الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدق الفكرة في العقل واللاعقل

صاحب الربيعي

2010 / 10 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن كان العقل واقعاً لظاهرة ما فإن اللاعقل واقعاً لحالة كامنة، لا يمكنها التواصل مع الآخرين إلا من خلال مبادرات العقل وقيمه العامة بعدّها ضوابطاً اجتماعية تنظم سبل الحياة في المجتمع. لذلك فإن العقل يمكن عدّه اجتماعياً أداة لإصدار الأحكام الاجتماعية على سلوك الفرد وممارسته اليومية المتوافقة مع عقلانية المجتمع، لأن العقل يملء خزان ذاكرته بالأفكار المكتسبة والخبرات المتوارثة من المجتمع ولا يمكنه الاعتراف بسلوك أو ممارسة متعارضة مع مكتسباته العقلية التي تعدّ سلوكاً وممارسة خارجة على حدود العقل، أي إنها واقعاً لظاهرة شاذة يطرحها اللاعقل كونها حالة كامنة لا يمكن أن تصبح واقعاً طالما أنها ضد مبادرات العقل.
يعتقد (( ميشيل فوكو )) " أن اللاعقل جوهره لا عقل سطحي، بلا عمق، يتخلله هشاشة التفكير داخل العقل فيفرض قيوده بعدّه سراباً يتوضع بالقرب من حافة الجنون ".
يعدّ معيار قياس صدق الأفكار معياراً عقلياً يرفض كل فكرة تتعارض مع قيمه ومكتسباته وخبراته المتوارثة، ولا يصح استخدامه لقياس أفكار اللاعقل لأنها متعارضة مع الواقع بعدّها حالة كامنة غير واقعية. لذلك فإنها تنتج أفكاراً لا تنسجم مع قيم الواقع وأعرافه المتوارثة التي تختزنها ذاكرة العقل لأنها أحد مبادرات العقل الواعي المنصاع إلى قيم عقلانية المجتمع.
إن الأخلاق نتاجاً لقيم عقلانية المجتمع يكتسبها الفرد خلال التربية والموروث لتصبح معياراً لسلوكه وممارساته في الحياة العامة، ويعدّ كل تعارض مع مكتسباته الموروثة ظواهر لا أخلاقية لأن صدق الفكرة من عدم صدقها سندها الأساس قيماً عقلية مكتسبة بعدّ معيار القياس موحداً. ومن ثم فإن كل الأدلة التي تدحض صدق الفكرة هي أدلة عقلية عدّها المجتمع آلية صالحة لاختبار الأفكار المتعارضة مع مكتسباته الموروثة لعدم وجود قناعة مغايرة لإعتماد معيار آخر لقياس صدق الأفكار في المجتمع لأن العقل لا يستوعب فكرة متناقضة مع مكتسباته وخبراته الموروثة.
يقول (( ميشيل فوكو )) : " إن الأخلاق قيماً عقلية ضد اللاعقل، لأن جذر كل فكر سليم يمتد من لا نهاية التفكير إلى حدود الحرية بعدّها أحد مبادرات العقل ".
هناك هوة شاسعة بين نتاج العقل واللاعقل بالقيم الاجتماعية ورفض متعمد ومغروس في اللاوعي المجتمعي مناقشة أفكار اللاعقل بعدّها أفكاراً مجنونة لتعارضها مع مبادرات العقل. والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي الأدلة الراسخة على صدق أفكار العقل المعتمدة منذ فجر التاريخ ؟. فإن جرى اختبارها بمقياس عقلانية المجتمع لإثبات صدقها، فإن المعيار ذاته لا يصلح لقياس صدق أفكار اللاعقل فما الضير استخدام معيار آخر ؟.
أن جرى عدّ كل فكرة لا تتفق مع أحكام العقل فكرة لا عقلانية ووصمها بفكرة مجنونة يطرحها مجانين، فإنها تتعارض مع الأدلة العلمية غير الخاضعة للأدلة العقلية فليس كل دليل عقلي يصلح لتحقق من صدق الفكرة، فهناك أفكار كثيرة لا يستوعبها العقل بعدّه قاصراً وغير مستجيب للتطور المتسارع للعلوم والتكنولوجيا. لذلك فإن الأدلة العلمية على الرغم من أن جذرها الأساس أدلة عقلية على مدى قرون من الزمن، فإنها لم تعدّ كذلك مع التطور الهائل للعلوم والتكنولوجيا على الأقل بالنسبة للعلماء والفلاسفة الباحثين عن أسرار الحياة والكون الغامضة.
يعتقد (( كالفين )) " أن الله أخفى عن الحكماء أسرار الخلاص، وتستر خلف الجنون لإخفاء ذاته عنهم ".
تعرض اللاعقل في الدماغ للضمور لعدم استخدامه قرون من الزمن لكنه يستعيد نموه عند الجنون فيفرض أحكامه على الجسد وبعدّه من خاصة الروح تميل كامل منظومة الإنسان إلى قيم روحية أكثر منها إلى قيم جسدية فتطرح أفكاراً متعارضة مع عقلانية المجتمع بعدّ منظومته القيمية تنتمي إلى عالم العقل ذي المكتسبات والخبرات المتوارثة.
إن أكثر العلوم والتكنولوجيا حداثة وتطور في البدء عدّها العقل أفكاراً لا عقلية تقترب من أفكار الجنون ولا يمكن تحقيقها تبعاً لمعيار قياس صدق الأفكار في مجتمع العقلانية لكنها أكتسبت صدقها بالأدلة العلمية لا العقلية لتفرض نفسها واقعاً يقبله العقل بعدّها مكتسبات معرفية جديدة.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل قانون الجنسية الجديد في ألمانيا| الأخبار


.. صحيفة العرب: -المغرب، المسعف الصامت الذي يتحرك لمساعدة غزة ب




.. المغرب.. هل يمكن التنزه دون إشعال النار لطهو الطعام؟ • فرانس


.. ما طبيعة الأجسام الطائرة المجهولة التي تم رصدها في أجواء الي




.. فرنسا: مزدوجو جنسية يشغلون مناصب عليا في الدولة يردون على با