الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاقة المقهى بثقافة الإنسان العربي

محمد بقوح

2010 / 11 / 12
المجتمع المدني


ثمة ظاهرة أكاد أقول أنها بدأت تنتشر بقوة في حياة الإنسان العربي . أعني بها ظاهرة الجلوس في المقهى و مراقبة الشارع ، بما يعنيه هذا الشارع من مستعملي رصيف المرور ، و السيارات المتسارعة و كأنها في سباق مفترض . ضجيجها الصارخ لم يعد يشكل بالنسبة للقابعين في المقاهي أية مشكلة . و كذلك أدخنة السيارات المتصارعة هنا و هناك . لسنا ضد الجلوس في المقهى إذا كان وظيفيا و يخدم الإفادة و الإستفادة . لكن التعامل مع فضاء المقهى ، كما لو كان نادي اجتماعي فهذه وضعية يمكن تفسيرها بحالة سيكولوجية سيج بها المعنيون بالأمر " وهمهم " في إطار التموقع داخل جماعة بشرية . أي أن التواجد ضمن جماعة منشغلة بعين الهمّ و نفس الاهتمام ( المراقبة الجماعية لمرور الشارع ، الفرجة التلفازية ، ممارسة لعبة الكلمات المتقاطعة .. إلخ ) يكفي أن يشعر الفرد المعني داخل المقهى بإحساس الوجود الواقعي و الزمني اللحظي ، و بالتالي التخلص من ضغط الحياة اليومي ، سواء منه المتعلق بضغط العمل أو الشأن الأسري و المنزلي . يمكن اعتبار هذا السلوك الأخير الذي نعده بمثابة رد فعل لحاجة نفسية طبيعية و انفعالية ، و هو على أي اختيار لصاحبه ، حركته منطلقات ثقافية من أجل تحقيق أهداف سيكولوجية و اجتماعية ، لكن دون أن يكون هذا الموقف الشخصي مؤسس على مرجعية فكرية عميقة ، يراد منها التحكم الفعلي و الثقافي في حسن توظيف و استخدام فضاء المقهى ، كفضاء اجتماعي من أجل التبادل الفكري و التفاعل المعرفي ، تحقيقا للتقدم الحضاري و المعرفي الحقيقي الوطني و البشري .

و يبدو أن ثقافة كرة القدم و الديربيات الأوربية سكرت العقول و أفسدت أذواق الرقي الرفيع ، و باتت هذه الثقافة ( المخدر ) من الفرجات الممتعة و المستحسنة من طرف رواد المقاهي العربية ، و المقهى المغربي نموذجا ، بحيث يمكن لرائد المقهى أن يستغني عن نشاط ثقافي في نفس المقهى أو قريب منه ، كيفما كان نوعه أو منشطوه ، و يختار الجلوس أمام الشاشة الكبرى لتتبع مبارة كروية على المستطيل الأخضر تتبعا يخيل إليه و كأنه داخل الملعب . إنها إشكالية فكرية و عقلية في عمقها . لماذا هذا السقوط التلقائي السريع و الانبطاح المتهافت الرخيص تحت أرجل أيديولوجة الأسياد و المتحكمين عنوة و باختيارنا الشعوري و الاشعوري في حياتنا المصيرية . و الأخطر في الموضوع عندما تلاحظ أو تنتبه فجأة لاختفاء مكتبة لبيع الكتب الفكرية ، لتجد مكانها مقهى جديدا و من النوع الرفيع ، مضافة إلى سلسلة من المقاهي على الشارع العام .
ماذا تنتظر من الإنسان العربي الذي يفكر بالعين و بتاريخ حواسه الإنفعالية ، و بنوازعه الوجدانية البسيطة ، و يستجيب لغريزة البقاء و الحركة داخل نص الجمود و التكرار المركب ، ضمن جماعة شبيهة به من حيث آدميته ، و قد يمقتها في داخله .. و إذا تجرأت فحملت كتابا إلى أي مقهى في مدينتك ، و شرعت في القراءة ، لن تفاجأ بالأجساد الآدمية تقترب منك يمينا و يسارا ، لتشعرك بعد حين باختناق مرعب ، و مع دخان السجائر يزداد الأمر استفحالا غير محتمل ، لتجد نفسك مضطرا لتغيير المكان .

ما موقع العقل العربي ضمن مقولة الزمن السائر و المتحرك و المتغير ..؟ و إلى أي مصير يقودنا وضع ثقافة العطالة الفكرية و الثقافية في عالمنا العربي الفسيح ؟
إذا كان المواطن الغربي يمارس سلوك القراءة ، حتى في الحافلات و القطارات و مختلف المحطات و الفضاءات حتى المكتظة منها بالناس ، موظفا حضوره ضمن الزمن الخارجي عن منزله ، في المقابل يبدو أن المواطن العربي المشبع بالرغبة في الركود و الجمود و الاستهلاك السلبي لكل ما يقع بين يديه ، و يعرض أمام أنظاره من سلع و شباك مزينة ، لا يزال غارقا في سباته المتخلف و المتناقض و المفارق ضد طموحاته .. و يؤسس ، نتيجة لذلك ، و اقتناعا منه بوهمه الصارخ هذا ، ثقافة الانتظار و الاستغلال البشع ، و الثرثرة الفارغة غير المجدية .. و يمشى بطواعية فيها الكثير من العزة بالنفس و الفخر و الرضى الغريبين صوب مشانق الزمن التي حضّرت له بإتقان ، و ساحات المقصلة ليضع النهاية الوشيكة و المفترضة لنوعه الذي يرفضه زمنه ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأونروا: ملاجئنا في رفح أصبحت فارغة ونحذر من نفاد الوقود


.. بعد قصة مذكرات الاعتقال بحق صحفيين روس.. مدفيديف يهدد جورج ك




.. زعيم المعارضة الإسرائلية يحذر نتنياهو: التراجع عن الصفقة حكم


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - مسؤول الأغذية العالمي في فلسطين:




.. تغطية خاصة | إعلام إسرائيلي: الحكومة وافقت على مقترح لوقف إط