الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سمكة المرور!!

سعد تركي

2010 / 11 / 10
المجتمع المدني


كان يدرك إن ما يقدمه من مبلغ مالي، لكي ينجز أي معاملة رسمية، ينبغي أن يتناسب مع درجة مسؤولية الموظف الذي يتلقى هذا المبلغ، فالموظف الصغير الذي يرضى بخمسة آلاف دينار ليس كمثل المدير العام الذي قد لا ترضيه خمس أوراق خضر، ذلك إن العلاقة طردية بين راتب الموظف وحجم ما يرضيه من رقم يكون كافياً لتمشية معاملة. هذا طبعا لو كانت المعاملة قانونية، أما إن كانت عكس ذلك فإن أيّ استعصاء يمكن أن يتكفل رقم مناسب بإزالته.. كان يعرف بحكم الخبرة والممارسة والغريزة، وبحكم كثرة مراجعاته للدوائر والمؤسسات الوزارات ممن يطلب العون وكيف ومتى. كان(شاطراً) ولم يحدث أن عاد ـ يوماً ـ خائباً أو سمع جملة يسمعها غيره دوماً.. لم يسمع أبداً تعال باجر..
بعد أن تنقل بين أكثر من عمل ومهنة شأنه شأن كثيرين، انتهى إلى اقتناء سيارة حمل صممها لنقل الأسماك الحيّة من الحقول إلى الأسواق والعلوات.. استوقفته السيطرة الأولى وكان ثمن العبور سمكة.. استوقفته الثانية، سمكة أخرى.. استوقفته الرابعة فالخامسة فالعاشرة وفي كل سيطرة كان ينبغي أن يتخلى عن سمكة( تلبط).. جرّب بعد أن رأى أن الحمولة توشك على النفاد أن لا يدفع شيئاً، فكان أن تعرض لتفتيش عسير(نخل) فيه رجال الأمن السيارة نخلاً.. تعطل لساعات ودفع في النهاية سمكتين جزاء وفاقاً على صلافته وصفاقته وبخله!!
لعله ما كان يفهم ـ قبل اليوم ـ كيف يمكن لمفخخة أو عبوة ناسفة أو كاتم للصوت أن يمر عبر شوارعنا المزروعة بالمئات من السيطرات وبالآلاف من رجال الأمن، قد يفهم أن تمر واحدة لسهو أو تقصير بسيط أو لبراعة فائقة من المنفذين، لكنه عاجز عن فهم كيف تمر أكثر من 20 مفخخة في يوم واحد وتنفجر بتتابع.. لم يكن يفهم كل ذلك لولا حمولة السمك في يوم عمله الجديد الأول..
السيطرات كما سائر الدوائر الحكومية، لكي تجتازها عليك أن تتسلح بأشياء لا علاقة لها بأوراق قانونية مستوفية لشروط المرور والعبور والانجاز..عليك ـ ما دمت قد سمحت لنفسك تحت ذريعة الاستعجال حيناً والفهلوة والشطارة حيناً آخر ـ أن تتقبل ما يحدث حين يعبر ـ بنفس طريقتك ـ قاتل شُغل عنه الرقيب بسمكة أكبر حجماً!
غالباً ما نلوم ونهاجم رجالات الأمن لأنهم يسمحون لخناجر القتلة أن تعبث بلحمنا وتريق دماءنا.. غالباً ننسى أننا مسؤولون أيضاً عما يجري.. ندعو للقانون أن يطبق على الجميع شرط أن يُسمح لنا بتجاوزه.. نُسرّ زنفرح ونفخر حين ننجز معاملة رسمية قبل آخرين حضروا قبلنا.. نفعل كل شيء بمستطاعنا فعله لكي نحرج من تفتيش السيطرات من دون تفتيش.. غالباً نكون على أهبة الاستعداد لدفع مبلغ يسهل استعصاءً أو يعجل تأخيراً ولا يساوينا في الوقوف مع عباد الله في انتظار عادل.. غالباً في جعبتنا سمك يفتح أمامنا الأبواب والطرقات.. غالباً ننسى أن أسماكنا البريئة هي التي سمحت لأسماك القرش أن تفتك بأبناء الوطن وتسلب منا كل جميل ومضيء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة اعتقال مسلحين اثنين ومقتل آخرين من منفذي هجوم داغستان


.. شبكات | اعتقال عارضة أزياء يمنية بعد جدل أثارته صور زفافها




.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - الأونروا: 69% من مدارس النازحين ف


.. الأونروا: 69% من المباني المدرسية التي كانت تؤوي نازحين في غ




.. مشاهد للحظات الأولى بعد قصف مقر تابع للأمم المتحدة في غزة