الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيكولوجيا الملابس و الحلي ( هويتنا الشخصية و الاجتماعية )

علي عبد الرحيم صالح

2010 / 11 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



أن كل نشاط نقوم به عادة يعبر عن شخصيتنا و هويتنا الاجتماعية ، إذ أن أفكارنا ، و معتقداتنا ، و أنشطتنا الاجتماعية ، و مآكلنا ، و ملبسنا هو دلالة على كياننا الشخصي و الاجتماعي ، فما نحبه أو نكرهه ، و ما نفضله و ننفر منه . هي أشارات و توقعات صريحة و واضحة نستطيع من خلالها التعرف و التنبؤ بتصرفات شخصية الفرد ، و أن نتعامل مع هذه الشخصية مستقبلا بناءا على هذه التوقعات و التنبؤات .
لذا يشكل ملبسنا و ما نرتديه من حلي ، رموز اتصالية نستطيع من خلالها فهم الفرد و التعامل معه ، على سبيل المثال : لو شاهدنا رجل يلبس زي عسكري ، فأننا سنعرف فورا أنه ينتمي لرجال الجيش ، و سنتعامل معه بناءا على ذلك . كذلك الطبيب ذو الستارة البضاء ، و رجل المرور ذو الملابس البيضاء والزرقاء .
هذه التوقعات النفسية و الاجتماعية تظهر على شكل سلوك ، أو افكار ، أو انفعالات . فاذا رأيت شخصا بملابس فاخرة و أنيقة و يرتدي ساعة و حلة ثمينة ، ستحكم عليه بانه رجل اعمال ، أو غني ، هذا التوقع يثير لديك مشاعر الخشية و الاحترام و التقدير . بيد أنك لو شاهدت رجلا يلبس ثياب قديمة ، و بالية ، و مرقعه ستحكم عليه بانه فقير ، و معدوم الحال ، و سيثير لديك مشاعر التعاطف و الرحمة و المساعدة ، أو التجنب و الاشمئزاز منه !!!


أهمية الملابس و الحلي في حياتنا النفسية و الاجتماعية
تترك الملابس و الحلي تاثيرا كبيرا على أحكامنا و مشاعرنا ، و يظهر هذا التأثير في حياتنا النفسية و الاجتماعية ، فهي تعبر بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن ذواتنا الظاهرية ، و ما نحب أن نكون و نظهر عليه ، كما أنها طرق و جسور للتعبير ، و التآلف مع الآخرين من خلال مشاركتهم انشطتهم و ميولهم و اتجاهاتهم ـ أقرب مثال على ذلك مشاركة المسيح أخوانهم المسلمين في طقوسهم ، و عاداتهم الدينية و الاجتماعية ـ و بذلك تشكل ملابسنا و حلينا طاقة حيوية و نفاذة تدخل المجال النفسي للآخرين و تؤثر فيهم . و يمكن أن نوجز أهمية الملابس و الحلي ، من خلال ما يلي :
• انها ستر للجسم ، و الذات .
• انها وسيلة للحماية من اخطار البيئة ، و مضارها .
• تعبر عن انتماءاتنا القومية ، و العرقية ، و الدينية ، و المهنية ... الخ
• وسيلة للتأثير على توقعات الآخرين ، و مشاعرهم .
• وسيلة لجذب العطف ، و الاهتمام ، و الحب .




متى نبدأ بالتعرف على ملابسنا و الوعي بها
يرى علماء نفس النمو ، و منهم ( أزارد ) و ( مايكل لويس ) أن الاطفال عندما يبلغون عمر 18 ـ 24 شهراً يصلون الى حدث معرفي هام . و هو أيلاء الانتباه لأنفسهم ، و أدراك ذواتهم الموضوعية ، و الذي يظهر على شكل فهم واضح على أنهم منفصلون عن الناس و الأشياء المحيطة بهم . و بذلك يمكن القول أن الأنسان يتعرف على ما يغطي جسمه من قبل القائمين برعايته منذ هذا السن . و على أية حال فان المولود الذي يولد لدينا نحاول أن نختار له أجمل الملابس و الحلي ، مما قد يشكل هذا الاختيار للطفل احساس بالدفء و السعادة و المحبة تجاهه . بيد أن أذواقنا في أرتداء الملابس و أختيارها تتشكل خلال مراحل حياتنا ، و تتأثر هذه العملية بأذواق و ملابس الوالدين ، و الأخوة ، و الاصدقاء ، و ما تعرضه وسائل الأعلام من برامج و اعلانات . لذا تتشكل اتجاهاتنا و ميولنا نحو ما نفضل و نرغب في لبسه و ارتداءه بمرور الزمن ، و بأختلاف العمر ، و الجنس . على سبيل المثال : ما يناسب الاطفال لا يتلائم مع المراهقين ، و ما يناسب الراشدين لا يتوافق مع كبار السن ، و الأمر نفسه في أختلاف الجنس ، فما يناسب الرجال لا ينسجم مع النساء ، و حسب العمر كذلك .


الملابس و الحلي في فترة المراهقة
تعد المراهقة مرحلة نمائية يمر الفرد خلالها باوقات عصيبه ، و أزمات كثيرة ، يحاول من خلالها المراهق ان ينتقل من خصائص و ملامح الطفولة الى الرشد ، فيحاول فيها أن يؤكد ذاته ، و يثبت كيانه ، كشخص له راي مستقل ، له ارائه و أفكاره و التزاماته الخاصه به .تشكل الملابس في هذه المرحلة بالذات أهمية كبيرة دون المراحل الأخرى ، إذ يكون المراهق حساس جدا تجاه ما يلبسه ، و اراء الاخرين نحو ملابسه و حليه . و يرجع ذلك بسبب ضعف ثقته بنفسه ، و الخبرة المبكرة في الحياة ، و ضعف إمكانياته في أدارة اموره الشخصية ، فلا عجب باننا نلاحظ على المراهق تصرفات غريبة ، و احيانا شاذة على المألوف في ما يرتديه من ملابس و حلي ، فضلا عن ذلك ، أن المراهق حساس جدا في ما يقلده من نجوم و ابطال سينمائيين ، فنشاهده يقلدهم في ملبسهم و حليهم و تصرفاتهم على الرغم من انه لم يلتقي بهم ابدا في حياته . و قد يغضب المراهق أذا رأى أحد افراد عائلته يعيب نجومه و ابطاله ، لأن ذلك ينعكس على تقديره لذاته . و مما يزيد صعوبة الأمر أن الملابس و الحلي التي يرتديها المراهق قد لا تنسجم مع عادات عائلته ، ومجتمعه ، مما يزيد الطين بله . و في الآونة الأخيرة ظهرت على ابنائنا و أخواننا ظواهر سلوكية غريبة ، تتمثل في هوس المراهقين في شراء الملابس و الموضات الحديثة ، فضلا عن حالات الاعتداء على الاباء ، و أجبارهم على شراءها . و مما يلفت النظر خبر محزن عن حالة شاب مراهق مصري شنق نفسه لعدم حصوله على ( 200 جنيه ) لشراء ملابس العيد !!!


هل الملابس و الحلي حاجة فطرية أم متعلمة ؟
يرجع صنع الملابس و ارتدائها الى قدم الآنسان نفسه ، إذ تشير الدراسات و الابحاث التاريخية و الانثربولوجية الى أن سكان الكهوف ـ الأنسان القديم ـ كانوا يصنعون الملابس ، و يغطون أجسادهم باشياء بسيطة مصنوعة من الاشجار و فراء الحيوانات ، ليستروا بها عوراتهم ، و أن تقيهم من تقلبات الاحوال الجوية و الظروف البيئية . أما الحلي فصنعها الأنسان من اجل اغراض طقوسه الدينية . و لكن ما أود الاشارة اليه ، أن الله سبحانه و تعالى ، خلق ادم و حواء و معهما ما يستر عوراتهما . و الدلالة على ذلك أن أكل أدم و حواء ( عليهما السلام ) التفاحة المحرمة . اسقط عنهما ما وري عنهما ، و بعد أن شاهدا ذلك أخذ يقصفان من اوراق اشجار الجنة ليستران بهما عوراتهما . و بذلك تشكل هذه الاشارة الواضحة في القرآن الكريم ، نزعة الانسان في ستر عورته . و لو راجعنا الدراسات الانثربولوجية فانها ستؤكد ذلك ، و حتى الآن و نحن في الالفية الثالثة ، ما زالت توجد قبائل بدائية ، يعدها الانثربولوجيون نماذج لقبائل الانسان القديم : بأن هؤلاء ما زالوا يعيشون حياة بدائية اصيلة ، و انهم يسترون اجسادهم بأشياء صنعت من الاشجار و اجساد الحيوانات ، حيث أن المأكل و المأوى و سبل البقاء لديهم أهم ما في الحياة ، مقارنة بمجتمعات متمدنة تعلق على الملابس و الحلي أهمية كبيرة ، حتى اصبحت من أهم المجالات الحياتية و المهنية ، التي ينجذب اليها الملايين من الناس .


الملابس و الحلي في المعيار الاجتماعي ـ الثقافي
يوجد في كل مجتمع عادات و تقاليد و معايير خاصة ، تحدد فيه ما هو صائب و خاطئ تجاه سلوك أفرادها . و بذلك تحدد أفعالهم اليومية و تقومها . بيد ان الخروج على هذه المعايير يتدرج من عدم المرغوبية الى نبذ و سخط ذلك المجتمع . و من ضمن ما يخضع لهذه المعايير ، هو ملبس الفرد و حليه . فلكل جماعة ملابس محببه ، و مرغوبة ، و أن ارتداء ما يخالف ذلك يثير استهجان ابناء هذه الجماعة . على سبيل المثال : أن لبس المرأة العربية للباس البحر في مجتمعات الخليج العربي و الدول العربية الأخرى يثير السخط و قد يصل الى حد قتلها ، في حين أن لبس هذا الثوب على شواطئ الدول الاوربية و الامريكية يعتبر امر جذاب و محبوب . كما أن ارتداء الرجل للعقال في الدول العربية امر محبوب و مشرف ، في حين أن أرتداءه في دول كاليابان أو الصين او فرنسا يجلب النظر ، و الاستغراب . كذلك الحال بالنسبة للحلي و الوان الملابس ، على سبيل المثال : ان لون ثوب الزفاف الابيض يعتبر امر جميل ،و محبوب ، و تقليدي في هذه المناسبة . بيد ان مجتمعات اخرى تفضل اللون الاسود في مناسبات الزفاف كما في الهند ! .


من ملابسك أعرف هويتك الاجتماعية
ملابسنا و حلينا تعرف للآخرين، من نحن ؟ ، و من نكون ؟ ، و ما هي قيمنا ، و عاداتنا ، و لغتنا ، و ديننا . و لأي جماعة ننتمي . إذ تشكل ملابسنا قيمة تعريفية و دلالية تتحدث عنا دون أن ننطق بكلمة واحدة . فعلى سبيل المثال : لو أنك حضرت حفلة ما ، و رأيت شخص يرتدي ملابس رجل الكابوي ستعرف على أنه امريكي أو غربي ، و اذا رايت شخص يرتدي عقال و يشماخ و دشداشة ، ستعرف أنه عربي . و أذا رايت شخص يرتدي سروال عريض ، و يلف وسطه بقطعة قماش ، و يرتدي عمامة ، ستعرف أنه هندي . و اذا رايت شخص يلبس الكيمونو ستعرف أنه اسيوي ياباني ، و اذا رايت شخص يرتدي عمامة و عباءة ستعرف انه رجل دين مسلم ، و أذا رايت رجل يرتدي صليب ، ستعرف أنه مسيحي ... وهكذا نًعرف دون أن نسأل من أي بلد او دين او عرق نحن . و بذلك فملابسنا هي بطاقة تحملها اجسادنا أين ما ذهبنا . حتى ملابسنا الشخصية ، فكل شخص تعرف هويته بملابسه المفضلة ، فأحمد يحب أن يرتدي دائما الدشداشة و العقال ، في حين أن حسن يحب أرتداء بنطال الجينز بصورة دائمة ، و قد يثير لدينا الاستغراب ، أذا راينا كل الشخصين يرتدون ملابس بعضهما !!! و هذا راجع الى الصورة النمطية المعروفة عنا . و قد يطرح سؤال ، لماذا نشاهد بعض الافراد يفضلون ارتداء ملابس الاخرين دون جماعتهم ، فمثلا العربي أو الهندي أو الافريقي يفضل ارتداء الجينز دون العقال و الدشداشة ، و جوابنا ان ذلك يرجع الى الجماعة التي يرغب الفرد أن ينتمي اليها ، ويجد نفسه و ميوله فيها ، كما أن ذلك يرجع الى قوة الجماعة و جاذبيتها و امتيازاتها و اشباعها لحاجات الافراد . و على العموم فأن هوية الملابس تثير في الآخرين افكار و مشاعر عديدة بين أبناء الجماعات ، إذ تثير الملابس احيانا الحب و الاعجاب أو الكراهية و الرفض و العداء ، مثال ذلك الرموز الدينية الاسلامية و اليهودية ، أو المسيح الكاثوليك و البروتستانت. أو ما تحمله ملابس الرياضيين من ماركات رياضية عالمية لنادي الريال مدريد و برشلونة ، حتى لو لم يكونوا اسبانيين !!

مداخلة بين نوعية الملابس و السلوك المرضي
تنعكس الطريقة التي نختار و ننتقي بها نوع ملابسنا و حلينا بحسب معتقداتنا و ميولنا ، و هذا مرده ، و بكل تأكيد على سلامة و صحة افكارنا ، و مشاعرنا نحو الاشخاص ، و الاشياء الموجودة في البيئة . فنلاحظ أن هناك اختلافات شاسعة بين الاسوياء و المرضى النفسيين . فمعظم هؤلاء المرضى ، و خاصة الذهانيين منهم ، تبدو ملابسهم غير نظامية ، و وسخة ، و ممزقة ، و لا تتلائم بما هو شائع في المجتمع الذي يعيشون فيه ، او ما هو مقبول عند شريحة معينة من الناس . و مثالهم المصابين بالفصام و تفكك التفكير و الانفعالات الذين نشاهدهم في الشوارع . في حين نجد مرضى أخرين مصابين بالهوس ، حيث نجدهم يلبسون الملابس الغريبة ، و يختارون الالوان الزاهية و غير النظامية في تناسقها و مظهرها . إلا أن مرضى اخرين كالمصابين بالهستيريا مثلا ، يحاولون جهد طاقاتهم باظهار أنفسهم في شكل جذاب و مثير للاهتمام و الرعاية و الحب ، فنجدهم مرتبين و جذابين ، ألا أن ذلك لا يمنع من أن يظهروا انفسهم بصورة غير مهندمة بغرض جذب الانتباه و العطف ، الذي يحتاجون اليه اشد احتياج . و بذلك تشكل صحتنا النفسية احد أسباب تألقنا ، و نجاحنا ، و توافقنا النفسي و الاجتماعي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا