الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعم لوفاء الإنسان لا لوفاء الكلاب

نهرو عبد الصبور طنطاوي

2010 / 10 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



كثيرا ما يتغنى الناس بوفاء الكلب، وكيف أن الكلب وَفِيُّ ومخلص لصاحبه، ولا يعض اليد التي تمتد له بالخير، وكثيرا ما نقرأ قصصا عن مدى وفاء الكلاب وإخلاصها لأصحابها، بل أصبح معظم الناس يرون الكلب مضربا للمثل وقدوة يجب على الإنسان أن يقتدي به في وفائه وإخلاصه، بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك، حيث رأوا أنه من الظلم للكلب تشبيهه بالإنسان، لأنهم قد يروا أن الإنسان أكثر خيانة وغدرا وعدم وفاء وقلة إخلاص من الحيوانات، فرأوا أن الكلب بوفائه وإخلاصه أفضل من الإنسان الخائن، بل إن البعض قد يرى في الكلب من الصفات الوفائية الإخلاصية ما لا يمكن أن يراه في بني البشر أو يتوافر لديهم، لدرجة أن بعض الناس قد رأى أن هناك تنافسا تضاديا كبيرا بين الكلاب وبين البشر في مدى وفاء الكلب ومدى خيانة وغدر الإنسان.

وتقديرا للكلاب نرى في الدول الغربية وفي بعض مجتمعاتنا الراقية أن بعض أفراد هذه المجتمعات يقومون باقتناء الكلاب وتسميتها بأسماء بني الإنسان، بل منهم من يسمي كلبه بأسماء أعز الناس إليه وأقربهم إلى قلبه، ومنهم من يعتبر الكلب كالابن البار أو الصديق الوفي أو القريب الحامي أو السند في وقت الشدة أو الحبيب الذي لا يخون ولا يغدر بحبيبه.

ورغم كل هذا الاعتزاز الإنساني بالكلب والانبهار بأخلاقه الوفية وإخلاصه المتفاني لصاحبه كما يرى معظم الناس هذا، إلا إن الكلب لم يسلم من تناقض الإنسان وإساءته إليه واتخاذه من الكلب مضربا للمثل في التحقير والإهانة والازدراء، فحين يريد أحد من بني البشر أن يحقر شخصا أو يزدريه أو يهينه أو يحط من قدره أو يشتمه أو يسبه بما يوجعه نراه يشبهه بالكلب إهانة منه وازدراء وتحقيرا لأخيه الإنسان، ولكن لم يذكر لنا أحد من بني الإنسان لماذا في بعض الأحيان ينقلبون على الكلب ويتخذون منه عرضة للتحقير والإهانة والازدراء في الوقت الذي يمتدحون فيه الكلب لوفائه وإخلاصه.

يبدو أن هناك خللا ما يجب كشفه، هذا الخلل يبدو في أن الإنسان قد أخطأ خطئا جسيما حين انبهر بوفاء الكلب من دون وعي وجعل منه مثلا يحتذى به، وكذلك أخطأ الإنسان خطئا شنيعا حين رأى في الكلب وفاء قد لا يرقى الإنسان إلى مثله، لقد وقع الإنسان في هذا الخطأ لأنه لم يدرك مدى حقارة وانحطاط وخسة وفاء الكلب، هذا ما جعل الإنسان يقع في التناقض الصارخ في نظرته للكلب، ذلك التناقض الذي جعل الإنسان تارة يضرب المثل بالكلب في وفائه وإخلاصه، وتارة أخرى يجعل من الكلب عرضة للإهانة والازدراء والتحقير، وهنا يجب لفت الانتباه إلى أمر هام قد يغيب عن بعض أو كثير منا ألا وهو: في حين أن الإنسان دائما ما يتغنى بأسباب انبهاره بأخلاق الكلب ووفائه وإخلاصه، نراه يحجم ويصمت تماما عن ذكر أسباب احتقاره وازدرائه للكلب حين يشتم أخاه الإنسان ويهينه بتشبيهه بالكلب، ذلك لأن الإنسان لو تأمل قليلا في وفاء الكلب لاكتشف مدى وضاعة الكلب ومدى وضاعة وفائه وخسة إخلاصه، ولشعر على الفور بالوقوع في التناقض المخجل.

ولحل هذه المعادلة علينا أولا أن نضع وفاء الكلب على طاولة التشريح لمعرفة ما إذا كان وفاء الكلب وفاء حقيقيا أم كان شيئا غير ذلك؟، لو دققنا النظر قليلا في وفاء الكلب لاهتزت ثقتنا كثيرا في هذا الوفاء، ولزال انبهارنا بذلك الإخلاص، بل لاكتشفنا أن وفاء الكلب وفاء وضيع خسيس مدفوع الأجر، وفاء جاء نتيجة للحصول على فتات الطعام، وفضلات الموائد، وبقايا العظام، وليس وفاء إنسانيا قيميا أخلاقيا، من دون مقابل، ومن دون أجر، أو ثمن. فالكلب لا يفي لصاحبه من دون مقابل أو عطاء، فإن أعطاه صاحبه صار وفيا مخلصا له، حين يناديه يأتيه لاهثا مسرعا، هازا لذيله، مطأطئا لرأسه، لاعقا لحذائه، متملقا، طامعا، آملا فيما سيلقيه إليه من فضلات الطعام، وبقايا العظام، لا يعنيه بعد ذلك إن كان صاحبه ظالما أو مظلوما صالحا أو طالحا طيبا أو خبيثا، وهنا تكمن وضاعة وخسة هذا الوفاء، فالكلب يوالي صاحبه ويفي ويخلص له بصورة آلية عمياء تجعله يهدد ويعتدي على كل من يحاول الاقتراب من صاحبه حتى ولو كان صاحبه باغيا أو ظالما أو لصا أو معتديا على الآخرين.

إننا حين نضرب المثل في عالم الإنسان بوفاء الكلاب وإخلاصها، فإننا نطلب من عالم الإنسان أن ينحدر لعالم الكلاب، وحين نضرب المثل في عالم الإنسان بوفاء الكلاب، فإننا نطلب من الإنسان أن يفي ويخلص لصاحبه حين يلقي إليه بفتات من مال، أو منصب، أو جاه، أو يلقى إليه بوظيفة ما، أو عطاء ما، كي يغمض عينيه عما يفعله صاحبه، لقاء ذلك الفتات، أو تلك البقايا، فإذا ارتضى الإنسان لنفسه بهذا اللون من الوفاء، فقد رضي لنفسه أن يكون في وضاعة إخلاص الكلب وخسة وفائه، ويكون قد ألقى بنفسه من قامة الإنسان إلى حضيض الكلاب، وساعتها لا يكون الفتات عطاء، ولا البقايا عطاء، إنما يكون ثمنا لوفائه، ومقابلا لإخلاصه، إذن، فالترويج لهذا اللون من الوفاء يكون في عالم الكلاب، لا عالم الإنسان. وأخيرا: أيهما أجدر بالانبهار والإعجاب؟ وفاء الإنسان أم وفاء الكلاب؟.

نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر_ أسيوط
موبايل/ 0164355385_ 002
إيميل: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - غير محظوظ
رؤوف رزقالله ( 2010 / 10 / 24 - 10:33 )
من الواضح ان البيئة الشرقية المعادية للطبيعة التى نشأ فيها الكاتب وغيره هى التى أملت عليه هذه الأفكار ومن الواضح أيضا أنه لم يكن أبدا من المحظوطين بمرافقة كلب يشعره بالسعادة أو يزيل الوحده عن نفسه أو يحميه من شر أو يقوم على خدمته إذا كان مقعدا أو يرافقه فى الطريق أذا كان أعمى أو يقتفى أثرا للص أو قاتل أو يبث فى أولاده الشعور بالعطف على غيره من الحيوانات والمخلوقات أو يقربه من الطبيعة أو يواسيه فى مرضه أو يبتهج كما لايبتهج إنسان عند كل مرة يعود فيها صاحبه أو بالأحرى رفيقه الى المنزل لا لقاء لأجر بل عن حب خالص.كل هذه الصفات وغيرها الكثير موثقة ياعزيزى فى كتب ومحاضرات علمية وتجارب عملية أحدثها وعلى سبيل المثال فقط مقدرة الكلب على شم رائحة مريض بالسرطان من عدمه.العيب ياسيدى العزيز هو على ثقافتنا التى لم تذكر اللا وفاء الكلب فقط... وأوهمتنا بانه نجس أيضا !!!


2 - هل تطالب الحيوان يا أنسان أن يعلمك الوفاء؟؟؟
أشـورية أفـرام ( 2010 / 10 / 24 - 15:27 )
أولأ وأخيرا الكلب هو حيوان ونشكره لوفائه وفرحه بصاحبه الذي يقدم له طعام خصوصي وليس فتات وفيه كل انواع الفيتامينات والبروتينات...والكلب حيوان صديق للأنسان في وحدته وصديق ومعين للأنسان الفاقد البصر ويكون عينيه التي يرى بها ويقوده أينما يريد...وهو معين لرعاة المواشي الغنم والبقر وغيرها من الحيوانات... وصديق للصياد اثناء خروجه للصيد وهو حارس الدار خوفا من السراق والمجرمين...وهو في كل الأحوال حيوان ولكن اللوم لفئة من البشر الذين يقدم لهم كل شىء أكل ومشرب ومسكن وملأبس وتطبيب ومدارس مجانا لأطفالهم وللكبار كل على حساب الدول التي اوتهم لتركهم وهجرتهم بسبب حكامهم وسياسيهم المستبدين وبسبب العقد الدينية للمتطرفين والأرهابيين من أبناء جلدتهم ولكن رد جميل هؤلأء هو السب والشتم واللعن للهذه الدول وتشبيههم بالقرد والخنازير وأنهم كفار وملأعين...فعليك اخذ العبر من الحيوان الذي هو مليون المرات أفضل من كثيرين من الذين نسميهم بشر وللأسف بالشكل فقط وما هم الأ حيوانات غاب مفترسة ليس لها رحمة ومحبة لنفسها اولأ وللأخرين...فبدلأ من أن نطلب من الحيوان المسكين أن يعلمنا الوفاء فالنكن نحن بني البشر أوفياءءءءءءء...


3 - الذي لأ يعرف حب أخيه الأنسان+فكيف يحب الحيوان
أشـورية أفـرام ( 2010 / 10 / 24 - 22:01 )
رؤوف رزقالله + أخي العزيز طبعا كلأمك صحيح ولكن الذي لأ يعرف محبة أخيه الأنسان الذي يتعايش معه في نفس المكان كيف تطالبه أن يحب حيوان مسكين... وخاصة أن كان هذا الأنسان ليس من معتقده أو لم يكن منتميا للمكان الذي قدم منه أي من شبه الجزيرة ...هؤلأء القادمين لمشرقنا لنشر ما أمنوا به بالقوة والسيف وأستوطنوا وتسلطوا على الأخضر واليابس ولم نطالبهم بشىء بل العكس هم كان سيفهم مسلط فوق رقابنا وفعلوا بنا ما بخاطرهم وبضمير ميت وطبعاونحن صاغرون كما يقول القرأن...وقدمنا لهم الغالي والنفيس أرواحنا ممتلكاتنا بلداننا نسائنا وكل مرارة شربناها منهم وأعطينا لهم الخد الأيمن والأيسر ولم ولن يرضيهم شىء ولو ملكوا العالم الزائل الفاني سيبقون دائما عيونهم للذي يملكه الأخر...بالله عليك أي حيوان تتكلم عنه أخي كاتب المقالة أولأ رفقا بأخيك الأنسان وبعدها تفكر وأكتب عن عالم الحيوان...


4 - تعليق
سيمون خوري ( 2010 / 10 / 25 - 11:14 )
أخي الكاتب المحترم قبل سبعة آلاف عام جرى تدجين الكلب من قبل الإنسان ، هذا الكلب الذي ورد في كتابك المقدس أنه كان الحارس الأمين لأولياءالإله الصالحين في سورة أهل الكهف .ومع ذلك يبدو أن الإنسان المعاصر عليه ترويض فصيلة أخرى من مخلوقاته لكي تدخل عصر الرأفة والعطف والشفقة على الحيوان أي حيوان كان . وتدرك معنى المحبة بدون مقابل . مع التحية لك على هذا المقال الممتع جداً جداً


5 - تعريض ضمني بـ(وفاء)؟؟؟
محمد جابر الملحد ( 2010 / 10 / 28 - 02:19 )
لا ادري ان كنت محقا ام لا لكني اشعر ان الكاتب يعرض باحدى الكاتبات المعروفات التي اسمها (وفاء) بشكل غير مباشر. فالاصرار على زج كلمة (وفاء) مرارا (وبدون ال التعريف غالبا) حولها من صفة الى اسم علم. اتمنى ان اكون مخطئا


6 - هل تطالب الحيوان يا إنسان أن يعلمك الوفاء؟؟؟
خالد شادي ( 2011 / 3 / 3 - 22:45 )
أنا أوافقك في كل قلته عن وفاء الكلب هذا الوفاء الذي تعتبره خسيسا ولكن يا نهرو الكلب ذكر في القرآن الكريم وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن الكلب لا يعتبر خسيسا للدرجة التي نسبتها له ، ومع ذلك فالكلب وفي للإنسان وكما ادعيت أنه يفي للإنسان مقابل الأكل والشرب فهو ليس كذلك لأنه أولا وقبل كل شيء هو حيوان أي أنه دون عقل وأنت حكمت عليه حكم حسب فهمي أنت متأثر بالحضارة الغربية التي تقدس الكلاب والله أعلم

اخر الافلام

.. الشقيران: الإخوان منبع العنف في العالم.. والتنظيم اخترع جماع


.. البابا فرانسيس يلقي التحية على قادة مجموعة السبع ودول أخرى خ




.. عضو مجلس الشعب الأعلى المحامي مختار نوح يروي تجربته في تنظيم


.. كل الزوايا - كيف نتعامل مع الأضحية وفكرة حقوق الحيوان؟.. الش




.. كل الزوايا - الشيخ بلال خضر عضو مركز الأزهر للفتوى يشرح بطري