الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماهية الحياة

صاحب الربيعي

2010 / 10 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الحياة لا تقاس بعدد سنوات عمر الإنسان وإنما بما يتركه من بصمات عليها، فهناك الكثير من البشر يدخل الحياة ويخرج منها من دون أن يترك آثراً ايجاباً عليها ووجوده في الحياة مجرد إكمال عدد للبشرية، والبعض الآخر يترك بصمات سيئة تخرب ما بنته البشرية لعشرات السنين لذلك لا يمكن عدّ الحياة واحدة لكل البشر في الدنيا فمنهم من يؤدي رسالة خيرة خلالها ومنهم من يؤدي رسالة شريرة.
تعدّ حياة الإنسان في الدنيا حلقة من سلسلة حيوات سابقة عاشها في عوالم أخرى، ففي كل حياة منها ترتقي روحه إلى مرتب أسمى بأعماله الخيرة، وعند فناء الجسد تنتقل روحه إلى مسكن جسدي أكثر طهارة. وقد تنحدر روحه إلى مراتب أدنى بأعماله الشريرة، فتنتقل روحة من فناء الجسد إلى مسكن جسدي أكثر دناءة وخسة. لأن منظومة الإنسان مؤلفة من أرضية ( جسدية ) وسماوية ( روحية ) فكلما تلوثت الروح بالأعمال السيئة صار مسكنها جسد غير طاهر لذلك ليس سهلاً تغير سلوك وممارسات البشر الرذيلة في الحياة، لأن أرواحهم ملوثة بالشر ما يزيد رواسبهم الشريرة الكامنة على حساب رواسبهم الخيرة الكامنة.
إن حياة الإنسان ليست قدراً محضاً يتحكم بالسلوك والممارسة من دون الإنسان ذاته، لأن حجم الخطيئة في الجسد يماثل حجم الرواسب الشريرة الكامنة، وحجم الفضيلة في الجسد يماثل حجم الرواسب الخيرة الكامنة فكلما زاد وعي الفرد المعرفي زادت رواسبه الخيرة فأنعكست على سلوكه وممارسته في الحياة وكلما قل وعيه زادت رواسبه الشريرة الكامنة على حساب رواسبه الخيرة فأنعكست على سلوكه وممارسته في الحياة. إن لحيوات الإنسان السابقة دوراً كبيراً في تقويم سلوكه وممارسته وبمقدوره التأثير في حياته الحاضرة للارتقاء بروحه إلى مراتب أعلى لتصبح حجم رواسبه الخيرة أكثر من حجم رواسبه الشريرة فينعكس ايجاباً على سلوكه وممارسته اليومية في الحياة.
يقول (( بوذا )) " إن البشر هم نتاج أعمالهم الصالحة في الحيوات السابقة، لذلك يستحقون ما يجرى لهم في الحياة الدنيا ".
إن عقل الإنسان لا يحفظ كل أحداث الحياة في ذاكرته لأن سعتها أكبر من سعة الذاكرة ذاتها فينساها أو يحفظ بعضاً منها في أعماق طبقات ذاكرته السفلى حيث يصعب استرجاعها بتقدم العمر، لكن الأحداث الهامة في حياته لا تتعرض للنسيان لأنها محطات مهمة في تكوين شخصيته على نحو سلبي أو ايجابي لذلك تحفظها الذاكرة ويتذكرها الفرد جتى آخر محطة من حياته ويروي تفاصيلها الدقيقة. في حين يعجز تذكر حادثة أخرى ليست بعيدة زمنياً مع الآخرين لأنها لم تترك بصمة على شخصيته، فالأحداث المشتركة بين أفراد الأسرة الواحدة ليست بالأهمية ذاتها لدى كل واحد منهم فقد يروي أحدهم تفاصيل دقيقة عن حادثة مشتركة ما معهم لكنهم لا يتذكرونها لأنها لم تترك بصمة هامة على شخصياتهم.
إذاً حياة الإنسان بأحداثها الجزئية الخاصة وليست بأحداثها الكلية العامة، فالأحداث الخاصة تعدّ حياة الفرد الحقيقية التي تترك بصماتها على شخصيته وغالباً ما تنعكس على سلوكه وممارسته في الحياة، بدليل تلقي أفراد الأسرة الواحدة صنف واحد من التربية العائلية لكنهم يتصرفون بسلوكيات وممارسات متباينة في الحياة لاختلاف تأثير العامل التربوي المرتبط بمستوى وعيهم المعرفي.
يعتقد (( ماركيز )) " أن الحياة ليست ما يعيشه الفرد، وإنما ما يتذكره وكيف يتذكره ليرويه ؟ ".
غالباً ما يجري الإنسان مراجعة لمسيرة حياته ليس بدافع تقويم السلوك والممارسة اللاحقة وإنما بدافع لاواعي يستذكر خلالها بصماته في الحياة، وعذاباته، وفترات سعادته، وصداقاته، وعداواته، وتسامحه، وحقده... وغيرها، ليحدد بذاته في اللاوعي المرتبة التي تستحقها روحه العيش في العالم الآخر. وفي المحصلة أنه ليس قدراً سماوياً وإنما قدراً ذاتياً وخياراً ينجزه بأعماله الخيرة وبصماته في الحياة أو بأعماله الشريرة وبصماتها في الحياة التي تحدد مرتبة الروح ومصيرها بعد فناء الجسد.
قد تكون الحياة تافهة بنظر بشر كثيرين لأنها سلسلة معاناة وعذابات، وبإنتهاءها يتخلصون منها طمعاً في حياة أفضل في عالم آخر. وهناك عدد آخر من البشر يجد أن الحياة ليست تافهة على نحو كلي لأنهم عاشوها بأحداثها الحلوة والمرة من دون أسفهم على انقضائها وتركوا بصماتهم المعرفية عليها كما تركت بصماتها عليهم، وإنها قصيرة بمدتها وأحداثها ولا يمكن عدّها فرصة حقيقية لتحقيق الذات ولربما أنها أقصر محطة في حيوات الروح لذات الإنسان في عوالم الكون الأخرى. وقد تكون محطة للعقاب أو محطة للتأمل، أو محطة للمراجعة، أو محطة انتظار للسفر إلى عالم كوني آخر لأداء رسالة أخرى في حيوات قادمة للروح التي قد لا تسكن جسداً بشرياً وإنما جسداً ملائكياً أو جسداً حيوانياً أو جسداً لكائن كوني آخر تبعاً لارتقاء مراتب الروح أو تدنيها.
يتساءل (( أورهان باموق )) عن الحياة قائلاً : " من سيثبت لي أن حياتي كلها ليست خدعة أو مزحة باردة ".
إن منظومة الإنسان الأرضية ، الجسدية، عرضة للفناء والسماوية، الروحية ، أزلية تغادر مسكنه الجسدي إلى عوالم كونية أخرى وتختار مساكنها الجديدة تبعاً لمراتبها لتؤدي رسالتها الكونية بعدّها قدراً سماوياً يفوق قدرات العقل البشري على ادراك جوهرها لكنه قادراً التحكم بإرتقاء مراتبها أو تدنيها.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل قانون الجنسية الجديد في ألمانيا| الأخبار


.. صحيفة العرب: -المغرب، المسعف الصامت الذي يتحرك لمساعدة غزة ب




.. المغرب.. هل يمكن التنزه دون إشعال النار لطهو الطعام؟ • فرانس


.. ما طبيعة الأجسام الطائرة المجهولة التي تم رصدها في أجواء الي




.. فرنسا: مزدوجو جنسية يشغلون مناصب عليا في الدولة يردون على با