الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الشعب أولا نقد المرأة

مصطفى الحاج صالح

2010 / 11 / 9
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


تحررت المرأة أم تحللت ..؟ سؤال مغرض يحمل في طياته غرضه وإدانته المسبقة وهو في نفس الوقت سباحة ضد التيار السائد في العالم كله والمقصود هنا التيار الداعي إلى تحرر المرأة ؛ إذا وضعنا جانبا ؛ النوايا من جهة والقناعات من جهة أخرى؛ سنجد أنفسنا أمام سؤال آخر ؛ سؤال تأسيسي؛ سؤال يؤسس لإطروحتنا في العوم ضد التيار أو بالأحرى للعوم في مياه راكدة يجب تحريكها كي لا نظل مسرورين عن / في قناعات لا يدري معظمنا كيف حصل عليها بالضبط ؛ فمما تتحرر المرأة .؟ نظريا ستكون الأجابات بسيطة سهلة بل سريعة ؛ سرعة لا تخلو معظم الأحيان من خفة أيدلوجية تضع النظرية أمام واقع عنيد لا يأبه بالنظريات ولا بالمنظرين؛ سواء كانوا جادين مؤمنيين بما يقولون به أو محترفين يمتهنون التنظير .



الواقع يقول تحللت المرأة خاصة في منطقتنا العربيه ولم تتحرر ؛ تحللت من واجباتها ومن دورها الأسري ؛ مكتفية في أغلب الأحوال بالجانب الشكلي من هذا الواجب؛ الواقع العنيد بأمثلته التي لا تحصى يقول أنّ المرأة أمست أكثر عبودية واستلابا مما كانت فلقد تحولت من كائن تابع يقع عليه الظلم والاضطهاد إلى دمية ؛ إلى ( مانيكان) ؛ إلى كائن استعراضي يستخدم جسده أكثر مما يستخدم عقله وأحاسيسه؛ تعلم المرأة وحصولها على الشهادات لم يساعدها في تحقيق حريتها الحقيقة ؛ حرية التفكير والممارسة وما حصلت عليه في ظل دعوات التحرر والعلمانية الزائفة [ علمانية قسرية لا تهدف إلى تطوير المجتمع بقدر ما تهدف إلى التمويه على أمرين إثنيين الطائفية والاستبداد ] تحرر ظاهري لايخلو من الغواية الفتنة ؛ تحرر شكلي قائم على الشعاراتيه وعلى تخليد ذات العقائد المفارقة للواقع بأسماء مختلفة ولعل المرأة بفضل تكوينها البيولوجي من جهة والثقافي من جهة أخرى أكثر استلابا من الرجل وهي بوابة أهل المال وأهل السلطة إلى بيت الرجل العادي أو الرجل طرة ؛ أهل المال يتوجهون إليها هي أولا كمـُستهلـِكة وكمستهلـًكة ؛ يحركون غرائزها المختلفة من غريزة التملك إلى الغريزة الجنسية ؛ يسوسونها عن بعد حينا وعن قرب حينا آخر حين يستخدمونها كموديل لتكون عتلة في دوامة انتاج ثروة لا ينالها منها في أغلب الأحوال سوى ما يكفي كي تكون قادرة على تجديد الطلب والطلب هنا ليس بمعناه الاقتصادي بل يأتي بمعتى خاص تعيشه مجتمعات بعينها ومنها المجتمع السوري الذي يعد بحق نموذجا للتشوه في جميع المجالات ومنها هذا المجال ؛ مجال تحرر المرأة؛ حرية المرأة في المجتمع السوري على المستوى الواقعي المعاش تعني بالدرجة الأولى حرية الاستهلاك ؛ استهلاك تبدى في ثلاثة أمور تشكل تعبيرا عن اتجاهات الواقع من جهة وعن فصام عنيد بين الإمكانية والرغبة من جهة ثانية حيث تفوقت هذه الأخيرة لتشكل ملمح من أهم ملامح التشوه الاجتماعي ؛ نقصد بذلك على المستوى الأسري الديون تلك الحلقة غير الملحوظة في التحليلات وأنْ كانت تلحظ في بعض الأعمال الأدبية فالمرأة لم تعتد تنتج لباسها مع ما يعنيه هذا الانتاج من دخول في حلقتين من حلقات العملية الاقتصادية من خلال العمل ذاته ومن خلال الإبداع ؛ أمست تشتري لباسها جاهزا من السوق مع تفضيل الماركات وبغض النظر عن موقعها الطبقي نجد ميولها في هذا الشأن أعلى بكثير من دخلها أو من دخل الأسرة فتنشأ عن ذلك منظومة الديون فأي تحرر يلبي ذاك الميل إلى المبالغة عند نساء جميع الطبقات في مجتمعنا ؛ سواء في الأرياف أو في المدن والحالات الوا قعية أكثر من أن تحصى الأمر الثاني وهو لا يقل غرابة عن الأول في تشويهه لحياة اللبنة الأساسية في المجتمع ( الأسرة) ولا يقل تأثير ا عن الأمر الأول في تعميق الغربة والاستيلاب داخل تلك الخلية الاجتماعية فلم تعد المرأة تحت ضغط التبدلات المتلاحقة في أنماط العيش تقبل بالنوم على فراش من دون سرير ولم تعد ترضى الجلوس أمام التلفزيون فوق حصير أو سجاد فمن دون أريكة لا تكتمل هناءة الفرجة وهي من يلح غالبا لا الرجل على مثل تلك الأشياء وهي من تدفع الرجل زوجا كان أو أبا ؛ أخا أو حبييبا إلى شراء ما يفوق طاقته لتكتمل حمى الاستهلاك في إطار من الحرية الشكلية بالميول المتعاظمة في ارتداء ولبس الذهب الذي بات بوابة يدخل منها الأشرار بكافة أشكالهم وليس للمرأة من عاصم حقيقي يعصمها مادام فهمها للحرية يقتصر على تلك الجوانب الشكلية وليس خافيا على أحد تلك المجموعة من الظواهر المترتبة على حرية من هذا النوع في مجتمع استهلاكي متخلف مسكون بنوعين من الاستبداد؛ استبداد سياسي واستبداد ثقافي ؛ يمنعان معا عوامل تشكيل حرية حقيقية قائمة على المعرفة و على المسئولية .

لم يجدي تعلم المرأة فتيلا في أمر حصولها على تحرر حقيقي ؛ على النقيض من ذلك كان التعلم سببا في مزيد من الاستلاب

وفي تشويه وعيها لظروف وجودها فبالإضافة إلى كونه علم جزئي ناقص لم تكن البيئة الحاملة بيئة علم ومعرفة مما جعل تعلمها المحدود مناط في أغلب الأحوال بالحصول على عمل وظيفي وهو في أغلب الأحوال عمل غير انتاجي فلا مجال للحديث هنا عن توسع في الإدراكات تمليه شروط العمل وظروفه فأي حرية تحصل عن أعمال إدارية أو في أحسن الأحوال تعليمية تحولت في الواقع أعمال إفساد وتخريب للشخصية لا تنعكس على المرأة ذاتها بل وعلى محيطها ولن يجدي هنا الإغماض عن حال الفضيلة المحاصرة بمبررات المعيشة والسلامة ولا حال التردي المريع في السويات الأخلاقية للمجتمع عامة وللمرأة بشكل خاص ؛ نقد المجتمع أو نقد الشعب وبالتالي نقد المرأة يقربها من حريتها الحقيقية ومن معرفتها لذاتها كإنسان وليس كأنثى والفارق كبير ؛ وعيها لإنسانيتها يحررها من الاستلاب ومن الارتهان لصورة نمطية يرادا لها أن تظل فيها .

المرأة الواقعية وليست تلك الموجودة في الأذهان ولا تلك الموجودة في الكتب ؛ يمكن اعتبارها عدوة لنفسها وليس الرجل كما تتوهم هي بناء على تصور معين للرجل باعتباره ذكر مكلف ؛ إصرار المرأة بشكل عام على عدم نقد نفسها يحجب عنها قدرة اكتشاف الذات فما لم تخرج من المرآة إلى الواقع لتستعيد بعضا من مكانتها الضائعة في الأسرة وفي المجتمع بصفة أم ومربية فلن تحصل على غير دور الدمية أو ( المانيكان) أو دور المرأة الشرقية المنقسمة على ذاتها بين حياة عصرية تفرض تحدياتها عليها كل حين لتغرقها دون مقاومة وبين الإنزواء راضية بلعب الدور التقليدي من الناحية الشكلية ليس إلا فما دامت تصرف معظم وقتها أمام التلفاز ومادامت غير قادرة على إدراك معنى الوقت في حياتها وحياة أسرتها وبالتالي مجتمعها فلن تحقق نجاحا حتى في هذا الدور .

دور المرأة في الأسرة أهم من دور الرجل بما لايقاس ؛ ليس انطلاقا من موقع قيمي أخلاقي؛ ديني أو ثقافي ؛ على أهمية ذلك بل انطلاقا من الطبيعة ذاتها ؛ من طبيعتها هي؛ من تكوينها الطبيعي؛ المرأة هي من يحمل وهي من ينجب وهي من يرضع ؛ لا مراءاة في ذلك وما فعلته الحياة الحديثة من تقديم حلول للتخفيف من أعبائها الطبيعية كان خطئا بل واستهانة بها وبجنسها ؛ المرأة خلقت هكذا ؛ سواء كان الفاعل الله أم الطبيعة ؛ هذا تكوينها ؛ تحريرها من هذا التكوين ومن هذه الطبيعة كان وبالا عليها بالدرجة الأولى وعلى مجتمعها وأسرتها بالدرجة الثانية وهذا برأي المتواضع يسري على الغرب وعلى الشرق ؛ على المراكز الحضارية المختلفة وعلى الأطراف .

فبأي المعاني يفهم تحرر المرأة وما هو المقياس ؛ هل تصلح الملابس مقياسا ..؟ أم هو العمل ..؟ هل المرأة العاملة متحررة ؟ هذا يقودنا بحق إلى المنطقة المشتركة بينها وبين الرجل ؛ إلى منطقة العمل وهذه منطقة تخضع لعاملين أساسيين البنية السياسية لبلد من البلدان ولبنيته الاقتصادية بالتالي فالحرية أو التحرر مناطين بهذين ويخصان المجتمع بكامله ولا يمكن معالجة أمر حرية المرأة بمعزل عن حرية المجتمع وعن سقف الحرية المتاح في الزمان والمكان ؛ ألن يبدو الحديث عن تحرر المرأة وعن حريتها بمعزل من عن الحرية السياسية نوعا من النفاق إن لم يكن كذبا أيدلوجيا يهدف إلى غايات أخرى .

بالقطع لم تتحرر المرأة بل تحللت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ممرضة مصرية تعالج الأطفال القادمين من غزة تنهار في البكاء


.. عالمة الآثار المصرية د. مونيكا حنا: استرجاع الآثار المصرية س




.. المشاركة تيجان شلهوب


.. المشاركة أمل المدور




.. المشاركة في الاحتجاج نجمة حطوم