ومن ثم نزل به على الرسول، وهذا قول ينسب النص اللغوي إلى الملاك جبريل حيث أنه تلقاه من الله روحيا وليس لغويا. وقيل أيضا أن جبريل نزل على الرسول محمد بالمعاني وأن النبي محمد عبر عنها بلغة العرب وهذا قول ينسب النص اللغوي القرآني إلى الرسول محمد حيث أنه قول يدعي بتلقي الرسول المعاني القرآنية ومن ثم صاغها الرسول بالنص اللغوي العربي . وفي قول آخر أن جبريل ألقى عليه المعنى واللفظ بلغة العرب لأن أهل السماء يقرأونه بالعربية.( نفسه، ص: 43 ).
هنا يجب أن نقف قليلا عند القول السابق والذي يقول ." وقيل أيضا أن جبريل نزل على الرسول محمد بالمعاني وأن النبي محمد عبر عنها بلغة العرب" ونمعن التفكير فيما يعني والذي يسمح لقارئه بإعادة التفكير في ما اعتاد أن يقرأه ويسمعه، خاصة وأن هذا القول ورد في مراجع معترف بها عند أمة الاسلام قام على تأليفها رجال يوصفون " بشيوخ الاسلام " ويعاد طبعها عاما بعد عام دون أن يتهمهم أحد بالكفر ولا بالزندقة والخروج على الدين، وهم بدورهم ينقلون هذا القول عن مصادر اسلامية سابقة لم يشكك أحد بصلاحها.
يخرج القارئ من هذا القول بأن الفكر الاسلامي سمح بإمكانية أن يكون النص اللغوي القرآني الذي بين يدينا هو من صياغة النبي محمد، وبشكل أوضح أن النبي محمد صاغ النص القرآني لغويا بلغة العرب بناء على معاني إلهية ألهمت إليه، وهو قول ما كان ليخطر على بال مسلم ولا يجرؤ اليوم أن ينطقه مسلم دون التعرض للاتهام بالكفر والخروج عن أمة محمد .
أما في طريقة التنزيل فقال البعض أن النبي محمد انخلع من صورة البشرية إلى صورة الملكية وأخذه من جبريل، وقال البعض الآخر أن جبريل انخلع إلى صورة البشرية حتى يأخذ النص القرآني منه. ( نفسه،ص: 43 ).
ومن كل ما سبق نجد أن الفقهاء والمفسرون كانوا غير متفقين على ماهية النص القرآني وطريقة إيحائه والأسلوب اللغوي الذي تلقاه به الرسول محمد. فمنهم من قال أن جبريل تلقاه من الله لغة ومعنى ومنهم من قال بل معنى وجبريل صاغه باللفظ العربي. كما أن البعض قال أن الرسول محمد تلقاه من جبريل معنى والرسول بدورة صاغه بالنص العربي وهذا يعني أن النص القرآني الذي بين يدينا هو من نتاج صياغة الرسول اللغوية والبعض الآخر قال بل الرسول محمد تلقاه من جبريل نصا ومعنى.
يجمع علماء أهل السنة والجماعة أن النص القرآني قديم كقدم الله ، باعتبار القرآن كلام الله تعالى وكلام الله صفة لذاته وأنه قائم به ومختص بذاته . النص القرآني في رأيهم كان محفوظا في ما سموه اللوح المحفوظ . ولا ندري ما هو هذا اللوح المحفوظ وما هو شكله و حجمه ومم يتركب ، وكل ما يحدثنا به علماء السنة والجماعة أنه موجود في السماء العليا، " وهو مشتمل على ما يجري في العالم من جليل ودقيق من جميع الحيوانات وغيرها" ( شهاب الدين أحمد بن محمد الهائم المصري، البيان في تفسير القرآن ، ج1 ص: 191 ، نشر دار الصحابة في طنطا، عام 1992 م ، تحقيق د. فتحي أنور الدابولي.). كما يصرون بأن حروف القرآن في اللوح المحفوظ كبيرة كبر جبل قاف وأن تحت كل حرف منها معان لا يحيطها إلا الله. كما نفهم منهم أن النص القرآني نزل ليلة القدر من اللوح المحفوظ في السماء العليا إلى مكان اسمه بيت العزة في السماء الدنيا،( نفس المصدر) ولا نعلم ما يعنون بالسماء العليا والسماء الدنيا وما هو بيت العزة هذا .
والسؤال هنا إذا كان القرآن بصفته كلام الله قديم قدم ذاته وكلام الله كما يقولون قائم به ومختص بذاته، وفي نفس الوقت هو موجود منذ القدم في اللوح المحفوظ في السماء العليا، ألا يعني قولهم هذا أن اللوح المحفوظ كذلك قديم قدم الله وأنه قائم بالله ومختص بذاته؟ ألا يعني هذا الخروج عن صلب العقيدة الاسلامية الداعية لوحدانية الله .
هنا يتحرك الخيال وإسقاطاته على ظاهر النصوص القرآنية من أجل محاولة الخروج من مأزق تعارض النص القرآني ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) و ( انا أنزلناه في ليلة القدر) مع كون القرآن نزل على النبي محمد منجما في مدة بين العشرين والخمسة وعشرين سنة. هذا بالاضافة الى محاولة الاجابة على تساؤلات اليهود الذين قالوا للرسول" يا أبا القاسم لولا أنزل هذا القرآن جملة واحدة كما أنزلت التوراة على موسى!"
فكان لا بد من إنزال متخيل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ في السماء العليا إلى بيت العزة في السماء الدنيا. كما كان من الضروري زرع قدم النص القرآني في الفكر الاسلامي حتى يستغل في تثبيت سلطة الحكم السياسي الديني المثبتة حسب رأيهم منذ القديم في اللوح المحفوظ . ولكن من أجل الخروج من مأزق واحد أسقط هذا التأويل الفكر الاسلامي في مآزق أخرى كان لا بد من محاولة الخروج منها.
من أجل تعليل القول بنزول القرآن من السماء العليا إلى السماء الدنيا، قيل أن السر في ذلك تفخيم أمره وأمر من نزل عليه وذلك بإعلام سكان السماوات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم قد قربناه إليهم لنزوله عليهم ، و أن الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجما حسب الوقائع وبحسب الحاجة . وفي قول آخر أن القرآن لم ينزل من السماء الدنيا جملة واحدة لأن منه الناسخ والمنسوخ ولا يأتي ذلك إلا فيما أنزل مفرقا ومنه جواب لسؤال ومنه ما هو إنكار على قول قيل أو فعل فعل .وعن ابن عباس أنه قال ونزله جبريل بجواب كلام العباد وأعمالهم . ( السيوطي، الاتقان، سبق ،ص: 42 ).
وهنا نجد التناقض واضحا بين القول بقدم النص القرآني ووجوده منذ الأزل في اللوح المحفوظ وبين الاعتراف بأنه نزل منجما حسب الوقائع الأرضية وبجواب على كلام العباد وأفعالهم، والتي دعاها المفسرون والفقهاء أسباب نزول النص القرآني مع أن البعض يرفض هذه التسمية ويصر أن القرآن نزل في مناسبات وليس أسباب ، دعت إلى نزوله من اللوح المحفوظ . لأننا إذا أخذنا بقدم النص القرآني وبوجوده منذ القدم في اللوح المحفوظ فإن ذلك يعني أن أعمال العباد وأقوالهم كانت أيضا مبرمجة مسبقا ولا إرادة للعباد في ما يفعلون أو يقولون،فما معنى التهديد بالعقاب والوعد بالثواب على أعمال وأقوال خارجة عن قدرة الإرادة البشرية؟ و في حديث نسب للنبي محمد أن موسى تحاج مع آدم فقال موسى لآدم أنت الذي أدخلت ذريتك النار، فقال آدم يا موسى: أنت الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه وأنزل عليك التوراة أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني( أحمد بن سلمن النجاد ، الرد على من يقول القرآن مخلوقا ، نشر مكتبة الصحابة الاسلامية، الكويت عام 1400 ه ، ص: 45 ) أليس هذه إشارة واضحة إلى أن كل أفعال البشر من خير وشر هي مبرمجة مقدما من قبل القدرة الإلهية؟ أليست هذه ومثيلاتها إشارات لدعم الجبرية في التفكير، وأن كل أعمال العباد بما فيها حكامهم مبرمجة لهم مسبقا في لوح محفوظ منذ الأزل ولا دخل للبشر في ردها أو قبولها؟
حاول علماء المعتزلة الخروج من هذا التناقض بناءا على إيمانهم بوحدانية الله وعدله في حكمه وقضائه ورحمته في خلقه ،ورفضهم لوجود أي صفة قديمة خارجة عن الذات الإلهية فقالوا بحرية الإرادة الإنسانية وبمسؤولية الانسان عن أفعاله ، ورفضوا فكرة قدم القرآن وقالوا أن القرآن محدث أو مخلوق.
لا نريد الخوض في الجدل الكلامي بين المعتزلة وخصومهم حول العلاقة بين الدلالة اللغوية وشرط المواضعة، وإن كان كلام الله صفة من صفات فعل الله و هو محدث بوجود من يخاطبه من الملائكة أو البشر ، ووجودهم محدث لا ريب فيه كما قال المعتزلة ، أو أنه صفة من صفات ذاته وهو قديم كما قال خصومهم من الأشاعرة وأهل السنة والجماعة. ولكن نزول النص القرآني منجما في عشرين سنة أو أكثر، في جواب لسؤال أو إنكار لقول أو فعل، أو بجواب كلام العباد وفعلهم ، و أن فيه الناسخ والمنسوخ حسب تغير الوقائع الأرضية، حسب ما ورد في المصادر الاسلامية المعترف بها من قبل المسلمين، يؤكد العلاقة الوثيقة والجدلية بين النص القرآني والواقع الذي نزل من أجله وخاطبه و يرفض فكرة أزلية النص القرآني و يؤكد على أنه محدث حسب الأحداث الواقعة على الأرض والتي كانت سببا في نزوله . ولكن ممثلو المؤسسة الدينية الذين سموا أنفسهم علماء السنة والجماعة، استنكروا هذا القول ورفضوه جملة وتفصيلا وأخرجوا قائليه من أمة محمد . و كان لا بد من استعمال السلاح القديم الحديث وهو سلاح التكفير ومخلفاته، فوسم كل من يقول بخلق القرآن زنديق وكافر يجب أن يحبس حتى يعلن توبته وإلا يتوجب ضرب عنقه. ( أحمد بن سلمن النجاد أبو بكر : الرد على من يقول القرآن مخلوقا، نشر مكتبة الصحابة الاسلامية، الكويت عام 1400 ه،ج1 ،ص: 70 - 71) .
هكذا سمح ممثلو السلطة الدينية لنفسهم الغوص في إسقاطات تخيلية عن لوح محفوظ معلق في السماء العليا من دون أي برهان عقلي أو نصي واضح وإنما بناءا على أحاديث نسبت للنبي نقلت على ألسنة بشر عن بشر ، والبشر كما أكدت لنا الوقائع التاريخية ولا تزال تؤكد ،لهم أهواء وأخطاء ومآرب ولا يمكن الاعتماد على نقلهم في الأمور التي تتعلق بالمواقف العقيدية التي يبنى على أساسها فكر أمة على مدى العصور. وفي الوقت الذي سمحت السلطة الدينية لنفسها بكل ذلك ، رفضت وألغت فكر جماعة حاولت أن تعمل عقلها وتجتهد ، فوصمت بالكفر وحلل دمها وقطع رؤوس أصحابها، وما أسهل ضرب الأعناق وقطع الرؤوس عند ممثلي السلطة السياسودينية.
ولقد كان وما يزال لمقولة قدم القرآن في اللوح المحفوظ و لمقولة الجبر الناتجة عن ذلك بعدا سياسيا لبرمجة العقل الاسلامي بأن الله قد حكم أزلا أن تصل هذه الأسرة أو تلك ، أو هذا الرجل أو ذاك ( الأمويون أولا ومن بعدهم العباسيون ومن بعدهم تلك أو ذاك إلى يومنا هذا) إلى الحكم والسلطة وأن ما يعملون به من تسلط وقهر وقتل للعباد وسلب أموالهم وأملاكهم ما هو إلا نتيجة لقدر إلهي مبرمج منذ الأزل. ولذلك وقف خلفاء بني أمية ومن بعدهم بني العباس ، إلا ما ندر، موقفا صارما في غاية العنف من المفكرين الذين قالوا بحرية الإرادة الانسانية وبمسؤولية الانسان عن أفعاله. لقد حاولوا الخروج من مأزق ظاهر التناقض بين النص والوقائع فأوقعوا الاسلام والمسلمين في مأزق أكثر تعقيدا لم تستطع أن نخرج منه الأمة حتى يومنا هذا .
الوحي في نظر علماء الدين نوعان الأول ما لا يتكلم به ولا يكتبه لأحد ولا يأمر بكتابته ولكنه يحدث به الناس حديثا ويبين لهم أن الله أمره أن يبينه للناس ويبلغهم إياه. الثاني، هو ما يوحي الله إلى نبي فيثبته في قلبه فيتكلم به ويكتبه وهو كلام الله. في الأول قال الله لجبريل قل للنبي الذي أنت مرسل إليه أن الله يقول افعل كذا وكذا وأمر بكذا، وفي الثاني قال الله لجبريل اقرأ على النبي هذا الكتاب فنزل جبريل بكلمة من الله من دون أي تغيير . قال العلماء: القرآن من النوع الثاني والسنة النبوية من النوع الأول.(الاتقان للسيوطي، مس، ص: 44 ).
ولقد قيل أن للوحي كيفيات إحداها: ان يأتيه الملك في مثل صلصلة الجرس وقيل أن عبد الله بن عمر سأل النبي محمد : هل تحس بالوحي فقال أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك ، فما من مرة أوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تقبض . وقيل في ذلك أنه صوت خفق أجنحة الملك، وقيل أنه إنما كان ينزل هكذا إذا نزلت آيات التهديد والوعيد. ثانيها: أن ينفث في روع الرسول الكلام نفثا. ثالثها: أن يأتيه في صورة الرجل فيكلمه كما في حديث عن النبي أنه قال : وأحيانا يتمثل إلي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول. الرابعة : أن يأتيه الملك في النوم . الخامسة أن يكلم الله رسوله بدون واسطة الملك إما في اليقظة كما في سورة الاسراء أو في النوم . ولقد قيل في ذلك أحاديث منسوبة للنبي مثل أنه قال : سألت ربي مسألة وودت لو أني لم أكن سألته، قلت أي رب اتخذت ابراهيم خليلا وكلمت موسى تكليما فقال يا محمد ألم أجدك يتيما فآويت وضالا فهديت وعائلا فاغنيت وشرحت لك صدرك وحططت عنك وزرك ورفعت لك ذكرك فلا أذكر إلا ذكرت معي.( الاتقان للسيطي: ص:44 - 45 ) ورغم أن الملك جبريل قرن بالوحي الذي نزل على محمد فإننا نجد في التراث الاسلامي أن الملك إسرافيل قرن بنبوة النبي محمد في الفترة الأولى من نبوته ، فلقد أخرج الإمام أحمد في تاريخه عن الشعبي أن الله أنزل النبوة على محمد وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل عليه القرآن على لسانه فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة. وقيل أن الحكمة في توكيل إسرافيل به أنه الموكل بالصور الذي فيه هلاك الخلق وقيام الساعة، كما وكل بذي القرنين ريافيل الذي يطوي الأرض وبخالد بن سنان مالك خازن النار.( نفس المصدر) .
ومن الواضح هنا تأثير المخيال الأسطوري والتوراتي على برمجة الوعي الاسلامي، في ذلك الوقت وبقيت آثاره حتى اليوم ،حيث أن المجال الفكري للمسلمين الأوائل كان يتحرك ضمن هذا المجال ولم يملك الأدوات اللازمة لتخطيه.
يتفق علماء الفكر الاسلامي أن النص القرآني هو كلام الله نزل على النبي محمد وإن اختلفوا في كيفية ومن صاغ النص بالعربية. وقيل أنه حفظ كما مر معنا في اللوح المحفوظ في السماء العليا باللغة العربية لأن أهل السماء يتقنونها. وذهب البعض بأنه لم ينزل وحي إلا باللغة العربية ثم ترجم كل نبي لقومه. فالعرب هم خير أمة أخرجت للناس ولغتهم أعظم وأقدس لغة حتى أن أهل السماء يتقنونها ولم ينزل وحي على نبي إلا باللغة العربية. ( الاتقان للسيوطي،نفس المصدر) . ولقد بالغ الرواة في عظمة العرب ولغتهم حتى صاغوه شعرا وانتحلوا في ذلك القصص والروايات ، فالنبي محمد هو صفوة بني هاشم وبني هاشم هم صفوة بني عبد مناف وعبد مناف هم صفوة بني قصي وقصي صفوة قريش وقريش مضر ومضر صفوة عدنان وعدنان صفوة العرب والعرب صفوة الإنسانية كلها . ( طه حسين: الشعر الجاهلي،مكتبة دار الندوة الألكترونية.ص:40-41 )وهو قول لا يختلف كثيرا من ناحية المضمون عن قول اليهود بأنهم شعب الله المختار وأنهم أصحاب رسالة إلهية.
ويظهر أن هذا القول هو رد من العرب على شعوبية الموالي والمسلمين الجدد من أصول فارسية الذين كانوا يفتخرون بالحضارة الفارسية ويقللون من قيمة العنصر العربي الذي وصفوه بالبدوي والذي لا يملك حضارة راقية، فكان لا بد من الرد على ذلك بالفخر بنزول الوحي على العرب خير أمة أخرجت للناس وأن اللغة العربية هي لغة أهل الجنة ويتقنوها أهل السماء وهي لغة كل الوحي الذي نزل على الأنبياء .
ورد في "الصحيحين" عن ابن عباس أن الرسول محمد قال: أقرأني جبريل على حرف فراجعته ثم لم أزل أستزيده فيزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف ، وزاد مسلم ، قال ابن شهاب: بلغني إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال أو حرام. وفي حديث آخر أن القرآن نزل على سبعة أحرف فأقرأوا ما تيسر منه. وهناك عدة أحاديث تسير في نفس المضمون وهو أن القرآن نزل على سبعة أحرف . (البرهان في علوم القرآن، محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي ، نشر دار المعرفة، بيروت، أربعة أجزاء، عام 1391 ه ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، ج 1 ص: 211).
وفي حديث عن أبي بن كعب أن الرسول قال: يا أبي بن كعب إن ملكين أتياني فقال أحدهما اقرأ القرآن على ستة أحرف فقال الآخر زده، فقلت زدني فقال اقرأ القرآن على سبع أحرف وفي حديث آخر أن الرسول قال: إن القرآن نزل على سبع أحرف بأي حرف قرأتم أصبتم ،فلا تماروا في القرآن فإن مراء فيه كفر. وفي حديث آخر أن جبريل قال للنبي أن يقرأ القرآن على سبعة أحرف كلهن شاف كاف لا يضرك كيف قرأت ما لم تختم رحمة بعذاب أو عذابا برحمة. ( الداني أبو عمر: الأحرف السبعة، مكتبة المنارة مكة المكرمة، عام 1408 ه، تحقيق د. عبالمهيمن طحان، ص: 15- 27 )
اختلف المسلون في ما تعني القراءات السبعة، ويذكر السيوطي في الاتقان أن الاختلاف وصل على نحو أربعين قولا منها أنه ليس بالمراد بالسبعة حقيقة العدد بل المراد التيسير والتسهيل والسعة ولفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة في الآحاد كما يطلق السبعون في العشرات وهكذا. ومنها أيضا أن المراد منها، سبع قراءات وتعقب أنه لا يوجد في القرآن كلمة تقرأ على سبعة أوجه إلا القليل. ومنها أن المراد بها كيفية النطق بالتلاوة من إضغام وإظهار وتفخيم وترقيق و إمالة وإشباع ومد وقصر وتشديد وتخفيف وتليين وتحقيق، وقيل أيضا أن المراد بها سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة نحو أقبل وتعال و هلم وعجل وأسرع ، وقيل بل المراد سبع لغات ، فعلق آخرون بأن لغات العرب أكثر من سبعة فأجابوا بأن المراد أفصحها، وقيل كذلك أن المراد بها لغة قريش لأن القرآن نزل بلغتهم بقوله تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه والسبع لغات هي تكون في بطون قريش ، وقيل في ذلك الكثير. ( الأحرف السبعة،مس ،ص: 31 ).
كما أنه من المعروف ان الكتابة العربية حتى عهد الخلافة الاموية لم تكن بها نقاط على الحروف، ولم تكن هناك همزة وتنوين حتى جاء سيبويه وادخل علامات الترقيم. ومن السهل على الانسان ان يتخيل مدى الارتباك الذي كان يواجه من يريد ان يقرأ ما جُمع من القرآن في صحف، وليس على الحروف نقاط. فلم يكم من اليسير التفرقة بين الباء والتاء والثاء، وكذلك كان من الصعب التفرقة بين الطاء والظاء وبين الدال والذال وبين السين والشين وبين الراء والزاء. ولهذا السبب كان القرآن يُدرّس بطريقة التلقين بواسطة القُراء تفادياً للخلط بين الكلمات التي ليس عليها نقاط. ولهذا السبب ظهر الاختلاف بين الناس كل شخص كان يقرأ حسب ما لقنه معلمه ولم يكن باستطاعتهم التحقيق مما قال المعلم لان الكلمات الغير منقطة قابلة للتأويل.
فنجد مثلاً في سورة الفرقان الاية 48:" وهو الذي ارسل الرياح بُشرا بين يدي رحمته وانزلنا من السماء ماء طهورا"، تُقرأ في بعض الروايات: " وهو الذي ارسل الرياح نُشرأ بين يدي رحمته ( تفسير الجلالين، ، الطبعة الثالثة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ص 3 ).
ونُشرا تعني متفرقة قُدام المطر. وقال البخاري في صحيحه،باب أنزل القرآن على سبعة أحرف: حدثنا سعيد بن عقير، حدثنا الليث عن ابن شهاب، قال اخبرني عروة بن الزبير ان المسور بن مخرمة سمع عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة النبي فاستمعت لقراءته، فاذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله ، فكدت اساوره في الصلاة. فصبرت حتى سلّم فلببته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله فقلت: كذبت، فان رسول الله قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فأنطلقت به أقوده الى رسول الله فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله : " اقرأ يا هشام " فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال: " كذلك اُنزلت "، ثم قال: " اقرأ يا عمر " فقرأت القراءة التي اقراني، فقال رسول الله : " وكذلك اُنزلت، ان القرآن اُنزل على سبعة احرف فأقرؤوا ما تيسر منه".

د. نضال الصالح/ فلسطين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كل من له رائ فليكون هو قصد الله
حكيم العارف ( 2010 / 10 / 19 - 23:46 )
قراءات سبعه او سبعة احرف تعنى انها سلاطه خضار بالجيلى ....

لانها ليست ثابته وتتغير بتغير الفهم والتشكيل ولاسيما ان المبنى للمجهول والمعلوم يعتمد على تشكيل الحروف الذى تقنن فيما بعد ظهور القران..

يعنى الله مدبر الكون لم يخطط لتشكيل اللغه قبل انزال كلام ثابت مفهوم... بل كل من له رائ فليكون هو قصد الله ....

ويعنى ان تبديل كلام الله اسهل من تبديل الملابس لان تبديل الكلمات غير المكتوبه فى منتهى السهوله وخاصة حين تستعمل لخدمة اغراض خاصه.

ولكن من يسمع و من يفهم


2 - صنع الدين لخدمه الحكام,وتسخير المحكومين
فتحى غريب أبوغريب ( 2010 / 10 / 20 - 05:57 )
لاتوجد اديان سماويه كما يدعون,إنما هى من خلق وإبداع البشر,
انهم فلاسفه متمردون على واقع كانوا يعيشون فيه,ومن واقع التغيير الى الاصلح قادوا قبائلهم ,للحداثه والانقلاب على القديم,ولكن حرموا على غيرهم أن يفعل مافعلوه هم ,بل كفروا كل من يحاول أن يجدد أفكر ترهلت,ولاتصلح لان تكون طريقاً لنهضه الامم من كبوتها,وهذا سر التخلف الذى نعيش فيه فى الشرق.


3 - الى متى العرب يعتقدون كون لغتهم لغة الله ؟
حميد كركوكي ( 2010 / 10 / 20 - 09:13 )
الى متى العرب يعتقدون كون لغتهم لغة الله ؟ أنا أعتقد اللغة الصينية الماندرينية هي لغة الرّب ، لأنها لغة الأكثرية البشرية الناطقة بمى تسمى ب لغة الأم !
عقلية قسرية سنية سلفية ليست لها أساس علمي ، إذا نطق العربي بهذه الفكرة أمام جمع مثل الأمم المتحدة أو حتى أوپك أمم النفوط ! لذّهل الجمع و أبتسموا على تفكيره الطفولي ، تفكير تظحك الذقون ، و ترثي لحامل الفكرة وتدعوا الله أن يعطيه قليلا من المعقول في عالمه اللامعقول.
أن الأطفال حتى سن السادسة أو السابعة في الغرب يؤمنون ببابا نؤيل (سانتاكلاز) و هو يأتي بالهدايا في ليلة مولد المسيح ع ، (كريسمس) وبعد أن يرشدوا قليلا السنة الثامنة أو التاسعة يفهمون أن الهدايا أتت من الوالد والوالدة تحت شجرة العيد.
متى الأنسان العربي يرشد و يقبل بأنهم حزء من الأنسانية ، وكتابهم و تراثهم أنساني ، ليست هنالك ثقب في السماء الملكوتي لنزول القرآن الكريم ، و كيف نحكم على الأنسانية قبل الأسلام هل ملحدون أم يذبهون إلى الجنة لأن محمد صلعم لم يلد بعد ! الشعوب الأسلامية يحتاج إلى القليل من التفكير المنطقي،.والسلام على من أتبع المنطق .
 


4 - نقد بروح إستشراقية
أحمد الجاويش ( 2010 / 10 / 20 - 17:49 )
السيد نضال إستخدام عقائد و قراءة الأسلاف للنص القرآني وأعتمادها كتحليل ونقد له يعبر عن خواء القراءة الذاتية ومجاراة الروح الإستشراقية التى تنفست ما خطه الأسلاف من سفاهات وكأنه عين الحق القرآني ، إذا كان القرآن قد نسخه عثمان وكان بدون نقاط وعلامات.. فمن أين ترقيم آياته؟ومن حذف البسملة في بداية سورة التوبة؟ ومن الذي كتب فواتح بعض السور مثل كهيعص والم ..؟ إن كتاب بحجم هذا التعقيد يستلزم للولوج فيه بحث وجهد ذاتي مضني وليس نقل ونسخ من هنا وهناك وكي أوجز حيث لا مجال للإطالة هنا القرآن نزل لفظا ورسماً على محمد بطريقة مازلنا نجهلها وإن كانت معارف القوى الكهروماغناطيسية بدأت تقرب بعض من هذه الألغاز ولسان القرآن عربي ولا يوجد لسان أو ما يسمى لغة عربية غير لسان القرآن وما عداه من لغات البشر أعجمية إي لا تحمل بنية لفظية تعبر عن الحق الكوني مثل لسان القرآن بما فيهم لغة من يُطلق عليهم العرب والقرآن كتبه محمد بيده كما هو برسمه وعلاماته (الرحمن علم القرآن) فأي علامة أو حرف أو نقطها في القرآن كتبها محمد بدون معرفة ماهية ما يكتب وإنما أشبه بالجبر من جبريل كما ترى الموضوع معقد ومعك لو أردت تكملته .

اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت