الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول المحتوى العلمي للقرآن

محمد باسل الطائي

2010 / 10 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


شهدت العقود القليلة الماضية نشاطاً في جانب الاهتمام بالمضامين العلمية للقرآن الكريم وكانت بواكير العمل في هذا الاتجاه تتمثل بتأملات عقلية وموازنات لمسائل علمية أو ظواهر طبيعية ذكرها القرآن الكريم. وقد حرص الكتاب الذين اهتموا بهذا التوجه ببيان عظمة الله سبحانه وتعالى ومن بواكير تلك الأعمال كتاب (مع الله في السماء) للدكتور أحمد زكي، وكتاب (التفسير العلمي للآيات الكونية) لحنفي أحمد وكتيبات الدكتور مصطفى محمود وأحاديثه الاذاعية والتلفزيونية. وكان هذا حسناً، إذ تنبه الكثير من عامة الناس إلى ذلك الجانب العظيم من وجوه البيان العلمي المعرفي للقرآن، مما عزز ايمان بعضهم وزاده وعظّم شأن القرآن في نفوسهم، وقرب البعض إلى الايمان بوجود خالق لهذا العالم.
لكن هذا النشاط وللأسف أتخذ توجهاً غير سليم عندما أصبح نشاطاً تجارياً وتلفيقياً أحياناً. فصار بعض المشتغلين ببيان الاعجاز العلمي للقرآن يقدمون الإشارات العلمية القرآنية وكأنها نظريات علمية كاملة تتطابق تماماً، بحسب ادعاءاتهم، مع اكتشافات العلوم الحديثة والمعاصرة. ومما يؤسف له أن أكثر المشتغلين في نشاطات الاعجاز العلمي للقرآن اليوم هم من غير المختصين، أو هم من أنصاف المختصين الذين جمعوا معلوماتهم العلمية عن طريق مطالعة الكتب المبسطة المكتوبة للعامة، وبعضهم يأخذ عن كتابات صحفية غير دقيقة، أو مبالغ فيها أو خاطئة أحياناً. فهاهنا تقرأ كتاباً يتحدث لك عن الاعجاز العلمي في الفلك والوصف الدقيق لنشأة النجوم وتطور المجرات وكاتبه طبيب نفساني لا علاقة له بعلم الفلك لا من قريب ولا من بعيد إلا من باب الهواية ومعلوماته جمعها أثناء وقت الفراغ الكبير في عيادته النفسية. وهنالك ترى كتاباً يتحدث عن جيولوجية الأرض وتكوين المحيطات وهايدروديناميكية حركة المياه فيها وكاتبه طبيب باطني، كان الأحرى به أن يهتم باختصاصه أو أن يبحث في أمور تتعلق باختصاصه. وهكذا صار يكتب في مسائل الإعجاز العلمي في القرآن كل من هب ودب. وحتى أن بعض المختصين (ظاهرياً) يكتبون أحياناً ترهات لا علاقة لها بالعلم الصحيح والدقيق لأنهم في الحقيقة ليسوا مختصين بالمسائل التي يعالجونها.
وخلال السنوات القليلة الماضية ظهرت إلى السطح الصحفي والاعلامي ومن خلال الفضائيات شخصيات جديدة من الناس المهتمين بالاعجاز العلمي للقرآن روجت لها صحف عربية كبيرة وقنوات فضائية عديدة. وقد وجدنا بعد التدقيق العلمي في بعض ما يقوله هؤلاء وما يقدمونه من معلومات للمشاهدين والقراء الكثير من عدم الدقة العلمية والتعسف في تفسير الوقائع العلمية وهنا أُشير إلى المسائل التالية:
1. الادعاء بأن رواد الفضاء الأمريكان الذين زاروا القمر قد أكدوا حقيقة انشقاقه نصفين وأنهم وجدوا صدعاً فيه يدل على ذلك الانشقاق الذي ذكرته بعض الآثار. وهذا غير صحيح أبداً ولا توجد أية وثيقة علمية تورد مثل هذا الخبر أو الاكتشاف. وقد طلبت من الداعي بهذا وهو الدكتور زغلول النجار تزويدي بالمصدر العلمي الموثق الذي يدعم إدعائه فلم يفعل. فضلاً عن ذلك فإن الانشقاق الذي يفترض حصوله قبل حوالي 1400 سنة لا يكاد ينكشف للدراسات الجيولوجية في مثل هذه الحالة بل أن مثل تلك الفترة الزمنية قد تقع في حيز نسبة الخطأ العملي والنظري.
2. الإدعاء بأن الحديد الذي في باطن الأرض قد نزل من السماء على الأرض بعد تكوينها وما يتم تقديمه من شرح خاطيء لمراحل تكوين الأرض.والادعاء أن الحديد الذي في باطن الأرض هو من السماء. والحق أن هذا خلط وتشويه للحقائق العلمية التي تفيد بأن الحديد الذي في باطن الأرض (لب الأرض) هو بغالبيته العظمى من حديد السحابة الدخانية التي تكونت منها الأرض وبقية الكواكب السيارة، على حين أن الحديد الذي في قشرة الأرض هو ما نزل من السماء عبر النيازك التي سقطت على الأرض بكميات كبيرة في سالف الأزمان بعد تكون الأرض.
3. الادعاء بأن الأرض هي مركز الكون من خلال ملاحظة أن المجرات تبتعد جميعاً عن مجرتنا. وهذا سوء فهم وقع فيه البعض لعدم معرفته أن الكون هو سطح ثلاثي الأبعاد في فضاء رباعي الأبعاد وهذه مسألة تخصصية يجري تقريبها للأذهان والتصور عادة بالمقارنة مع النقاط التي على سطح بالون مطاطي ينتفخ إذ نلاحظها تتباعد عن بعضها البعض جميعا دون أن نتمكن من تعيين أي منها مركزاً للتمدد. فجميع النقاط على البالون المتمدد هي مراكز، ولا فرق بينها.
4. الادعاء بأن السماوات السبع هي طبقات الغلاف الجوي وأن الأرضين السبع هي طبقات الأرض الداخلية. وهذه مغالطة لا علمية لأن تقسيم الغلاف الجوي إلى سبع طبقات ليس أمراً قطعيا بل هو اصطلاحي فالبعض يقسم الغلاف الجوي إلى خمس مناطق وبعضهم يقسمها إلى ستة أو سبعة وربما ثمانية أيضاً. وكذلك الأمر بالنسبة إلى طبقات الأرض فمن قال أنها سبعة؟؟ هذه مغالطات لا يليق بالداعية الإسلامي أن يدّعيها لأن عواقبها على الاسلام نفسه كبيرة.
5. تكرار القول أن الثقوب السود هي أجرام كثيفة جداً. ولو كان المدعي من أهل الاختصاص لعرف أن الثقوب السود العظيمة جداً كتلك التي تبلغ كتلتها مليون مرة قدر كتلة الشمس مثلاً لا تكون كثيفة جداً، بل يمكن أن يتوفر ثقب أسود بكثافة أقل من كثافة الهواء أيضاً.
6. الادعاء بأن نظرية الانفجار العظيم مطابقة تماماً للقرآن وهذا غير صحيح إذ يعلم أهل الاختصاص أن التوافق بين العلم والقرآن في هذه النظرية هو توافق جزئي وليس كلي وتام كما يدعي كتّاب الإعجاز العلمي من غير المختصين.

كما يُلاحَظ أن أغلب محرري الصحف والمجلات، وهم من غير المختصين على الأغلب، يفضلون دائما تلك المقالات التي تتوافر على أكبر قدر من الادعاءات بتوافق القرآن مع حقائق العلم ولا يعجبهم أبداً أن تقول لهم أن العلم يتفق مع القرآن في هذا الجزء من المسألة ويختلف في ذلك الجزء. ولو أُرسلت إليهم مقالة تبسُط الحقائق بين ما هو في العلم وما هو في القرآن كما هي عليه بالفعل فإنهم يرمون بها عرض الحائط ويعتبرونها أمرا غير مرغوب فيه حتى لو كانت تكشف عن جوانب أصيلة في تلك المسائل، بل حتى لو كان كاتب تلك المقالة أعظم المختصين. ما يهمهم على الأغلب هو الإدعاء بأن هذه المعلومة وتلك التي اكتشفها العلم اليوم هي موجودة في القرآن منذ 1400 سنة!! والمشكل أن هذه المقالات تتوجه إلى القاريء العام الذي لا يمتلك المعرفة اللازمة لتمييز الصحيح عن الخاطيء. فيتم بهذه الوسيلة صرف الناس عن التأمل والتفكير الحر، فضلاً عن ما تتركه مثل هذه المقالات من أثر سلبي في نفوس العاملين في المجال العلمي التخصصي إذ يرون أن هنالك تلفيقاً كبيراً في تفاصيل تخصصاتهم العلمية يقدم بطرق ساذجة وتسطيحية.
القرآن أساساً كتاب هداية وليس كتاب نظريات علمية في أي صنف من صنوف المعرفة. لكنه عرض دون شك لمسائل تخص العالم وتكوينة وربما خص في بعض المواضع المسائل بشئ من التفصيل لكنه يبقى محتفظاً بقدر من الغموض في مثل هذه المواضع. ومن جانب آخر فإن لغته التي هي العربية بالنص الذي جاءت بها الآيات يجعل أغلبها قابلاً للتفسير بوجوه متعددة وقد أدرك الأوائل هذه الحقيقة فقالوا إن القران حمال وجوه. لا مانع بالتأكيد من تفسير الآيات التي تصف أحولاً فلكية أو كونية أو طبية أو غيرها ولا مانع من مقارنة ما جاء في القرآن مع معطيات العلوم المضبوطة لكن المفسر أو الباحث يجب أن يكون من أهل الإختصاص العلمي في المسائل التي يطرقها.
إن من المطلوب وقف التهريج بالعلم ووقف التهريج بالقرآن تحت عنوان (الاعجاز العلمي للقرآن) لأن هذا النوع من الأنشطة غير الحكيمة ستؤدي ربما إلى مردود عكسي حينما ينبري مختصون لكشف التزييف المقصود أو اللامقصود لوقائع المعرفة العلمية. وعلى من يعمل في حقول البيان العلمي للقرآن أن يكون من أهل الاختصاص العلمي الدقيق في الحقل الذي يشتغل فيه أو فليصمت لأن عمله سوف لن يؤدي إلا إلى تشويه العلم أو تشويه إعجاز القرآن أو كليهما معاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نصب واحتيال
محمد البدري ( 2010 / 10 / 21 - 01:14 )
المثير للضحك فيما يسمي الاعجاز العلمي للقرآن ان من حاولوا اثباته من امثال مصطفي محمود وزغلول النجار ذهبوا الي الكشوف العلمية التي جائت من التجربة او بالعلوم النظرية الحديثة ليبرروا صحتها من كلمات متناثرة في الفاظ القرآن. وبهذا يصبح القرآن سباقا في توصيلها للناس. لم يسالهم احد كيف تجعلون انتم الهدهد والنمل متكلمين او ان تصعدوا للسماء بدون صواريخ مثل حادثة الاسراء. فهذا هو العلم الواجب ابهار الناس به طالما اتي في كتابكم الكريم شكرا للسيد الفاضل كاتب المقال لكشفه عمليات نصب واحتيال طالما اتي بها رجال الدين. اي دين..


2 - وماذا بعد؟؟؟؟؟
محمد م ديوب ( 2010 / 10 / 21 - 09:48 )
ألن تفهموا أن هذا القرآن هو نص بشري ٌبإمتياز ولاعلاقة لما تسمونه الله به لامن قريبٍ ولا من بعيد ؟؟ ومازلتم تشغلون أنفسكم بعلميته من عدمها يبدو أنكم تريدون أن تثبتوا لأنفسكم أنكم غير مخدوعين


3 - صدقت وأحسنت
علي نور ( 2010 / 10 / 21 - 15:29 )
السيد محمد بعد تحية طيبه وشكر جزيل على صنيعك لذلك الرافد المعرفي المتخصص من لدنك وإعطائي رابطه :www.cosmokalam.com
.. ولكن مايحيرني هو مايبدو من عدم تضاد عندك بين الرؤية العلمية والإخبار القرآني ، فأنت ترى الكون بوضوح بحكم تخصصك كما كشفه العلم الحديث وتسلم أو تصدق رغم ذلك بإخبار القرآن عن السموات السبع ومثلهن من الإرضين فكيف هذا ، إذ وإزاء موقفك هذا ، وصدقك البادي ، ولا منطقية وصمك بالقصور المعرفي لم يعد بوسعي إلا أن أتهم عقلي فانقذني رجاءا من هذا المأزق وأشرح لي كيف وائمت بين المتضادين


4 - السموات السبع والأرضين السبع
محمد باسل الطائي ( 2010 / 10 / 22 - 08:23 )
السيد علي نور.
أشكر تساؤلك الذي لا أجد له إجابة جاهزة الآن، لكنه استفزني لكتابة مقال آمل أن أنشره قريبا في الحوار المتمدن، وآمل أيضا أنك ستجد فيه ما يهمك... أما بخصوص السماوات السبع والأرضين السبع فقد نشرت العام الماضي بحثا في دورية أكاديمية بعنوان (مفهوم السماء والسماوات في القرآن الكريم وعلوم الفلك المعاصرة) خلصت فيه الى أن مفهوم السماوات مبهم ويمكن أن يحمل تفسيرات عديدة ليس فيها ما يمتد أكثر من حدود المجرة حسب علمي.. على حين أن الكون فيه مئات المليارات من المجرات، لذلك فإن مفهوم السماوات السبع عندي بالإجمال مفهوم تسليمي عقائدي فقط. لذلك أرجو ياصديقي أن تتفهم أن الإيمان ليس كله عقل بل منه ما هو تسليم، ورغم صعوبة التسليم فإن حقائق الوجود تجبرنا اليوم أن نوازن بين الإيمان والتسليم حتى تتطور الإمكانات العقلية فيغدو المسلَّم به ربما أكثر وضوحا وقابلا للعقلنة


5 - الازعاج
علي ( 2011 / 9 / 9 - 20:43 )
نشكر الكاتب على كل حال لكن ارى شخضيا انك تريد استحواذ الاعجاز الفاشل لمجموعة معينة انت منهم

اخر الافلام

.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي


.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ




.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة