الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعجاز بين الفهم واللافهم

محمد شرينة

2010 / 10 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


معظم ان لم يكن كل الناس مسلمون لأن لديهم دليل قطعي على صحة الإسلام فالقرآن معجزة وفيه إعجاز لغوي وعلمي إلى ما هنالك.
لكن ما معنى معجزة او إعجاز وكيف عرفنا أن القرآن يحقق هذا المعنى؟
لنبدأ بمعجزات الأنبياء قبل الإسلام فإبراهيم نجى من النار وموسى صارت عصاه حية تسعى وعيسى أحيا الأموات، فهل يدل ذلك او يلزم بشيء؟
لنفترض أن أريل شارون أفاق من غيبوبته ودخل النار وخرج سالما مرة أو مرات ثم حول مئات العصي إلى حيايا تسعى وأحيى من الموت أبي وخالي وعمتي فهل أصدق أنه بطل سلام وان الفلسطينيين معتدين؟
ولنفرض أن رجل بسيط طيب يدعي أن له بذمة رجل آخر مبلغ من المال، فعل كل ذلك وقال فقط أن ذلك يدل على أنه صادق فهل تحكم له اي محكمة محترمة بشيء؟
طبعا في الحالتين الجواب واضح وهو: لا. المعجزة لا يمكنها أصلا أن تثبت شيئا وعلى كل حال لدينا الكثير من الأحاديث الصحاح التي تقول لنا أن المسيح الدجال – الكذاب – سيأتي في آخر الزمان ويقوم بمعجزات فيزرع القمح صباحا ويأكل من سنبله عصرا إلى غير ذلك فهل هذا هو دليل على صدق دعواه؟
ولنعد الآن إلى معجزة القرآن ومع التأكيد على أن المعجزة اي معجزة لا يمكن ان تدل على شيء إلا أن الوضع فيما يخص القرآن مختلف كثيرا فإلقاء رجل في النار وخروجه سالما أمر غير مألوف حتما، بمعنى انه عجيب لكن فيما يخص القرآن ليس هناك ما هو غير مألوف.
يتحدى القرآن الناس بأن يأتوا بمثله ولكن من أبده المعلومات أن لا شيء في العالم يشبه الآخر وهذا التحدي يشبه تماما القول أن رشدي أباظة هو أجمل رجل ونحن نتحدى المخالف بأن يأتينا برجل بجماله ومعلوم أن المقدمتين باطلتين، فلا المرحوم هو أجمل رجل يمكن الاتفاق عليها بل من يحب رشدي هو من يقول ذلك ولا الإتيان برجل مثل رشدي ممكن لأن لكل شخص وكتاب وشيء في هذا العالم خاصية فريدة لا يمكن أن تتكرر. بعد ان يقرأ المُطَلِع على الأدب عدة قصائد لشاعر وكتاب أو اثنين لمؤلف يصبح قادرا على معرفة أن شعر ما هو ليس لذلك الشاعر وان مقطعا ما لا يمكن أن يكون لذلك المؤلف.
في البداية حتى يكون هناك شيء يسمى معجزة في القرآن، بمعنى مخالف للمعتاد، يجب أن يتفق كل الناس على ذلك كاتفاقهم على أن بقاء رجل في وسط النار لساعات وخروجه سالما هو أمر غير مألوف أو معجز. لكن فقط المؤمنين بالقرآن هم من يرونه معجزا ولكننا أنما نحتاج المعجزة من أجل المنكر لا من أجل المقر. غير المقرين بصحة القرآن يرونه كتابا عاديا ويردون التحدي على الإتيان بمثله كالتحدي على الإتيان بمن هو مثل رشدي أباظة أو شارلي شابلن.
وعلى كل حال فمعظم العرب خاصة في الوقت الحاضر غير قادرين على فهم القرآن وتلمس مواضيع إعجازه دون مساعدة أحد، ناهيك عن كل الأمم التي لا تعرف العربية، فكيف يكون القرآن معجزا إذا؟ المعجزة كالخروج سالما من النار هو أمر يجب أن يدركه كل البشر بصورة بديهية لا تحتاج إلى أدنى تفكير ومنذ الوهلة الأولى ويدركون كذلك غرابتها أو اختلافها عن المألوف وإلا لم تكن معجزة، فإذا كان الفارسي أو الصيني يحتاج لأن يستمع ويفهم مطولا لشرح الشيخ فلان حتى يقتنع بمعجزة القرآن فأي معجزة هذه؟
ولنعد إلى البداية، هل تثبت المعجزات شيئا؟ المعجزات هي أمور مخالفة للمألوف كخروج إبراهيم المفترض سالما من النار وهي كما أسلفت لا يمكن أن تثبت شيئا حتى لو تكررت فكيف بها وهي تقع مرة واحدة، فلماذا تعتمد الأديان إذا على المعجزات في تصديق دعواها؟
الجواب هو أن الأديان لا تنطلق من الفهم بل من التغطية على الفهم أو اللافهم. إنها تخاطب إنسان يائس عاجز مشلول نفسيا وفكريا يقول:
اعطني دليل واحد على صدق ما تقول وسأصدقك إلى الأبد في كل ما تزعم. لكنه أصلا عاجز عن التفكير والتحليل لذلك الطريقة الفضلى هو إعطاؤه دليل غير عقلي دليل وهمي يبدو حسيا. وبهذه الوسيلة رأينا وما نزال نرى ما لا يحصى من البشر مسلمين ومسيحيين وغيرهم يستدلون على صحة اعتقادهم بأوليائهم وقديسيهم.
الفهم الحقيقي يتعلق بما يتحقق دائما ويمكن فهمه لا ما يتحقق لمرة أو عدة مرات بحيث لا يمكن معرفته وبالتالي فالمعجزات هي هروب مقصود من طرق التفكير الصحيحة إلى نوع من الألعاب السحرية.
بتفكير بسيط سيتبين أن الصحة الفكرية هي في الجانب المعاكس للمعجزات حيث يمكننا ملاحظة الظواهر مرارا وتكرارا والوصول إلى فهم صحيح لها: اي في العلم لا في الإعجاز لذلك وجدت نفسي منذ بدء مرحلة بحثي عن الحقيقة أنتقل إلى العلم وما تقوله الأمم التي تعتمد على العلم لا إلى المعجزات وما تعتقده الأمم التي تبحث عن معجزة.
أخيرا ما هي المعجزة؟ إنها وسيلة سحرية للتخدير لا أقل ولا أكثر فماذا يعني أن يفعل أحد شيئا لا يستطيع غيره فعله وعلاما يدل؟ ومع أن القرآن لا تنطبق عليه فرضية المعجزة إلا أنه وبفرض أنه يحوي ما يقولون وعندها سيكون غريب، لكن أن يزرع الدجال القمح صباحا ويحصده عصرا أعجب، المعجزة ليست إلا تعلقا بوهم من قبل شخص وطد العزم وانتهى بأن يستسلم للخداع. بالتالي فان مجرد الحديث المستمر عن المعجزات وعن أشكال الإعجاز في القرآن دليل قاطع على القطيعة المستمرة بين المسلمين وبين العقل فالعقل لا ينطلق من المعجزات والغرائب بل من المفهومات.
المحاولة كلها هي دعوة إلى عدم الفهم: إذا حاولت أن تفهم صحة الإسلام فانك لن تفهمها لكن سندلك على صحته بمعجزة! هذه الطريقة هي المعاكس على طول الخط للتفكير العلمي. فهي تكافئ القول أن السيارة من نوع م هي أفضل سيارة في العالم وبدلا من أن يقال للمشتري من قبل المتسوق فكر في مزاياها وتبحر في جميع أنواع السيارات حتى تجيد المقارنة ثم قرر بنفسك ان كانت سيارتنا هي الفضل أم لا؟ قارن بين الدين الذي يأمر بقطع الأيدي ورجم الناس ويجعل المرأة نصف رجل في الإرث والشهادة وربع رجل في الجنس وبين غيره من الأديان ثم احكم.
لكن ما ذا يقال لشاري السيارة المسكين السابق: حتى تتأكد من أن سيارتنا هذه هي الأفضل انظر إلى هذا العصفور انه أجمل عصفور في العالم، قد لا تراه أنت كذلك اليوم لكن ما ان تعتاد عليه حتى تراه، والأهم انه لا أحد في العالم قادر على صنع عصفور نسخة طبق الأصل عنه الا بالاستنساخ كما أنه من البديهي أن أحدا لن يستطيع أن يصنع نسخة طبق الأصل عن القرآن أو أي كتاب آخر إلا بالنسخ او الطباعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أصل المعضلة
غسان مطر ( 2010 / 10 / 26 - 11:15 )
المعضلة ليست في معجزة القرآن وحسب بل هي في مقولة أنه صالح لكل زمان ومكان! تحياتي


2 - حقيقة
سالم الحر ( 2010 / 10 / 26 - 12:48 )
اخي محمد شكرا لك على هذه المقالة الصائبة لقد لخصت حقيقة ازمتنا في مقولتك ان هناك قطيعة بين المسلمين والعقل و هذا هو السبب الحقيقي والوحيد في تصدرنا قائمة التخلف


3 - الحقيقة المطلقة
علي سهيل ( 2010 / 10 / 27 - 05:00 )
ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة وتفسير الكتب المقدسة وتأويلها بما يخدم مصالح الاشخاص (حمال أوجه) والادعاء بفهمها ومحاولة شرحها المطول لمن يجيد قراءة اللغة التي كتبت بها لهي معجزة فعلا،(وكيف نفسر لم هم ليسوا عرب)الكثير من العرب الذين يجيدون لغتهم لا يفهمون او لا يستطيعون تفسير إلا ما ندر من آيات القرآن الكريم ويعتمدون على كتب التفسير قديمة كتبت من بشر يصيبون ويخطؤون قدماء لم يعاصروا التطور والتقدم العلمي، نعتمد على فتواهم وتفسيرهم لايات نحن اليوم من كثرة تراكم المعلومات وما انتجته التفسيرات نختلف على فهم هذه الايات، اليس هذا بمعجزة؟؟؟ والمشكلة بعد ذلك الادعاء بامتلاك الحقيقة المطلق وإباحة عزو وقتل واستعباد وسبي نساء الغير تحت مسميات نشر الدين، فالله عز وجل سمح لهذه الامة الخير امة اخرجت للناس ختم رقاب العباد والاعتداء على اعراضهم بتفسيرهم وتأويلهم لايات لتتناسب مع اهوائهم ولاشباع غرائزهم، ولكن الانسان في وقتنا المعاصر اوجد قوانين تحفظ كرامة الانسان لاخية الانسان، وهل من المعقول المخلوق يصنع قوانين انسانية ارقى من خالقه... ام الانسان فسر وأول ما لم يفهمه ليتساب مع اهواء المتسلط الظالم؟؟؟؟


4 - الطريق الأسهل
عبدالوهاب شرينه ( 2010 / 10 / 27 - 09:14 )
أولا: مقالة رائعة وشكرا لك على كتابتها ونشرها
ثانيا:
إن معظم الناس مثلها مثل الماء تسير نحو الطريق الأسهل والطريق المنخفض بالنسبة للماء هو الأسهل لذلك من الصعب أن تقنع الناس بإعادة التفكير في مسلماتهم لأنها هي الطريق الأسهل وما هو الداعي لكي يتكبدوا العناء وتغيير طريقة تفكيرهم بما وجدوه جاهزا وسهل التنفيذ والخروج عن ما تعودوا عليه بالتأكيد ليس سهلا لذلك أي نظام أو عقيدة ما يتيبعها الناس لن يظطروا لتغييرها إلا إذا شعروا بأنها لم تعد تؤمن احتياجاتهم المادية أولا ومن ثم النفسية ثانيا والدين حاليا يؤمن للكثير من الناس استقرار نفسي جيد ومادي لابأس به وهم يمتطونه حسب متطلباتهم وأهوائهم فإذا ضاقت بأحدهم الدنيا تعلم القليل من الفلسفة الدينية وأصبح واعظا تباع تسجيلاته بالشيء الفلاني وعاش منعما في كنف ما يروج من سلعة وإن كانت أزمته نفسية عاد إلى كل الوعود الجميلة في الدين وعاش على أملها وسلم أمره لله وبهذه الحالة أمن الاستقرار النفسي وربما المادي في بعض الأحيان.


5 - ياليت كلنا نملك جرأة المقارنة بين الديانات !
زومايا داوود ( 2010 / 10 / 28 - 00:31 )
إن أتباع مايُسمى بالديانات السماوية ( يهودية مسيحية وإسلامية ) جميعهم يؤمنون بأن الله خلق الإنسان ونُدعى أبناء الله . إذا هل من المعقول إذا كنا كلنا أبناء الله ومن صنع يده أن يميز هذا الله بين إنسان وأخر ؟؟ فإذا كان الإنسان المخلوق لا يمكنه أن يميز بين أبناءه ، أو يأمر إبنه الكبير مثلا لقطع يد أخيه الأصغر منه لان الأخير سرق قلم رصاص من أخته مثلا ؟؟؟ أو أن يأمر إبنه الأصغر أن يقتل أبنه الأكبر لأنه لم يعد يطيع أوامر والده ؟؟؟ فهل يُعقل هذا بين البشر المخلوق ؟؟؟ فكيف إذا يصح أن نؤمن بأن الله يأمر أنبيائه بقتل من لا يؤمن فكر ذلك النبي ، أو من لا يتبع ذلك النبي ؟؟؟ فملايين من البشر قُتلتْ بحد السيف بإسم الله وبأمر منه على يد أنبياءه أنا أشبه الكتب الدينية بمائدة الطعام ، فمائدة القرآن فيها كل أصناف المأكولات من كباب وشوربة وفلافل ورز وفواكه وشاوورما وووو والزبون وأنت لك حرية الإنتقاء بما تشتهيه لتأكله . أما مائدة الإنجيل ففيها نوع واحد من الأكل فقط لنقول هو صحن حمّص فأنت ملزم بأكل الحمص فقط . القرآن يأمر بالمحبة ويأمر بالقتل فالبعض يختار القتل. الإنجيل يأمر بالمحبة ولن تختار إلا المحبة

اخر الافلام

.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس


.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال




.. قطب الصوفية الأبرز.. جولة في رحاب السيد البدوي بطنطا


.. عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي




.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية