الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدود التصورات العقلية في الإسلام

ثائر الناشف
كاتب وروائي

(Thaer Alsalmou Alnashef)

2010 / 11 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العلم في الإسلام ، هو ثمرة العقل ، كما يرى أبي حامد الغزالي ، والمقصود بالعلم هنا ، العلم الشرعي المستنبطة أحكامه وقواعده من النص (القرآن) وليس ذلك العلم التطبيقي (التجريبي) الذي يضع البرهان (المقدمة) في خدمة التجربة (النتيجة) .
إن المقارنة بين العلم الشرعي – كما يراه رجال الدين – والعلم التطبيقي ، لا بد منها في سياق هذا البحث التحليلي ، لمعرفة دور العقل وحدوده في إطار فهم النص الديني والتفاعل معه ، طالما أن العقل هو القاعدة العريضة التي يرتكز عليها البناء العلمي .
العلاقة بين العلم والعقل ، علاقة قائمة على التبعية والجبرية من جانب ، وعلى التكامل والتقاطع من جانب آخر ، في مختلف المراحل والمجالات التي يكون فيها الإنسان أحد عناصرها الرئيسية .
ولمناقشة التصورات العقلية وحدودها في الإسلام ، لابد أولاً من شرح العلاقة بين العقل والعلم ، قبل الانتقال لفهم تلك التصورات العقلية ، سيما وأن شرح تلك العلاقة يوصلنا إلى فهم أدق وأعمق لحدود العقل داخل الإسلام .
ولشرح العلاقة بين العقل والعلم ، ينبغي طرح التساؤلين التاليين .
التساؤل الأول : ما هو نوع العلم المراد بحثه في سياق العلاقة مع العقل ؟.
التساؤل الثاني : ما هو تعريف العقل الذي يقوم عليه العلم ؟.
إن الإجابة الموضوعية عن التساؤلين السابقين تفسح لنا المجال أكثر أمام التعمق في فهم حدود العقل وتصوراته المنطقية ، ويمكن لنا تحديد الإجابة من خلال النقاط التالية ، وذلك تبعاً لفحوى العلاقة بين العقل والعلم .
أولاً : نوع العلم حسب المفهوم الديني .
أ - العلم الشرعي مصدره النص (الوحي) وبما أن مصدر الوحي ( الله ) فإن الإنسان لا يملك منه سوى القليل ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء: 85] وهنا تغدو العلاقة بين العقل والعلم ، علاقة تابع (العقل) بمتبوع (العلم) كما في نص الآية (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) [النساء: 113] .
أما الدور المنوط بالعقل في سياق تلك العلاقة ، فإنه يظهر محدوداً ومحصوراً في سياق الطاعة والاستجابة ( تلكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة :229] والأبعد هذا من النطاق ، نطاق الطاعة والتبعية للنص باعتباره مصدر العلم ، بحيث يتأكد بما لا يدع مجالاً للشك والريبة ، عجز العقل ضمن الحدود التي وضعها الإسلام فيما يختص بعالم الغيب (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء) [البقرة :255 ]
ب - العلم الشرعي دليل العقل ، وليس العقل دليل العلم الشرعي ، وهذا تأكيد للعلاقة التبعية التي تربط العقل بالعلم الشرعي ، فدليل العلم الشرعي في سن الأحكام ، هو الشرع نفسه ، أي النصوص الشرعية ، فالذي يُحكّم الشرع هو الشرع وليس العقل ، باعتبار أن القوة التي تُحكّم العقل وتقف وراءه ، هي قوة الشرع ، فكيف للعقل أن يسابق تلك القوة أو يجاريها على أقل تقدير ، فلو كان للعقل نصيب في تحكيم العلوم الشرعية التي تشكل بمجموعها ما يطلق عليه اصطلاحاً (الفقه) لوجدنا للعقل دور أكبر ومساحة أوسع في فهم القضايا التي تتصل بالعقيدة ، عملاً بالمبدأ الآتي : لا عقل كامل بلا شرع ولا شرع كامل بلا عقل ، أو كما في نص الآية (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك : 10 ]
ثانياً : نوع العلم حسب المفهوم العلمي .
أ - العلم التطبيقي ومصدره موجودات الطبيعة ، مجاله التجربة ، حيزه العقل ، وهنا تتمظهر العلاقة بين العلم والعقل في سياق التوازن التام بين دوريهما في مجال رصد الموجودات والحكم عليها بنفعها أو ضرها .
ب - ليس ثمة صلة أو رابط بين العلمين التطبيقي والشرعي ، وعلاقة كلاهما بالعقل ، فالعلاقة مؤكدة بالدليل والبرهان ، سواء كانت علاقة تكاملية متوازنة ، كما هو الحال في العلم التطبيقي ، أو علاقة تبعية جبرية ، كما هو الحال في العلم الشرعي ، وما ينفي تلك العلاقة بين العلمين ويستبعدها نهائياً ، ليس العقل بجوهره العام ، إنما الحيزات والفضاءات التي تسبح فيها أو تدور في فلكها ، فحيز العلم التطبيقي هو المادة التي تتيحها الطبيعة ، ويمكن تسميته بالفضاء الأرضي إذا جاز التعبير ، في حين أن حيز العلم الشرعي هو النص الذي يتيحه ( الوحي = الله ) ضمن ما يمكن تسميته أيضا بالفضاء السماوي .
ثالثاً : تعريف العقل حسب المفهوم الديني .
ثمة تعريفات عديدة منها تعريف ابن منظور كما ورد في لسان العرب .
• العقل هو الحجر و النهي ضد الحمق .
تعريفات الانباري
• العقل هو التثبت في الأمور وتقليبها .
• العقل هو نهي الإنسان وحبسه عن التورط في المهالك .
• العقل هو حبس النفس وردها عن هواها ، بما فيه حبس اللسان ومنعه من الكلام .
تعريفات الفيروز أبادي كما وردت في قاموس المحيط
• العقل هو العلم بخير الخيرين وشر الشرين ، أو مطلقٍ لأمور القوة يكون بها التمييز بين القبح والحسن ، أو لمعانٍ مجتمعة في الذهن يكون بمقدمات يستتب بها الأغراض والمصالح ، أو لهيئةٍ محمودة للإنسان في حركاته وكلامه .
تعريفات مرتضى الزبيدي ( تاج العروس )
• العقل هو الحجر والنهي كما في الصحاح والمحكم .
• العقل هو العلم بصفات الأشياء ، وهو ضد الحمق .
فمن رحم هذه التعريفات المتعددة والمتنوعة في تناولها للعقل من زاوية دينية صرفة ، ثمة تقارب منقطع النظير بين كل هذه التعريفات ، رغم المدة الزمنية الطويلة بين كل تعريف وآخر ، إلا أنها تصب جميعاً في خانة واحدة ، وهي تبعية العقل للعلم من جهة ، وضبطه وحبسه وحجره ضمن الحيز الديني من جهة ثانية .
رابعاً : تعريف العقل حسب المفهوم العلمي .
أ - العقل لدى الفلاسفة
• العقل هو القدرة على إدراك الصور الكلية والماهيات المجردة إدراكاً مباشراً وصورة توحد بينه وبين جميع أفراد النوع .
• العقل جوهر بسيط مدرك للأشياء بحقائقها .
• العقل هو الآلة التي يستطيع من خلالها الإنسان أن يتفكر ويتأمل في البحث عن المعرفة ، التي من خلالها يستطيع الكشف عن ماهية الأشياء والكشف أيضاً عن خفايا الطبيعة التي تحيط به من ظواهر قد يجدها غريبة في بعض الأحيان وقد لا يجدها كذلك أحياناً كثيرة ، كما أن العقل ليس شيئاً غير التجارب ، ومهما كانت هذه التجارب أكثر ، كانت النفس أتم عقلاً .
• العقل جوهر روحي قائم بذاته مستقل عن غيره ، وهو فطري أولي ، بل هو أساس الوجود < ديكارت >.
• العقل هو استرجاع المعلومات الواردة عن الحواس والتفكير ثم المقارنة بينها والتأليف بين مختلف أجزاءها < جون لوك > .
وما تجدر ملاحظته هنا ، التقارب العميق الصلة بين العلم الشرعي والعقل حسب المفهوم الديني ، وهو تقارب يضع العقل ضمن أفق التصورات المحدودة التي يحددها الإسلام كعقيدة دينية ، كما يمكن ملاحظة التقارب الآخر بين العلم التطبيقي من ناحية ، والتعريفات المتعددة للعقل من الوجهة الفلسفية من ناحية ثانية .
إن المقارنة الموضوعية بين العلمين الشرعي والتطبيقي ، وتحديد علاقتهما بالعقل من خلال السياقين التاليين :
1- سياق النص (الوحي) بما يعني الطاعة والإلزام والجبرية في إطار عالم الغيب .
2- سياق التجريب بما يعني رصد الظاهرة وملاحظتها في سياق التجربة ومن ثم استنتاجها في إطار الحقيقة أو الواقعة العلمية .
تلك المقارنة من شأنها أن ترسم الحدود وتضع التصورات التي من خلالها تتحدد حركة العقل في هذين السياقين المتضادين اللذين يعاكس إحداهما الآخر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقارنة بين العلوم
محمد البدري ( 2010 / 11 / 1 - 21:02 )
طبعا المقصود بالعلم في الاسلام هو العلم الشرعي وعلي وجه التحديد المعرفة بما في اساطير وحكايات التوراه. فكل من ذكر شيئا خاصا باليهود او نخاريف القدماء كلما كان عالما. طبعا تم توسيع هذا المعني في زمن الغزالي الي ما هو فقهي في احكام القضاء الاسلامي حيث انتهي الفقهاء الاربعة من وضع احكامهم قبل زمن الغزالي بحوالي قرنين من الزمان. اما العلم بمعناه الحديث والذي كان جزءا منه مملوكا للفراعنة ولليونانيين وغيرهم من حضارات الزمن القديم وتم استكمالها وتطويرها بدءا من زمن جاليليو حتي اليوم فهذا لا اثر له في الفكر الاسلامي بل ان الله لم يعط شيئا علي الاطلاق من علمه (اليس هو الخالق) والعليم لاحد. فكل ما تمتلكه البشرية الان من معارف كلها من جهدها ومن عصارة عقلها في مواجهه ظلام الاديان التي هي علم الله. تحياتي وشكرا علي مقالك التنويري

اخر الافلام

.. لمن سيصوت يهود أميركا في الانتخابات الرئاسية؟


.. لماذا| ما أثر قانون -مكافحة الانفصالية الإسلامية- على المسلم




.. -السيد رئيسي قال أنه في حال استمرار الإبادة في غزة فإن على ا


.. 251-Al-Baqarah




.. 252-Al-Baqarah