الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسلام بلا عقل !

ثائر الناشف
كاتب وروائي

(Thaer Alsalmou Alnashef)

2010 / 10 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا بد بداية ، وقبل الخوض في غمار البحث عن جدلية العلاقة بين العقل والدين عامة ، وبين العقل والإسلام خاصة ، من طرح التساؤل الآتي :
لماذا يستطيع العقل الانفصال عن الدين ، ولا يستطيع الدين الانفصال عن العقل ؟.
قبل السير في طريق الإجابة عن التساؤل أعلاه ، ينبغي الإشارة إلى أن العقل في الإسلام ، من ناحية العلاقة الجدلية ، كحال العقل في المسيحية أو اليهودية ، فهذه الأديان الثلاثة ، أو ما يصطلح على تسميتها بالأديان السماوية ، جعلت للعقل مكاناً يعتد به في نظر المتدينين ، ولم تخلُ نصوصها المقدسة من الإشارة إلى مكانة العقل في تصويب مسارات حياة الإنسان المتدين ، ودوره الفاعل في نقل الحياة البشرية من الظلمات إلى النور .
غير أن الدين الإسلامي أفرد للعقل مساحة واسعة للجدل ، تكاد أن تكون أوسع من المساحات التي أفردتها المسيحية واليهودية لأتباعها ، ولعل جوهر اختلاف الإسلام عن الديانتين الأخريين ، أن الحدود التي وضعها الإسلام أمام العقل ، تنتهي عند الذات الإلهية ، وما يتصل بها من نصوص ابتعثها الوحي على أنبيائه ، ودونها ، أي دون الذات الإلهية ، يستطيع العقل أن يكون فاعلاً بالفعل (التفكير) أو منفعلاً بالقوة (ناقل) وأن يكون هيولانياً.
وللإجابة عن التساؤل السابق، لا بد أولاً من تحديد النقاط التالية، كمقدمة أساسية لفهم طبيعة تلك العلاقة الجدلية .
النقطة الأولى: لا يوجد هناك عقل مجرد عن الهوى بالمعنى المطلق ، لأن العقل كوعاء وخزان معرفي ، يتأثر ويؤثر بالبيئة المحيطة ، وميزة العقل أنه سريع التأثر صعب التأثير ، خصوصاً في مراحل تكوينه الأولى ، والواقع أن درجة تأثير الدين في العقل ، بفعل البيئة الاجتماعية المحيطة بالفرد، أكبر بكثير من درجة تأثير العقل على الدين ، لأسباب شتى :
1- تأثير العائلة والمجتمع .
2- طول المدة الزمنية التي يحتاجها العقل للنضج .
فالسبب الأول ، بات عرفاً سائداً في جميع المجتمعات ، فلا يولد مولود دون أن يمر عقله، الذي يكون في حينها صفحة بيضاء على طقوس التعميد بالماء أو التكبير في الأذن وإلى ما هنالك من طقوس ، يمكن اعتبارها الخطوة الأولى على طريق السيطرة على العقل .
أما السبب الثاني الذي يرصد المدة الزمنية لمرحلة اختمار العقل ونضجه في إدراك الشيء ونقيضه ، يلاحظ أيضاً مدى التأثير الطويل على العقل بفعل الجرعات الاجتماعية المختلفة التي يتلقاها منذ سنوات الطفولة الأولى حتى بلوغه سن الرشد ، وليس هناك ما يضمن استقلاله عن الحقل الديني الذي جرى غرسه في ثنايا العقل .
النقطة الثانية : لا يستطيع الدين ، مهما كان متشدداً أو متسامحاً مع الأفراد ، الانعزال عن العقل أو عزل نفسه بعيداً عن تأثير العقل ، فلا يمكن تصور دين (إسلام) بلا عقل ، لأن العقل هدفه في المقام الأول ، وهو اللبنة التي يقوم عليها بناء الدين .
ومن تحليلنا للنقطتين السابقتين ، نخلص إلى أن التصور المنطقي الصحيح للعلاقة الجدلية بين العقل والدين ، أشد ما تكون بعلاقة الافتراس بين القوي (الدين) والضعيف (العقل) رغم أنهما (العقل والدين) من جنس واحد ، أي أن مصدرهما هو الإنسان ، بعيداً عن ما يشاع من تأثير "القوى السماوية " أو ما يصطلح عليه بعالم الغيب .
ويتأكد تأثير الدين على العقل، وتأثر الأخير بالدين، من خلال علم النفس، بعد أن دلت التجارب وأثبتت الاختبارات أن الطفل الوليد ينمو عقله ويتأثر بموجودات البيئة الاجتماعية التي على أساسها تتكون شخصيته.
بكل الأحوال ، لا تخلو البيئة المجتمعية من تأثير الدين على العقل ، فالطفل الذي يعيش بعيداً عن تأثير الدين ، سيكون مختلفاً في طريقة تفكيره وتحليله للأحداث والوقائع ، ودرجة تعاطيه مع الأشياء ، ومقدار فهمه لنواميس الكون ، عن عقول أقرانه ممن يعيشون تحت تأثير التعاليم الدينية في البيت أو المدرسة أو المعبد .
وبالمقارنة بين حجم التأثير الذي يتعرض له العقل في الإسلام ، وفقاً للأسباب الآنف ذكرها ، وبين التأثير الذي يتعرض له العقل في المسيحية أو اليهودية في المجتمعات الغربية ، يتبين مدى تأثير الإسلام على العقل ، نتيجة لطقوس البيئة السائدة في المجتمعات الشرقية والقائمة أساساً على ربط حركة المجتمع بالدين ، وتالياً ربطها للعقل بالدين ، وهذا ما يفسر النكوص والتقهقر المريع الذي تعيشه تلك المجتمعات المحافظة .
فالعلاقة بين العقل والإسلام ، علاقة تحاقلية أساسها غرس الدين في حقل العقل ، وكل ما ينتج عنها من عمليات تتصل بالتأمل والتأويل والتدبر ، لا تتعدى حدود النقل ضمن سقف معين ، وليست علاقة تصادمية قائمة على تمرد أحدهما عن الآخر ، كما في حال العلاقة بين العقل والمسيحية في المجتمعات الغربية ، بعكس العلاقة بينهما ( العقل والمسيحية ) في المجتمعات الشرقية ، التي تبدو مماثلة لعلاقة العقل بالإسلام ، بل لا تقل عنها من حيث الخضوع للتأثيرات التي تفرضها البيئة المجتمعية المحافظة على العقل .
على أن العلاقة بين العقل والإسلام، تبقى محل جدل كبير، بين إسلام يسعى أن يكون بعيداً عن تأثير العقل، وبين عقل يسعى هو الآخر، أن يكون بعيداً عن تأثير الدين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اسلام لا عقل
ياسر السروجي ( 2010 / 10 / 20 - 19:32 )
الاستاذ ثائر لن اكون قاسيآ معك هذه المرة وأقيم الموضوع بكليته ..تذكر في موضوعك العلاقةبين الاسلام والعقل وأن الاسلام أفرد مساحة واسعة للعقل ؟؟؟؟ أي عقل تقصد ؟ أعتقد بأنك تقصد العقل الستاتيكي الجامد أو العقل بصيغته اللفظية المطلقة , لأن الاسلام بعيد أن يحشر نفسه بعلاقة جدلية مع العقل المتحرك فهو يحاول دائمآ أن يهمش هذا العقل وليس من مصلحته أن يجاوره أو يحاوره لان ذلك يعني فناؤه ... ثم تقول في النهاية أن العلاقة بين العقل والاسلام علاقة تحلقية وليست تصادمية ؟؟؟ ألا تعتبر أن ذلك تناقضآ في حديثك حين تقول في البداية بجدلية العلاقة بين العقل والدين , لان الف باء الجدل يعني وجود التناحر والتصادم ؟؟؟؟


2 - العقل بين التصادم والتحاقل
ثائر الناشف ( 2010 / 10 / 20 - 22:23 )
عزيزي ياسر
بادئ ذي بدء
أشكر مرورك الكريم
ما قصدته في المساحة التي أفردها الإسلام للعقل
لا أقصد بها المساحة الجدلية ، بل المساحة اللفظية
وهنا اتفق معك في هذه النقطة التي ربما فاتني ذكرها
وهي أن ورود كلمة العقل في الإسلام او مايرادفها
فاقت ما هو موجود لدى المسيحية او اليهودية
لكن هذا الورود ليس مهما في تفعيل العقل التفعيل الصحيح
التصادم ( الجدل ) بين العقل والاسلام قائم لدى من هم ليسوا متدينين
لكن منسوب هذا التصادم قليل نسبيا لدى الإنسان العربي او الشرقي
لاعتبارات عديدة ، ابرزها عامل الخشية والخوف من مواجهة النصوص
بعكس الحال لدى الانسان الغربي الذي يستطيع وبكل حرية وبدون ضوابط اجتماعية أن يصادم بين العقل والدين أنى شاء
لذلك فإن التحاقل بين العقل والاسلام ( غرس الدين في حقل العقل ) لدى المثقف العربي او الشرقي هو السائد بفعل عوامل الخوف والكبت
رغم أن التصادم بين العقل والاسلام أقوى بكثير من تصادم العقل مع المسيحية
من هنا فإني أحاول الإشارة الى التصادم بينهما من ناحية والى التحاقل من ناحية ثانية، تلك هي القضية
ولك أطيب تحية


3 - بالأمارة!!
lola . ( 2011 / 1 / 25 - 13:42 )
لم اكمل المقالة.. سامحنى..
استوقفنى ماقلته ان الاسلام افرد مساحة للعقل اكثر من اليهودية والمسيحية!!!
كلام عظيم... حقيقى خلتك تسخر

اى احترام للعقل عندما يقول خالق العقل ((لا تسأل)) -لا تسألوا عن اشياء ان تبدى لكم تسوءكم-.. اى احترام للعقل هذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

اخر الافلام

.. -السيد رئيسي قال أنه في حال استمرار الإبادة في غزة فإن على ا


.. 251-Al-Baqarah




.. 252-Al-Baqarah


.. 253-Al-Baqarah




.. 254-Al-Baqarah