الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إن سعيكم لشتى!

علي شايع

2010 / 10 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سمعت رشيد بن عيسى يقول: (كنت في إيران لزيارة مرقد الإمام الرضا، في مشهد، وطاب لي هناك، أن أسالهم طلباً في خدمة ذاك المكان، لدروشتي، ورغبتي الشخصية، فأبان أغلب الحاضرين سخرية من فعلي، وأنا أقبـِّل يد منظف المرافق الصحية، طمعاً برضاه قبول طلبي، في مشاركتهم التنظيف، فاستغربت من قوله لمن حوله: من هذا؟..فقالوا له هذا أستاذ جزائري زائر. فطلب مني، ومن كانوا معي أن ننتظر بعيداً..فذهبنا، وقالوا لي ونحن نرتكن جانباً، ياااااه أيها الرجل، ستحتاج إلى ستة أشهر لينالك نصيب في التنظيف، فالناس تتصارع على مثل هذه اللحظة. فذهلت، وزاد ذهولي أكثر وأنا أسمع منهم شيئاً عجباً، قالوا هل تعرف من هذا الرجل الذي أردت تقبيل يده؟. قلت: خادم. قال أحدهم: خادم..نعم صحيح ولكنه قائد أعلى الجهات العسكرية والأمنية في ايران كلها». يقول ابن عيسى: فقلت في نفسي..خادم!.. بين آلاف الخدم.. يكنس.. يكسر نفسه .. النفس تموت .. في المُغفـَلِ ؛ مجهول الاسم).

ويتحسر ابن عيسى أمنيته لأمة العرب! بالقول :» متى ما يكون عندنا جنرال، أو قبطان يتواضع في الناس.. يذل نفسه، يذهب لكناسة شارع، أو جامع، وليس بالضرورة روضة الإمام الرضا..وقتذاك نستطيع القول ان لدينا اناساً».

حديث ابن عيسى هذا، ذكرني بحديث عيسى بن هشام للمويلحي، وهي حكاية أخرى، لها في السرد بليغ اللغة، ودالها الممتع، هذا الحديث الذي صعقني صغيراً؛ صعق موسى يوم دُكَّ الجبل. صعقت مثلها قبل قليل، فلما أفقت من غشيتي، وانتبهت من دهشتي، وجدتني أعيد أسئلة ابن عيسى الرجل «الرشيد» والجدير باسمه، فكم للرجل من نصيب زاهر في هذا الاسم. رجل تسمعه لأول مرة، فترى فيه الحكمة. هل كان حكيماً، أم شاهداً أميناً؟. أليس الحكماء بشهود؟..أين حكماؤنا، يفسِّرون لنا السرّ الإيراني. يسعفوننا بالإجابة، ونحن نقارن لهم، سلوك بعضنا ممن يرون في المشروع الإيراني مثالاً، ويريدون لنا أن نحدق ملياً في هذا النموذج. ثم نُدرك ان أكثر هؤلاء الآمرين والناصحين، هم من الفاشلين في تحقيق هذا المشروع على أنفسهم أولاً.

أين الخلل؟. هل في مشروع إنساننا، أم الخلل في مشروع القيادة؟.

هل شوّشنا - قديما- وعكّر صفو وعينا؛ مشروع القيادة الضرورة، المتعالية عن نزهة الجنرال الكناس؟. هل الآخر جدير بوفائه لعقيدته، شرط أن يحافظ على خيراته، بتصدير معصية الوطن إلى الجوار، خالقاً نموذجه الشخصي الخالص ؛ الوفي، العقائدي، المتسامي، النموذج. فهل هو جدير بوفائه لوطنه أكثر منا؟..وكيف نسمح له أن يصادر منا هذه الميزة، ليتركنا ننشغل بالسفاسف، نتقلب في السراب المحيط، بينما ينشغل هو كل يوم مع نفسه بسؤال أرسطو: اعرف نفسك. وها هو يعرفها بالإذلال، التذلل وخدمة المجموع.. تذلل شامخ يحتاج إلى مصطلح جديد في لغة تتراجع كلما واجهت الزمن، تتراجع وتنحسر مثل التقاليد.

«اعرف نفسك» سؤال يليق بكل مسؤولينا، ليكونوا أمام مرايا واضحة ومعلنة، مرايا تشبه إلى حد بعيد مرايا المرافق الصحية التي نظفها الجنرال، واستكثر ربما على نفسه النظر فيها، بين غمرة عمله، فهو لما يزل بعد، أقلّ، في نظر نفسه، أقل، وأصغر بكثير من أن تُرى هذه النفس، فما بالك بأن تتمرأى . فهي ستبقى، أقل طموحاً عما يريد ويسعى. فكيف تسعون يا جماعتنا؟.. (إن سعيكم لشتى).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي