الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم سيارات.. سيارات

سعد تركي

2010 / 10 / 21
المجتمع المدني


كان حلماً يعجز كثيرون عن تحقيقه، ذلك أن امتلاك(سويويرة) صغيرة لا يتأتى إلا لنفر قليل من المحظوظين من قبيل التجار أو الموظفين الكبار. أما حين يجازف أحدهم بشراء واحدة (على كد فلوسه) فإنه سيقع ـ في الغالب ـ ضحية سرطان يستنزف ماله ووقته وأعصابه، فـ(فلوسه) لا يمكن لها أن تكون ثمناً إلا لسيارة أكل الدهر عليها وشرب.. كان حلماً عرف الطاغية المقبور كيف يستغله، فهو مكافأة من يتطوع وقوداً لحرب عبثية، وهو ديّة لعائلة فقدت ابنها في مغامراته، وهو ـ ولعله الأهم ـ ثمن من باعوا أنفسهم ليكونوا سوطه وآلته وعينه وأذنه ضد أبناء جلدتهم.
بعد الغزو الأميركي وفتح حدود البلاد على مصاريعها، غصّت شوارعنا الضيقة بالآلاف من السيارات التي أذهلتنا موديلاتها وأشكالها وأنواعها وسلبت عقول الكثيرين. ولأنها كانت في الغالب سيارات تم تسقيطها في بلدانها فقد جاءت قطع غيارها على شكل سكراب من الدعامية إلى الدعامية!!
كنا نظن أن أولي الأمر حين ينتبهون إلى خطورة هذا الهجوم الكاسح المدمر من السيارات ويمنعون تدفق سيلها الجارف، سيضعون خططاً سليمة لتقنين دخولها بما يلائم حاجة البلد وسعة الشوارع، لكن ما جرى كان عكس التوقعات والظنون، فقد استشرت حمى استيرادها على الجميع، فما من وزارة أو مجلس محافظة إلا وقد وضع على رأس أولوياته وخططه العاجلة استيراد آلاف منها وبيعها بالتقسيط على فئات محددة لعل أغلبها ليس بحاجة إليها لكنهم يشترونها رغبة في بيعها والاستفادة من فارق السعر بين الشراء والبيع وأحيانا الفارق بين الشراء آجلاً والبيع عاجلاً!
في وقت يتجه العالم من حولنا إلى الاستغناء عن وسائط النقل الخاصة والتركيز على العامة منها لأسباب اقتصادية وبيئية وصحية، يُغرق مسؤولونا البلاد بهذه الوسائط وكأن مشكلة المواطن هي في امتلاك سيارة لا يتسع لها شارع ولا يجد لها مكاناً يركنها فيه، حتى أنها أضحت تنافس المارة على الأرصفة القليلة التي نجت من زحف البسطيات والجنابر والكتل الكونكريتية، وتضيّق على الأطفال فرصة اللعب في الحواري الضيقة لمحلاتنا الشعبية التي أضيف لاكتظاظها بالسكان خنقها بهذه السيارات.
في وقت لا يجد كثيرون سقفاً يؤويهم، ولا يجد آخرون عملاً يعتاشون منه، تركز وزاراتنا ومجالس محافظاتنا جهدها على استيراد السيارات في منافسة محمومة مع وزارة التجارة المختصة الوحيدة، لكأن مشكلة العراقي الأهم ومعضلته الكبرى تتلخص في (سويويرة) لا يستطيع التنقل فيها إلا نادراً.
يقول بعضهم إن هذه السيارات ستوفر عملاً للعاطلين، لكننا نعتقد إن هذه السيارات لا يمكن أن توفر عملاً إذا امتلكها الجميع، غير أنها يمكن أن تكون سقفاً لعائلة لا تستطيع دفع بدل إيجار مسكن أو طردت من بيت عشوائي شرط أن يعمل المسؤولون ـ كما وفروا هذه السيارات ـ على توفير مكان يركن فيه المواطن بيته المتنقل.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة اعتقال مسلحين اثنين ومقتل آخرين من منفذي هجوم داغستان


.. شبكات | اعتقال عارضة أزياء يمنية بعد جدل أثارته صور زفافها




.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - الأونروا: 69% من مدارس النازحين ف


.. الأونروا: 69% من المباني المدرسية التي كانت تؤوي نازحين في غ




.. مشاهد للحظات الأولى بعد قصف مقر تابع للأمم المتحدة في غزة