الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلقة السادسة: التناحر بين الأحزاب السياسية

وصفي احمد

2010 / 11 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أولا : مواقف الحزب الشيوعي
ساند الحزب الشيوعي حركة 14 تموز 1958 منذ اندلاعها , فأعلن في أول بيان له أصدره في اليوم الأول للحركة عن عزمه وضع قواه لمؤزارة القائمين بالحركة والدفاع عن الجمهورية و صيانة إنتصار الشعب . و دعا في البيان نفسه إلى (( المبادرة فورا بإطلاق سراح كافة السجناء السياسيين و الأحرار و المناضلين الشجعان ضحايا الحكم الإستعماري عربا و أكرادا ...... )) . كما ناشد جماهير الشعب (( تأليف لجان شعبية للِدفاع عن الجمهورية في المعامل و المحلات .... ) ) و (( تنظيم فصائل المقاومة الشعبية و الإستعداد لجابهة أية حالة طارئة ))
وقد استطاع نتيجة لتمرسه في النضال السري سنوات طويلة , أن ينطلق في أعقاب التغيير فيهيمن على المقاوة الشعبية و لجان صيانة الجمهورية كما هيمن على المنظمات الديمقراطية والمهنية و بذلك تمكن من كسب جماهير واسعة إلى جانبه .
و في صراعه مع الأحزاب السياسية الأخرى , لعبت المقاومة الشعبية دورا هاما في محاربة خصومه , و بالأخص القوميين العروبيين و البعثيين بعد فشل حركة الشواف في الموصل سنة 1959 .
وقد إلتف حول قاسم , و بعث بمذكرة إلى قاسم في 26 تموز 1958 (( حول جهاز التجسس القديم ....)) طلب فيها تصفية مديرية الأمن العامة كما طالب بتصفية الشعب الخاصة سواء في المؤسسات المدنية أو العسكرية وبعث بمذكرة آخرى في 27 تموز (( حول الأخطار المحدقة بالجمهورية جراء العدوان الاستعماري .... )) . طالب فيها بتصفية الإقطاعيين فورا لأنهم ركائز التأمر و النشاط العدواني ضد الحركة و ضرورة الإسراع بتطهير جهاز الدولة و تعبئة قوى الشعب و تدريبها على السلاح , وجعل الإذاعة ووسائل الإعلام الآخرى في خدمة الحركة .
و إستمرت اتصلاته بعبد الكريم قاسم عن طريق رشيد مطلك و عن طريق بعض أعضاء لجنته المركزية ممن كانوا يزورون قاسم في مقره بأستمرار .
و أمكن له التمتع بوسائل إعلام هامة , فبناء على طلبه عين الرائد سليم الفخري مديرا للاذاعة و استطاع أن يصدر جريدة (( إتحاد الشعب )) في 25 كانون الثاني 1959 التي كان يشرف على تحريرها عامر عبد الله و استمرت بالصدور حتى 30 أيلول 1960 .
مطالبة الحزب للاشتراك في مسؤولية الحكم :
رأي الحزب الشيوعي بعد سحق حركة الشواف في أذار 1959 و تعبئة جماهيره لسحق الحركة , أن الوقت قد حان للمطالبة في تمثيله في مجلس الوزراء , لأنه حمل العبأ ثقيلا في اسناد نظام عبد الكريم قاسم بعد أن انفضت عنه القوى القومية . في الوقت نفسه كانت جماهير واسعة تسير خلفه , بل و تبؤا مراكز حساسة في السلطة الجديدة . فتقدمت قيادة الحزب تطلب المشاركة في الحكم ببيان أصدرته اللجنة المركزية بتاريخ 28 نيسان 1959 جاء فيه : (( و حرصا من حزبنا الشيوعي على تعزيز حكومة الجمهورية و ترصينها على أساس الثقة الشعبية التامة و وحدة الصفوف المتراصة فإنه يطالب بمشاركته في مسؤولية الحكم جنبا إلى جنب مع ممثلي الأحزاب و القوى الديمقراطية المخلصة .... )) .
كما ركزت صحيفته المركزية (( إتحاد الشعب )) في مقالاتها الإفتتاحية حول ضرورة مشاركة الحزب في السلطة . وفي أول آيار 1959 و بمناسبة الاحتفال بعيد العمال العالمي خرجت منظمات الحزب و أعضائه و مناصريه في تظاهرات تهتف و ترفع شعارات (( المطالبة بإشراك الحزب الشيوعي في الحكم )) . و تصدر هذه المظاهرات بعض قادة الحزب وهم : جمال الحيدري و عبد القادر إسماعيل و عامر عبد الله و محمد حسين أبو العيس و زكي خيري و بهاء الين نوري و عزيز الحاج و كريم أحمد الداود . و استمر الحزب بهذه المطالبة قرابة الشهرين إلى أن جرى التعديل الوزاري في 13 تموز 1959 .
و باقتراب الذكرى الأولى للرابع عشر من تموز أخذت صحيفة اتحاد الشعب تعرض باستمرار (( النشاطات الإستفزازية و العدوانية التي تمارسها القوى الرجعية ... )) . وكان الظرف ملائما لأن هذه الذكرى كانت ستصادف في يوم عشرة عاشوراء حيث تشارك جماهير غفيرة فيها . لذلك حذر الحزب جماهيره من توقع مصادمات بينه و بين القوى المناوئه و عليهم أن يجابهوا اجراءات السلطة و نشاطات القوى و العناصر الرجعية بالعنف الثوري للدفاع عن منجزات الثورة .
و خلال الاحتفالات بعيد الثورة جرت مصادمات دموية في المسيب و الديوانية و الحي ذهب ضحيتها عدد كبير من كلا الطرفين . ثم حدثت اضطرابات دامية في كركوك اتخذت بعدا أوسع مما تقدم .
وقد ثارت هذه الأحداث عبد الكريم قاسم فألقى كلمة في كنيسة مار يوسف في 19 تموز ألقى فيها باللائمة على الشيوعيين من طرف خفي . هنا لابد من الوقوف قليلا عند هذه الأحداث التي ما زالت مخزونة في الذاكرة الجمعية للعراقيات و العراقيين ممن عايشوها أو اولائك الذين سمعوا بها أو درسوها في كتب التاريخ , فهذه الأحداث تتحملها كل الأحزاب و القوى السياسية بلا إستثناء كونها ابنة هذا المجتمع المعبأ بثقافة الاستحواذ و الثأر , فالشيوعيين أو بمعنى أصح الجماهير التي انخرطت في الحزب الشيوعي بعد 14 تموز 1958 احست بسيطرتها على الشارع لذلك لجأت إلى ممارسات العنف لاخافة مناوئيها الذين لم يكونوا أقل عدوانية من خصومهم خصوصا البعثيين الذين لم يتورعوا عن استخدام اكثر الطرق عنفية في التصدي للشيوعيين فعلى سبيل المثال عندما علم البعثيون و جماهيرهم من سكنة مدينة القلعة ( ضاحية من ضواحي سامراء ) بقدوم قطار السلام الذاهب إلى الموصل في الايام القلية التي سبقت أحداث الموصل قام البعض منهم بوضع عبوات ناسفة تحت سكة القطار لقلبه وهذا ما رواه أحد زملائي من سكنة هذه المدينة عندما كنا ندرس في الاعدادية في سبعينيات القرن الماضي .( هذه الاستدراكات من وضع جامع هذه السطور ).
لذلك عقد الحزب الشيوعي إجتماعا موسعا في أواسط تموز 1959 و اتخذ عددا من القرارات انتقد فيها هذه الأعمال التي وصفها بالعفوية و صدرت عن الجماهير للدفاع عن المكتسبات التي حققتها ( الثورة ) .
و في أعقاب ذلك بدأت السلطة بمطاردة الشيوعيين و اعتقالهم و منعت صحيفة اتحاد الشعب من التداول في الألوية ( المحافظات ) الجنوبية بأمر من قائد الفرقة الأولى الزعيم سيد حميد سيد حسن .
و على الرغم من التغيير الذي حصل من قبل السلطة تجاه الحزب الشيوعي لكن قيادته ظلت وفية لعبد الكريم قاسم حتى آخر لحظة من لحظات حياته و هذا ما سنأتي عليه لاحقا و هنا لابد تفسير لمواقف الحزب الشيوعي من مسالة السلطة و للاجابة على هذا السؤال لابد من الاطلاع على ما رواه صالح مهدي دكلة عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في تلك الايام في كتابه ((من الذاكرة سيرة حياة ))حيث يقول :: (( من بديهيات ستراتيجية أي حزب شيوعي منذ البيان الشيوعي أيام ماركس ........ ومن هذا المنطلق يكتسب شعار استلام الحزب الشيوي للسلطة السياسية احد المستلزمات الضرورية للحزب الثوري ...... يخيل لي أن سياسة الحزب الشيوعي العراقي منذ اللحظات الأولى لانتصار( ثورة ) تموز كانت تتضمن مثل هذا الفهم .......... و قبل أن تكمل ( ثورة تموز ) عامها الأول , برز التناقض بين القاعدة الاجتماعية لل ( الثورة ) و شكل الحكم من خلال الهجوم الذي تعرضت له الحركة الديمقراطية .... على أيدي أجهزة السلطة و بتشجيع من القوى الرجعية .............)) .
((في الأيام التي كنا نعد فيها لاحتفالات الذكرى الأولى ل ( ثورة ) تموز , طرح الرفيق الراحل سلام عادل في أحد اجتماعات لجنة بغداد تكتيك التصدي للتجاوزات و الانتهاكات التي باتت تتعرض لها الحركة الجماهيرية ........ ))
(( في مثل هذه الأجواء ........ أكد الحادث التالي التفكير بضرورة أخذ الحكم أيام قاسم .... وملخص القصة : في أحدى الأمسيات الواقعة بين 3 إلى 7 حزيران 1959 , تلقيت تقريرا بوصفي مسؤول منطقة بغداد , و الكلام مازال لدكلة , يفيد أن ثمة حركة انقلابية يعد لها بعض الضباط القوميين و القاسميين و منهم أحمد صالح العبدي ... وتهدف هذه العملية الانقلابية إلى الاطاحة بعبد الكريم قاسم و تصفية الحزب الشيوعي .
فالتقطت سماعة الهاتف و اتصلت بجريدة اتحاد الشعب , حيث يعمل سلام عادل .... و طلبت أن أراه ... فأمهلني قليلا و قال أنه هو و الرفيق الشهيد جمال الحيدري سيحضران بعد قليل إلى مكتب بغداد .....
و بعد قليل وصل ا لرفيقان ... عرضت عليهما التقرير . فكان جوابهما أنها نفس المعلومات التي تلقتها قيادة الحزب من مصدر آخر فضلا عن ابلاغها قبل فترة وجيزة من قبل الرفيق سعيد مطر , أحدالضباط الشيوعيين العاملين في وزارة الدفاع , بوجود أمر مصدره وزارة الدفاع , يقضي باعتقال قيادة الحزب الشيوعي .............))
(( تداولنا الأمر و وصلنا إلى أنه من الصعب بل من المستحيل أن نحصل على رأي موحد فيما يتعلق بعملية الاستيلاء على الحكم داخل قيادة الحزب . عندها تركز الحديث على الإمكانات التي يمتلكها الحزب في الجيش . فاقترح سلام عادل أن نستدعي الرفيق عطشان الأزيرجاوي و هو أحد منظمي الخطوط العسكرية و لاسيما سلاح الدبابات . فجاء وعرض أمامنا أن تنفيذ هذه العملية أمر ممكن حتى بدون الاستعانة بتنظيماتنا العسكرية في الخطوط الأخرى .
فتقرر في تلك الليلة اخراج مظاهرات تسد جمبع الطرقات من الباب الشرقي إلى الباب المعظم تمنع خروج أي كان من زارة الدفاع . و اغلق مكتب جريد اتحاد الشعب و انتقل الرفيقان سلام عادل و الحيدري إلى دار في منطقة باب الشيخ قريبة من مكتب بغداد . و أتفق على أن ا لتحرك سيتم بعد منتصف الليل بفتح الطريق نحو وزارة الدفاع لاعتقال عبد الكريم قاسم و الضباط المتآمرين . و في تلك الأثناء عاشت بغداد تلك الليلة و الجماهير تحتشد في الطرق و الأزقة وهي تهتف بحياةالجمهورية العراقية . وحينما حاول البعض الخروج من وزارة الدفاع لم يتمكنوا لانها كانت محاصرة من قبل الجماهير و المكتب الوحيد من مكاتب الحزب الذي بقي على صلة سواء بمنظمات الحزب أوبسلام عادل هو مكتب بغداد .
راح مرافقوا عبد الكريم قاسم و كبار الضباط في وزارة الدفاع يستفسرون عن الذي يجري في بغداد . ولم يحصلوا على أجوبة كافية لأن مكاتب اتحاد الشعب وهي المقر الرئيسي لقيادة الحزب أغلقت و صاروا يتصلون بأعضاء القيادة في بيوتهم . وكان هؤلاء القياديون يتصلون بدورهم باتحاد الشعب دون أن يحصلوا على رد . كما اتصلوا بداري عادل و الحيدري , فلم يعثروا عليهما . فأتصلوا بمكتب بغداد يسألون عن هذه المظاهرات التي تملأ شوارع بغداد . فأخبرتهم بأنه قرار من الحزب . أجتمع قادة الحزب و توجهوا إلى مكتب بغداد وهم الرفاق عامرعبد الله و كريم أحمد و زكي خيري و آخرون و أخذوا ينحون بالائمة علي كوني اتخذت قرارا و أصدرت التوجيهات بالتظاهر في هذا الوقت من الليل دون مبرر . فأجبتهم بأنه قرار أبلغني به سكرتير اللجنة المركزية. فذهبوا دون أن أدلهم على مكان سلام عادل و جمال الحيدري , ولكنهم عرفوا المكان من بعض الرفاق الذين يقفون في الشارع .
ذهبوا إلى الدار حيث التقوا بسلام عادل , ويبدوا أن مناقشات حادة جرت و اضطر الرفيق سلام عادل للمجيء إلى مكتب بغداد و أشار بتقؤيق المظاهرات و ابلاغ الرفيق عطشان الإزيرجاوي بإرجاء التحرك )) .
ثانيا - موقف الحزب الوطني الديمقراطي :
كانت مسؤولية الحزب الوطني الديمقراطي في الحكم بعد 14 تموز 1958 أكبر من أي حزب آخر من أحزاب جبهة الإتحاد الوطني , اذ اشرك في الوزارة الأولى اثنين من أعضائه هما محمد حديد لوزارة المالية و هديب الحاج حمود للزراعة .
و نتيجة لذلك عدل الحزب منهجه , و أعلن تأييده للحكومة ونسقه بحيث لا يخرج عن دائرة فلسفته الليبرالية في السياسة و الاقتصاد و عمل ممثلا الحزب في الوزارة على وضع برنامج الحزب موضع التنفيذ و خاصة إعلان مبدأ الحياد بين المعسكرين الغربي و الشرقي و مبدأ فتح التجارة مع دول العالم كافة بشرط تحقيق المنافع المشتركة لكلا الطرفين .
كما شارك هديب الحاج حمود وزير الزراعة بوضع مسودة قانون الاصلاح الزراعي حيث عين رئيسا للجنة التي كتبته .
و عندما طرح شعار (( الوحدة )) أو (( الاتحاد الفدرالي )) تبنى الحزب الشعار الثاني , حيث سافر رئيسه كامل الجادرجي إلى القاهر في شهر أيلول 1958 لملاقاة الرئيس عبد الناصر و طلب منه أن بوقف دعمه لموضوع الوحدة الفورية و يقبل بفكرة الاتحاد الفدرالي لأن الخلاف على الشعارين سيؤدي إلى نتائج وخيمة و يجعل الاتحاد نفسه متعذرا , وكان جواب عبد الناصر على ذلك : أن الأمر متروك للعراقيين .
و عندما قرر الوزراء القوميون الاستقالة من الوزارة اتصل محمد صديق شنشل وزير الارشاد و أمين عام حزب الاستقلال بوزيري الحزب محمد حديد و هديب بغية اتخاذ موقف موحد الذين وعداه بالتفكير بالموضوع لكنهما عدلا عن قرار الاستقالة في اللحظات الأخيرة ثم اجتمع أقطاب الحزب و اتخذوا قرارا بأسناد قاسم و تمثيل الحزب بشكل أوسع في الوزارة , اذا طاب منهم ذلك , فأحتوت وزارة 7 شباط أعضاء آخرين من الحزب .
غير أن حسين جميل عضو الوطني الديمقراطي ووزير الارشاد استقال من الوزارة في 9 شباط احتجاج على مقال نشرته اتحاد الشعب في مقالها الافتتاحي هاجمت فيه الوزراء القوميين الستة الذين استقالوا من قبل ووصفتهم بأن لهم (( ارتباطات مع الأوساط الاستعمارية وجهات أجنبية اخرى )) . و قد حاول محمد حديد و هديب الحاج حمود الاستقالة من الوزارة لكنهما عدلا عن قرارهما .
و قد استمر الحزب الوطني الديمقراطي في نشاطه السياسي على المستويين الجماهيري و الحكومي إلى أن اصطدم بالحزب الشيوعي العراقي متهما إياه باستغلال النقابات و المنظمات الجماهيرية الاخرى لأغراضه الخاصة و لنشاط الحزب الضيق تحت ستار الجمهورية و الديمقراطية .
و قد أدت هذه الخلافات بين الحزبين إلى اصطدامات بين أعضائهما في كل من النعمانية و كربلاء و الحي و الشامية مما زاد في تصدع الصف الوطني .
وقد تذرع عبدالكريم قاسم بوقوع هذه الأحداث ليعلن في عيد العمال عن عدم رغبته أو تشجيعه للعمل الحزبي في المرحلة الانتقالية و حذر من توسع شقة الخلاف بين العناصر الوطنية لمكاسب حزبية ضيقة . وعلى أثر ذلك عقد الحزب الوطني الديمقراطي اجتماعين عامين كبيرين حضرهما ممثلو منظمات الحزب و لجانه في 11 و 13 مايس 1959 , وقرر تجميد نشاطه في غياب زعيمه كامل الجادرجي أثناء فترة الانتقال .
و عند عودة الجادرجي إلى البلاد من الاتحاد السوفيتي , حيث كان يستشفي هناك , هاجم قرار التجميد و أعتبره خطأ كبيرا , سيما و أن للحزب ممثلين في الوزارة القائمة , وكان موقف محمد حديد و هديب الحاج حمود أن القرار أتخذ بناء على رغبة قاسم . إلا أن الجادرجي أفاد أن الحزب ليس ملكا لقاسم و إنما هو ملك الشعب و طلب من أعضاء الحزب ومناصريه من الوزراء التخلي عن مناصبهم و تقديم استقالاتهم من الوزارة . الا أن هؤلاء حافظوا على مراكزهم الوزارية إلى أن أجيزت الأحزاب السياسية في 6 كانون الثاني 1960 , فأستقال هديب الحاج حمود من وزارة الزراعة وبقي محمد حديد في الوزارة حتى 23 نيسان 1960 ثم استقال منها ومن الحزب الوطني الديمقراطي على أثر خلاف نشب بينه و بين رئيس الحزب كامل الجادرجي . ثم تقدم مع عدد من مؤيديه بطلب إلى وزارة الداخلية لتأسيس حزب سياسي باسم الحزب الوطني التقدمي و أصدر جريدة ناطقة بأسم حزبه أسماها (( البيان )) شنت حملات واسعة على الجادرجي و حزبه , وقد ظل هذا الحزب يعمل حتى أيلول 1962 حيث أوقف نشاطه , أما الوطني الديمقراطي فهو الآخر أوقف نشاطه , كما استقال الجادرجي في أيلول 1961 من رئاسة الحزب .
موقف الأحزاب و القوى القومية :
كانت استقالة الوزراء القوميين من الوزارة نهاية مرحلة تعاون العناصر القومية مع نظام حكم قاسم , و أنعطافأ نحو تكتيل صفوفها و توجيهها نحو الإطاحة به و التخلص من عبد الكريم قاسم . وقد تراوحت جهودهم بهذا الشأن من محاولات اغتيال قاسم إلى القيام بحركة جماهيرية للانقضاض على السلطة و عليه سوف نستعرض هذه الأحزاب و القوى القومية و المواقف التي اتخذتها .
1 – حزب البعث :ترجع بدايات حزب البعث إلى أوائل خمسينيات القرن الماضي حيث تشكلت أول قيادة قومية للحزب في العراق سنة 1953 ضمت كل من فؤاد الركابي ( أمين السر ) و فخري ياسين و جعفر قاسم حمودي و شمس الدين كاظم و محمد سعيد الأسود .و هذا لا يمنع أن أول بعثي عراقي هو : الدكتور سعدون حمادي اذ كان من الأوائل ممن دخلوا الحزب في خارج البلاد سنة 1948 .
مصادر فكر حزب البعث :
مصادر فكر حزب البعث محدودة جدا لذلك فان البعثي الذي يريد حمل صفة مثقف لابد له من تجاوزثقافة الحزب إلى ثقافات اخرى لأن مصادرثقافة الحزب لا تتعدى :
أ – مجموعة أحاديث و كلمات مرتجلة لميشيل عفلق , أهمها ما كان قد ألقاها خلال السنوات الأولى للتأسيس على شباب ( الطلائع الأولى للبعث ) و هي التي حولها الحزب إلى كراريس و كتب تحمل عناوين جذابة إضافة إلى اسم المؤلف مصدرا بلقب ( القائد المؤسس )
ب – مجموعة مقالات عفلق و البيطار الأفتتاحية السياسية لجريدة الحزب في الفترة التي سبقت انقلاب حسني الزعيم سنة 1949 و كانت المقلات مكرسة لتوجيه النقد السياسي الساذج لمظاهر الحكم الوطني الذي أعقب جلاء الفرنسيين عن سوريا في سنة 1946 .
ج – منشورات الحزب ضد الحكومات السورية المتعاقبة بعد الجلاء الفرنسي , وكلها من إعداد عفلق و البيطار و يساعدهما بعض شباب الحزب .
د –مجموعة مقالات مترجمة في الفلسفة و الأدب و السياسة لبعض المفكرين الفرنسيين اليمينيين و اليساريين .
ه – بعض كتب حررها بعض كتاب الحزب الذين كانوا مرضيا عنهم من عفلق في تلك المرحلة , منها كتابات منيف الرزاز و عبد الله عبد الدايم .
و لذلك كانت قيادة الحزب تكثر من احالة الأعضاء على تراث لا ترى بأسا فيه لسد الفراغ . و كان بعض الأعضاء يبحثون عن زاد فكري بأنفسهم فقد يقبل بعضهم على الدراسات الماركسية أو الدراسات التي تناولت قضايا العرب قبل ال ( ثورة ) العربية في 9 شعبان وما بعدها .و لذلك من الصعب أن يقال أن الحزب قدم لأعضائه و مناصريه دليل عمل فكري عن الثقافة و لكن الحزب كان بدون ثقافة . و الذي يسمع ب ( مثقفي الحزب ) ليسوا سوى مجموعة من حملة الشهادات و للحزب طريقة خاصة في تزويد بعض أعضائه بالشهادات و الرتب . و منذ أن ولد الحزب و حتى اليوم لم يستطع أن يقدم برناجا عقائديا واضحا. فالحزب في نظر عفلق مهمته أن يشق الدرب لا أن يعبده لسالكيه . فالمهم أن تعلن أهدافا تحسن اختيارها و تنادي بها , وتحولها إلى شعارات يسهل على الجماهير حفظها و ترديدها و المناداة بها مثل ( أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ) ( الطليعة ) ( البعث ) ( الأصالة ) ( قدر الأمة ) ...... ألخ و تأخذ خطابات و أحاديث عفلق و تلاميذه توكيدات على كل ما يطرحه الحزب و كأنها أركان ايمانية متلازمة فلابد من الوحدة و لابد من الإشتراكية و لابد من الحرية و كل هذه اللابدات غير قابلة للتعليل ولا للتحليل و لا للمناقشة و لا للتقديم ولا للتأخير , فالحديث عن هذه العلاقات محرم , وجيلنا لا يزال يتذكر إختلافات الحزب مع عبد النصر على تقديم الحرية على الوحدة أو بالعكس في الشعارات المطروحة .
أما الإحالات فقد أبدع القائد المؤسس فيها , وحين نقرأ ادبيات الحزب و خاصة ميشيل عفلق نجد في ذهن الرجل نموذجين مثاليين , الأول : هو صورة المجتمع الغربي ( الفرنسي خاصة ) و الثاني هو : نموذج العربي الجاهلي ذي العرق النقي و الخيال الخصب و الشعر و الفروسية , و لأنه لا يستطيع التصريح بهذا النموذج المركب العجيب الذي يجمع بين جاهلية العربي الجاهلي , و النموذج الفرنسي المتقدم بقدرة خيالية عجيبة فأنه كان يفضل اختزال الأفكار إلى شعارات و عبارات خطابية يرفض البحث في معانيها و لا يسمح لأحد بتحليلها أو مناقشتها حتى لو كان من قادة الحزب .
إنه يصر على توحيد كلمة البعث ا لعربي تاركا للكل أن يفهم منها ما يريد , إذ يكفي عنده أن يرد كلمة كهذه تستدعي جملة كبيرة من الايحاءات لا حصر لها ولكن ما الذي يريده القائد المؤسس ؟ هل هو بعث الماضي العربي أو التاريخ العربي ؟ و ما الذي يراد له أن يبعث منه أهو الجاهلية – التي يصفها بالنقاء العربي – أم الإسلام أم شيء خر ؟............. و لا زال جيلنا يذكر أن لقاء الرئيس الراحل عبد الناصر بعد لقاءاته بعفلق في محدثات الوحدة خرج يقول للناس في خطبة معلنة ( الأستاذ بتاعهم ما قدرتش أفهم منه غير يعني يعني , كل كلمة يقولها يردد بعدها يعني يعني , و بعدين ما تفهم يعني أيه )
وقد كان عفلق حين تبنى دعوات عبد الناصر و أيد سياساته كان يستهدف ركوب الموجة لتحقيق وحدة مستعجلة يمكن فكها في أقل من الوقت السريع الذي أبرمت فيه , كما أنه كان يظن أنه سيكون قادرا على التأثير في عبد الناصر بذات المستوى الذي أثر فيه بالضباط السوريين , و بذلك يجيير عبد الناصر وشعبيته و مكانته لصالح ذاته وحزبه ,ولما رأى من عبد الناصر غير ما كان يتوهم سرعان ما حرك الخلايا النائمة للحزب الذي كان وافق على حله كي تعمل على تحقيق الانفصال .
حتمية الانتماء للبعث :
تتلخص رؤية عفلق في النظرية القومية البعثية أ، مرحلة الانحطاط التي عاشها العرب في عصرتأسيس الحزب ولايزالون يعيشونها في الوقت الراهن جعلت كثيرا منهم ا يفهمون حقيقة أنفسهم و لا حقيقة قوميتهم , فصاروا غير مدركين أنه ليس أمامهم مجال لاختيار أن يكونوا غير بعثيين لأن القومية العربية البعثية موجودة فيهم من غير أن يكون للانسان العربي دخل في تقبله الأيجابي أو الاختياري .
الحزب هو الأمة : الأمة ليست قيمة عددية و إنما هي أيدلوجية تتجسد في تلك المجموعة أو جزء منها , و الجزء المقصود هو طلائع الأمة ( أي الحزب ) الذي يقع على عاتقه عبء تعبئة الأمة وراء الفكرة القومية البعثية و قيادتها في أداء رسالتها الخالدة )) .
هنا يصبح الحزب هو الأمة , ودور الأمة لا يعدوا أن يكون في جعلها تنكب على متابعة فكر الحزب صما و عميانا في حالة تقليد و متابعة لا تبالي اذا كانت تلك المتابعة تحدث للأمة قناعة بذلك الفكر أو لا تحدث .
إن عفلق وضع تصورا جديدا للقومية البعثية لتكون إطارا مناسبا للمذهبية و خصوصياتها و لفصل البعثيين عن سائر القوميين ,فهي مختلفة عن القومية الغربية بشقيها الماركسي والتقليدي من ناحية , وغلق الباب أمام تحليل القوميين العرب الذين وصفهم عفلق بالرجعيين .
و أكد أن الطليعة هي وحدها التي تعي قوميتها في مرحلة الانحطاط , وتستوعب قيمها , وهي أن تتولى قيادة ثورة البعث .
و لقد أجاب عفلق عن ماهية البعث و أهدافه فقال : ( إن الهدف هم تبديل القيم الاجتماعية للعرب , لذا فإنه هدف بعيد المدى , اذ أن الثورة يجب أن تتناول طريقة الناس في التفكير إضافة إلى الأفكار ذاتها .
الطلائع و القسوة و الاستبداد :
لذلك فإن الطليعة من حقها التحدث باسم المجموع و لكي تقوم بدورها فأن على الطلائع أن تحتفظ بحبها للجميع , و أذا قدر لها أن تقسوا في معاملتها على الآخرين , فإنما تفعل ذلك رغبة منها في إعادتهم إلى أنفسهم ... إذن فإن القسوة على الآخرين إنما هي من أجلهم فهي تحتفظ بحبها للجميع و بذلك شرع عفلق للقسوة و الاضطهاد و أعتبر الطغيان مشروعا للطلائع .
يمكن القول أن أول نشاط كبير لحزب البعث كان من خلال مشاركته الفعالة في انتفاضة تشرين 1952 حيث تمكن من استقطاب أعداد كبيرة من الشباب من ذوي الميول القومية .
و في أواخر 1953 عندماقام عمال شركة النفط في البصرة بإضراب وقف إلى جانبهم و كان الحزب الوحيد الذي نجح في دعوتهم لذلك الإضراب . و توالى نال الحزب , وفي نهاية 1954 تنبهت القوى الوطنية إلى أن العراق سيكون الثالث في الحلف التركي الباكستاني لذلك أخذ الحزب على عاتقه فضح الحلف عبر تنظيم عمليات الإحتجاج من خلال الإضرابات التي قام بها الطلبة في عدد من الكليات و المعاهد . ساهمت العديد من التغييرات التي حصلت في المنطقة في تصعيد الحزب لنشاطاته و كان أهمها نجاح حركة 23 يوليو في مصر و بعدها تأميم قناة السويس و العدوان الثلاثي حيث تمكن الحزب من قيادة التذمرات الجماهيرية مما زاد في قوته في الشارع .
ويمكن إرجاع أسباب نشؤ وتطور حزب البعث إلى جملةعوامل أهمها :
1- إنعدام الأحزاب القومية التي تنادي بالوحدة و الإشتراكية .
2- طرح الحزب نفسه كحزب للجماهير الكادحة من خلال عمله لتحقيق مطالب العمال و الفلاحين و الطلبة .
3- رفض الحزب لطرق المساومة مع الطبقة الحاكمة أيام العهد الملكي التي كانت تقوم بها الأحزاب البرجوازية .
4- اتبع الحزب أساليب النضال السرية للانتشار بين الجماهير الكادحة و بذلك فوت على السلطة الفرصة لتقيد نشاطه. كما عمل على الانتشار داخل المؤسسة العسكرية لإيمانه بأن أي تغيير لا يمكن أن يحصل إلا من خلالها ؟
5- ضعف الحزب الشيوعي العراقي بسبب الانشقاقات التي حصلت فيه على أثر إعدام سكرتيه ( فهد ) و اعتقال أغلب قياديه .
انعقد أول مؤتمر قطري لحزب البعث في العراق سنة 1955 الذي دعا الحزب من خلاله إلى بذل أقصى الجهود في سبيل التوصل إلى صيغة عمل جماعي بين الأحزاب الوطنية التي كانت تعارض النظام الملكي وقد تكللت جهوده أخيرا في انبثاق جبهة الإتحاد الوطني التي ساهمت بإنضاج الظروف الموضوعية لقيام حركة 14 تموز 1958.
و قد لعب الحزب دورا فعالا في اسناد الحركة سواء على الصعيد الجماهيري أو من خلال المشاركة في أول وزارة تشكلت بعد نجاحها من خلال أمينه العام فؤاد الركابي . كان الحزب يدعوا إلى نحيسن أوضاع الجماهير و تحقيق الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة.و لتحقيق هذا الهدف وصل الأمين العام لقيادته القومية ميشيل عفلق إلى بغداد في 24 تموز 1958 لإقناع أركان الحكم الجديد للانضمام للجمهورية العربية المتحدة لكن الحزب الشيوعي العراقي أفسد عليه مخططه من خلال دعوته للاتحاد الفدرالي .
بعدها أخذ الصراع يشتد بين دعاة الوحدة الفورية و الأتحاد الفدرالي الذي اصطف قاسم إلى جانب الداعين اليه . إلا أن الحزب كان يقدر مخاطر هذه الخلافات على وحدة الصف الوطني بما يعرض البلاد للخطر , لذلك سعى إلى تجاوز هذه الخلافات . لكن الصراع أخذ منحى آخر بعد سحق حركة الشواف في الموصل ,فتحول الحزب إلى العمل الجاد لإسقاط نظام الحكم .
محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم :
منذ شباط 1959 جرت اتصالات بين المقدم رفعت الحاج سري و فؤاد الركابي أمين سر الحزب عن طريق الرئيس الركن صبحي عبد الحميد لغرض التخطيط للتخلص من قاسم عن طريق اغتياله وقد وافق الركابي على ذلك , و اجتمعت قيادة الحزب القطرية للتداول بشأن الموضوع و وافقت بالإجماع على الأمر .
و في أعقاب هذا الاجتماع بيومين تطوع فاضل الشقرة للقيام بالمهمة , و كانت الخطة تقضي بأن يلقى على عبد الكريم حقيبة مملوءة بالمتفجرات عند انعطافه من شارع الرشيد إلى ساحة التحرير من شقة قريبة من هناك . غير أن صبحي عبد الحميد لم يوافق عليها لأنها غير مضمونة النجاح . و طلب إعداد خطة بديلة , ومع ذلك فلم تعرض خطة جديدة لأن الشواف كان قد فاجأ الجميع بحركته و لم يعلم الأحزاب القومية بما كان ينوي القيام به .
عادت فكرة اغتيال قاسم مرة آخرى بعد فشل حركة الشواف , فأجرى ممثلون عن حزب البعث اتصالات مع العناصر القومية الآخرى من أجل تنفيذ العملية , ومن بينهم محمد صديق شنشل أمين عام حزب الاستقلال الذي وافق على العملية و أبدى استعداده للمشاركة فيها وتقديم معونة مالية لتغطية جزء من تكاليفها .
و عهد إلى أياد سعيد ثابت و خالد الدليمي مسؤولية متابعة الخطة . , و اختير الأشخاص الذين سيقومون بالمهمة , ثم بدأت تدريبات هؤلاء على استخدام الأسلحة في أماكن قصية و بعية عن الأنظار . ثم اجتمعت القيادة القطرية للبعث في أواخر تموز 1959 و ناقشت الموضوع من جديد و أتخذت قرارا بضرورة تلاحم الشعب و الجيش للاطاحة بقاسم . و اتصل بالمقدم صالح مهدي عماش و أعلم بالخطة , فأبدى استعداده هوعدد من الضباط القوميين للمشاركة فيها . و مثل ذلك فعل الفريق الركن نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة على أن يقوم بدوره بعدنجاح المهمة في اليطرةعلى الموقف و منع الجهات غير القومية من الوصول إلى السلطة , و اشترط في مقابل ذلك عدم الاندفاع الفوري في الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة , وتشكيل مجلس قيادة الثورة من الضباط القوميين فقط , و تأليف حكومة من عناصر قومية تأخذ على عاتقها التعاون إلى أقصى الحدود مع الجمهورية العربية المتحدة .
و انصرفت النية إلى تنفيذ العملية قبل تنفيذ حكام الاعدام بالضباط الذين ساهموا في حرجكة الشواف , لكن عبد الكريم كان أسرع منهم , اذ نفذ حكم الاعدام في 20 أيلول 1959 و صاحبها غليان جماهيري عبر عنه بمظاهرات صاخبة في بغداد غير أن السلطة تمكنت من قمعها .
و أثر ذلك قررت قيادة حزب البعث الإسراع بتنفيذ العملية . وفي مساء يوم 7 تشرين الأول 1959 خرج عبد الكريم من وزارة الدفاع متجها نحو الباب الشرقي لحضور الحفل الذي كانت تقيمه قنصلية ألمانيا الشرقية السابقة بمناسبة عيدها الوطني . فاتصلت نقطة المراقبة القريبة من الوزارة بعيادة الدكتور حازم البكري و عند وصوله إلى نقطة التنفيذ أطلق عبد الوهاب الغريري النار على سيارة الزعيم فقتل السائق و جرح المرافق جاسم العزاوي , و أطلق الآخرون النار على قاسم فسقط جريحا في حوض السيارة . وبعد اصابة عبد الوهاب الغريري و جرح صدام وسمير النجم , تم نقلهما دون التأكد من مقتل الزعيم .
و بعد انسحاب المنفذين اتصل الركابي بالمقدم صالح مهدي عماش و أبلغه بنجاح المهمة وأن على الضباط القوميين التحرك , و لكن اللواء الركن أحمد صالح العبدي الحاكم العسكري العام سيطر عللى الموقف و حال دون تحرك الضباط القوميين , كما أن الفريق نجيب الربيعي ذهب إلى وزارة الدفاع ووجد أمامه العبدي عقبة , و اقترح بعض الضباط من ذوي الميول القومية على العبدي التعاون معهم لكنه رفض و هددهم بأنه سيفضح أمرهم إن هم قاموا بأية محاولة من هذا القبيل .
و في مساء نفس اليوم أذاع الحاكم العسكري العام بيانا إلى الشعب عبر الإذاعة و التلفزيون أعلن فيه تعرض قاسم لمحاولة اغتيال و أنه أصيب بجروح طفيفة و أن صحته على ما يرام .
استنكرت القيادة القطرية عملية الاغتيال لأنها جرت بشكل فردي من قبل أمين سر الحزب دون استشارة القيادة القومية كما أشارت إلى أنه بالرغم من أن المنفذين أبدوا جرأة في العملية إلا أن أين سر القيادة القطرية يتحمل المسؤولية لأن الحزب لا يؤمن بالاغتيالات السياسية .
أحيل بعض منفذي العملية إلى المحكمة السكرية العليا الخاصة فأجرت محاكمتهم بتاريخ 26 كانون الأول 1959 في حين استطاع البعض الآخر من الهروب إلى دمشق و منها إلى القاهرة و هم : فؤاد الركابي و صدام حسين و عبد الكريم الشيخلي و حاتم حمدان العزاوي و مدحت ابراهيم جمعة .
و لم يقتصر نشاط الحزب على هذه الحادثة , بل ظل يخطط لاغتياله , فأعد تدبيرا لذلك في 14 آذار 1962 عندما كان مقررا أن يجتمع بناظم القدسي في الرطبة , غير أن الحزب تراجع عن ذلك خوفا من وقوع ضحايا كثر .
, ارتأى الحزب أيضا أن يتم ذلك خلال افتتاحه لمعمل الأحذية الشعبية في الكوفة في 17 تموز 1962 , ثم عدل عن هذه الخطة أيضا في اللحظات الأخيرة , و أجل ذلك إلى 2 كانون الأول 1962 و لكن الخطة لم تنفذ أيضا .
و كانت آخر محاولة لقيام البعث بانقلاب عسكري قبل 8 شباط 1963 , هي تلك التي كان من المفروض أن تبدأ في صباح 19 كانون الثاني 1963 , لكنها كشفت أثر وشاية مكتوبة قدمها المقدم جابر علي إلى عبد الكريم قاسم قادت إلى اعتقال عدد كبير من الضباط القوميين .
حزب الاستقلال :
تمتد جذور تكوين حزب الاستقلال إلى نادي المثنى الذي تأسس في ثلاثينيات القرن الماضي . و بدلأ التفكير بتشكيل حزب الاستقلال عندما كان القوميون أعضاء نادي المثنى في المعتقلات أثر فشل حركة مايس 1841 , و كان فائق السامرائي صاحب الفكرة .
و عندما أعلن الوصي عبد اله في 27 كانون الأول 1945 العزم على السماح بتأسيس الأحزاب و الجمعيات السياسية , قدم محمد مهدي كبة و داود السعدي و خليل منة و آخرون طلبا إلى وزارة الداخلية في 12 آذار 1946 لتأسيس الحزب الذي أجيز في 2 نيسان 1946 و على الرغم من توجهه القومي لكن نشاطه اقتصر على العراق فقط .
كان لحزب تأثير على ضباط الجيش العراقي , أما سمعته لدى البلاط و الدوائر الاستعمارية فكانت سيئة لمشاركة أعضائه القياديين في حركة مايس , ودعوته إلى تاميم النفط في 18 آذار 1951 على لسان أمين سره محمد صديق شنشل .
و بعد نجاح الانقلاب العسكري في سوريا بقيادة حسني الزعيم سنة 1949 و دور المخابرات الأمريكية بتدبيره توجهت أمريكا إلى العراق لإحداث انقلاب مماثل فطلبت من حزب الاستقلال التعاون معها لتغيير النظام الملكي إلى جمهوري و لكن الحزب رفض ذلك .
و منذ 1951 تعاون حزب الاستقلال مع الوطني الديمقراطي تعاونا وثيقا في رفع المذكرات و الاحتجاجات إلى البلاط وفي قيام جبهات ثنائية مثل جبهة 1954 الانتخابية العلنية و مشروع المؤتمر الوطني الذي رفض من قبل وزير الداخلية سعيد قزاز في 9 تموز 1956 و جبهة الاتحاد الوطني في سنة 1957 .
كان الحزب ينادي بالوحدة العربية لكن على أسس عاطفية . بدأ الحزب تعاونه مع الضباط الأحرار منذ 1953 لتغير النظام من ملكي إلى جمهوري .
حصل الحزب على حصة الأسد في أول وزارة تشكلت بعد 14 تموز 1958 فقد أصبح رئيسه محمد مهدي كبة عضوا في مجلس السيادة و مثل الحزب في هذه الوزارة محمد صديق شنشل وزير الإرشاد و عين فائق السامرائي سفيرا للعراق لدى الجمهورية العربية المتحدة , غير أنه اعتبر هذا المنصب إبعادا له عن البلد .
منذ الأيام الأولى بعد التغيير اصطدم شنشل بعبد السلام عارف , لإصدار الأخير صحيفة باسمه دون استشارة وزير الإرشاد .
و عنما ثار الخلاف حول ( الوحدة ) أو(الإتحاد الفدرالي ) وقف الاستقلال مح الوحدة وقد جاء 1لك على لسان أمين عام الحزب محمد صديق لدى عبد الكريم قاسم حيث قال له : (( إني أؤيد الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة )) . و كان ممثل الحزب أحد الوزراء القوميين الستة الذين استقالوا أثر اتساع الخلاف بين القوميين و اليساريين .
و عمل الحزب على إسقاط نظام حكم قاسم بالتعاون مع بقية الأحزاب و القوى القومية كما أسلفنا . كما سعى إلى قيام الجبهة القومية في سنة 1961 مع حزب البعث و حركة القومين العرب .
حركة القوميين العرب :
بعد قيام حرة 14 تموز 1958 أرسلت القيادة القومية للحركة هاني الهندي أحد قادتها للعراق لتنظيم عناصر الحركة ووضع سياسة جديدة للعمل , و لما تحقق ذلك أطلق اسم ((حركة القوميين العرب )) لأول مرة على القوميين الذين كثيرا ما أعتبروا من أتباع حزب الاستقلال في العرق .
و كانت هذه أول خطوة عملية للحركة لتأكيد وجودها كحزب سياسي . و من ناحية ثانية قام هاني الهندي يالتخطيط لقيام الجبهة القومية التي حققت تحالف كافة القوى القومية لزجها في الصراع ضد نظام حكم قاسم . ومن ناحية ثالثة وافق الهندي على توجيه القيادة المحلية للحركة الداعية إلى السماح لها بالعمل في صفوف القوات المسلحة .
و قد شنت الحركة حملة قوية على أعمال الشيوعيين في الموصل و كركوك و الحي و باقي مدن العراق . فهاجمت في نشرتها السرية ( ( الوحدة )) نشاط الحزب الشيوعي و أعتمته بالعمل ضد مباديء القومية العربية و الوحدة , و لأن الوحدة كانت من أهم القضايا المطروحة في تلك الأيام , قامت الحركة بنشر عدد من الدراسات التي تركزت حول على الوحدة .
وعلى الرغم من اعتبار الحركة نفسها قوة وحدوية لكنها لم تفكر في إمكانية قيام أية وحدة خارج نطاق الجمهورية العربية المتحدة خشية أن تقود هذه الوحدة إلى تحويل مركز القوة في المنطقة إلى خارج هذه الجمهورية .
و كان برنامجها خلال فترة حكم قاسم يتضمن :
1 –التركيز على قضية الوحدة العربية .
2 –الصراع ضد الشيوعيين المحليين و القوى الرجعية في الوطن العربي .
3 – التأكيد على سياسة الحياد الايجابي .
4 – دعم حركات التحرر العربية و خاصة ثورة الجزائر .
5 – دعم الجمهورية العربية المتحدة .
و قد اشتركت الحركة في الجبهة ا لقومية التي تشكلن سنة 1961 لكي تساهم مع كل الأحزاب و الحركات القومية لإسقاط نظام قاسم و قيام الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة .
الرابطة القومية :
تأسست الرابطة القومية في شهر آب 1958 من عناصر قومية أبرزهم هشام الشاوي و عدنان الراوي , لغرض تحقيق ( التحرر و الوحدة و الاشتراكية ) أما شعارهم فهو ( شعب عربي واحد – دولة عربية واحدة ) . و من ثم هي منظمة قومية لا حزبية تدعوا إلى تجميع القوى القومية و تعمل في سبيل بناء مجتمع عربي اشتراكي موحد ( على ساس الاشتراكية الديمقراطية التعاونية ) و تأخذ بالوحدة العربية الشاملة . و أن وحدة العراق مع الجمهورية العربية المتحدة خطوة كبرى في هذا الاتجاه .
و قد هاجمت الرابطة عبد الكريم قاسم و الشيوعيين في صحيفتا السرية (( الرقيب )) كما قامت بنشر العديد من الكتب و الكراسات , حيث اقتصر عملها على الجانب الدعائي .
الحزب العربي الاشتراكي :
و هو جناح انشق عن حزب الاستقلال و تأسس سنة 1960 , تحت شعار ( كفاح – وحدة – اشتراكية ) يؤمن بالقومية العربية لكونها إنسانية لا عدائية و بأن الوطن العربي وحدة جغرافية و تاريخية واحدة , و أن الاستعمار كان قد فرقها .
لم يكن لهذا الحزب دور فعال في النضال القومي للإطاحة بقاسم و إنما اقتصر نشاطه على توزيع النشرات في أوقات متباعدة و كان يتزعمه عبد الرزاق شبيب و أحمد الحبوبي و مالك دوهان الحسن .
التجمع القوي في القاهرة :
إنبثق هذا التجمع في القاهرة بعد فشل حركة الموصل و لجوء بعض المدنيين و العسكريين إلى الجمهورية العربية المتحدة- و أبرز الذين كانوا في القاهرة فائق السامرائي و محمود الدرة و سلمان الصفواني و الدكتور جابر عمر و فؤاد الركابي و آخرين .
أما الذين لجأوا إلى سوريا فهم : نعمان ماهر الكنعاني و محمود عزيز و أحمد عجيل الياور و آخرين . أما مجموع للاجئين الذي ضمهم هذا التجمع فهم سبعة و ثمانين شخصا . و تشكلت هيئة للتجمع من قبل فائق السامرائي أمين سر الهيئة و أحمد فوزي المدير الإداري و اتخذت مقرها في إحدى البنايات في الدقي في القاهرة . و ضم التجمع ممثلين عن حزب الاستقلال و البعث و الرابطة القومية و حركة القوميين العرب و الحزب العربي الاشتراكي و الربطة القومية و القوميين المستقلين و كذلك ممثلين عن جماعات آخرى منهم شباب الإخوان المسلمين و هم الدكتور حبيب السامرائي و عبد الكريم الشوكة و حمد الكبيسي و بعض الأكراد مثل شوكت عقراوي . وكان هدف هذا التجمع إسقاط نظام حكم قاسم لكونه مناهضا للقومية العربية و روح الإسلام . وقد حدثت خلافات عديدة داخل الهيئة أهمها : أهمها : الموقف الواجب إاتباعه من قضية الكويت عندما طالب العراق بضمها إليه و و اتخذت الجمهورية العربية المتحدة موقفا معارضا فرفع فائق السامرائي و سلمان الصفواني و محمود الدرة و علاء الدين الريس مذكرة إلى الجامعة العربية أيدوا فيها مطلب العراق و قدموا الوثائق و الخرائط التي تؤكد عائدية الكويت للعراق . ثم قرروا الانسحاب من هيئة التجمع القومي و قاطعتها ,
و كان هذا التجمع يقوم بالدعاية ضد قاسم عن طريق الاذاعة في الجمهورية العربية المتحدة في كل من القاهرة و دمشق .
الجبهة القومية :
تألفت الجبهة القومية سنة 1961 عقب انهيار جبهة الاتحاد الوطني , من كل من حزب الاستقلال و البعث و حركة القوميين العرب و , هدفها تحقيق الوحدة القومية مع الجمهورية العربية المتحدة . و مع ذلك فقد دفعت عوامل أخرى أيضا إلى تأسيسها , هي كما حدها حزب البعث :
1 – إن الجماهير القومية تعارض الحكم القائم , أي نظام قاسم , و فصائله ليست بالضرورة مؤيدة لحزب دون آخر لإندفاعها بشعور عاطفي فحسب , لذا فأن حزب البعث يجدها مترددة في المشاركة الجدية في المعركة و إن حجتها تلخص في أنها لا تجد الجو الملائم للعمل لتشتت القوى القومية و تفرقها , و أنها تأخذ على الفصائل القومية , و خصوصا حزب البعث , هذا التفرق .
2 – كسر الطوق المحيط بحزب البعث و انفتاح وجال الجماهير القومية و المستقلة أمامه .
3 – عدم فسح المجال للعناصر القومية المستقلة في إحداث تكتلات قومية جديدة مما يزيد في بعثرة القوى القومية .
4 – الذي يؤخذ على حزب البعث أنه منغلق على نفسه و يرفض أي تعاون أو تفاهم مع القوى القومية الأخرى , وقد اتخذ هذا سلاح ضد الحزب , , مما إدى إلى عزل أوساط قومية واسعة عن الحزب و أساء إلى سمعته في تلك الأوساط .
5 – إن بين الفئات القومية عناصر خيرة و دوافعها نبيلة حتى عندما تزج في مخاصماتها فهب تكون مدفوعة بتوجيهات مغرضة , و إن التحالف سيسر للحزب الاتصال بها و تطويرها و جذبها نحو الحزب .
6 – إضعاف بعض التكتلات القومية المشبوهة , بعزلها عن جو العمل القومي المشترك مثل الحزب العربي الاشتراكي و الرابطة القومية و الحزب الاسلمي .
قبول الفئات القومية التعاون على الشعارات المطروحة كديمقراطية الحكم و مقاومة الرجعية و تبني الاشتراكية سيسهل على حزب البعث في تعميق هذه المفاهيم في أوساط الشعب .
8 – إن نشر شعارات الحزب في الأوساط القومية و اتساعها سيخدم الحزب في الفترات القادمة في صراعه المحتمل من أجل هذه الشعارات .
9 – لاشك أن المعركة القادمة اكبر من أن يفيها حزب البعث حقها لوحده , و ذلك لما للأعداء من إمكانات و اسعة , فلابد اذا من أن يتكتل أكبر عدد من المعارضين إلى جانبه و لاسيما أن البعث الوحيد بينها يتميز بتنظيم متين و عقيدة راسخة مما يؤهل الحزب لقيادة و توجيه الجبهة .
و فضلا عن ذلك كانت الجبهة تؤكد على أن الوطن العربي وحدة سياسية متكاملة و أن التجزأة فرضها الاستعمار , كما أن الجبهة تسعى لتحرير فلسطين و الأجزاء السليبة , كما تعطف على الحقوق المشرعة للقوميات الأخرى , و تؤمن بسياسة الحياد الإيجابي و تتبني الاشتراكية الميتمدة من واقع الشعب العربي خاصة .
وبادرت الجبهة القومية منذ أوائل 1061 بالعمل لإسقاط نظام قاسم , كما ساهمت ببث الأفكار القومية بين الجماهير و تهيئتها لإسقاط النظام القائم و قامت باتصالات مع الحزب الوطني الديمقراطي الكردستاني من اجل وقف القتال في شمال العراق , إذا قامت ( ثورة ) شعبية أو حركة عسكرية من قبل العناصر القومية .
انسحبت حركة القوميين العرب من الجبهة في تموز 1961 نتيجة لتأزم العلاقات بين القوى والأحزاب القومية داخل الجبهة و خارجها . اما أسباب انسحاب الحركة فقد حددها منشور الحركة في تموز 1961 بما يأتي :
1 – إن الجبهة القومية القائمة ستتحول هي نفسها , في مثل هذا الجو , إلى طرف في الصراع و أنها ستتحول بالتالي عن مهمتها الرئيسية الأولى التي قامت من أجلها , و التي هي تجميع الصف القومي على ستراتيجية واضحة ضمن إطار العلاقات السليمة .
2 – إن الجبهة القومية واضحة ضمن إطار من العلاقات السليمة .
3 – إن حركة القوميين العرب لن تتمكن في ظل هذا الوضع الجديد للجبهة و في ظل الصرع القائم بين قواها القومية في العراق على أ سس سليمة لأن الشرط الأول لتحقيق هذه الغاية هو ألا تكون حركتنا في جانب دون آخر . و أضافت على ذلك بأنها :
(( ... تعلن أنها ستواصل عملها الجدي الدائب للاتصال مع كافة القوي القومية في العراق لكي تساهم في تصحيح الموقف و الأوضاع التي نجمت عن هذا التأزم و تبديل الصورة القائمة حاليا تدريجيا . و تؤكد بأن الجبهة القومية في العرق سلاح نضالي هام لتحقيق هدف الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة عندما تتوفر لهذه الجبهة الشروط المهيئة و المقاييس الصحيحة التي يحددها مفهوم الحركة للجبهة القومية الصحيحة )) .
مصدريالبحث :
1- الموقع الألكتروني لحزب البعث .
2- ثورة 14 تموز في لبعراق لؤلفه ليث عبد الحسن الزبيدي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤانسات أدبية- د. العادل خضر: يوتوبيات العبور


.. الرئيس الصيني في زيارة إلى فرنسا تركز على العلاقات التجارية




.. مفاوضات حماس وإسرائيل تأتي في ظل مطالبة الحركة بانسحاب كامل


.. مصدر مصري رفيع المستوى يؤكد إحراز تقدم إيجابي بشأن مفاوضات ا




.. النازحون يأملون وصول إسرائيل وحماس إلى اتفاق وقف إطلاق النا