الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ندوة عشتار

محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث

2010 / 11 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


محمد علي محيي الدين
صدر قبل أيام للباحث الموسوعي الأستاذ عبد الرضا عوض كتاب جديد تناول فيه ندوة عشتار بدراسة عن تاريخها والساعين لتأسيسها ودراسة محاضرها ،والكتاب رحلة ممتعة في تاريخ الحلة الأدبي،وجهد رائع يستحق الثناء والإعجاب ،فقد تناول فيه تاريخ الثقافي ،ومجالسها العلمية والأدبية وتجمعاتها الثقافية،وسعي ألأدباء والمثقفين فيها لإعلاء راية العلم والأدب بعيدا عن هيمنة السلطة وتدخلها ،وأشار للظرف العصيب الذي مر بها وأدوار القائمين على إنشائها وأدارتها ،وسأستعرض بإيجاز المحطات المهمة لهذه الرحلة الممتعة في ربى الحلة الفيحاء،بتقديم لمحة موجزة عن الأستاذ الباحث: فهو من مواليد الحلة سنة 1952 درس في مدارسها ونال درجة الماجستير في التاريخ،له إسهامات كثيرة في الدراسة التاريخية وخصوصا لمدينة الحلة ،ويمكن اعتباره امتدادا لمؤرخها الفذ الشيخ يوسف كركوش ومؤرخها المتميز الدكتور صباح نوري المرزوك،وهو عضو اتحاد المؤرخين العرب والاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق،وصاحب مجلة أوراق فراتية التي تعنى بتاريخ الحلة وآدابها ،وصدرت له المؤلفات التالية:
1- شعراء الحلة السيفية أيام الأمارة المزيدية وما بعدها.
2- الجذور التاريخية للأسرة العوضية كما روتها الكتب العربية.
3- تاريخ الطب والأطباء في الحلة.
4- أوراق حلية من الزمن الصعب في القرن العشرين.
5- تاريخ الصناعات والحرف الشعبية في الحلة.
6- الدرة البهية في تاريخ المدحتية.
7- مراقد ومزارات الحلة.
8- صفحات بابلية.
9- تاريخ غرفة تجارة الحلة.
10- رد الشمس وحديث الجمجمة.
11- الانتفاضة الشعبية في الحلة.
12- الحوزة العلمية في الحلة نشأتها وضمورها.
13- أدباء بابل وكتابها المعاصرون أربعة أجزاء.
14- الحلة في العهد الجمهوري(1958-1968).
15- هؤلاء تركوا بصماتهم ثم عادوا.
16- أشهر الجرائم والاغتيالات في محافظة بابل.
17- الشوملي نشأتها وتطورها.
مجالس الحلة ومنتدياتها الثقافية والأدبية.
18- ندوة عشتار .وهو هذا الكتاب.
تطرق الباحث في البداية إلى الأعوام التي سبقت تأسيس الندوة والوضع العام في المدينة تلك الأيام وخلوها من المنتديات الأدبية مما حدا بجمهرة من المثقفين والأدباء لارتياد بعض المقاهي واتخاذها صالونات أدبية يتجمع فيها الأدباء ومتذوقين الأدب للتداول في الأمور الأدبية ومناقشة ما يجري في الساحة الأدبية وما فيها من إرهاصات ،وبعد انقلاب تموز 1968 حاولت السلطة الانفتاح على التيارات المختلفة وأتباع سياسة جديدة في التعامل مع الواقع ،ومحاولة التجاوز على الماضي الأسود ،فكان هناك بعض من انفتاح في الرؤى والتوجهات فأستشعر أدباء الحلة الحاجة لإنشاء تجمع ثقافي يلم شتاتهم ،فسعى نخبة من أدباؤها وشعراؤها لتشكيل هذا التجمع فكانت مفاتحة السيد حازم الحلي للأستاذ عدنان العوادي في النية لتأسيس ندوة أو منتدى أدبي ،وأن هناك مجموعة من الأدباء تتحرك بهذا الاتجاه منهم عبد الإله الصائغ وجعفر هجول وفرهود مكي وجبار مكاوي وأنور صبحي ، فحدث اللقاء الأول في منزل السيد حازم الحلي حضره تسعة أدباء هم على التوالي :فرهود مكي وكاظم الطائي وحازم الحلي وجعفر هجول وأنور الخفاجي وعبد الإله الصائغ ومحمد رشيد المعاضيدي وعدنان العوادي وجبار مكي وحرر محضر الجلسة الأستاذ عبد الإله الصائغ،ونوقشت فيها فكرة تأسيس الندوة وتقرران تكون مدرسة صفي الدين الحلي مكان انعقادها.
عقد اللقاء الثاني في المدرسة المذكورة في 2-4-1970 حضره البعض وغاب آخرين وفي هذا الاجتماع تقرران يكون يوم الأربعاء من كل أسبوع موعدا للندوة واقترح عبد الإله الصائغ تسميتها ب(ندوة عشتار) وتقرر تقديم طلب رسمي لإجازتها ،وحرر الطلب ووقع عليه (11) منهم،وبعد ذلك بدأت الجلسة الشعرية فكانت أول قصيدة تقرأ للشاعر المرحوم جعفر هجول عنوانها (دع البنادق) أحببت أدراجها لأنها لم تنشر في ديوان :
دع البنادق فوق الغيم تنتصب وحرك الريح حيث الشر والعطب
وصافح الموت إن الدرب يوحشه هجر المسافر والشوق الذي يثب
يجتر محنته خطو فيعلكها شوكا تسمر في الأفواه ينتحب
فهذه حزمة من غرس شمعتنا ستمنح الفجر ضوءا حين ينسكب
ومررت سكة في درب غفوتها شطآنها سفر مجداف له لهب
وصفقت خيمة من فرط فرحتها وقد تمطى على أوتادها الوصب
وبات شيخ من البلوى يحدثها فترتوي من حديث صامت زغب
وتشرئب رقاب عبر قصته فتستحيل تراب تلكم النصب
مسالك غبرت ألوان سحنتها وأزمن غاص في صحرائها التعب
وأنفس لم تجد في الليل مبخرة وقد تنزا بهالات الدجى سغب
وأدمع سمرت في عين أغنية كما تصفد في ليل السرى طرب
وأبحرت نجمة حيرى بلا ضفة كما تحير في فكر الدنى سبب
وناح جرح على جزاره زمنا كما تستر في طي اللظى غضب
وضج صوت برغم الذل نبرته تمزق الليل عصفا فيه يلتهب
فهذه صهوتي ريح أسيرها كما أشاء فتعطي حيثما أهب
وهذه خطوتي في الدرب يدفعها صحو أزال عن الإحساس مضطرب
وربما شمخت كالنخل رايتنا وهللت أغصن ثكلا فلا عجب
وربما طفحت في سوحنا همم وأنهر من دموع الشمس تحتلب
وربما نومت في الطلح نائحة وقبل الأرض فيها عائد ولب
وربما وحدت للنصر قافلة وزف للمجد من غابوا ومن صلبوا
فقد صبرنا وكان الصبر يؤنسنا ظل يغل بأحشاء الرؤى عصب
وقد خدعنا بأحلام مزوقة ألوانها تبهر الرائي فيعتصب
حتى صحونا فولى ليل محنتنا وذا النهار فلا عشو ولا حجب
ولاح نصر لطيف في مفاتنه تكحل الطفل والزيتون والرطب
تلاه الشعراء حازم الحلي وأنور صبحي وحكيم الجراخ،وعقدت الجلسة الثالثة في المكان ذاته حضر جمع غفير من الأدباء وفيها جرى انتخاب هيئة إدارية للندوة وكانت من الأساتذة:عدنان العوادي وحازم الحلي وعبد الإله الصائغ وحكيم الجراخ ومحمد المعاضيدي و وحودي الخفاجي،وتقرر أن يتولى حازم الحلي مسك سجل الندوة وعبد الإله الصائغ كاتبها لجمال خطه .
وعقدت الجلسة الرابعة والخامسة في المدرسة ذاتها ،وحضر الجلسة خالد العميدي مدير أرشاد الفرات الأوسط دون إنذار مسبق حيث طرح في نهايتها أن تقام الأماسي في مديرية أرشاد الفرات الأوسط، وكانت هناك ممانعة من بعض أعضاء الهيئة الإدارية خشية تسيسها وتوجيهها لخدمة السلطة إلا أن التطمينات المؤكدة جعلت الجميع يوافقون على ذلك ،وعقدت الندوة الخامسة هناك وأدارها حكيم الجراخ وحضرها السيد العميدي وتضمنت نقد لكتاب عودة الطيور المهاجرة وقصيدة للشاعر جعفر هجول وأخرى للشاعر ناهض الخياط ،وقام الأستاذ سعدي علوش بنقدهما ثم قدم الأستاذ عامر نعمة بحثا في الفنون التشكيلية،وفي نهاية الأمسية تبرعت غرفة تجارة الحلة بمبلغ مائة دينار لتغطية نفقات الندوة فكانت هذه البادرة محل ترحيب الجميع.
وفي اللقاء السابع قدم بحث عن أصل كلمة ملا للأستاذ حسن الفلوجي وقرأت أربعة قصائد لشعراء الندوة ثم قدم بحث للكاتب عدنان العوادي أثار نقاشا قويا من قبل الأساتذة غازي الجبوري وحازم الحلي وعبد الإله الصائغ وعلي الحسيني وجمعت الاشتراكات من أعضاء الندوة وكان الحضور كبيرا .وفي اللقاء الثامن قدمت بحوث وقصائد للسادة حكيم الجراخ وعبد الإله الصائغ وناهض الخياط وكاظم عبد الله العودة وعبد الرزاق الخفاجي وعلي بيعي وباقر جاسم محمد وعبد الحسين الحيدري ولطيف العكام وعبد الرزاق مبارك وغالب ليلو ،وقرأ الشاعر عدنان العوادي قصيدتين والغريب أن قصيدته (أصوات) أقتبس أكثر أبياتها من قصيدة لشاعر قديم ولا أدري كيف فات الأمر على الحضور يقول فيها:
لقد كان نيسان مد الفرات يقاتل
وهذي دماء على الأفق تشهد
وقد كان نيسان ملء البوادي يقاتل
ففي كل نجم دم يتوقد
أقول لها وقد طارت شعاعا من الأبطال ويحك لا تراعي
فأنك لو سألت بقاء يوما على الأجل الذي لما تطاع
فصبرا في مجال الموت صبرا فما نيل الخلود بمستطاع
ومن لم يعتبط يسأم ويهرم وتسلمه المنون على انقطاع
وما للمرء نفع في حياة إذا ما عد من سقط المتاع
ونلاحظ أن الأبيات فيها اختلاف عن النص الأصلي وأخطاء ربما تكون طباعيه ولعله سهو أو خطأ وإلا فالأستاذ الدكتور العوادي لا يحتاج لهذا.
وتضمنت الجلسة التاسعة بحث لناجح المعموري وقصيدة للشاعر محمد علي النجار ورد للشاعر حازم الحلي وقصيدة لسعدي علوش وأخرى لشريف الزميلي وقام بنقد القصائد الأستاذ حامد الهيتي ورد عليه الشاعر سعدي يوسف ردا قاسيا أستاء له جميع الحاضرين.
وفي نهاية اللقاء أثير موضوع رأي السيد عدنان العوادي بظاهرة الشعر الشعبي وبطريفة حادة وشارك في النقاش:حازم الحلي وعبد الإله الصائغ وعلي بيعي وكان عدد الحاضرين يزداد بين أمسية وأخرى.
وعقدت الندوة العاشرة مساء يوم 23-6-1971 وحضرها ضيوفا الشاعران الشعبيان زامل سعيد فتاح وكاظم الرويعي،وألقى الأستاذ حامد الهيتي محاضرة عن معرض عبد علي الطائي ثم قرء الشاعر زامل سعيد فتاح قصيدة ولرغبة الحضور قرأ قصيدته الشهيرة "المكير" ثم قرأ الشعراء ،علي الحسيني،عبد الإله الصائغ،شاكر الهنداوي، كاظم الرويعي،حكيم الجراخ،ثم قدم المرحوم جعفر هجول نقدا للقصائد.
وكان اللقاء التاسع عشر في 30-6-1971 قدم فيها بحث عن الشكوى في شعر المتنبي للأستاذ وليد جواد وقرأت قصائد للشعراء جواد الرويعي،غالب ليلو،علوان الحبيب،وقصيدة للضيف الشاعر الشعبي محمد الصكر وقدم الشاعر باقر جاسم محمد نقدا للقصائد.
وفي اللقاء الثاني عشر قدم بحث عن التعليم البابلي للأستاذ علي الحسيني وقرأت قصائد للشعراء:مكصد عبود جمعه،عادل سعيد،حازم الحلي،وقام بنقد القصائد الشاعر ناهض الخياط ،وتبرع السيد صاحب بهية بمبلغ قدره (25)دينار وأعلن أن الأمسية القادمة ستكرس لثورة تموز.
وكانت الجلسة التالية مخصصة لتموز ولكن ذلك لم يحدث ،فقرء الشعراء قصائدهم وقدم بحث لجعفر الكواز ،وفي اللقاء الرابع عشر قدم النظام الداخلي للمناقشة حيث أضيفت له بنود وألغيت أخرى ثم قرأت قصائد وقصة ،وكانت الجلسة التي تلتها حافلة بالقصائد وأذيع تسجيل لقصيدة ألجواهري (يا أبن الفراتين) ،وفي الجلسة السادسة عشر حضر ضيوف من خارج المحافظة وهم كل من :محمد علي الخفاجي،شاكر البدري،عيسى الياسري،ثم قرأ محمد علي ناصر قصة تولى الناقد باقر جاسم محمد نقدها .
وظلت الندوة تعقد أماسيها في مديرية إرشاد الفرات الأوسط إلى أن ضاقت المديرية ذرعا بالندوة والقائمين بها لأنها لم تكن تساير الوضع القائم ويقوم على أدارتها وأحيائها غير البعثيين أو الموالين للسلطة فكانت المديرية تحاول الحد من نشاطها وعدم عقدها تحت حجج واهية مما حدا بالقائمين عليها إلى التداول في الأمر في جلستها العشرون بتاريخ 29-9-1971 وتقرر إيقاف النشاطات حتى إشعار آخر.
وبعد مرور عام تقريبا وجهت دور الثقافة الجماهيرية دعوة لأدباء الحلة لاجتماع تداولي حول تفعيل دور الندوة وتقرر عقد اجتماع آخر يوم 4-10-1972 حضره مدير عام دور الثقافة الجماهيرية وتداولوا في الأمر وتقرر انتخاب لجنة لإدارة النشاطات الأدبية وإجراء انتخابات في التاسع من الشهر ذاته،وفي اليوم المحدد حضر أكثر من 150 أديب وشاعر وشرح السيد حازم الحلي العوائق التي واجهت الندوة وبعد مناقشات طويلة جرت الانتخابات وأصبحت تشكيلة اللجنة من الذوات المدرجة أسمائهم أدناه عدنان العوادي ،رئيسا وجعفر هجول نائبا للرئيس وحازم الحلي سكرتير الجمعية وفاز بعضويتها باقر جاسم وهلال الشيخ علي وسعدي علوش وشريف الزميلي وسليم الخالدي وناهض فليح وعلوان الحبيب والآنسة أميرة الخزاعي،وفي 11-10-1972 اجتمعت اللجنة واقترحت مديرية دور الثقافة الجماهيرية إضافة ستة أسماء للجنة ولوجود معارضة أجريت انتخابات وفاز ثلاثة منهم ،وصدر أمر أداري من المديرية بتفعيل أماسي الندوة وعمم الأمر على دوائر المحافظة لتسهيل الأمور للجنة المذكورة.
وبدأت الندوة بعقد أماسيها وكان عدد الاماسي أربعة عشر أمسية وفي الأمسية 33 وكانت مخصصة للاحتفال بآذار كان من المشاركين فيها حازم الحلي وأميرة الخزاعي وعبد الرزاق مبارك ورضا الظاهر ومداخلة نقدية للمرحوم جعفر هجول وبعد انتهاء الأمسية تفرق الجمهور وفي باب القاعة أبدى السيد عبد الكريم مكي مدير دور الثقافة الجماهيرية في الفرات الأوسط عدم رضاه عن الأمسية كون آذار غير موجود فيها فرد عليه الأستاذ عدنان العوادي قائلا :أن آذار كان موجودا ولكنك لم تره،وطال النقاش بينهم فقال له العوادي ماذا كنت تتوقع أن نفعل فاجبه أنت تعرف ماذا نريد،فقال له حازم الحلي أن الندوة أدبية وإذا أردتموها لأمر آخر فبالإمكان أقامتها في معمل النسيج أو مقهى سيد شاكر ليحضرها الجمهور الأخر،فامتعض مكي منه وغادر المكان منزعجا.
وفي اليوم المقرر لاجتماع اللجنة التالي حضر أعضاء اللجنة على عادتهم ولكن فراش المديرية منعهم من الدخول،فاجتمع أعضاء اللجنة في مقهى الإرشاد واتفقوا على تعطيل أعمال الندوة،وبعد ثلاثة أيام أصدرت مديرية دور الثقافة الجماهيرية إلغاء اللجنة الأدبية،وبذلك انطوت صفحة لامعة من صفحات الأدب في الحلة وتبنت السلطة النشاطات الأدبية والفنية واستطاعت شراء بعض الأدباء والشعراء ليسروا في فلكها ،وتفرق أعضاء اللجنة كل في طريق منهم من ذاب في بوتقة السلطة ، ومنهم من أصر على موقفه ومنهم من لاذ بالصمت محافظا على كرامته من التلطخ بأدران التمسح بأذيال السلطة وبذلك انطفأت هذه الشعلة الأدبية التي كان لها أثرها في بعث النشاط الثقافي في الحلة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القسام يعلن استهداف دبابة -ميركافا- إسرائيلية بقذيفة -الياسي


.. عبر الخريطة التفاعلية.. آخر التطورات في مناطق توغل جيش الاحت




.. كيف تؤثر تهديدات بايدن في مسار حرب غزة؟ نتنياهو إسرائيل ن


.. احذر... الاستحمام اليومي يضر بصحتك




.. مقتل 7 أشخاص في قصف أوكراني على حي سكني في بيلغورود الروسية