الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع المدني في الفكر المعاصر _الجزء التاسع_

اسماعين يعقوبي

2010 / 11 / 6
المجتمع المدني


المجتمع المدني عند هيجل:

عرف هيجل المجتمع المدني على هذا النحو: "يتموقع المجتمع المدني في الفرق الموجود بين الأسرة والدولة. إن تكونه يأتي في فترة لاحقة عن الدولة التي تسبقه كواقع مستقل, حتى يتمكن من البقاء. وعلاوة على ذلك فان إنشاء المجتمع المدني يرجع إلى العالم الحديث, فهو وحده الذي اعترف له بالحق في الوجود, بكل ما يحمله هذا التحديد من معنى" .

ففكرة المجتمع المدني تعتمد _منطقيا_ على تفكك الأسرة الناتج عن تعلم الأطفال ووصولهم إلى المستوى الذي لديهم القدرة على أن يتركوا الوحدة الطبيعية للأسرة ويصبحوا أشخاصا مستقلين وبالتالي يكونوا أسرا جديدة أي مستوى اكتساب الشخصية الحرة المستقلة. فبعدما كانت الأسرة غايتهم, أصبحوا شخصيات فردية أي كل شخص غاية في ذاته ويعامل الآخرين على أنهم وسائل لغايته ومن ثم ينشأ الاعتماد المتبادل بين الأشخاص لإشباع حاجاتهم. "إن اعتماد الأشخاص المستقلين كل منهم على الآخر هو جوهر ما يسميه هيجل بالمجتمع المدني" .

ويتكون المجتمع المدني من ثلاث لحظات وهي: نسق الحاجات (المأكل, الملابس, المسكن...), تنظيم العدالة (وتنشأ خلال الاعتماد المتبادل بين الأفراد لإشباع حاجاتهم, وهو اعتماد يحتاج إلى تنظيم يتخذ شكل القوانين) وأخيرا لحظة الشرطة والنقابة, حيث الشرطة تقوم بحماية الفرد وممتلكاته ضد عوامل الصدفة والاتفاق, في حين ينتظم الأفراد الذين تتشابه مصالحهم في تنظيمات نقابية وغرف تجارية وتعاونيات. والمجتمع المدني يعمل من خلال هذه المؤسسات والتنظيمات الاجتماعية.

فالمجتمع المدني بهذا المعنى, يشمل حقل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية وكذلك الإدارة والعدل والجهاز البوليسي, فهو اللحظة الوسطية بين العائلة والدولة.

إن حاجات البشرية لا حدود لها, فكلما تحقق إشباع حاجة من الحاجات, ظهرت حاجة أخرى, مما يؤدي إلى الاعتماد المتبادل بين الناس وتقسيم العمل بينهم مما يؤدي في النهاية إلى ظهور طبقات أو فئات اجتماعية.

وقد ميز هيجل بين ثلاث طبقات:

1- طبقة الزراع او الفلاحين: يعيشون في الريف عيشة بسيطة ويتقبلون ما تجود به الطبيعة, ويغلب عليهم التعاون والثقة والاتحاد
2- طبقة التجار والصناع: يعيشون غالبا في المدينة, يعتمدون على الصناعة والتجارة ويغلب عليهم الذكاء البشري والحيل والخداع
3- طبقة تهتم بالتنظيم والإدارة, ولا تعتمد العمل لإشباع حاجاتها فهي لا تنتج سلعا.

اعتبر هيجل ان مفهوم المجتمع المدني في صياغته التعاقدية قاصر على تحقيق أمن الأفراد وحماية مصالحهم الخاصة, فضلا عن المصالح العامة للدولة. و هذا راجع الى ما تتميز به مكونات هذا المجتمع من تمزق شديد, و تناقض في المصالح المادية والطبقية وتصارع في الرؤى والغايات. بحيث يستحيل الوصول إلى استقرار سياسي ضروري لتحقيق التقدم والتطور الحضاري اعتمادا على هذا المجتمع. فالدولة هي الوحيدة التي ستمكن من تحقيق الاستقرار عبر تحكمها في جميع الفعاليات الإنسانية, سواء كانت اقتصادية او اجتماعية او سياسية, بل وحتى ثقافية. فالدولة _حسب هيجل دائما_ لا بد أن تعلو على جميع المصالح الذاتية والمنافع الخاصة, ولا بد أن تكون لها القدرة على إعادة تشكيل العوامل الموجودة بداخلها مهما بدت هذه العوامل قوية. فأي عضو من أعضاء هذه الدولة قد يلجأ إليها لحمايته والدفاع عنه ضد عضو آخر: إنها الحكم الأعلى, ولهذا فهي لها الحق الأعلى .

لقد تصور هيجل ان المجتمع المدني يتكون أساسا من البرجوازية التي تشكل طبقة جديدة, وان هدف الدولة هو تجاوز هذا المجتمع المدني من اجل تحقيق التناغم العام.


المراجع:

هيجل, اصول فلسفة الحق, المجلد الاول, ترجمة وتقديم وتعليق د.امام عبد الفتاح امام, الطبعة الثانية 1983 , دار التنوير للطباعة والنشر
Henri le febre ; De l’Etat Vol 3 le mode de production étatique. COLL 10/18. Paris P 74.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكومة البريطانية تلاحق طالبي اللجوء لترحيلهم إلى رواندا


.. هل كانت المثلية موجودة في الثقافات العربية؟ | ببساطة مع 3




.. Saudi Arabia’s authorities must immediately and unconditiona


.. اعتقال 300 شخص في جامعة كولومبيا الأمريكية من المؤيدين للفلس




.. ماذا أضافت زيارة بلينكن السابعة لإسرائيل لصفقة التبادل وملف