الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شرق أوسط بلا مسيحيين 2/ عود على بدء

حنان بكير

2010 / 11 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل يجدي الصراخ، في وجه الطغيان والمشاريع الجهنمية؟ منذ منتصف التسعينات أو قبلها بقليل، بدأت بالصراخ والكتابة، للتحذير من المخاطر التي تحدق بمسيحيي الشرق الأوسط، وبالتأكيد فعل هذا الكثيرون غيري، ولكن لا حياة لمن تنادي.
لم تكن أحداث كنيسة سيدة النجاة الأولى من نوعها ولم ولن تكون الأخيرة. لأن مسلسل تهجير المسيحيين قائم منذ القرن الثامن عشر، من خلال ارتكاب المجازر بحق مئات الألوف منهم. ان منطقة الشرق الأوسط تقع اليوم بين فكّي كماشة، أو تحت ضغط مشروعين جهنّميين..
المشروع الأول هو المشروع الأمريكي، الذي يهدف الى تفتيت المنطقة كلها الى دويلات طائفية واثنية ضعيفة ومتقاتلة. وبالطبع فان اسرائيل لا تقف بعيدا عن هذا المشروع، فقد صرح بول بريمر، بأن اسرائيل كانت مستشارا يصغى له! وكذلك برنارد لويس اليهودي الأمريكي والخبير في الشؤون الاسلامية صرح، بأن العراق كيان مصطنع، وليس دولة متجانسة!! أما هنري كيسنجر، فقد قال انه ليس من ضمن اهتمامنا أن يبقى العراق موحدا، بل مقسّما! تصريحات تتحدث بصراحة ووقاحة عن مشروع تدمير العراق، وهذا ما يثبت وقوف جهات مشبوهة خلف المذابح الطائفية، التي تخدم مشروع التقسيم. الذي لن تسلم منه المنطقة كلها، وهذا ما يعطي المبرر لوجود دولة يهودية في فلسطين، أسوة بسائر الدويلات الطائفية والاثنية، مع فارق أن اسرائيل دولة تجلس على ترسانة نووية، اضافة الى تفوقها الحضاري والثقافي، وكل هذه الأمور تؤهلها للعب دور الشرطي المهيمن على المنطقة.
أما المشروع الجهنمي الثاني، فهو مشروع الاسلام الراديكالي، لاقامة الدولة الاسلامية، كخطوة أولى لاعادة الخلافة الاسلامية. وقد جرت على ألسنة الأئمة ورجال الدين من أعلى المستويات على تسمية المنطقة، ببلاد المسلمين، وكأن الشرق الأوسط بأكمله قد أصبح وقفا اسلاميا! ما يعني جهوزيّته لمضايقة أصحاب الديانات الأخرى وبالأخص المسيحيين وحملهم على الهجرة، أو أن يرضوا بالذمّية. في بيروت زرت صديقة أثيرة لي، فأخبرتني بأنها أحضرت رجلا لتثمين شقتها المعروضة للبيع، وحين فتحت الباب ليدخل الرجل صاحب اللحية الطويلة، سارت أمامه.. فصرخ بها أن امشي على اليسار فأنت ذميّة!!
أما التصريح المهزلة والفاضح، فهو تصريح جون كيري، الذي قال فيه، بأن أمريكا سوف تشطب اسم السودان عن لائحة الارهاب، اذا ما وافقت حكومة الخرطوم على اجراء الاستفتاء بخصوص الشمال في موعده! ما يعني أن تهمة الارهاب ليست أكثر من فزاعة لمن يخالف سياسة العم سام! وفي حال موافقة الحكومة السودانية على هذه المقايضة،هل سيصبح الارهاب مشروعا" من الشرع"! وماذا عن دارفور وتهم جرائم الحرب التي تكال للحكومة السودانية؟ هل تصبح مغفورة مقابل تقسيم السودان؟
في لبنان يأخذ المشروع شكلا آخر، باستعمال المحكمة الدولية، كذريعة أو سبب لايقاع الفتنة الطائفية، والتي لا تحتاج الى كبير جهد أو عناء حتى تتحول الى بركان يحرق الأخضر واليابس..
وفي كلا المشروعين الأمريكي والراديكالي الاسلامي، فان الخاسر الأكبر هم المسيحيون..
بالعودة الى العراق ومسيحييه.. ليس مثل العراق من جغرافية تتعرض وتحتمل التغييرات الديموغرافية، فمنذ عام 1920، بدأ مسلسل المذابح والتهجير، بحق المسيحيين. ففي الأعوام 1843/ 1895، أبيد أكثر من عشرة آلاف سرياني.. واستمر مسلسل المجازر حتى الأعوام 1914 و 1919و، والتي أسفرت عن ابادة 300 ألف سرياني في العراق وسورية، وكان يستتبع هذه المجازر عمليات تهجير واحلال لسكان يختلفون في الدين وأحيانا في العرق.. فمدينة أربيل كانت مسيحية الى ما بعد العصر المغولي بوقت طويل، وكذلك مدينة الحسكة السورية هي مدينة سريانية أيضا..وكما يرى الاستاذ صقر أبو فخر،فان مدينتي الرها" أورفة" ونصيبين، تزدانان بالتراث السرياني، وبتاريخ عظيم للمدارس النسطورية واليعقوبية..ان تغيير معالم المدن وفقا للأكثرية، بعد ان يهجر أصحابها الأصليّون تحت ضغط المجازر، لهو أمر غير انساني.. ولو شئنا العودة الى تاريخ العراق القديم، أو حتى الحديث، لكان على السكان اعادة توزيعهم من جديد بحسب المناطق التي هجروا منها، ولكانت كثير من المدن العراقية قد تغيرت صورتها، وكان للمسيحيين الحق بالعودة الى مدنهم وقراهم التي هجروا منها. على أثر أحداث كنيسة سيدة النجاة، خرج مسؤول أمني نافخا صدره، معلنا انتهاء عملية الاقتحام للكنيسة وقتل جميع الارهابيين، وأن " هذا عمل يحسب للأجهزة الأمنية"، وعندما انجلت الأمور، تبين أن جميع القتلى تقريبا هم من المسيحيين الذين لجأوا الى الكنيسة وبضمنهم كاهن الكنيسة !! فهل هؤلاء هم الارهابيون الذين قضي عليهم؟؟
ان بناء ثقافة المواطنة، وأن العراق لكل العراقيين دون تمييز على أساس الدين أو العرق، لهو المخرج الوحيد من دوامة العنف الطائفي والاثني... وليتعلموا من الأمريكان كيف بنوا وطنا عظيما، لا أن يتعلموا منهم ثقافة" سجن أبو غريب" فقط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل من حل
ديمة كرادشة ( 2010 / 11 / 13 - 08:48 )
الكاتبة لفاضلة هل من حل لهذه القضية ؟ لا أظن لان الحلول ليس بأيدي المسيحيين الشرقيين الذين أرى أنهم لاحول ولاقوة ....وأي حل من الخارج سيدخل في متاهة التدخل في الشأن الداخلي ...وأي شأن داخلي هذا ونحن لا نقوى لى الكلام في ظل موجات التطرف والتعصب


2 - معك كل الحق
حنان بكير ( 2010 / 11 / 13 - 09:16 )
شكرا يا أخت ديمة، ومعك كل الحق، ولكننا نصرخ، علّ أمتنا تعي الى أي مهوار تسير.. ولا أعتقد أن التدخل الخارجي يفيد أيضا، اذا كان على الطريقة الامريكية في العراق، التي لم تستطع حماية المسيحيين، ولا اذا كان التدخل على الطريقة الفرنسية بقبول المسيحيين لاجئين فيها واعطائهم حق الاقامة.. انها فعلا دوامة، وسوف يضيع الجميع فيها. تحياتي


3 - سيدتي الكريمة
بشارة خليل ق ( 2010 / 11 / 13 - 12:11 )
شكرا صادقا لاهتمامك واحب ان افكر ان لبنان ليس في هذا الخطر كله الذي تصفين.
هنالك نية واضحة من اتباع الاسلام السياسي لاضطهاد المسيحيين واي واحد منا لاحظ هذا بوضوح انطلاقا من ثورة الخميني مع ان اغلب المضايقات ناتجة عن حسد لاوضاعنا الاقتصادية الاحسن على الغالب بسبب قلة الانجاب ومستوي التعليم الافضل وخروج النساء لعالم العمل اما ان يكون المشروع مؤسساتي فهذا من الصعب حصوله لاستحالة كونه استراتيجية دولة كامريكا ولسبب بسيط وهو ان كان المشروع جمهوري سيستغله الديمقراطيين للتشهير بغريمهم الجمهوري والعكس صحيح.في الواقع نحن بالفعل بين عدة تجاذبات طائفية ومذهبية وحضاراتية اقليمية ودولية والسبب هو التربية المبنية على العصبية القبلية المتمثلة بالانحياز المطلق لاتباع الدين والمذهب لابناء مجموعاتهم وهذا ينطبق على الجميع ,مع انه مبرر بشكل ما للاقليات ,وبغض النظر عن العدل والامانة. ليس هنالك حل سريع ,يجب اقتناع البالغين بتربية الاطفال على قيم العدالة والتسامح.مع خالص تحياتي


4 - تحاتي
حنان بكير ( 2010 / 11 / 13 - 12:37 )
الشكر موصول لك يا أخ بشارة.. لا أقول ان الوضع في لبنان يشبه الوضع في العراق، لكن المشروع الطائفي سوف ينتشر في أي بقعة يجد فيها مناخا مناسبا.. أما بالنسبة للمشروع الأمريكي للمنطقة، فنحن نأخذه من أفواه أصحابه، وأن الاختلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين، فان هناك ثوابت في السياسات الخارجية، مهما تغيرت الاحزاب الحاكمة، لسبب بسيط أن هذه دول ناضجة وليست هجينة مثل أنظمتنا العربية.أوافقك أن التربية منذ الصغر هي الأساس لبناء جيل واع، ولكن من الذي سوف يشرف على تربية هذا الجيل ؟
يبقى أن أقول بأن ما أكتبه هو مخاوف وليس تمنيا، لا قدر الله.. تحياتي


5 - المعيار يجب ان يكون الانتماء والاخلاص للوطن
علي سهيل ( 2010 / 11 / 13 - 19:17 )
التدخل العسكري الامريكي والغربي المباشر في الشرق الاوسط قوى الخطاب الاسلامي المتطرف والتفاف العامة حول هذا الخطاب، والخلط بين العرب المسيحيين والغرب الاستعماري لدى العامة واعتبار تناقص العرب المسيحيين هو انتصارا إلاهيا وتطهير الارض من الكفرة الملحدين المسيحيين، وتقوقع الفكر القومي واليساري ادى إلى هيمنة الفكر القومي الديني الاسلامي فاصبح معيار الانتماء والاخلاص ليس فقط للوطن ورقيه وتحريره بل للدين الاسلامي كهوية، فمن خلال هذه المعادلة الصعبة حاول المسيحين من خلال انتمائهم واخلاصهم وعطائهم الامحدود لوطنهم لصد بعض الاضطهاد عنهم وهم الحلقة الاضعف لكن االتطرف الديني ولتبرير قوته فميز في التعامل بين المسلم وغير المسلم، فاضطهاد المسيحيين اصبحت نتيجة حتمية ولم تشفع لهم تضحياتهم ولا قبور شهدائهم التي تمتدعلى جميع انحاء الوطن من اجل تحرير بلادهم من جميع انواع الاستعمار مثل الفرنجي والبريطاني والفرنسي، رجال الدين الاسلامي لهم الدور التثقيفي الهام لتوعية العامة بأهمية التنوع الثقافي والديني لاحباط المخطط الصهيوني بالمطالبة بدولة يهودية، والعرب المسيحين في هذه البلاد منذ الاقدم.


6 - مقال متّزن
عبد الجبار الدليمي - العراق ( 2010 / 11 / 14 - 18:56 )
مقال رائع ومتّزن. لو ان بيدك سلطة لحل مشكلات الشرق الاوسط لاستطعت حلّ كل النزاعات وانت تشربين فنجان قهوة سادة...


7 - الدولة المدنية هي البديل
حنان بكير ( 2010 / 11 / 14 - 19:39 )
الاحتكام الى الغرب الكولونيالي، هو المصيبة الكبرى كما في مثال العراق، وانا لم اميّز بين المشروعين الذين يضغطان على المنطقة، وان خلط القومية العربية والدين الاسلامي هو سبب كبير من اسباب الدوامة التي نمر بها، وقد فعلوا بالضبط كما فعل اليهود بجعلهم الدين والقومية وجهان لعملة واحدة، وذا الأمر الذي يشكو منه العرب.. تعليقك يحمل فهما للواقع، ولكني لا أدري أي رجال دين سوف يقودون التوعية والعلّة هي في رجال الدين، سيما تلك الحركات الأصولية المشبوهة النشأة والتمويل.. لا خلاص للمنطقة الاّ باقامة الدولة المدنية وبناء ثقافة المواطنة، وحرية الافراد وحرية الرأي، وهذا ما يخشاه أصحاب المصالح والسلطة
تحياتي


8 - لنحرر العقول أولا
حنان بكير ( 2010 / 11 / 14 - 19:45 )
شكرا للتعليق يا ابن العراق الحبيب، كما هو واضح من اسمك. لو كان الحل بأيدينا لوجدت كتائب الحوار المتمدن، كلها قد استلّت أقلامها وساهمت في تحرير العقول قبل تحرير الأرض. تحياتي

اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب