الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل وتحكيم القضايا الإلهية

ثائر الناشف
كاتب وروائي

(Thaer Alsalmou Alnashef)

2010 / 11 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اقتراب العقل الإنساني من القضايا الإلهية التي تتصل بالذات والصفات والأفعال، عملية شائكة ومعقدة ، ويثار حولها جدل مفتعل ، أساسه أن العقل ليس قادراً على محاكمة وتحكيم قضاياه الأساسية ، أي القضايا العقلية ، فكيف له القدرة على تحكيم القضايا الإلهية ؟.
ولكيلا نقع في أخطاء التعميم والشمول، باعتبارها أخطاء منطقية مقيتة، فإن المقصود بالعقل الإنساني هنا، هو العقل في الإسلام، بتصوراته المحدودة في إدراك الأمور الغيبية الخاصة بالوحي، والتي تشكل في مجموعها ( الذات، الصفات، الأفعال ) القضايا الإلهية .
فالأسباب التي تبين محدودية العقل الإسلامي في تحكيم تلك القضايا، نابعة أصلاً من العقل ذاته ، وعلته في ذلك ، هي مناط التكليف الصارم من جهة ، والتكريم من جهة ثانية [ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [ الإسراء : 70 ]
فعلة التكريم في هذا المقام إنما هي لإدراك الآثار الربانية والمطالب الإلهية فقط ، وليس للغوص أو التعمق في ما وراء تلك الآثار واستكشاف كنهها .
فالأمر الثابت والمجاز في تلك القضايا ، هو التعرف عليها بواسطة العقل من خلال تحسسها في عالم الطبيعة، لا تلمسها في عالم المادة [ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ] [ آل عمران :190] وليس إخضاعها للمحاكمات العقلية بما تنطوي عليه من حدس واستدلال وإدراك محسوس وآخر ملموس ، ولعل الحجة القائمة هنا ، رداً على تلك المحاكمات ، تتجلى في حصر دور العقل في الإسلام على التصديق فقط ، لكل ما هو صادر عن النص ( الوحي ) والحديث ( النبوة ) نظراً لمحدودية العقل في الوصول إلى حقائق ثابتة وملموسة [ وََلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ] [ طه : 110] [ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير] [ الشورى : 11 ] .
وما يدلل على عدمية المحاكمات العقلية للقضايا الإلهية ، أن فطرة العقل التي فطر الوحي عليها كل إنسان وكل مسلم قائمة أساساً على التصديق .
1- تصديق المنزل من الوحي ( النص )
2- تصديق المنزل عليه النص ( النبي )
وتصديق أحدهما ( النص - النبي ) جزء من تصديق الآخر ، وبالتالي فإن العقل موطنٌ على هذا الأساس، أساس التصديق ، وكل ما يخالف هذا الأساس ( المحاكمات ) يخالف صحيح الشرع وصريحه .
ولمعرفة ما الذي يحول دون تحكيم القضايا الإلهية من جانب العقل ، لابد من الوقوف عند تلك القضايا ، وسبرها سبراً علمياً يستند إلى ما هو متاح من نصوص شرعية وأخرى غير شرعية ، وفق التقسيم الآتي .
القضية الأولى : الذات الإلهية
القضية الثانية : الصفات الإلهية
القضية الثالثة : الأفعال الإلهية
إن القاسم المشترك بين هذه القضايا الثلاث، هو العقل ، والجامع بينها ، محدودية العقل وقصوره في إدراكها ومعرفة ماهيتها ، باعتبارها ( القضايا الإلهية ) أموراً غيبية لا يرقى إليها الشك ، وليست قضايا محسوسة بحيث يستطيع العقل تلمسها والغوص فيها بناء على مشاهداته وملاحظاته الأولية ، ويظهر ذلك بجلاء من خلال سؤال يهود المدينة ( يثرب ) للنبي محمد ( ص) عن الروح ، وقد كان سؤالاً عميقاً ، لم يخطر على بال أحد من المسلمين ، حتى أن النبي صمت برهة قبل أن يجيب عن ذلك السؤال المحير ، إلا بما أوحى إليه [ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ] [ الإسراء : 85] .
وعلى ضوء ما تقدم ذكره ، يتضح بجلاء أن الإسلام لم يتح للعقل الخوض في غمار القضايا الإلهية ، لعديد من الأسباب التي جرى ذكرها آنفاً ، واستعاض بدلاً من ذلك ، الإخبار عنها وعن ما تتمتع به من صفات الكمال والوحدانية وحكمة الأفعال [ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير] [ الشورى : 11 ] .
فالسبيل إلى الإخبار عن ذات الإله وصفاته وأفعاله ، كان من خلال النص ، ووسيلته النبوة ( تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذاته ) وغايته العقل ، ووفقاً لهذا البناء التراتبي ( النص = الوحي ) (النبوة = النقل ) (العقل = الإيمان) يتحدد موقع العقل في الإسلام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لمن سيصوت يهود أميركا في الانتخابات الرئاسية؟


.. لماذا| ما أثر قانون -مكافحة الانفصالية الإسلامية- على المسلم




.. -السيد رئيسي قال أنه في حال استمرار الإبادة في غزة فإن على ا


.. 251-Al-Baqarah




.. 252-Al-Baqarah