الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غربان الوهابيه .. وأسطح ناطحات السحاب !

سهيل حيدر

2010 / 10 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


متزامنة مع وضوح معالم التردي العام في منطقتنا العربيه ، تأتي مظاهر الهجمة شبه المنظمة على ما حققته المجتمعات الاوربية عموما ، من نجاحات مبهرة في عوالم المدنية والتحضر .. حيث أصرت قوى التخلف المتمثلة في دول الخليج العربي ، على توجيه الضربات لما تعتبره هدفا لها في الوقت الحاضر ، بعد ان افلحت في احداث انتكاسات متتاليه على صعيد البناء الاجتماعي والاقتصادي داخل بلدانها وما جاورها من بلدان . ومن المؤسف بمكان ، ان العديد من مراكز التنوير ضمن مجتمعاتنا ممثلة بالبعض من الكتاب واصحاب الكلمة المؤثره ، يعتبرون ما يحدث في الاوساط الرسمية الاوربية وامريكا من محاباة لعناصر التطرف الديني الوافدة من الخارج ، وكأنه جزء من الحفاظ على الحرية الشخصيه ، وان التعرض لصيغ هذا التطرف ومقاومته هو تعدي على مباديء الديمقراطية بشكل خاص ، ومن ثم ، فان اي مظهر من مظاهر الاحتجاج على توسع المد الوهابي السلفي في اطراف الجسد الاجتماعي في الغرب ، هو تناقض صريح مع الواقع المؤمن بضرورة سيادة مباديء حقوق الانسان .
تحمل لنا الاخبار كل يوم ، صورا لذلك الزخم الكبير من الضغوطات السياسية والاجتماعية على مجمل مراكز اتخاذ القرار في فرنسا والمانيا والولايات المتحدة الامريكيه وغيرها من الدول المتحضره ، لفرض قوانين تسهل على المتطرفين المغرضين سبل سعيهم لاحداث الخراب المتعمد في عموم مفاصل المجتمع . ومن المفزع جدا ، ان تلكم الاطراف المتشددة بدأت تعمم تأثيرها على شرائح عديده من الشعوب في المنطقه ، لتضمن مناصرتها في سعيها لاكتساب مشروعية مطالبها الآخذة في التزايد ، من حيث الوتيرة والنتائج ..
القنوات العربية الوثائقية ادرجت ضمن برامجها اليومية ، من الافلام ، ما يشير الى ضخامة مظاهر الاضطهاد الذي تتعرض له الجاليات المسلمه في دول الغرب ، ولم يفتها ان تصور مسيرة فتاة مسلمة محجبه مثلا ، وهي تتعرض لاهانة الشرطة ، او تطرد من قاعة الدرس لكونها ترتدي النقاب ، ضمن سيناريو تراجيدي مؤثر ، يحاول ان يوصل لب الفكرة ، وهي ان الاسلام والمسلمين ، يواجهون في دولهم المضيفة اضطهادا وتجنيا من قبل دعاة العلمانية الكافره وممثليها في السلطه .. حتى أن العديد من المثقفين الاوربيين ، لم يفت تلكم القنوات ان تصطادهم بخبث واضح ، ليعرضوا افكارهم الداعية لاحترام حقوق الاقليات الدينية ضمن مجتمعاتهم المتسامحه ، وهم لا يدركون بان أطرافا من تلكم الاقليات ، راحت تباشر بزرع اسفين مدمر، سيقضي عاجلا ام آجلا على مجمل التجربة الديمقراطية ، عن طريق تجفيف منابعها رويدا رويدا ، حتى بلوغ الهدف المرتجى ، وهو الانتصار على المظاهر المدنية الحديثه وارساء دواعي التخلف بدلا عنها .
ومن العلامات التي تستحق الوقوف عندها بجدية الملاحظه ، هي ان الصين وروسيا وبقية الدول الاشتراكيه السابقه ، لم يظهر بها ذات التوجه السلفي في بقية دول الغرب ، كونها لم تفتح باب اللجوء والهجرة الى اراضيها وبنفس الدرجة من السعه ، ولا توجد في داخل مجتمعاتها ذات التعددية من الاطياف العرقية الوافده ، التي تظهر بين الشعوب في بلدان الاتحاد الاوروبي وامريكا كما هي الحال في الوقت الحاضر . بل انني وفي بعض الحالات ، اجدني مضطر للتنبؤ ، بان روسيا مثلا ، سيكون لها موقع متميز مستقبلا من حيث درجة المحافظة على تركيبة مجتمعها العلماني ، والذي لم يتلوث بعد ، بصبغة التطرف العربي ، هذا اذا استثنينا ما حدث ويحدث من قبل المتطرفين الشيشانيين المدعومين من قبل النظام السعودي وبشكل مفتوح .
الحجاب والنقاب ، لا زالا المنطلق الابتدائي لقوى التطرف الاسلامي في حركتها الاميبية في داخل المجتمعات الاوربية عموما ، يقابله تساهل من قبل الحكومات ، بدأ يتزايد بتزايد القوى المطالبة بالغاء التشريعات الجديده ، والتي تحد من ظاهرة انتشار اللباس الديني ليس للمسلمين فحسب ، وانما لجميع الاديان والطوائف .. وتم غزو الجامعات في دول الغرب من قبل مجاميع مهووسة من الفتيات المهاجرات المبالغات في التحجب بقصد الاثارة والتحدي ، وكان ذلك تناغما مع ما يحدث في مصر ، حيث تحركت قوى الاسلام السياسي لتهاجم معاقل مراكز العلم في البلاد ، من خلال مجموعات من الطالبات الجامعيات اللواتي بدأن وبشكل مقصود ، استفزاز فرق الحراسة المكلفة بتنظيم دخول الطلبه الى الحرم الجامعي .. وقد اظهرت قناة الجزيرة ، من خلال سعيها لمناصرة المد الوهابي في المنطقة ، صورا شتى لما اعتبرته مظالم يتعرض لها الاسلام في المنطقه ، فكانت الصرخات التي تطلقها بعض الفتيات ( الضحايا ) ضمن سيناريوهات معدة باتقان ، توضح للمتلقي والمشاهد العربي ، بان خطرا اضحى يهدد الاسلام والمسلمين ، اسمه العلمانية وقوى اليسار المتفتحه ، والداعية لعزل الدين عن الدوله .
لقد أدت تلكم التداعيات المتسارعه ، والتي سببها التحرك الاسلاموي السلفي في دول الغرب ، وفي بعض الحالات ، الى اصطفافات واضحه للبعض من المحسوبين على القوى اليسارية والحداثوية ، ووقوفهم الى جانب القوى المتخلفة والرجعية ، موهمين انفسهم قبل الاخرين ، بأن ردة قد حدثت في ديمقراطية بلدان الاتحاد الاوروبي وامريكا ، وان نتائج تلك الرده ، هو ما افرزته بعض البرلمانات من قرارات ، تكبح جماح التطرف الديني الوافد عبر ازقة الهجرة واللجوء ، ومن الدول العربية على وجه الخصوص .. فنقرأ ونسمع يوميا جملة من الافكار غير الموضوعية ، مصدرها اقلام عرفت بانتماءاتها العلمانية المتنوره ، وهي تبكي بحرارة ، على خيانة الانظمة الغربية لتقاليدها الديمقراطيه ، كونها عمدت الى اصدار تشريعات تحمي كيانها الاجتماعي ، وتضع حاجزا بين شعوبها وتلك الاعراف البالية مما حمله اليها جملة من الكارهين للحياة .. في حين ، تتعرض الديمقراطية الغربية عموما في هذه الايام ، الى اعنف هزة ستعبقها هزات ارتدادية ستهد كياناتها الوليدة لنضالات دامت زمنا ليس بالقليل ، اذا لم تعمد الى اتخاذ المواقف الحاسمه لصد عاصفة التطرف الآتية من خارج الحدود ، تلك العاصفة التي باتت تساهم في تسارع مدياتها جملة من المعطيات الاقتصادية المؤثرة في طبيعة التحرك السياسي وعلى ارفع المستويات ، فالبترودولار بات يتحرك بحرية لشراء ذمم المسؤولين والناشطين الغربيين ، بهدف توجيه الحركة البرلمانية والطاولات الرسمية باتجاه محاباة الفكر الديني المتشدد ، وزيادة الرعاية المحيطة بمراكز المد الديني العازل لمسببات التقدم .. وقد اصبحت العديد من منظمات المجتمع المدني في الغرب ، واقعة تحت هذا التأثير ، حيث صدرت عنها ولا تزال ، دراسات مقتضبة ، توحي بأسفها على ما بلغه النهج الديمقراطي الرسمي والشعبي في بلدانها من حال لا يسر ، وكأن التصدي للاحتماء بالنقاب في الشارع والجامعه ومخازن التسوق ، وتسهيل تمرير الارهابيين ، واحداث البلبلة وعدم الاستقرار تحت هذا الستار الاسود ، هو من باب الاختلال في التوازن الديمقراطي وتعريض حقوق الانسان للخطر .
لم تمر مجتمعاتنا العربية ، وخلال اية فترة من تاريخها ، بمثل هذا الغزو الذهني الفضيع ، والذي قتل في نسبة كبيرة جدا من البشر قابلية التفكير السليم ، وحدى بهم الى اتخاذ ما يسمى بالرقية الشرعية والاذعان لمصادر الشعوذة والارتداد الى الخطوط الخلفية من التاريخ ، طريقا لاستحضار سبل بناء حضاري مهلهل ، لا يحمل من المدنية شيء .. وتسلقت الى قمم السيادة في اغلب بلداننا ، صنوف من القادة الدينيين ممن نصبوا انفسهم كمراجع للعامه .. ومن خلال هذه الكينونة الطارئة ، راحت قوى الردة في دول عربية على وجه الخصوص ، تفعل فعلها في تصدير معالم السيطرة التدريجية على مكتسبات المجتمعات الحره ، لتقوم في نهاية المطاف ، بهد صروح التقدم على اختلاف مستوياتها ، وضمان تنفيذ خيال قديم جديد ، يقول باعادة المجد العربي التليد ، وسيادة انظمة الصحراء العربية على بقاع العالم .
ان كافة مراكز الاشعاع الفكري النير ، مدعوة اليوم ، ان تتحرك وعلى كافة المستويات ، لتنبيه شعوب العالم اجمع ، الى خطورة ما يجري تفعيله من قبل دول بعينها ، راحت تستخدم خزائنها الفائضه لمحاربة حيثيات التقدم في البلدان الاخرى ، بدلا من السعي للارتقاء بشعوبها الى مصاف الشعوب الراقيه ، ولابد من وضع السياسات الحكيمة لمعالجة فضاضة العديد من حركات التطرف الديني مهما كان مصدرها ، حتى لو تطلب ذلك وضع العناصر المتطرفه من المهاجرين الى الدول الغربيه ، امام الخيار الصعب ، والذي يضعهم امام الانسجام وقوانين واعراف المجتمع المضيف ، او التهجير ضمانا لسلامة وبقاء تجارب انسانية اعطت الشعوب المتحضرة من اجل ارسائها الكثير من التضحيات وعلى مرور دهور وليست سنين .
وحري بالانظمة الفاسده ، والتي اناطت بنفسها مهمة اطلاق العنان لغربانها المحبوسة في خيم الصحراء، كي تحط على قمم ناطحات السحاب ، لتعكر صفو بلدان وشعوب انعمت عليها بنعمة استغلال ثرواتها ونفوطها وتزويدها بما يقيها شر الاندثار ، ان ترعوي وتحسن التقدير ، وان تقر صاغرة بان ذلك كله كان بفضل التقدم التكنلوجي الحثيث ، والاتي من بوابات التحضر والمدنية ، وليس من تسويق مفاهيم موغلة في القدم عافها الدهر وبصقها التاريخ وراءه ، فاضحت رمادا لا نفع فيه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ملاحظات لا بد منها
بشارة خليل ق ( 2010 / 10 / 29 - 01:30 )
اولا:صحيح ان التوجه العام في دول الخليج هو ديني تقليدي محافظ الا انة من الظلم التعميم فهناك قوى ليبرالية لا يستهان بها وهناك اناس كثر مستنيرين ثانيا:ثق تماما ان الغرب يدرس كل شيء فما بالك بظاهرة التطرف التي طالته اثارها..هنا في الغرب يوجد قلق عقلاني لمواجهة التطرف والارهاب يختلف فيه اليمين عن اليسار: فاليمين قوى تميل الى ردات الفعل الرادعة بينما اليسار يرى ان مقاومة هذه الظاهرة تتم بالتاكيد على القيم الكونية لا بالتراجع عنها والواقع ان مخاوف الشعوب الغربية ادت في السنوات الاخيرة الى تقدم اليمين بل الى ظهور احزاب يمين متطرف..وكما نعلم جميعنا,هنا الشعوب تقرر الاتجاه
وعلى العموم لا داعي للقلق العاطفي ففهم الافراد لهذه الظاهرة اصبح اعمق..تختلف فقط الرؤى والاستراتيجيات
ثالثا:اصبح واضحا ان لعب دور الضحية لاستجداء التعاطف وعدم المقدرة على العرفان بالجميل,هي من السمات الراسخة لهذه المجاميع المؤدلجة لكراهية الناس والحقد عليها والشعور بالنقص وبالحسد(مشهورة مقولة:لهم الدنيا ولنا الاخرة) وتبرير الخروج على القانون
لكن هيهات فالعقل دائما اقوى من العاطفة ودائما له الغلبة


2 - أزمة العقل الإقصائي
عبد الإله ( 2012 / 2 / 22 - 17:10 )
أزمة العقل الإقصائي تفوح من هذا المقال ، تخيلوا معي كيف يمكن أن يتصرف صاحب المقال مع أبناء جلدته إذا وصل إلى الحكم في بلده وهو الذي ينادي لطردهم من بلاد الغير. شخصيا قلبي يرتجف خوفا من عودة محاكم التفتيش إلى بلداننا تحث يافطة العلمانية والتقدمية و التمدن .

اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah