الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماهية الحقيقة في الحياة

صاحب الربيعي

2010 / 11 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا توجد حقائق مطلقة في الحياة لأنها ذات أوجه كثيرة كل وجه منها صحيح لا يمكن إنكاره لكن لا يجوز اتخاذ وجه واحد منها وعدّه الحقيقة كاملة وصدقها مرتبط بالزمن، فحقائق الزمن الماضي لم تعدّ حقائقاً في الزمن الحاضر لتطور العلوم والثقافة ومن ثم تطور العقل الجمعي. وما هو حقيقة لمجتمع ما قد لا يكون كذلك عند مجتمع آخر، لأنها مرتبطة بالاعتقاد المتباين وتصوراته من مجتمع إلى آخر.
إن الحقيقة ليست مطلقةً، إنما هي وجهاً اعتقادياً من أوجه الحقيقة أو جزءاً مُعرفاً من كلي مجهول عجز علم الحاضر ادراكه، وقد يدركه علم المستقبل... وهكذا كلما اكتشف وجه جديد لحقيقة ما أصبحت أكثر صدقية من ذي قبل لكن لا يمكن عدّها حقيقة كاملة.
إن الحقيقة حالة أزلية قائمة على تواصل البحث لإدراكها، فأحداث كثيرة من الماضي عدّت حقائقاً واكتسبت صدقها الزمني ليس بكونها حقائق مطلقة أقرها البحث العلمي وإنما هي جزءاً من هدف تسعى البشرية إليه.
يُعرف (( هيغل )) الحقيقة قائلاً : " إنها اتحاد عضوي بين جوانب وصفات وخصائص تؤثر في بعضها، والحقيقي هو الكلي الذي تتفاعل به الأجزاء والأفراد على نحو عضوي، والإنسان كائن قائم بذاته لكنه جزءاً من الكل ليس بعدّه وعاءاً لتجميع صفات متباعدة وإنما لانتشارها فيه ".
إن الحقيقة ليست حدثاً مفقوداً في الحياة مطلوب البحث عنه وليست تراثاً حضارياً مطلوب الكشف عنه إنها تسمية مجازية لأحداث ذي صدقية إدركها العقل الفردي واستوعبها العقل الجمعي، فالعقل ليس أداة تحقق صحيحة لقياس صدقية الأحداث لعجزه ايجاد تفسيرات علمية قاطعة وإنما هو أداةً لبناء تصورات عن حقائق مقنعة للعقل الجمعي في الحاضر لكنها قد تصبح غير مقنعة أمام تصورات جديدة أكثر قناعة وصدقية للعقل الجمعي ذاته في المستقبل.
يعدّ التقدم العلمي والتقني محاولة للبحث عن أوجه الحقائق الظاهرة وتفسيرها، فكل وجه منها يعدّ حقيقة لكنها ليست مطلقة لأنها تظهر حقائق خافية وجديدة تتطلب تفسيرات كثيرة لإثبات صدقها أو عدم صدقها.
يعتقد (( جوزايا رويس )) " أن الحقيقة لا نستمدها من أفكار فطرية أو خبرات مكتسبة، وإنما نحن من يصنعها ".
إن خشية وجود الإنسان في عالم مجهول الحقائق يجعله في اللاوعي يبحث في مجاهيل محيطه للتحقق من مكان وجوده في عالم آمن لذلك يسارع إلى الإعلان اكتشافه للحقائق الظاهرة وعدّها انجازاً كبيراً تحرره من شعور الخشية العيش في عالم مجهول وغير آمن، بدليل أكثر الحقائق الظاهرة التي أقرها العقل الجمعي في الماضي عدّت تصورات غير واقعية في الزمن الحاضر. وهكذا يواصل الإنسان بحثه عن حقائق المحيط والكون لإدراكها بعدّه جزءاً من الحقائق المطلقة التي يعجز العقل إدراكها، لكنه يخلق تصورات عقلانية يقبلها العقل الجمعي ليتواصل مع الحياة.
ينصح إنجيل (( يوحنا )) الإنسان البحث عن الحقيقة قائلاً : " إن عليك معرفة الحقيقة، وهي التي ستحررك ".
إن عجز الإنسان إدراك الحقيقة والاستعاضة عنها بتصورات تحرر ذاته من الخوف العيش في عالم مجهول لا يعي أسباب وجوده فيه، يدفعه البحث عن الحقيقة بعدّها محاولة لاواعية لتحقق من حقيقة وجوده كجزء من حقيقة كلية مطلقة لكنها مجهولة لديه.
حين يعجز الإنسان عن تعيين وجوده في عالم مجهول يبحث في اللاوعي عن الآمان أما بإنتمائه إلى الجماعة لتمنحه الحماية النفسية وأما الإنتماء إلى ذات عليا غير مرئية أقوى من الجماعة بعدّه جزءاً من ذاتها الكلية في خلقه ووجوده في عالم مجهول لا يمكنه الشعور بالآمان فيه إلا عن طريق الإيمان بالذات العليا، الحقيقة المطلقة، التي تحرره من الخوف الذي ينخر لاوعيه ويستسلم لقدره المكتوب في الحياة.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتماع مصري إسرائيلي أميركي مرتقب بشأن إعادة فتح معبر رفح| #


.. المتحدث باسم الخارجية الأميركية لسكاي نيوز عربية: الكرة الآن




.. رئيس مجلس النواب الأميركي يعلن أن نتنياهو سيلقي كلمة أمام ال


.. أربعة عشر متنافسا للوصرل إلى كرسي الرئاسة الإيرانية| #غرفة_ا




.. روسيا تواصل تقدمها على جبهة خاركيف وقد فقدت أوكرانيا أكثر من