الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بخدمتك

حسين رشيد

2010 / 10 / 26
المجتمع المدني


بخدمتك

حسين رشيد
1
يردد الشارع العراقي المعروف بتعدد اللهجات واللكنات، الكثير من المفردات والمصطلحات الشعبية، التي تظهر فجأة وتختفي فجأة، بدءاً من (ابو الشباب) وما سبقها، الى (العزيز) بكسر الزاي وما لحقها.
مرورا بالكثير من المفردات التي رافق بعضها ظواهر وحالات خاصة او عامة. لكن في الآونة الأخيرة، أخذت مفردة (بخدمتك) تأخذ حيزا كبيرا من الاستخدام، والتداول اليومي، في الكثير من الأماكن الخاصة والعامة، ومنها الخدمية، وبذات الخصوص التي فيها حراك وتبادل مستمر، وبيع وشراء. مثلا، اذ ما طلبت من سائق الكيا او التاكسي، التوقف للنزول ستسمع مفردة (بخدمتك)، واذ طلبت من عامل مطعم القليل من الماء، او صمونة “عوازة”، ستطرق أسماعك المفردة ذاتها، وهكذا في الكثير من الأمور الحياتية الأخرى، الأمر الذي يضطرك ان تبادل الرد بمفردة (خادم ربك) او ما شابه ذلك من مفردات أخرى.

2
والمفردة في حد ذاتها مرتبطة بالخدمة والأعمال الخدمية، سوى كانت الخاصة او العامة، ولا تخلو من العبودية والتسلط والرياء أيضا، ففي أوقات خاصة ومواقف معينة، تستخدم للتمويه والإفلات من موقف او حدث محرج، وعلى سبيل الذكر ما حدث قبل فترة في أحد تقاطعات شوارع بغداد، حيث أشار شرطي المرور الى وقف السير، لكن سائق الكيا تجاوز الخط المسموح به للتوقف، الأمر الذي اضطر شرطي المرور طلب رخصة السياقة وسنوية السيارة والتهديد بالحجز، فسارع السائق بالابتسامة وأطلق (بخدمتك)، التي كانت خير عون ومحام ناجح، في إفلاته من عقوبة وشيكة.
وقد اعتاد أسياد القوم والأغنياء والوجهاء أن يكون لديهم خدم وحشم، بعضهم يعمل لكسب القوت اليومي وبعضهم يشترى ويباع، اذ يعملون بولاء وطوعية، ربما تصل الى حد العمى، ومع تطور منظومة الأفكار الإنسانية، وظهور قوانين وتشريعات، منعت المتاجرة بالبشر واستخدامهم بطرق مهينة وتسلطية عبودية، أنتهت هذه الظاهرة الى حد ما. وكان الدين الاسلامي أول من شرع لذلك، من هنا نتساءل ما الذي يدعو الشارع العراقي وفي مناطق معينة وبالأخص الفقيرة والكادحة، الواقعة تحت التأثير الديني نوعا ما، استخدام هذه المفردة بكثرة، من ثم شيوعها في أماكن أخرى، هل أدمن العراقي العبودية والتسلط، واحترف صناعة الرموز بمختلف أشكالها، أما انها موضة او ظاهرة مرتبطة بالحالة الاجتماعية للبلد.
3
ومن خلال التواجد في كردستان، لأيام معدودة سوى من خلال المشاركة في مهرجان ثقافي، او السفر الخاص لغرض الترفيه. وجرى الاحتكاك والتعامل اليومي، في ذات الأماكن التي أشرت أليها في البدء، تسمع مفردة (على راسي) البعيدة عن كل تصورات العبودية والتسلط، مفردة جميلة ولطيفة، تداعب المشاعر بشيء من الرقة، تحمل في ثناياها، موسيقى داخلية ربما يعود السبب لاستخدامها في بعض الأغاني العراقية والعربية، ومنها أغنية كاظم الساهر (عبرت الشط على مودك وخليتك على راسي)، وأغنية فريد الأطرش (تآمر على راس وعلى العين) لذا تجد المفردة مشاعة في ذات الوقت في بلاد الشام ومصر وربما دخلت الينا من هناك.
وهناك مفردة أخرى، متداولة بشكل لا باس به في بعض المناطق، وتستخدم في ذات الأماكن المشار اليها، وهي (بعيني) واعتقد لا يختلف احد على جمالية المفردة التي تصاحب الحالات الحميمية والإنسانية. واذا ما عدنا الى أصل المفردتين (على راسي) و
( بعيني ) نجد انهما كانا ضمن مصطلح شعبي تداولي قد يكون بغدادياً،
كان مشاع في فترة الستينيات والسبعينيات (تدلل اغاتي على عيني وراسي) قبل ان تدخل عليه مفردة ( تآمر) والتي أشيعت في فترة عسكرة المجتمع العراقي أبان الثمانينيات والتسعينيات، واذ ما عدنا وتفحصنا المفردات، نجد انها ارتبطت بحالة المجتمع وشكل الحياة العامة في كل فترة مر بها البلد، حيث تكون طبيعة المفردة معكوسة للحالة العامة للناس، ومدى استقرار وضعهم النفسي والمعيشي، الذي يكون المحرك الاساسي اذ لم يكن الاول في انسيابية التعامل اليومي بين بعضهم. وبما ان هذا التداول محكوم باللغة او بلكنة ولهجة معينة، لذا نجد تاثرها بتلك الظروف، من ثم ابتكار مفردات تلائم كل ظرف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا تحطم الرقم القياسي في عدد المهاجرين غير النظاميين م


.. #أخبار_الصباح | مبادرة لتوزيع الخبز مجانا على النازحين في رف




.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال


.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي




.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون: