الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية التعليم .. و قيم العلم بالمغرب

محمد بقوح

2010 / 10 / 30
التربية والتعليم والبحث العلمي


إنها لمفارقة غريبة أن تشرع العديد من الدول العربية ، ومنها المغرب ، في السنوات الأخيرة في عملية ما تسميه بإصلاح منظومة التربية و التعليم و التكوين ، في ظل التغييب الشبه الكلي لأي إرادة حقيقية للرفع من مستوى قيم العلم ، و تشجيع حرية الفكر و الإبداع ، و الاهتمام بمسألة القراءة و إشكالية الكتاب من منظور التحفيز و إعادة الاعتبار ، و رفع الحصار على الجيد و الجاد من الكتب و المقروءات الصحفية و الإعلامية .

إن التقدم في التعليم و التكوين ، يبدأ بإزالة العراقيل و تطهير الطريق من المكبلات و الذهنيات الجامدة و الراكدة الرؤى . إذن التغلب على الأزمة في الحقل التعليمي لن يتم بتجديد المناهج الدراسية ، و تغيير مضامين الكتب المدرسية و تنويعها ، و بسن الكثير من الوثائق و المواثيق التشريعية و الدلائل البيداغوجية ، لتكون بمثابة قوانين جاهزة ، و خريطة الطريق نحو رهان الخروج من نفق الأزمة التعليمية السائدة ، و التي تجاوز تأثيرها السلبي اليوم ، حسب الخبراء في الميدان ، درجة وجدان المواطن الفرد ، و بدأ يهدد أعلى درجات المجتمع ككل . دون أن ننسى أو نغفل مدى اهتمام السلطات الوصية على القطاع التعليمي في الدول العربية عامة ، و في المجتمع المغربي على الخصوص ، حتى و إن جاء هذا الاهتمام متأخرا ، بمسألة الموارد البشرية الفاعلة في الميدان ، و ذلك بتخصيصها بجملة من التكوينات البيداغوجية ، التي يمكن أن تناقش على ضوء الطريقة التي تمت و أنجزت بها هذه التكوينات .

لقد وعت و فطنت السلطة الوصية على القطاع وعيا يقينيا لا يمكن إهماله و غض الطرف عنه ، بالدور الأساسي و الجوهري للهيئات التعليمية و الأطر التربوية العاملة في المؤسسات ، و المنفذة للبرامج الدراسية المتفق عليها من قبل الفاعلين الاجتماعيين ( النقابات ) ، و السلطات الوصية على الحقل التعليمي و التكويني ( الحكومات ). لهذا سيحكم على أي إصلاح تربوي تعليمي منشود بالفشل المبكر ، في غياب هذا الاتفاق و التراضي الكلي بين الأطراف المسئولة التي يهمها الحوار التعليمي و الاجتماعي ، إذا صح التعبير، بدون أي إقصاء لجهة من الجهات الممثلة لواقع شريحة من الشرائح المجتمعية . بمعنى ، أن مسألة السياسة التعليمية التي ينبغي أن تحتضن من طرف الوزارات الوصية على القطاع التعليمي و التكويني ، و ذلك بتصريفها بين دماء البرامج و المناهج و الكتب المدرسية المراد اعتمادها في كلية هذه المنظومة التعليمية ، يجب في نظرنا أن تكون محط اتفاق و تفاهم و تحاور أفقي و عمودي شامل ، يتسم بالكثير من النظر الديمقراطي القيمي الحقيقي ، بعيدا عن النظرة الإسقاطية المؤدلجة الجوفاء ، و المؤسسة على فعل الفرض و التسييس الموجه ، الذي لن يقود إلا إلى المزيد من التوتر الاجتماعي ، و الانحسار الفكري و العلمي ، و بالتالي تعميق شروخ الأزمة ، ليس فقط بالمفهوم القطاعي و لكن ، و هذا هو الأخطر في الموضوع ، ببعدها المجتمعي و الإنساني الدفين .

بالإضافة إلى دور تنقية الحقل التربوي و التعليمي من الأدوات و العناصر المتحجرة ، التي تتصنع عرقلة كل إصلاح أو تغيير للوضع القائم ، ليس فقط التعليمي و التربوي ، و لكن أيضا بالنسبة للذين يواصلون تعصبهم المربح ، و ذلك بمقاومة و مواجهة ، بالرفض الكلي و الصارم ، كل تغيير إيجابي ، تحاول البلاد أن تستجيب له ، نتيجة الحاجة إليه و ضرورته في ظروف المغرب المماثلة .. التي هي ظروف التحول و التطور من مرحلة ركود البنيات و تحجر العقليات السائدة منذ زمن بعيد ، و التي تقف دوما في وجه أية رغبة في التغيير و التقدم إلى الأمام ، إلى مرحلة نوعية جديدة ، تتميز اليوم بأجواء التحول و المخاض و الصراع الإيجابي و الفعال ، لفرض ثقافة البحث عن الحلول الملائمة و البديلة ، و الحوار الجاد و الجيد ، قصد إيجاد الطريقة المثلى المتفق عليها من قبل الجهات و القوى المتصارعة داخل دائرة الحقل المجتمعي ، بعيدا عن فكر التجاذب القبلي الذي لم تعد له أية جدوى ، سواء كان الأمر يتعلق بصراع السياسي السياسي الأفقي ، أو الصراع الاجتماعي الطبقي العمودي ، الذي يشكل بؤرة الإشكال في الحياة الاجتماعية المغربية ... و تعتبر القطاعات الاجتماعية العمومية ، القريبة من اهتمامات الشعب المغربي من أخطر المشاكل و الصعوبات التي تحظى أكثر من غيرها ، بالنقاش الفكري سواء السياسي أو الإعلامي أو النقابي أو الحقوقي .. و يتجلى ذلك خاصة في المتغيرات الجوهرية التي عرفها الحقل التعليمي في الآونة الأخيرة ، و المرتبطة بالخطوة الجريئة و المتميزة ، التي نفذتها السلطة الوصية على القطاع التعليمي بالمغرب الحديث ، و ذلك حين قامت بإعفاء العديد من الأطر السامية العاملة كمديرين جهويين على رأس أكاديميات تربوية و تكوينية ، أو كمشرفين و نواب إقليميين ، من مهامهم كمسئولين على القطاع المعني ، سواء جهويا أو إقليميا ..

طبعا ، إن الكل في هذا البلد السعيد يجب أن يحترم القانون ، في ظل تمتعه بكامل حقوقه الطبيعية و القانونية . لهذا فلا مجال في مغرب اليوم للعب لعبة الأدوار المزدوجة . فإما أن يكون الفرد وطنيا حقا و بالفعل العملي و المهني ، أو لا يكون .. لهذا فلم تعد هناك طريقة أو فرصة للكيل بالمكيالين كما يقال ، رغم أن هذه المهمة ليست بالأمر الهين ، و ستواجه من جديد بالعراقيل و محاولات من أجل إفشال هذه الحركة التطهيرية ، التي نعتبرها ثورية في عمقها الفكري ، لأنها تستجيب لإرادة قوة الديمقراطية الشعبية ، و النزاهة العادلة و اقتلاع الظلم و ثقافة اللامساواة ، من أعماق التربة الفاسدة .. ..
و نحن نكتب هذه المقالة أو نحاول إنهاءها بالشكل الذي تقودنا إليه الصيغة المنطقية لتحلينا الذي اخترناه لها ، نفاجأ بمستجد في الموضوع ، و نعني به عمل الوزارة الوصية على القطاع التعليمي في مغرب اليوم على تنفيذ اقتطاع مبالغ مالية مهمة من رواتب هيئة التعليم لجهة سوس ماسة درعة ( إحدى الجهات الأكاديمة التي عرفت إعفاء مديرها المسئول ) .. كرد فعل ملتبس و غير مفهوم ، و سلوك أنتجته وزارة تعليم في سياق لا يمكن أن تجد له تفسير مقنع .

لقد كان إعفاء السيد مدير الأكاديمية بجهة سوس ماسة درعة ، نتيجة العديد من الحركات و التظاهرات الاحتجاجية ، التي نفذها أطر الهيئة التعليمية بالجهة ، بتأطير و إشراف مباشر لتنسيقية النقابات التعليمية ، و ذلك على شكل وقفات و إضرابات عن العمل ، في أوقات متفاوتة طيلة العام الدراسي الماضي . في إطار الدفاع عن ملفات هذه الهيئة المطلبية ، و التي كانت بؤرتها المركزية هي ظاهرة الفساد ، التي باتت متفشية في جميع هياكل هذه الأكاديمية ، بشكل مفرط و مبالغ فيه ، لهذا كان التوتر الاجتماعي و المهني بين ما هو نقابي تعليمي ، في هذه الجهة ، و بين ما هو إداري حكومي و رسمي ، يؤشر بشكل واضح إلى وقت قريب ، بظهور متغير نوعي يمكنه تجاوز قدرات و حتى تخمينات ما هو سياسي و إداري معا ، و بالتالي في استطاعته أن يحدث فيه نوعا من قلب الحسابات .. و خلط الأوراق و التوقعات .
لكن يبقى السؤال المعلق و غير المفهوم .. ، هو أنه إذا تم تنفيذ القانون ، على الجهة الإدارية ، بخصوص ملف الفساد في الحقل التعليمي ، فلماذا تم بنفس المعنى ، و بعد حادث إعفاء مدير الأكاديمية بقليل ، رفقة بعض رؤساء الموارد البشرية المنتمية لتلك الإدارة ، معاقبة الهيئة التعليمية لعين الجهة ، و ذلك بالعمل على تنفيذ اقتطاعات مالية من رواتبهم الشهرية ، مع العلم أن حق الإضراب يضمنه الدستور المغربي ، كباقي دول العالم ، أولا و أخيرا ، هذا إذا لم نأخذ بعين الاعتبار نوعية و طبيعة النضال الجاد ، الذي قاوم به أطر التعليم الشرفاء ، حقيقة أخطبوط الفساد السائد ، الذي أسكت صوت إحدى رؤوسه المباشرين .. ؟

إذن ، بدل أن تجازى الهيئة التعليمية بأوسمة ، لأن نضالها و ردة فعلها الاحتجاجية الحية ، كانت السبب الأساسي و الجوهري الذي أسقط جلمود الفساد ، في شرك الحق و الصواب .. قامت السلطة الوصية ( وزارة التعليم ) بخرق هذا الحق الدستوري ، و عاقبت بشكل أعمى أبطال المشهد الجميل ، لتفرض اقتطاعا غير مشروع على أجورهم .. و هي على أيحال مجرد أجور .. تأثيرها يقتصر على جيوب السراويل لا غير .. الحياة أجمل بشيء من الشرف و كرامة النفس .. و ليتمتع الجلاد القديم بنشوة انتصار موهوم .. اعتقد أنه أنهى الصراع لصالح نهاية درامية .. كان بطلها الأساسي هو قدرة هيئة التعليم على الصمود و البقاء و المقاومة ، دعما و خدمة للمدرسة العمومية المغربية التي ستبقى هي رهان كل تغيير و تقدم حقيقي لمجتمع معرفي في القرن الواحد و العشرين . إنها أزمة قيم العلم و المعرفة حين تعطل في رؤوس الذين يقودون سفينة الحياة ....؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجات.. مقارنة بين الأمثال والأكلات السعودية والسورية


.. أبو عبيدة: قيادة العدو تزج بجنودها في أزقة غزة ليعودوا في نع




.. مسيرة وطنية للتضامن مع فلسطين وضد الحرب الإسرائيلية على غزة


.. تطورات لبنان.. القسام تنعى القائد شرحبيل السيد بعد عملية اغت




.. القسام: ا?طلاق صاروخ ا?رض جو تجاه مروحية الاحتلال في جباليا