الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعصُّب نوعان

إبراهيم عبدالمعطي متولي

2010 / 10 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يشير معنى التعصب إلى الميل الشديد إلى شيء إلى حد يصل إلى عدم رؤية غيره, وهكذا يتوحد المتعصب مع فكرة معينة دون الالتفات إلى الأفكار الأخرى، فيظهر أمامه جزء من الصورة وتغيب عنه الأجزاء الأخرى، وتصبح الحقيقة ناقصة لديه.. هذا النوع من التعصب هو النوع المعيب.. وقد يتساءل سائل: وهل يكون التعصب إلا معيبا؟ وهل هناك تعصب محمود؟.. الحق، أن التعصب يكون محمودا حين لا يلغي المتعصب الآخرين من حساباته، بمعنى أن من حق الإنسان أن يتعصب الإنسان إلى معتقداته، دون أن ينتقص من معتقدات الآخرين أو يعلن الكراهية لهم.
جاء في معجم "لسان العرب" لابن منظور في أصل معنى التعصب "عصَب الشيءَ يعصِبهُ عَصْبًا طواهُ ولواهُ وشدَّهُ والشجرة ضمَّ ما تفرَّق من أغصانها إليها ثم خبطها ليسقط ورقها. قال الحجَّاج لأعصبنكم عصب السَلَم. وقال أبو عبيد السَلَمة شجرةٌ إذا أرادوا قطعها عصبوا أغصانها عصبًا شديدًا حتى يصلوا إلى أصلها فيقطعوها"، ويرتبط المعنى –هنا- بتوحد الإنسان مع قومه أو مع معتقداته، وهو المعنى الذي نجده في المعجم ذاته "تعصَّب فلانٌ في دينهِ ومذهبهِ كان شديدًا غيورًا فيهما ذابًّا عنهما وانعصب الشيءُ اشتدَّ", ولا خطر في هذا النوع من التعصب ما لم ينتج عنه ضرر للآخرين.
أما النوع المعيب من التعصب، فهو الذي يصيب الشخص بالعمى عن رؤية الحقيقة لدى الآخرين أو تعمد عدم رؤيتها، وهذا يتفق مع ما ورد في المعجم " التعصُّب مصدر تعصَّب, وعدم قبول الحق عند ظهور الدليل بناءً على ميلٍ إلى جانب".
التفت إلى التفرقة بين النوعين المفكر جمال الدين الأفغاني الذي أشار في مقال له في مجلة "العروة الوثقى"، نشره موقع "موسوعة دهشة", إلى أن التعصب بمعناه الإيجابي مصدر قوة للملتفين حول فكرة معينة أو معتقد معين، يقول: " التعصّب قيام بالعصبية، والعصبية من المصادر النسبية، نسبة إلى العصبة، وهي قوم الرجل الذين يعززون قوته، ويدفعون عنه الضيم و العداء، فالتعصب وصف للنفس الإنسانية، تصدر عنه نهضة لحماية من يتصل بها والذود عن حقه، ووجوه الاتصال تابعة لأحكام النفس في معلوماتها و معارفها".
يضيف الأفغاني: "هذا الوصف هو الذي شكل الله به الشعوب، وأقام بناء الأمم. وهو عقد الربط في كل أمة، بل هو المزاج الصحيح يوحد المتفرق منها تحت اسم واحد، أو ينشئها بتقدير الله خلقًا واحدًا، كبدن تألف من أجزاء وعناصر، تدبره روح واحدة، فتكون كشخص يمتاز في أطواره وشؤونه وسعادته و شقائه عن سائر الأشخاص".
ويوضح الأفغاني أن المعنى السلبي للتعصب يدفع إلى ضعف الأمم، لأنه قائم على ظلم الآخرين والانتقاص من حقوقهم، يقول عن التعصب بهذا المعنى: "والإفراط فيه مذمة تبعث على الجور والاعتداء, فالمفرط في تعصبه يدافع عن الملتحم به بحق وبغير حق، ويرى عصبته منفردة باستحقاق الكرامة، وينظر إلى الأجنبي عنه كما ينظر إلى الهمل، لا يعترف به بحق، ولا يرعى له ذمة، فيخرج بذلك عن جادة العدل، فتنقلب منفعة التعصب إلى مضرة ويذهب بهاء الأمة، بل يتقوض مجدها".
اللجوء إلى العقل يحمي الوطن من التشرذم، لأنه يقي أشخاصه من الميل إلى الجانب السلبي من التعصب، فمن حق كل شخص أن يتعصب لأفكاره ومعتقداته، لكن دون تجاوز ذلك إلى مصادرة حق الآخرين في الإيمان بما يشاءون من أفكار ومعتقدات. وبدلا من البحث عما يفرِّق، علينا أن نتمسك بما يجمع بيننا من مشترك، وهو كثير، في حين أن المختلف قليل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا


.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4




.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا


.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة




.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه